استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

انتفاضة المصريين الصامتة ورسائل الانتخابات البرلمانية

الخميس 29 أكتوبر 2015 06:10 ص

يعد انصراف الناخبين عن انتخابات 2015، وعن بقية الاستحقاقات الانتخابية بعد يوليو/تموز 2013، حلقة في سلسلة طويلة من الرفض الشعبي المتصاعد لما آلت إليه الأمور منذ إسقاط التجربة الديمقراطية الوليدة.

لا يمكن تبسيط هذا الانصراف بالقول إن المصريين تعبوا من الاستحقاقات الانتخابية المتكررة، ولا بأنهم عادوا إلى ما يصفه البعض «سلبية» ما قبل 2011. لكن وفي المقابل لا يمكن القول إن سلوك الناخبين تحركه معارضة منظمة في الداخل أو الخارج، أو أننا وصلنا إلى مرحلة من الوعي الجماعي المنظم.

فالشعوب (أو قطاعات واعية منها في واقع الأمر) ترفض وتنتفض وتثور وتقدم التضحيات لانتزاع حقوقها، لكن الأمر يحتاج أيضا لقيادات وطلائع وكيانات منظمة تعبر عن مطالب الشعوب وتقودها، وتحتاج إلى موارد وأوجه دعم مختلفة.

ما نحن أمامه هو سلوك شعبي متكرر يعبر عن إدراك قطاعات متزايدة من الناخبين (أو على الأقل الجزء الذي تم تسييسه وتعبئته في انتخابات سابقة ويقدر في المتوسط بين 40% و50% من مجمل من لهم حق التصويت بعد ثورة يناير، أي من 20-25 مليون نسمة) بأننا نسير في الاتجاه الخطأ.

ولهذا يمكننا أن نستقرئ من هذا السلوك ومن الغضب الصامت والمكبوت للمصريين سبع رسائل:

1- الرسالة الأولى للنظام والنخب الأمنية والعسكرية الحاكمة: تهافت مقولة أن غالبية الشعب مع النظام وتؤيد خارطة الطريق.

نعم هناك ظهير شعبي للنظام كما كانت الحال مع كل أنظمة الحكم المطلق عبر التاريخ، إلا أن الانتخابات تثبت أن الظهير الشعبي للنظام يمثل نسبة صغيرة من المصريين، تضم فئات تتحرك إما بعامل الخوف أو المصلحة، فضلا عن فئات كانت تظن أن النظام سيخلصها فعلا من مشكلاتها الاقتصادية الأمنية إلا أنها تكتشف تدريجيا عجز النظام ومغالطاته.

ويتسق سلوك الناخبين في 2015 مع ما حدث بالمناسبتين السابقتين (استفتاء الدستور وانتخابات الرئاسة). فإذا كان الشعب يعتبر أن ما حدث في 2013 ثورة تصحيحية ستجلب الديمقراطية والرخاء وتقضي على الفساد أو حتى تحارب الإرهاب، فلماذا لم يخرج بنسب تقترب من النسب المشابهة في حالات أخرى؟

إن نسب التصويت بالانتخابات البرلمانية (التي تتراوح بين 10% و60% في الدول المستقرة ديمقراطيا بالغرب) ترتفع في الدول التي تشهد ثورات وعمليات تغيير حقيقية لتصل 70%-80% (والأمثلة كثيرة: جنوب أفريقيا 85.5%/1994، بنين 73.6%/1995، تشيكيا 90%/1993، إندونيسيا 85.6%/1999، رواندا 89.9%/2003، منغوليا 87%/1989، اسبانيا 83%/1982، البرازيل 70%/1986).

2- الرسالة الثانية للنظام وللنخب الأمنية والعسكرية الحاكمة أيضا: سياسات الترغيب والترهيب تحقق فشلا بعد فشل.

