تحولات سياسة قطر الخارجية بعد 3 أشهر من اتفاق العلا

الجمعة 16 أبريل 2021 05:33 ص

بعد 3 أشهر من اتفاق المصالحة الخليجية بقمة العلا في يناير/كانون الثاني، يبدو أن قطر اكتسبت نفوذا جديدا في المنطقة. ومن خلال تعزيز تعاون أكبر مع جيرانها والحصول على دعم مجلس التعاون الخليجي، تهدف قطر إلى إبراز نفسها كممثل إقليمي مسؤول، ووسيط محايد في النزاعات الإقليمية، ومركز شرق أوسطي للتمويل والرياضة الدولية والإعلام والسياحة، على غرار الإمارات.

وتتسم العلاقات الإقليمية والسياسات الخارجية لدولة قطر باستراتيجيات التحوط والتوازن في بناء التحالفات مع القوى الإقليمية والعظمى. وقد أقامت قطر علاقات مع دول مثل إيران وتركيا، خاصة منذ حصار 2017، وهي سياسة أحبطت السعودية والإمارات والبحرين. وفي الوقت الذي تمضي فيه الدوحة قدما في هذه الاستراتيجيات، فإنها تسعى أيضا إلى تهدئة بعض إحباطات جيرانها.

وبمرور الوقت، تتكشف أدلة على حدوث تغييرات في العلاقات الإقليمية والسياسة الخارجية لدولة قطر. وبشكل عام، يبدو أن الاتفاقية ساعدت في تخفيف بعض التوترات الإقليمية وأسهمت في تدشين حوار أوسع داخل مجلس التعاون الخليجي. ويبدو أن روح التعاون قد تمتد إلى النقاط المثارة داخل مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك التوترات بين تركيا وكل من السعودية والإمارات، ولكن من المرجح أن تظل قطر حذرة في المضي قدما، فيما لا تزال نقاط الخلاف الرئيسية بين دول المجلس باقية.

سياق إقليمي جديد

وكان أحد الأسباب الرئيسية للتعاون والالتزام المتزايدين مؤخرا وكبح النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط هو التغيير في الإدارة الأمريكية. ونظرا لعدم معالجة العديد من أسباب التوتر، يرى بعض الخبراء أن إشارات التضامن الخليجي، الموصوفة في اتفاقية العلا، ستكون مؤقتة فقط بسبب التنافس والصراع الإقليمي الكبير. ومنذ توقيع الاتفاقية، وبشكل أكثر تحديدا، منذ أن أدت إدارة الرئيس "جو بايدن" اليمين في 20 يناير، يبدو أن دول الخليج والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا، منفتحة على مزيد من الحوار لحل النزاعات الإقليمية.

ولا يتجلى هذا التوجه الجديد في الخطاب الدبلوماسي فقط، ولكن هناك تحولا ملحوظا في الديناميكيات الإقليمية عن تلك التي كانت في عهد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، الذي اتسم بسياسة خارجية عدوانية. ومنذ ذلك الحين، تم إحراز تقدم في رأب الصدع الخليجي، مع عقد اجتماعات رفيعة المستوى بين قطر وكل من السعودية والإمارات ومصر بشكل منفصل.

إضافة إلى ذلك، حظيت حكومة الوحدة في ليبيا بالموافقة، وهو إنجاز صعب في صراع تميز بالتدخل الأجنبي وحرب الوكالة التي شاركت فيها تركيا وقطر والإمارات ومصر وروسيا. وفضلا عن ذلك، اجتمعت تركيا واليونان لإجراء محادثات بشأن النزاعات البحرية في شرق البحر المتوسط.

ويبدو أن هناك علامات أولية على تعاون أكبر بين تركيا والمنافسين الاستراتيجيين مثل السعودية والإمارات. كما تعمل القوى الإقليمية والدولية على زيادة جهودها لحل النزاعات في اليمن. ويبدو السياق الإقليمي الحالي أكثر تركيزا على حل النزاعات، ولكن الوقت وحده هو الذي سيحدد إلى أي مدى ستستمر روح التعاون هذه.

  • تقوية العلاقات مع تركيا وإيران

وخلال حصار قطر الذي دام قرابة 4 أعوام، طورت الدوحة علاقات أقوى مع طهران وأنقرة، ومن المرجح أن تظل هذه العلاقات عنصرا رئيسيا في سياسة قطر الخارجية. وتأتي العلاقات مع هاتين القوتين الإقليميتين في جزء منها نتيجة لاحتياج قطر إلى التحوط في علاقاتها مع بعض جيرانها الخليجيين ومنافسيهم. وتحتاج قطر إلى دعم إقليمي في حال تكررت حادثة أخرى مثل حصار 2017، وهو احتمال قائم بالنظر إلى تاريخ الانقسامات الخليجية.

