فورين أفيرز: إيران تفضل تنازلات الاتفاق النووي عن الاعتماد على روسيا والصين

الخميس 27 مايو 2021 12:28 ص

انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار 2018، وبدأت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في إعادة فرض العقوبات. في المقابل، فإن إيران لم تبطل الاتفاق وإنما حاولت استعادته من خلال زيادة الضغط بشكل مباشر على واشنطن وبشكل غير مباشر من خلال الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.

وقد يتساءل البعض لماذا تتمسك إيران بالاتفاق النووي بالرغم من كل ما جرى؟ والإجابة بسيطة؛ لأنه على المدى الطويل، ستكسب طهران الكثير من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية دون أن تخسر الكثير تكتيكيًا.

وأعلنت إيران مرارا وتكرارا أنها لن تقدم تنازلات بشأن الاتفاق النووي الذي أبرمته وطالبت بتنفيذه كلمة بكلمة. لكن من الناحية العملية، أظهرت الجمهورية الإسلامية بالفعل قدرًا كبيرًا من المرونة.

وأشار عضو بارز في البرلمان الإيراني، بإيعاز من المرشد الأعلى "علي خامنئي"، إلى أن المفاوضات في فيينا ستؤدي إلى "اتفاق جديد وملزم". وبالتالي فإن الباب الدبلوماسي مفتوح أمام الولايات المتحدة وإيران للتوصل إلى اتفاق أكثر قوة من شأنه أن يتغلب على تغير الإدارات في كلا البلدين.

كان الاتفاق النووي الإيراني بمثابة وسيلة للقضاء على طموحات طهران النووية، وربما بدت شروطه مقيدة في عام 2015 لكن الظروف تغيرت، واليوم ستكسب إيران أكثر بكثير مما قد تخسره من الالتزام بقيود الاتفاق أو حتى الموافقة على التعديلات.

قلة الخسائر النووية والعسكرية

بادئ ذي بدء، طورت إيران برنامجها النووي بشكل كبير، فقد أدى انسحاب واشنطن من الاتفاق إلى إعطاء الحرية لإيران للسعي وراء مستويات أعلى من تخصيب اليورانيوم. وخرقت طهران حد مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب في يوليو/تموز 2019، وأوقفت الامتثال لحدود التخصيب تمامًا في يناير/كانون الثاني 2020. ووصلت إيران الآن إلى نسبة تخصيب 63% (لا تزال أقل من الـ 90% اللازمة لصنع القنبلة النووية التي تزعم إيران أنها لا تسعى لامتلاكها).

من خلال مواصلة التخصيب، أثبتت إيران لنفسها وللعالم أنها قادرة على التغلب على الضربات ضد منشآتها النووية واغتيالات علمائها، وأنه بمجرد انتهاء مدة أي اتفاق، ستكون قادرة على تحقيق اختراق والمضي قدمًا في اختبار سلاح نووي، اعتمادًا على احتياجاتها الاستراتيجية والجيوسياسية في ذلك الوقت.

وهكذا، لم يعد الاتفاق الدولي يشكل عقبة مطلقة أمام المسعى النووي الإيراني الذي بدأ في عهد الشاه الأخير واستمر في ظل الجمهورية الإسلامية.

كما أن الاتفاق لا يمثل عائقًا كبيرًا أمام القدرات التقليدية لإيران، حيث انتهى حظر الأسلحة التقليدية التابع للاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وسينتهي حظر الصواريخ الباليستية في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولن تخسر إيران الكثير من قدراتها العسكرية التقليدية عند العودة إلى الامتثال الكامل لما تبقى من هذه الجداول الزمنية أو حتى لمدد أطول. ومن المرجح أن حسابات إيران تشير إلى أن استئناف التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لن يكلف برامجها العسكرية سوى القليل.

أهمية الاستقلال الاقتصادي

من ناحية أخرى، فإن إلغاء العقوبات سيعود بالفائدة الكبيرة على البلاد اقتصاديًا وجيوسياسيًا، فقد دفعت الضغوط المالية الأمريكية إيران للاعتماد على مجموعة محدودة من الشركاء التجاريين.

وبحلول عام 2019، كانت الصين قد استحوذت على 48.3% من صادرات إيران و 27.5% من واردات البلاد. وطالما استمرت العقوبات المفروضة على إيران والعقوبات الثانوية المفروضة على شركائها التجاريين، فسوف تظل طهران هشة اقتصاديًا مما يضطرها لمواصلة الاعتماد على تلك الدول القادرة على خرق إرادة واشنطن.

وقد عانى الإيرانيون من العواقب السلبية لمثل هذا الاعتماد من قبل، ففي القرنين الـ19 و20 اعتمدت إيران بشكل متفاوت على روسيا والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

والآن، تخشى دوائر الصناعات المحلية من تداعيات الاعتماد على أطراف بعينها بما في ذلك الصين لذلك عارضت الشراكة الاستراتيجية الشاملة الممتدة لـ25 عامًا والتي أعلنتها طهران وبكين في مارس/آذار، بالرغم أنها تجتذب استثمارات بقيمة 400 مليار دولار.

وأدرك الإيرانيون أن رفع العقوبات (خاصة القيود المصرفية) من خلال استعادة الاتفاق النووي أمر مهم لإعادة تعزيز الاستقلال الاقتصادي لبلدهم.

