«فورين بوليسي»: توظيف «ليون» بالإمارات يشكك في نزاهة موظفي الأمم المتحدة

الأربعاء 11 نوفمبر 2015 04:11 ص

تعرضت الهيئة العالمية إلى سلسلة من الأضرار بعد الكشف عن تمويل كبار المسؤولين فيها من قبل رجال الأعمال والحكومات الأجنبية. ما الذي قامت به الأمم المتحدة حيال ذلك؟ نعتقد أنها لم تفعل الكثير ليذكر.

في صيف عام 2015، كان مبعوث الأمم المتحدة «برناردينو ليون» يكافح من أجل إقناع الميليشيات العنيدة في ليبيا للانضمام إلى حكومة موحدة قادرة على إنقاذ البلاد من هذه الحالة من الفوضى. لكنه كان أيضا يستهلك بعض الوقت من جدول أعماله المزدحم من أجل تأمين مستقبله، بعد تلقيه عرضا للحصول على مبلغ 50 ألف دولار شهريا لرئاسة أكاديمية دبلوماسية تم إنشاؤها حديثا في دولة الإمارات العربية المتحدة.

«ليون» تولى في نهاية المطاف هذا المنصب، وقد تم الكشف عن طبيعة عمله بالتفصيل عبر سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي حصلت عليها صحيفة «الغارديان»، والتي أثارت مخاوف بين الدبلوماسيين والمراقبين. ولكن في الأسبوع التالي للواقعة، يبدو أن المسؤولين في الأمم المتحدة لم يبدوا اهتماما كبيرا بتحديد إذا ما كان وزير الداخلية الأسباني الأسبق قد تصرف بشكل صحيح وبدلا من ذلك فقد عمدوا إلى التقليل من شأن الوضع المحرج الذي تورط فيه.

ويشير النقاد إلى أن «ليون» لم يكن ببساطة يبحث عن وظيفة، وهو ما يمكن أن يفعله أي موظف حكومي متقاعد. ولكنه في الواقع كان يتربح من قبل إحدى الحكومات التي تضطلع بدور نشط في الصراع الذي يسعى لحله. ويقال إن دولة الإمارات العربية المتحدة دعمت الضربات الجوية ضد الفصائل الإسلامية في ليبيا العام الماضي، وقد كانت أحد اللاعبين الرئيسيين الذين اشتركوا، خلف الكواليس، في المناورة الدبلوماسية الرامية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وقد اعترف مسؤولون بالأمم المتحدة ودبلوماسيون في مجلس الأمن من القطاع الخاص أن قبول «ليون» بالوظيفة قد سبب ضررا لمصداقية المنظمة الدولية. وناشد المؤتمر الوطني العام في ليبيا، وهو الهيئة السياسية التي تضم ائتلافا من الإسلاميين الليبيين في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» إجراء تحقيق في علاقة «ليون» مع الإمارات العربية المتحدة، قائلا إن ذلك يقدح في نزاهة مبعوث الأمم المتحدة.

حتى إن «ليون» نفسه قد اعترف بأن المشهد قد بدا سيئا جدا

«أنا هنا لأقول، بكل تواضع أنني ربما قد قمت بفعل الأمور بشكل مختلف»، هكذا قال الدبلوماسي الأسباني المخضرم للصحفيين في مقر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي عقب مؤتمر قدم خلاله تقريره النهائي إلى مجلس الأمن الدولي. «المظهر العام ليس جيدا وأنا أعترف بذلك».

فضائح متتالية

وكانت هذه الحلقة مجرد حلقة أخيرة في سلسلة ضربات مست سمعة الأمم المتحدة، والتي جآءت بعد أسابيع فقط من اتهام «جون آش»، الرئيس السابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي اتهم بتلقي أكثر من 1.3 مليون دولار كرشوة من ملياردير صيني يعمل في مجال التطوير العقاري إضافة إلى رجال أعمال صينيين آخرين، وقد زعم «آش» براءته من التهم الموجهة إليه.

وقد ناشد «ليون»، مع ذلك، الصحفيين بالحكم عليه ونفى أنه قد أظهرت المحسوبية تجاه المسؤولين الإماراتيين أو أي من الأطراف المتحاربة في ليبيا، وقال إنه كان صريحا تماما مع الأمم المتحدة حول نواياه في الحصول على عمل قبل انتهاء عقده الذي يمتد لعام واحد. قائلا: «لقد اتبعت القواعد».

