هكذا كشفت معركة غزة محدودية النفوذ السياسي للأردن

السبت 5 يونيو 2021 03:04 ص

في المحطة الأخيرة من جولته الشرق أوسطية الأخيرة، والتي تضمنت زيارات إلى القدس ورام الله والقاهرة، توقف وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" في عمان لمدة نصف يوم للقاء الملك "عبدالله الثاني".

وكان الهدف الرئيسي لـ"بلينكين" هو دعم وقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه بين الفصائل الفلسطينية في غزة وإسرائيل بعد مواجهة عسكرية استمرت 11 يومًا.

وقال "بلينكين" في مؤتمر صحفي عقده لاحقًا في العاصمة الأردنية في 26 مايو/أيار إن "قيادة الملك عبد الله كانت حاسمة، كما كانت دائمًا في قضايا مختلفة، وكان دوره أساسيًا في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة".

لكن بينما اتصل الرئيس "جو بايدن" بالرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" أكثر من مرة خلال الأزمة، اتصلت فقط نائبة الرئيس "كامالا هاريس" بالعاهل الأردني للنقاش حول المعركة.

وكان الأردنيون أقل ثقة بدور حكومتهم في إنهاء العملية العسكرية على غزة.

حتى قبل الاشتباك العسكري الأخير، انتقد محللون أردنيون، معروفون بعلاقاتهم الوثيقة بالحكومة، الرد الرسمي الفاتر على الاستفزازات الإسرائيلية للفلسطينيين في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح في القدس، والتي بدأت في الأيام الأولى من شهر رمضان.

وقد انتظر وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" أكثر من أسبوعين قبل التعليق على التصعيد الإسرائيلي في القدس من خلال تغريدة.

لكن في 10 مايو/أيار، كان "الصفدي" أول وزير خارجية عربي يلتقي "بلينكين" في واشنطن.

وكرر "الصفدي" مرة أخرى تحذيراته بأن "القدس خط أحمر" وأن "إسرائيل تلعب بالنار".

وفي الوقت الذي تحدت فيه إسرائيل التحذيرات الأردنية واستأنفت توغلاتها في الأقصى مع تشديد حصارها على الشيخ جراح، اكتفى الأردن بإصدار بيانات تندد بهذه الخطوات.

في غضون ذلك، كان رد الفعل الشعبي على الهجوم على غزة غير مسبوق. وخلال أيام المعركة، نظم آلاف الأردنيين احتجاجات يومية بالقرب من السفارة الإسرائيلية الخاضعة لحراسة مشددة في عمان الغربية.

وأرسل نواب أردنيون مذكرة تطالب الحكومة بطرد السفير الإسرائيلي واستدعاء المبعوث الأردني في تل أبيب.

ووعدت الحكومة بـ "دراسة" المذكرة لكن لم يحدث شيء.

واعتبر كثيرون أن الهجمات على الأقصى تمثل تحديا مباشرا للملك "عبدالله"، الوصي على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية.

لكن العلاقات بين العاهل الأردني ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" توترت منذ سنوات عديدة، لا سيما بسبب التوغلات المستمرة من قبل المتطرفين اليهود.

ولم يتحدث الملك "عبدالله" أو يلتقي بـ"نتنياهو" منذ سنوات.

وفي هذا الصدد، لم يكن لعمّان أي نفوذ على حركة "حماس" منذ طرد قادتها من الأردن عام 1999 في محاولة للحد من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في البلاد.

وفي وقت لاحق، رحبت قطر بقادة "حماس". ومن المفارقات أن نظام "السيسي"، الذي شيطن "حماس" بسبب علاقاتها الوثيقة مع الرئيس المصري الراحل "محمد مرسي"، حافظ على اتصالاته مع الحركة واستخدم علاقاته للتوسط بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة.

وكان للأردن حليف فلسطيني رئيسي واحد وهو "عباس" الذي لا يستطيع أن يفعل شيئًا لوقف الحرب أو منع شعبه من تنظيم مظاهرات على مستوى البلاد ضد الاحتلال والهجمات الإسرائيلية على غزة والأقصى.

