حماة النيل.. رسائل مناورات اللحظة الأخيرة بين مصر والسودان

الأحد 23 مايو 2021 12:03 م

وسط ترقب إقليمي ودولي، تجرى المناورات العسكرية الجديدة بين مصر والسودان، تحت اسم "حماة النيل"، في خضم توتر كبير مع إثيوبيا حول "سد النهضة".

وتكتسب تلك المناورات أهمية كبيرة، سياسيا وعسكريا، مع إصرار الجانب الإثيوبي، على بدء المرحلة الثانية من تعبئة السد، في يوليو/تموز المقبل.

وتستمر المناورات الجديدة في الفترة بين 26 وحتى 31 مايو/أيار الجاري، بمشاركة قوات برية وجوية وبحرية من الجانبين، بقاعدة الخرطوم الجوية.

ووفق بيان صادر عن الجيش السوداني، فإن المشروع التدريبي المشترك من المقرر أن تشارك به عناصر من كافة التخصصات بالجيشين، بهدف تبادل الخبرات العسكرية وتعزيز التعاون وتوحيد أساليب العمل للتصدي للتهديدات المتوقعة للبلدين.

تغير لافت

لا تعد المناورات الجديدة، هي الأولى من نوعها، حيث سبقها مناورات "نسور النيل 1" التي امتدت لنحو أسبوع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وفي 5 أبريل/نيسان الماضي، اختتمت المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين المصري والسوداني "نسور النيل 2" والتي استمرت لأيام في قاعدة مروي شمال السودان.

اللافت أن المناورات الجديدة، لم تحمل شعار "نسور النيل 3"، وجرى تغيير اسمها إلى "حماة النيل" في دلالة لا تخطئها العين، بالنظر إلى إصرار دولتي المصب على حماية حصتهما المائية في نهر النيل.

ويحمل الترويج المصري، لاتساع مجال المناورات ليشمل القوات البرية، إشارة إلى إمكانية مشاركة قوات مصرية في مهام تأمين حدود السودان، بالتزامن مع تردد أنباء عن حشد عسكري إثيوبي قرب الحدود السودانية.

ويجري الجيش السوداني خلال مايو/أيار الجاري، 3 مناورات عسكرية مختلطة، اثنتين منها بين القوات السودانية والقوات المصرية، وواحدة بين القوات السودانية والقوات القطرية.

ويتزامن توقيت المناورة مع قرب بدء عملية الملء الثاني للسد، التي ستبدأ الشهر المقبل، وسط تأكيدات من الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، بأن قضية سد النهضة وجودية بالنسبة لمصر، التي لن تقبل الإضرار بمصالحها المائية أو المساس بمقدرات شعبها.

وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات، قال "السيسي"، في 30 مارس/آذار الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".

حجم المناورات

على غير العادة كما جرى في المناورتين السابقتين، جرى تداول صور تظهر وصول أرتال من القوات المصرية ومعها عدد كبير من المعدات عبر ميناء بورسودان ومطار الخرطوم الدولي.

وتشارك في "حماة النيل" القوات الجوية عبر أسراب مقاتلة وطائرات استطلاع ونقل، وقوات برية ممثلة في قوات سلاح المظلات (الصاعقة) إضافة إلى قوات الدفاع الجوي، وسلاح البحرية، دون إعلان رسمي عن عدد القوات المشاركة من الجانبين، والأسلحة المشاركة في المناورات.

ويحمل وصول أرتال من القوات البرية والمركبات والمدرعات المصرية بحراً، مؤشرا على ضخامة عدد القوات وأن عملية النقل تم الاستعداد لها مبكرا، مقارنة بالنقل الجوي الذي يكون عادةً أقل قدرة على استيعاب كميات كبيرة  من الأسلحة والأفراد.

وربما تحمل ضخامة المناورات، ما يفيد بنية الجانبين المصري والسوداني وضع سيناريوهات جدية للتعامل مع أزمة السد، وتأكيد مستوى الجاهزية والاستعداد للقوات المشتركة، والتي قد تبقى قريبة من مجريات الأحداث، حتى إشعار آخر.

ويقول نائب رئيس أركان الجيش السوداني، الفريق "عبدالله البشير"، في تصريحات بثتها فضائية "الحدث"، إن "القوات المشتركة ليست بالقليلة، وهذا التمرين له ما بعده؛ فهو امتداد لعدة تمرينات مختلطة مع مصر".