المشكلة هي أن الأمم المتحدة ليس لديها أي قواعد تمنع مبعوثا رفيعا لها من المتاجرة بعمله أو بعمل المنظمة الدبلوماسي في القطاع الخاص أو في العمل لدى الحكومات.

من المفترض أن موظفي الخدمة المدنية للأمم المتحدة يلتزمون بمعايير لجنة الخدمة الوطنية الدولية هذه المعايير، والتي تم تحديثها في عام 2013، وهي تحث المسؤولين في الأمم المتحدة على عدم لاستفادة غير اللائقة من وظائفهم ومواقعهم الرسمية. لكنهم سمحوا لمسؤولي الأمم المتحدة بالبحث عن فرصة عمل خارج الأمم المتحدة في حين لا يزالون يستخدمون من قبل المنظمة الدولية طالما أنهم أبلغوا قيادتها العليا. ولكن دليل الأمم المتحدة للوساطة الفعالة الصادر في عام 2012 يحث بدوره مسؤولي المتحدة مثل «ليون» على عدم قبول الحصول على دعم من قبل جهات خارجية من شأنها أن تؤثر على نزاهة أعمالهم.

وبموجب القواعد الحالية، فإن الأمم المتحدة لديها سلطة إجراء تحقيقات بشأن مخالفات موظفي الأمم المتحدة، بما في ذلك كبار المسؤولين والمبعوثين. استخدمت الأمم المتحدة هذه الصلاحية للضغط على «رود لوبرز» رئيس الوزراء الهولندي السابق الذي شغل منصب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أجل الاستقالة من منصبه بعد النتائج التي توصل إليها المحققون حول قيامه بالتحرش الجنسي بعدد من الموظفات.

ولكن السلطة هذه نادرا ما تمارس، وكان «لوبرز» واحدا من المسؤولين القلائل الذين تم دفعهم خارج الأمم المتحدة بسبب ارتكابهم لمثل هذه الآثام. في الواقع، فإن المناصب الرفيعة في الأمم المتحدة غالبا ما يتم استغلالها كنقاط انطلاق لعمل الاستشارات للشركات أو الحصول على مناصب سياسية أعلى.

«دانيلو تورك»، مساعد الأمين العام السابق للأمم المتحدة للشؤون السياسية غادر المنظمة الدولية، وفي أعقاب ذلك تم انتخابه رئيسا لسلوفينيا. توجهت رئيسة تشيلي «ميشيل باشيليت» إلى وكالة الأمم المتحدة للمرأة قبل أن تغادرها في مارس/ أذار 2013 للحصول على فرصة لإعادة انتخابها، وقد فازت بالسباق بالفعل في ديسمبر/ كانون الأول 2013. في يوم الاثنين الماضي، هنأ «بان كي مون»، «أمينة جاسم محمد»، المستشارة الخاصة له لشؤون التنمية المستدامة بعد قرار تعيينها وزيرة في الحكومة النيجيرية.

وقالت الأمم المتحدة أنها تسعى لكبح جماح الممارسات الخلفية بعد الكشف عن فساد على نطاق وسع في برنامج النفط مقابل الغذاء والذي تكلف 64 مليار دولار، و الذي سمح لحكومة «صدام حسين» باستخدام ثروة بلاده النفطية لشراء السلع الضرورية تحت إشراف الأمم المتحدة. في ديسمبر/ كانون الأول لعام 2006، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك «كوفي عنان» توجيها بمنع مسؤولي مشتريات الأمم المتحدة من قبول العمل لدى أي من المقاولين المتعاقدين لدى الأمم المتحدة لمدة عام. ولكن هذه السياسة لم تطبق على معظم كبار المسؤولين في الأمم المتحدة بما في ذلك العاملين في الوساطة لصناعة السلام والذين يتولون مهامهم لفترة محدودة. إلى جانب ذلك، فإن الأمم المتحدة لا تمتلك القوة لفرض أي حظر على المسؤولين بعد مغارتهم للمنظمة.

«تزانزيت» سياسي

وكان مؤسسو الأمم المتحدة يسعون للحد من تحول كبار المسؤولين في المنظمة إلى أدوار سياسية في بلادهم. في عام 1946، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا ينص على أنه :«يحظى الأمين العام بثقة العديد من الحكومات، فمن المستحسن أن يتجنب أي عضو أن يعرض عليه وظيفة بأي شكل بمجرد تقاعده أو أي منصب حكومي قد يضمن استغلال معلوماته السرية كمصدر إحراج للدول الأعضاء الأخرى، وعلى الأمين العام أن يمنع بدوره عن قبول أي عرض من هذا القبيل».