وتوسع التعاون الدفاعي والتجارة بين قطر وتركيا منذ الحصار. ولا تزال قطر تستفيد من وجود الولايات المتحدة في قاعدة العُديد الجوية، أكبر موقع عسكري أمريكي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تم الانتهاء من إنشاء قاعدة جوية تركية بسعة 5 آلاف جندي في قطر عام 2019.

وبينما تستفيد قطر من الدعم الأمني ​​التركي، تستفيد تركيا من الدعم المالي القطري. ووسط مشاكل تركيا المالية في عام 2018، وعدت قطر بحزمة استثمارية بقيمة 15 مليار دولار لدعم البنوك التركية والسوق المالية.

وفي عام 2020، حصل جهاز قطر للاستثمار على 10% من الأسهم في بورصة إسطنبول و42% من أسهم "أستينيا بارك"، الذي يعد أكبر مراكز التسوق بإسطنبول. وتعد قطر الآن واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في تركيا. إضافة إلى ذلك، قفزت التجارة الثنائية بين قطر وتركيا بنسبة 85% من 1.3 مليار دولار في 2017 إلى 2.4 مليار دولار في 2018.

علاوة على ذلك، التقت مصالح البلدين لبعض الوقت ضد الخصوم المشتركين، لا سيما السعودية والإمارات، إضافة إلى بعض المصالح الأيديولوجية المشتركة في دعم الجهات الفاعلة والحكومات المرتبطة بالإسلاميين بدرجات متفاوتة منذ احتجاجات الربيع العربي عام 2011.

وفي حين أن حصار 2017 كان يهدف جزئيا إلى التعبير عن عدم الرضا عن علاقات قطر مع إيران، فقد دفع بدلا من ذلك الدوحة وطهران إلى التقارب. وأرسلت إيران شحنات غذائية إلى قطر بعد فرض الحصار، وأعادت قطر العلاقات رسميا مع إيران بعد فترة وجيزة من بدء الحصار. وكانت الدوحة قد استدعت سفيرها من إيران عام 2016 ردا على الهجمات على السفارة السعودية في طهران.

وزادت صادرات إيران إلى قطر من 60 مليون دولار في العام المالي 2016-2017 إلى 250 مليون دولار في 2017-2018. واستخدمت الخطوط الجوية القطرية الأجواء الإيرانية لمواصلة عملياتها. علاوة على ذلك، تشترك قطر وإيران في أكبر حقل غاز في العالم؛ حيث وعدت قطر بتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40% سنويا بحلول عام 2026.

ومن المرجح أن تستمر العلاقات مع إيران كعنصر رئيسي في سياسة قطر الخارجية المتمثلة في الموازنة بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الرئيسية.

  • الاتصالات الدبلوماسية الأحدث

وبالرغم من اهتمام قطر بالحفاظ على علاقات وثيقة مع إيران وتركيا، فهناك مؤشرات على دفء العلاقات بين قطر وجيرانها الخليجيين وكذلك مصر. وبعد أن أصدرت الولايات المتحدة تقريرا استخباراتيا عن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، أعربت الإمارات والبحرين وقطر عن دعمها لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" المتورط في مقتل الصحفي السعودي.

وبعد مكالمة هاتفية أواخر فبراير/شباط بين "بن سلمان" وأمير قطر "تميم بن حمد"، أعلن مكتب الأمير أنه "أعاد تأكيد دعم بلاده الثابت لحكومة وشعب السعودية وكل ما من شأنه تعزيز أمن واستقرار وسيادة المملكة، واعتبار استقرارها جزءا لا يتجزأ من استقرار قطر ومنظومة مجلس التعاون الخليجي".

وفي مارس/آذار، زار وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان" الدوحة واجتمع مع أمير قطر لمناقشة تعميق العلاقات الثنائية. وبعد أسبوعين من هذا الاجتماع، أجرى "تميم" و"بن سلمان" محادثة هاتفية حول تغير المناخ وزيادة التعاون البيئي. وحسب التقارير الإخبارية، فقد ناقشا مبادراتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر".

كما أن الاتصالات رفيعة المستوى بين قطر ومصر آخذة في الارتفاع أيضا. وبعد فترة وجيزة من توقيع اتفاقية العلا، حضر وزير المالية القطري "علي شريف العمادي" افتتاح فندق "سانت ريجيس" في القاهرة، وهو مشروع تموله شركة "ديار" القطرية العقارية. وكان الافتتاح قد تأجل أثناء الحصار، بالرغم من بقاء الاستثمارات القطرية الأخرى في مصر كما هي. وكان هذا الافتتاح الفندقي البارز، بما في ذلك حضور وزير المالية القطري، بمثابة إشارة مهمة لإمكانية تعزيز العلاقات الاقتصادية بين قطر ومصر.

