ماذا وراء المغازلة الدبلوماسية بين مصر وتركيا؟

الأحد 14 مارس 2021 07:28 ص

في الشهر الماضي، أعلنت مصر عن جولة استكشاف جديدة للنفط والغاز في شرق المتوسط، لكن المثير للانتباه أنها أخذت في الاعتبار إحداثيات الجرف القاري كما أعلنته أنقرة وفقا لاتفاقية 2019 بين تركيا وليبيا، والمسجلة من قبل الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهكذا فهمت أنقرة الخطوة المصرية كرسالة إيجابية.

ولم تكن هذه الرسالة الأولى من نوعها، فبالرغم من انتقاد وزارة الخارجية المصرية للاتفاقية بين تركيا وليبيا، فإنها أثارت الاندهاش خلال مؤتمر روما في ديسمبر/كانون الأول 2019 من خلال التأكيد على أن الاتفاقية "لا تضر بمصالح مصر" في شرق البحر المتوسط.

وعندما وقعت مصر اتفاقية ترسيم بحري مع اليونان في أغسطس/آب 2020، لاحظ الخبراء أن الاتفاقية أخذت في الاعتبار تحفظات تركيا على الحدود البحرية للجزر.

ووفقا لوزير خارجية تركيا، فإن الاتفاقية بين مصر واليونان دعمت الرأي التركي بأن الجزر لا تملك مجالات قارية ذات سيادة.

وظهر أن هناك تغييرا في سياسة مصر تجاه ليبيا ليبيا، مما قربها من أنقرة، فبعد أن وجدت مصر نفسها بمواجهة الحقائق الجديدة على أرض الواقع في ليبيا مع هزيمة الجنرال الليبي "خليفة حفتر"، اتخذت مصر عددا من الخطوات، مرسلة وفدًا دبلوماسيًا وأمنيًا رفيع المستوى إلى طرابلس ومعلنة عن خطط لإعادة فتح سفارتها للمرة الأولى منذ عام 2014.

ولم تمر هذه الرسائل دون ملاحظة في أنقرة.

وفي 3 مارس/آذار، شكر وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" احترام القاهرة للحدود البحرية لبلاده، وركز على المصالح المشتركة بين البلدين وأشار إلى استعداد تركيا للتفاوض والتوقيع على اتفاقية بحرية مع مصر.

بعد ذلك بـ3 أيام، شارك وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" في الحملة دبلوماسية تجاه مصر عندما أكد خلال التمارين التكتيكية "الوطن الأزرق 2021" بأن البلدين يتشاركان القيم التاريخية والثقافية، ملمحًا لإمكانية حدوث تطورات جديدة.

وأقر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالين" هذه التصريحات عندما أخبر وكالة "بلومبرج" بأنه "يمكن فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع مصر"، وبالتالي فإن حقيقة أن هذه الرسائل تأتي من أعلى المسؤولين في المؤسسة التركية تعكس جديتها.

تعزيز العلاقات

تم صياغة هذه الرسائل بعناية بين البلدين، ولا تأتي فقط استجابة لمصالحهما المشتركة، ولكن أيضا كاستجابة لتغيير الديناميات الدولية والإقليمية، في ظل اتجاه العديد من الدول الإقليمية، بما في ذلك مصر وتركيا، لإعادة معايرة سياساتها لاستيعاب الإدارة الأمريكية الجديدة.

وعلى المستوى الإقليمي، كانت مصر غير راضية عن نتائج قمة مجلس التعاون الخليجي الأخير، لأن حلفاءها المفترضين المتمثلين في السعودية والإمارات، لم يتعاونوا مع القاهرة ولم يضعوا مصالحها في الاعتبار عند الموافقة على المصالحة مع الدوحة.

وتسمح المصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجي لتركيا بتعزيز علاقاتها مع قطر والكويت وسلطنة عمان مع تهدئة التوترات مع السعودية، وإلى حد ما الإمارات.

وفي يناير/كانون الثاني، وجد المسؤولون المصريون أنفسهم يستمعون إلى مسؤولي الإمارات وهم يعبرون عن رغبة في تطبيع العلاقات مع تركيا والبناء على مصالحهم الاقتصادية المتبادلة، في الوقت الذي كانت فيه مصر على شفا تصادم مع تركيا في ليبيا نتيجة للضغط الإماراتي.

وبالتوازي مع ذلك، أقامت اليونان وتركيا محادثاتهما المباشرة الأولى منذ 5 سنوات بخصوص المواجهة في شرق البحر المتوسط، في حين كانت الأمم المتحدة تجهز لعقد اجتماع لاختبار ما إذا كان الحل ممكنًا لمشكلة قبرص.

وفي ظل هذه الظروف، أدركت القاهرة أنه لن يكون من مصلحتها أن تظل معادية لتركيا بينما شركاؤها في الخليج وشرق المتوسط -وهم الإمارات والسعودية واليونان وإسرائيل وحتى فرنسا- يقومون بتهدئة التصعيد مع أنقرة. 