مخاوف من روسيا والصين

خلال فترة الضغط المتزايد من واشنطن، لم يكن أمام طهران ملاذ سوى السعي للحصول على حماية دبلوماسية ودفاعية من القوى العظمى الأخرى، وبرزت روسيا كضامن أمني أساسي ومتعاون عسكري ومورّد للعتاد، كما وسعت الصين بسرعة تعاونها في تلك القطاعات.

وقد مارست كل من روسيا والصين حق الفيتو في مجلس الأمن لحماية إيران من القرارات الأمريكية. وفي الآونة الأخيرة، عارضت موسكو وبكين علنا ​​إصرار واشنطن على أن تقبل إيران تعديلات الاتفاق النووي كشرط لإعادة دخول الولايات المتحدة في الاتفاق.

ومع ذلك، فإن تاريخ الاستغلال الاستعماري الذي تعرضت له إيران، يجعل الدولة تنظر بريبة شديدة لأي اعتماد على الجهات الفاعلة الدولية في الشؤون الدولية والوطنية.

وتوجد أسباب وجيهة للحذر لدى المسؤولين الإيرانيين، مثل محاولة سرية مزعومة قامت بها روسيا في عام 2015 لوقف الاتفاق النووي من خلال استغلال الصراعات داخل الطبقة الحاكمة الإيرانية. كما أنه من خلال شراكة إيران والصين المعلنة مؤخرا، تسعى بكين إلى الحصول على وصول عسكري وقدرات المراقبة والسيطرة على الموانئ والمطارات الإيرانية.

وبالتالي، فإن إحياء الصفقة النووية سيخفف قبضة هاتين القوتين على طهران، وسيصبح النظام السياسي الإيراني أقل قابلية للضغوط أجنبية وأكثر قدرة علي حماية الاستقلال الجيوسياسي للبلاد.

إمكانية التوصل لاتفاقية أفضل

تجتمع هذه الأسباب لتجعل إيران تنخرط في محادثات فيينا، بالرغم من إصرار الرئيس الإيراني "حسن روحاني" على زن الولايات المتحدة هي التي خرقت الاتفاق وبالتالي يتوجب عليها رفع جميع العقوبات واتخاذ خطوات عملية من أجل إحياء الاتفاق.

أما بالنسبة لخروقات إيران لحدود التخصيب، فقد أكد وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" أن "تدابيرنا يمكن التراجع عنها بالكامل عندما يقوم الجميع بالامتثال الكامل". ومن الواضح أن طهران مستعدة للعمل مع واشنطن مرة أخرى، كما فعلت بين عامي 2015 و2018 بموجب الاتفاق النووي.

من جانبهم، يسعى صناع السياسة الأمريكيون إلى أكثر من مجرد عودة إلى الوضع في عام 2015، ويستمع إليهم قادة إيران رغم العداء الدبلوماسي الذي يظهرونه.

ففي خطاب "خامنئي" الوطني السنوي في 21 مارس/آذار، أشار إلى أن إيران قد تكون منفتحة على تعديل الاتفاق، طالما أن التغييرات "لصالح إيران"، كما يحث المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة يوميا تقريبا على رفع العقوبات وأعلنوا استعداد بلادهم للعودة إلى الامتثال في مقابل ذلك، حتى إنهم يروجون للتنازلات المحتملة على أنها مكاسب (في محاولة للتحوط والتمهيد لأي تنازلات يقدمونها) حيث قال "روحاني": "ستنتهي محادثات فيينا بفوز الأمة الإيرانية".

وبالتالي، يمكن أن تحقق الدبلوماسية الكثير، ليس فقط في إعادة الاتفاق وإنما في إدخال تعديلات عليه أيضًا، مثل الحد من التخصيب ومراقبة الثغرات وإدارة أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتمديد حظر الصواريخ الباليستية وتمديد الجداول الزمنية.

ووفق الحسابات الإيرانية، تفوق المكاسب الاقتصادية والجيوسياسية التنازلات العسكرية، لأن التطورات التكتيكية يمكن استئنافها في المستقبل.

لكن للوصول إلى هذه الأهداف، تحتاج الولايات المتحدة إلى التوقف عن التحدث من خلال شركائها ومنافسيها، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا، وأن تنخرط في مفاوضات فيينا بشكل مباشر مع إيران. وفي تلك الاجتماعات، يجب على الولايات المتحدة التأكيد على أن التعديلات في الاتفاقية النووية ستقلل من خطر العقوبات المستقبلية.

المصدر | جمشيد ك.تشوكسي وكارول إي بي تشوكسي | فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران الاتفاق النووي روسيا الصين الولايات المتحدة مفاوضات فيينا

روسيا والصين ترفضان تمديد حظر الأسلحة على إيران

روحاني: توافق على رفع العقوبات الرئيسية عن إيران

الخارجية الأمريكية: نتوقع جولات أخرى من التفاوض حول الاتفاق النووي مع إيران

حسابات جيوسياسية متكاملة.. هل تقترب روسيا وإيران من إعلان التحالف الكامل؟

فايننشال تايمز: تحجيم إيران إقليميا أمل بعيد حتى مع إحياء الاتفاق النووي

الشراكة الصينية الإيرانية تترقب نتائج محادثات فيينا النووية

الصين تدعو أمريكا لمعالجة خطئها والعودة للاتفاق النووي