وفي فبراير/شباط، عُقد أول اجتماع رسمي بين الوفدين القطري والمصري، بالإضافة إلى محادثات ثنائية منفصلة بين دولة قطر والإمارات، في الكويت. وركزت الاجتماعات على إجراءات بناء الثقة وسبل تحسين العلاقات الثنائية. وفي مارس/آذار، التقى وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن" بنظيره المصري "سامح شكري" في القاهرة خلال اجتماع لجامعة الدول العربية. ووردت تفاصيل قليلة في البيانات الرسمية والمؤتمرات الصحفية، لكن وزير الخارجية القطري قال: "نحن في قطر والأشقاء في مصر ننظر إلى الأمور بإيجابية ونسعى إلى عودة العلاقات الحميمة".

وفي الآونة الأخيرة، اتصل أمير قطر بالرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" للتعبير عن التهاني بشهر رمضان، وهو أول اتصال بين الزعيمين منذ توقيع اتفاق العلا.

  • نقاط الاحتكاك الهامة

ولم تُعقد حتى الآن اجتماعات رفيعة المستوى بين قطر والبحرين. وبحسب ما ورد، زار وفد من وزارة الخارجية البحرينية الدوحة في فبراير/شباط حاملا رسالة حول بدء محادثات رسمية. ومع ذلك، يبدو أن التوترات مستمرة بين الدوحة والمنامة وقد تجلى ذلك في تغطية قناة "الجزيرة".

وقال تقرير لـ"أراب ويكلي" إن الخط التحريري كان أقل انتقادا فيما يتعلق بتغطية الجزيرة للسعودية منذ يناير، لكنه أشار أيضا إلى أن جزءا كبيرا من التغطية الأخرى لدول الخليج لم تتغير وأن حربا إعلامية جديدة تتكشف حاليا بين قطر والبحرين.

ولطالما كانت الروايات الإعلامية من شبكات "الجزيرة" القطرية، و"العربية" السعودية، و"سكاي نيوز" الممولة من الإمارات، وشبكات تليفزيونية أخرى داخل دول الخليج نقطة خلاف في العلاقات الخليجية، ومن المرجح أن يستمر هذا الأمر في توليد درجات من الخلاف.

وكان إغلاق قناة "الجزيرة" أحد المطالب الرئيسية لدول الحصار. ومن المرجح أن تظل الحروب والمعارك الإعلامية حول تغطية "الجزيرة" ونفوذها بمثابة نقطة خلاف رئيسية في المستقبل المنظور بالرغم من هذه الفترة من التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي.

كما تدعو اتفاقية العلا إلى تكامل اقتصادي أكبر وتنسيق أفضل بشأن السياسات الأمنية والخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي. وبحسب الإعلان، يلتزم الموقعون بـ"مواصلة التكامل الاقتصادي، وتنفيذ أنظمة دفاع وأمن مشتركة، وسياسة خارجية موحدة للدول الأعضاء". وقد تواجه الدول الأعضاء الأكثر استقلالية مثل قطر وعُمان والكويت صعوبة في مواءمة سياساتها الخارجية مع السعودية؛نظرا لاختلافها تاريخيا حول قضايا رئيسية مثل طبيعة علاقاتها مع إيران.

ولا تزال التوترات قائمة بين قطر والإمارات بشأن علاقات الدوحة بجماعة الإخوان المسلمين والجهات الإسلامية الفاعلة الأخرى في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك بشأن المنافسة بالوكالة في ساحات الصراع مثل ليبيا والصومال وكذلك مناطق مثل القرن الأفريقي وشمال أفريقيا. ومن المرجح أن يستمر التنافس بين الإمارات وتركيا في كونه نقطة احتكاك أخرى بين الإمارات وقطر التي تعتبر حليفا إقليميا مهما لتركيا.

وبشكل عام، قد لا تتغير العلاقات الإقليمية والسياسة الخارجية لدولة قطر بشكل كبير نتيجة لاتفاقية العلا. ومن المرجح أن تواصل الدوحة السعي إلى الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة والانخراط في لعبة التوازن الإقليمي لتأمين أولوياتها الاستراتيجية، بينما تسعى جاهدة أيضا إلى تنفيذ الاتفاقية، كوسيلة لتخفيف الاحتكاكات مع جيرانها. ويبدو أن الاتفاقية خففت بالفعل من التوترات، لكنها تركت العديد من الأسئلة دون إجابة والعديد من نقاط الخلاف دون حل.

المصدر | أنا جاكوبس/معهد دول الخليج في واشنطن ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاقية العلا قمة العلا مجلس التعاون الخليجي العلاقات القطرية السعودية الأزمة الخليجية حصار قطر

قطر والبحرين بعد قمة العلا.. توتر مستمر ينتظر مصالحة هشة

متفوقا على أسماء بارزة.. أمير قطر أكثر شخصية إسلامية تأثيرا في 2022