ومن الصعب فهم الدور الذي كان يمكن أن يلعبه الأردن في المواجهة الأخيرة، لكن وزير الخارجية الأردني قال في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره المصري "سامح شكري" في عمان في 24 مايو/أيار الماضي، إن اتصالات جرت مع "حماس" خلال الأسابيع الماضية، دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

ويحذر معلقون أردنيون من أن عمّان تفقد دورها التاريخي كمحاور رئيسي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

ويرى هؤلاء أنه بينما تعتبر مصر غزة جزءًا من أمنها القومي، يجب على الأردن التأكيد على أن مستقبل الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أمنها القومي.

كما يحذر هؤلاء من تهديد وجودي على شكل تطهير عرقي إسرائيلي للفلسطينيين من خلال التهجير والإجلاء يمكن أن يؤدي إلى الترحيل ودفع الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية.

وقد حذر الملك "عبدالله" من أن الأردن لن يكون أبدا وطنا بديلا للفلسطينيين.

وأشار المحلل السياسي والوزير السابق "محمد أبو رمان"، في مقال له في 23 مايو/أيار الماضي، إلى وجود واقع جيوسياسي إقليمي جديد يستلزم مراجعة الأردن لعلاقاته مع تركيا وإيران وسوريا والعراق حفاظا على مصالحه الوطنية.

وقد بدأ هذا الواقع يتشكل مع ما يسمى بـ "صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، والتي رفضها الأردن.

وبالرغم من فشل الصفقة، كان "ترامب" قادرًا على رعاية اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودولتين خليجيتين، مما قلل من دور الأردن كعازل تاريخي بين إسرائيل والخليج.

ويأتي تآكل الدور الأردني في وقت صعب بالنسبة للمملكة التي تواجه اقتصادًا متعثرًا، وارتفاعًا في معدلات البطالة والفقر، وارتفاعًا في الديون الخارجية، وتبعات جائحة فيروس كورونا.

كما يشعر الأردنيون بالقلق من التقارير التي تفيد بأن دولا حليفة متورطة فيما أصبح يُعرف باسم "مؤامرة الفتنة" في مارس/آذار والتي شملت ولي العهد السابق الأمير "حمزة" وأردنيين اثنين تربطهما علاقات وثيقة بالسعودية.

وما يزال الأردن يعتمد بشكل متزايد على الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي، وقد كشف في مارس/آذار الماضي أنه وقع اتفاقية دفاع مثيرة للجدل مع واشنطن دون تمريرها عبر البرلمان.

ومع اقتراب انتهاء الدعم المالي الخليجي، يحاول الأردن بناء تحالف اقتصادي وسياسي ثلاثي مع العراق ومصر، وهما دولتان لديهما تحديات داخلية خاصة بهما.

في غضون ذلك، من المتوقع أن تسعى إدارة "بايدن" إلى إدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدلاً من إطلاق عملية سلام جديدة مع إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية غير المدعومة شعبيا ورئيسها المريض.

وخلال معركة غزة الأخيرة، وجد الأردن نفسه عالقًا في منطقة حظر سياسي، لذلك، يجب عليه إعادة بناء تحالفاته الإقليمية لتعزيز قيمته الجيوسياسية.

وفي الوقت الذي بدأ فيه الأعداء القدامى في التصالح (مصر وتركيا  - السعودية وإيران - مصر وقطر) من الضروري أن يدرك الأردن أن المنطقة تتغير وأن عمّان يجب أن تتبنى نهجًا جديدًا من خلال الحديث مع أطراف مثل تركيا وإيران للحفاظ على أمنها القومي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمحافظة على دورها في القدس الشرقية.

ومع بروز "حماس" كلاعب رئيسي في السياسة الفلسطينية، يجب ألا تخجل عمّان من إعادة الاتصالات الرسمية مع الحركة في وقت ألمحت فيه حتى بعض الدول الأوروبية إلى أنها يمكن أن تبدأ حوارًا غير مباشر أيضًا مع "حماس".

ويعتبر هذا الأمر مهما خاصة أن الهدوء الأخير لن يدوم وأن جولة جديدة من القتال ستحدث بالتأكيد في المستقبل القريب.

المصدر | أسامة الشريف/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأردن القضية الفلسطينية الملك عبدالله العلاقات الأردنية الفلسطينية العلاقات الأردنية الإسرائيلية

مناشدات لعاهل الأردن لمنع تهجير أهالي الشيخ جراح بالقدس المحتلة

الملك عبدالله: أفشلنا مؤامرة لإضعاف الأردن والقضية الفلسطينية

الأردن وحماس.. اتصالات ثم تقارب محتمل تفرضه مواجهة إسرائيل