فقد تنجح أدوات الترغيب في جذب المنافقين والفاسدين وبعض المغامرين الجدد على المدى القصير، لكنها لم ولن تنجح في السيطرة على الشعب، ولا سيما في ظل الفشل الذريع للحكومة في إدارة الاقتصاد والإصرار على تعميق الأزمات.

كما قد تنجح الأذرع الإعلامية -عبر الأكاذيب والمغالطات- في استمالة شريحة من النساء والرجال، ولا سيما من كبار السن، لبعض الوقت. لكن الحقيقة هي أن هذه الشريحة تتقلص، وتُظهر الكثير من الفيديوهات غضب مؤيدين سابقين للنظام ومقاطعتهم للانتخابات. أما الشباب، الذين يمثلون نحو 60% فلا يؤيدون النظام، وهم لن يتخلوا عن نضالهم من أجل الحرية، ولا سيما بعد أن عرفوا معنى الحرية وأدركوا أنه يمكن إسقاط الأنظمة الفاسدة متى تكتلوا ضدها. ويساعدهم في هذا عصر السماوات المفتوحة والاتجاه العالمي لكل شعوب الأرض نحو العدالة والحرية.

كما فشلت سياسة الترهيب والتخويف، إنْ باستخدام خطاب الحرب على الإرهاب، أو بعبع الإخوان والسلفيين، أو التهديد بفرض غرامات مالية، أو تهديد المسؤولين للشعب ووصفهم له بألفاظ لا تليق في سابقة لا مثيل لها. كما أن الاعتقالات وقمع المعارضين لم ترهب الناخبين وتدفعهم لدعم النظام وإنما إلى البقاء في منازلهم كنوع من الاحتجاج الصامت.

3- الرسالة الثالثة هي للنظام والنخب الأمنية والعسكرية وللأحزاب المدنية التي كانت يوما في صف ثورة يناير والتي تعادي التيار الإسلامي في مصر: فشل سياسة الإقصاء المتبعة رسميا تجاه التيار الإسلامي.

إن ديمقراطية بلا إسلاميين في مصر غير ممكنة، هذه حقيقة وليفهمها من يريد وليتجاهلها من يريد. والأسباب هنا كثيرة، فالشريحة الأوسع من الناخبين التي يمكن تعبئتها سياسيا في العمل السياسي والانتخابي تميل، لأسباب كثيرة، إلى هذا التيار، وصوتت له بكثافة في استحقاقات قديمة قبل ثورة يناير وبعدها.

وهذه الشريحة موجودة في مصر وفي دول عربية وإسلامية أخرى من ماليزيا وإندونيسيا شرقا إلى المغرب وموريتانيا غربا، والقوى التي تصوت لها هذه الشرائح تحكم أو تشارك في الحكم في عدد من الدول. وهذه القوى الإسلامية والشرائح المجتمعية الداعمة لها لن تختفي لا بانقلاب عسكري ولا بثورة مضادة ولا حتى باستعمار أو غزو خارجي، لأنها، بنظرة واقعية وهادئة، جزء لا يتجزأ من نسيج مجتمعاتها.

فضلا عن أن الدين (الذي ترفعه هذه القوى بدرجات مختلفة كمرجعية عليا)، مكون أساسي من ثقافة وهُوية المصريين وبقية شعوب المنطقة ومرجعية أساسية لكل الدساتير الحديثة في مصر، ولن تستطيع أية قوة محوه. لقد حاول المستعمر سابقا وفشل. واليوم، ومع اعتقاد معظم المصريين بأن الدين يتعرض لهجمة لا مثيل لها، فلن يخرج المصريون للتصويت استجابة لحكومة يعد الكثير من المصريين أنها تستهدف الدين ورموزه التاريخية ومناهجه التعليمية.

ما تحتاجه البلاد هو وضع الضوابط اللازمة لمنع استغلال هذا الدين في تحقيق مصالح سياسية حزبية. أما استخدام الدين مصدرا للقيم ومرجعية للنهوض ودافعا للعمل البناء فأمر ضروري ومعمول به في الشرق والغرب.