وقد يفسر ذلك تكثيف الدبلوماسية بين مصر وتركيا مؤخرا.

الحدود البحرية

من جانبها، كانت إسرائيل حذرة بشأن انتقاد موقف تركيا في شرق البحر المتوسط، حيث تعتمد تل أبيب على مشروع خط أنابيب "إيستميد" لتصدير الغاز إلى أوروبا.

ولكن بالنظر إلى أن خط الأنابيب قد لا يتحقق أبدا بسبب طوله المفرط (1900 كيلومتر)، والتكلفة (حوالي 7 مليارات دولار) والطريق عبر مناطق ترى تركيا أنها تابعة لها، فمن المرجح أن تحافظ إسرائيل على خياراتها مفتوحة مع تركيا، لأنها ستكون الطريق البديل الوحيد.

ولدى مصر قضية مماثلة مع تركيا بالنسبة لتعيين الحدود البحرية، فقد فضل المسؤولون في وزارة الخارجية والمخابرات في مصر صفقة بحرية مع تركيا بدلا من اليونان، حيث ستمنح مثل هذه الصفقة مصر منطقة بحرية أكبر بكثير.

لكن الرئاسة المصرية وافقت على اتفاقية مع أثينا لتأمين بعض المكاسب السياسية، في حين لم تغلق الباب أمام تركيا، خاصة بعد الاتفاقيات الإماراتية الإسرائيلية، التي أضرت بمصالح مصر السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

ومع إدراك تركيا لهذه الحقائق والحسابات الجيوسياسية، غازلت أنقرة القاهرة بناء على مصالحهما المشتركة في شرق البحر المتوسط ​​وليبيا. 

وتستند رسائل أنقرة المصممة بعناية إلى صيغة مربحة للجانبين وحقيقة أن التعاون مع تركيا في مصلحة القاهرة.

والواقع أن أنقرة دأبت على عرض العديد من الإغراءات على القاهرة في فترة ما قبل الوباء، فزادت من حجم التجارة الثنائية والاستثمارات وواردات الغاز، كما بدا أن علاقاتهما الاقتصادية محصنة من التقلبات السياسية، حيث ارتفعت خلال السنوات القليلة الماضية وعبرت عتبة 5 مليارات دولار للمرة الأولى في عام 2018.

ويمكن أن يعزز الاستقرار في ليبيا هذا التعاون بين البلدين إلى مستويات غير مسبوقة إذا عملت تركيا ومصر معا لإعادة بناء ليبيا.

تعاون مفيد للطرفين

من الناحية السياسية، فإن لدى تركيا مصلحة حيوية في إبعاد مصر عن كونها رهينة لدول أخرى ترغب في استخدامها كدرع في معاركها مع تركيا، مثلما قد تفعل الإمارات واليونان.

ومع ذلك، فإن تبادل الرسائل الإيجابية بين مصر وتركيا لا يعني أن التقارب المحتمل لن يواجه تحديات، ولكن يعني أن لدى البلدين رغبة في أن لا تكون الخلافات حول مواضيع معينة مانعا من العمل معا على المصالح المشتركة. وبالتأكيد هناك مفسدون يفضلون رؤية تركيا ومصر تشتبكان من أجل الحفاظ على نفوذهم.

وهناك أيضا مسألة ما إذا كانت رسائل مصر حقيقية أم لا، بالنظر إلى أنها تختلف عن أنقرة في كونها كانت تفضل سابقا العمل وراء الكواليس.

فإما تريد مصر أن تستخدم أنقرة لتسجيل مكاسب تكتيكية لاستعادة قيمة القاهرة في نظر شركائها (الإمارات واليونان وإسرائيل) أو تهدف إلى إنشاء توازن دقيق، والحفاظ على خياراتها مفتوحة مع تركيا من أجل تأمين الحد الأقصى من المكاسب من جميع اللاعبين.

ويمكن أن يفسر ذلك سبب إرسال القاهرة رسائل مختلطة أو متضاربة أحيانا، حيث تريد مصر الانفتاح على تركيا دون أن تفقد دعم الآخرين، وفي كلتا الحالتين، فإن التواصل مع تركيا يخدم أجندة مصر.

المصدر | علي باكير - ميدل ايست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا مصر دبلوماسية العلاقات المصرية التركية شرق المتوسط ترسيم الحدود

منتدى الصداقة وتركيا.. مصالح مصرية خليجية وتحرشات إقليمية

رسائل الغزل بين مصر وتركيا.. تفاهمات محتملة بلغة المصالح

خلوصي أكار: نرغب في علاقات جيدة مع مصر واليونان

وفد من المعارضة التركية يتوجه إلى مصر خلال الأسابيع المقبلة

6 سنوات من قمة اليخت السرية.. كيف غيرت الانقسامات خريطة التحالفات؟

أقطاي: التقارب التركي مع مصر لا يعني التوافق في كل القضايا

مصر ترسل 7 شحنات غاز مسال إلى تركيا خلال 3 أشهر

تركيا: مصر شريك موثوق في مجال أمن الطاقة