وتدار "حماة النيل" بواسطة غرفة قيادة مشتركة من قوات البلدين، وسط تغطية إعلامية مكثفة، تحمل رسائل عدة لإثيوبيا، أبرزها أن الخيار العسكري وارد، وأن الموقف المصري والسوداني موحد بشأن الدفاع عن مصالحهما، فضلا عن تعزيز التنسيق المحكم للدفاع عن المصالح الحيوية الاستراتيجية للبلدين.

وليس من المستبعد أن يكون توافد القوات البرية المصرية بمركباتها ومدرعاتها، لحماية السودان من أي رد فعل إثيوبي، في حال توجيه القوات الجوية المصرية ضربة عسكرية لسد النهضة.

تصريحات "شكري"

وتثير تصريحات وزير الخارجية المصري "سامح شكري" الضبابية حول الرد المصري المتوقع مستقبلا بشأن سد النهضة، بعد أن صرح قبل أيام، بأن الملء الثاني يمكن ألا يكون له تأثير على مصر من خلال عملية إعادة تنظيم مواردها المائية، وهو التصريح الذي قابلته أديس أبابا بالترحيب.

والأسبوع الجاري، عاد "شكري" لتوضيح تصريحاته التي أثارت غضب الشارع المصري، مؤكدا أن مصر لديها تصور دقيق لما ستفعله، ولكنه اعتبر أنه من غير الملاءم الحديث عن هذه الخيارات علنا، في ما اعتبر تهديدا مبطنا لأديس أبابا.

البعض يرى أن تصريحات "شكري" للخداع والتمويه، ربما استعدادا لتحرك ما، وآخرون يعتبرون الأمر تخبطا دبلوماسيا وسياسيا، وأن القاهرة في مأزق، وتحاول فقط التلويح بالقوة كورقة للضغط على إثيوبيا لتأجيل الملء الثاني، ودفع عواصم غربية لإجبارها على توقيع اتفاق ملزم حول ملء وتشغيل وإدارة السد.

وتشمل السيناريوهات المتداولة، كذلك، حدوث تصعيد مصري سوداني قد يشمل دعماً للقوى المتمردة في إثيوبيا، أو مناوشات حدودية، أو قصف جوي للسد، أو حرب شاملة في أسوأ الأحوال، أو الاكتفاء بهذه المناورات دون عمل ميداني.

دور أمريكي

ووفق مصادر دبلوماسية مصرية، فإن مصر تأمل دورا أمريكيا فاعلا في أزمة السد، وتعول على زيارة وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن"، بعد أيام، إلى القاهرة، لبحث الملف، بعد الدور المصري في إعلان وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وترى المصادر، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن مصر تركز في المرحلة الحالية على استغلال ما تحقق في أزمة غزة، للتقارب مع الإدارة الأمريكية، وتوظيف ذلك في قضية السد، ودفع واشنطن للضغط على إثيوبيا للاستمرار في المفاوضات برعاية دولية وتوقيع اتفاق ملزم ونهائي.

ومع ضعف الدور الأفريقي في الأزمة، وغياب الضغط الخليجي على أديس أبابا، وانحياز الموقفين الروسي والصيني إلى إثيوبيا، تبدو حاجة مصر ملحة إلى دور أمريكي فاعل، يساند موقف القاهرة والخرطوم، ويأخذ بعين الاعتبار حساسية الوضع، حال تدهورت الأمور في المنطقة.

بمعنى آخر، فإن "حماة النيل" تحمل رسالة لكل الأطراف، تفيد باستعداد القاهرة والخرطوم لمواجهة التهديدات الأمنية التي تواجه أو تهدد الأمن القومي للبلدين. ولكن في النهاية، قد تكتفي المناورات الجديدة فقط بإبراق الرسائل على أمل تحريك الماء الراكد، وقد تكون نقطة انطلاق وتنسيق لتحرك مشترك يعيد ضبط دفة الأمور في قضية سد النهضة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حماة النيل سد النهضة مصر والسودان إثيوبيا مناورات عسكرية مصر السودان

بمشاركة قوات الصاعقة.. مصر والسودان ينفذان مناورة "نسور النيل-2"

إثيوبيا ترد على مناورات حماة النيل: لدينا جيش قوي

انطلاق مناورات حماة النيل بين الجيشين المصري والسوداني

الجيش السوداني: مناورة حماة النيل تهدف لردع المتربصين والأعداء