4- الرسالة الرابعة للقوى المدنية: لا يمكن أن ترث القوى المدنية الإسلاميين بعد إقصائهم بالقوة.

لقد سقط الوهم القائم على الاعتقاد بأن إسقاط الإسلاميين من الحكم بطرق غير ديمقراطية سيؤدي إلى حلول غير الإسلاميين في الحكم بطرق ديمقراطية. هذا وهم وغير ممكن عمليا، وما حدث هو حلول أنصار الثورة المضادة والمنافقين مكان الإسلاميين وغير الإسلاميين معا وبطرق وانتخابات غير ديمقراطية وبدعم من الأجهزة الأمنية.

ويوجد هنا سببان أساسيان، الأول الفشل المزمن للأحزاب المدنية في مهمة العمل وسط الجماهير، وعدم تطوير خطاب سياسي يعبر عن مشكلات المواطنين، ولا سيما في القرى والمناطق المحرومة والفقيرة. أما السبب الثاني فهو أن النتيجة الأساسية لفشل السياسيين واستدعاء الجيش ضد الخصوم في المجال السياسي هي إغلاق المجال العام، ومن ثم تمكن قوى الثورة المضادة. وهذا أمر كان البعض يعتقد أنه لن يحدث في مصر. وهذا بالطبع لا يعني إعفاء الإسلاميين من مسؤولية انهيار المسار الديمقراطي وتمكن الثورة المضادة.

5- الرسالة الخامسة للقوى المدنية: سقوط فرضية إصلاح النظام الحالي من داخله.

والسبب الأول لهذا هو ممارسات النظام نفسه، فلقد حول نظام ما بعد يوليو 2013 نضال المصريين السلمي من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية إلى صراع صفري حاد، وأقام نمطا عنيفا للحكم يكاد ينقرض في العالم لأنه يعتمد على سيطرة الأجهزة الأمنية وإقحام الجيش في الصراع السياسي وإغلاق كل سبل العمل السياسي السلمي.

وبهذا يُوجد هذا النظام تدريجيا فئتين لا ثالث لهما في الساحة السياسية، فئة مَنْ في الحكم وأتباعهم والفئة الثانية الخصوم الذين يسعون لإسقاط النظام. لا مكان في مثل هذا النوع من الأنظمة لفئة المعارضين والإصلاحيين لا من داخل النظام ولا خارجه. وكل من ينتقد النظام يتهم بالأخونة أو العمالة للخارج أو على أقل تقدير بعدم الوطنية.

سنن التغيير في العالم الثالث تقول إن غالبية هذه الأنظمة «العنيفة» لا تتغير إلا بذات الطريقة التي تستخدمها (العنف) أي بانقلاب داخلي أو عصيان مسلح أو ثورة شعبية أو غزو خارجي، أما الانتخابات فليست من بين طرق التغيير، اللهم إن تغيرت الطبيعة الأمنية والعنيفة للنظام. أي أن طبيعة النظام ذاته عامل أساسي في تحديد طريقة تغييره كما تخبرنا معظم حالات التغيير. وتاريخ مصر مليء بخلع الحكام أو قتلهم أو الثورة عليهم. فهل هناك من يستقبل هذه الرسالة ويفهمها؟

6- الرسالة السادسة للجميع: خطورة إجراء الانتخابات قبل الحد الأدنى من الأسس والضوابط الديمقراطية.

في حالات الانتقال الديمقراطي الناجحة تكون الانتخابات ذروة الديمقراطية أي آخر مراحلها، ولا يمكن الاحتكام إلى الصناديق قبل توافق على الحد الأدنى من متطلبات الحياة السياسية السليمة، أي الحد الأدنى من الأطر الدستورية والقانونية والمؤسسية والضمانات والضوابط الحاكمة للممارسة السياسية، والحد الأدنى من المعايير المتصلة بضمان استقلال الهيئات القضائية وهيئات الرقابية المستقلة وعدم تسييسها، والحد الأدنى اللازم لتفعيل المجتمع المدني وحيادية ومهنية الإعلام، وضمانات عدم تدخل الجيش والأجهزة الأمنية في السلطة.