لكن ذلك لم يثن الأمناء العامين السابقين في الأمم المتحدة من المشاركة في المنافسات السياسية حال تقاعدهم. تولى الدبلوماسي النمساوي «كورت فالدهايم» منصب الأمين العام للأم المتحدة حتى نهاية عام 1981، وبعد ذلك رشح نفسه لرئاسة النمسا، وفاز بالمنصب عام 1986. خلفه، «خافيير بيريز دي كويلار»، خاض حملة فاشلة لرئاسة بيرو في عام 1995، بعد 3 سنوات من تقاعده من أكبر منصب في الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم «بان كي مون»، «ستيفان دوجاريك» ردا على سؤال حول ما إذا كان هذا الحكم من شأنه أن يعيق الزعيم الحالي للأمم المتحدة عن السعي لرئاسة بلده كوريا الجنوبية بعد انتهاء فترة ولايته الثانية والأخيرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول عام 2016 : «كما تعلمون، فإن الأمين العام قد أوضح أن تركيزه الوحيد هو عمله كأمين عام. وقد التزم دائما بأعلى المعايير الأخلاقية. وهو بالطبع، يدرك تماما قرار الجمعية العامة منذ عام 1946».

لأكثر من سنة، حاول «بان» درء الشائعات المستمرة حول سعيه لمستقبل سياسي في فلك السياسييين المنتخبين. الطبقة السياسية في كوريا الجنوبية والصحافة اختارت، إلى حد كبير، تجاهل نفيه، ويوضع «بان» الآن بشكل روتيني ضمن حزمة من السياسيين المرشحين للانتخابات الرئاسية في البلاد في ديسمبر/ كانون الأول عام 2017.

في سبتمبر/أيلول، أثار «بان» موجة جديدة من التكهنات بعد قيامه بزيارة جبل «تايشان» الصيني وهو موقع مقدس ارتاده أباطرة الصين القدماء، ويرتاده الطامحين للرئاسة في كوريا الجنوبية للحصول على البركات السماوية.

في حالة «ليون»، أصدر «دوجاريك» تذكيرا لطيفا في الأسبوع الماضي نيابة عن الأمين العام إن كبار المسؤولين، بما في ذلك المبعوثين الخاصين للأمين العام، عليهم الالتزام بأعلى المعايير الأخلاقية وأنه لن يسمح لسعيهم نحو الوظائف المستقبلية بالتأثير على حيادهم. ولكنه في ذات الوقت دافع عن ليون بالقول إن «جهده من أجل التوصل الى اتفاق سلام في ليبيا يتحدث عن نفسه».

«ليون»، وفي الوقت نفسه، قال للصحفيين إنه، وبعد حياة مهنية طويلة وصارمة في إسبانيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، يحتاج ويستحق وظيفة بالقليل من المتطلبات. «ليس لدي المال من أجل البقاء لفترة طويلة، لذلك يجب أن أعمل في مكان ما» .. «أعتقد أنني أستحق وظيفة أكثر هدوءا».

  كلمات مفتاحية

الإمارات الأمم المتحدة برناردينو ليون ليبيا

«عبدالخالق عبدالله» ينتقد تعيين «ليون» في الإمارات: أول طلباته «زيادة علاوة سكنه»

عضو في «الشيوخ الإيطالي» يتهم الإمارات بدعم «الحرب الأهلية» في ليبيا

برلماني إيطالي: قبول «ليون» لمنصب أكاديمي في الإمارات خيانة لدوره كوسيط

«الحضيف»: الإمارات تشتري الذمم في «حرب خاسرة» ضد الإسلام

«الغارديان»: الإمارات وظفت المبعوث الأممي إلى ليبيا براتب 35 ألف جنيه شهريا

«نيويورك تايمز»: مراسلات الإمارات المسربة يمكن أن تهدد محادثات السلام في ليبيا

«ليون» سيطلب توضيحا من الإمارات بشأن مزاعم نقلها أسلحة إلى ليبيا

الأناضول: توظيف «ليون» في أبوظبي يثير جدلًا حول دور الإمارات في ليبيا

موقع ليبي: 500 سيارة عسكرية إماراتية تصل إلى ميناء طبرق

محادثات منسوبة لـ«عبدالله بن زايد» تكشف تدخلا إماراتيا مفترضا في ليبيا

«الغارديان»: إيميلات جديدة تفضح تآمر المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا مع الإمارات