وفي حالتنا كان لا بد من إضافة ضمانات لعدم استخدام الدين للحصول على مكاسب سياسية ضيقة. هذا لم يتم في الانتخابات الحالية بالطبع، ولم يتم أيضا بدرجات مختلفة في كل الانتخابات التي تمت منذ 2011. الانتخابات أداة لتسوية الصراعات السياسية بطرق سلمية في الدول الديمقراطية إلا أنها تعمق المشكلات في مراحل الانتقال إذا أجريت دون تلك الأسس والضوابط كما ذكرنا مرارا.

7- الرسالة السابعة للنظام والمعارضة المدنية والإسلامية في الداخل والخارج: المشكلة في مصر ليست في الشعب.

فغالبية الشعب المصري قامت في السنوات الماضية بما يمكن القيام به من مقاطعة استفتاءات وانتخابات، ومن تظاهر ورفض، ومن الكتابة وإطلاق النكت والمعارضة سرا في المساحات الآمنة وذلك في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مواتية على الإطلاق. وهناك أيضا عشرات الآلاف من المعارضين في المعتقلات والمنافي. الشعب لم يفقد كرامته كما كتبت سابقا رغم كل الضربات التي يتلقاها وكل المغالطات التي يستقبلها عبر آلة الدعاية الإعلامية ورغم عدم وجود كيانات واعية تعبر عنه.

إن المشكلة الأساسية في مصر هي في إصرار النخب الأمنية والعسكرية على الصراع الصفري، وإصرارها على إغلاق المجال العام وضرب كل الأصوات العاقلة، وتلقيها الدعم الإقليمي والغربي، واستخفافها بكل المخاطر التي تترتب على هذه السياسات والتحالفات من جهة، وانقسام أنصار ثورة يناير وتنافسهم وضيق أفقهم وعدم اتفاقهم على برنامج وطني جامع لإنقاذ مصر من جهة أخرى.

بجانب إغلاق كل الطرق أمام ظهور قيادات وطلائع وطنية جديدة تتصدر المجال العام وتقود وتدبر وتخطط لبناء النظام الديمقراطي البديل الذي يحدد القيم والمؤسسات والضمانات لممارسة الحقوق والحريات ويقيم دولة القانون والمؤسسات ويحمي ويعزز قوة الجيش معا.

وعلى عكس ما يروج الإعلام فإنه لا تناقض أبدا بين العمل من أجل إقامة دولة قوية بشعبها وقيمها ونخبها ومؤسساتها المدنية والعسكرية وبين الاستقرار والأمن.

فهل تعي النخب الأمنية والمدنية والإسلامية هذه الرسائل أم ستستمر في أخطائها حتى تتحول انتفاضة المصريين الصامتة إلى ثورة عارمة لن تبقي ولن تذر؟

  كلمات مفتاحية

مصر الديمقراطية ثورة يناير الانقلاب السيسي الانتخابات البرلمانية المصرية مجلس النواب عزوف الناخبين

نواب حزب «مبارك» يحصدون 30% من مقاعد الانتخابات البرلمانية في مصر

الانتخابات المصرية بعيون إسرائيلية ... فشل ذريع للسيسي

مستشار ولي عهد أبوظبي: انتخابات مصر «فضيحة» وتشكك في شرعية النظام

الانتخابات المصرية .. «محدش راح» و«الحضيف» يدعو لإعادتها في الإمارات

مصر .. أسباب مقاطعة انتخابات البرلمان

خسارة «ابن الذوات»

كيف أخطأ الكثير من القوميين العرب التقدير؟

واشنطن: قلقون من قلة الناخبين في الانتخابات المصرية والمشاركة المحدودة للمعارضة