سوريا في السياسة الأميركية

الأربعاء 18 نوفمبر 2015 06:11 ص

كيف تبدو مقاربة الولايات المتحدة للأزمة السورية؟ وما الذي مثله الموقف الأميركي في مؤتمر فيينا-2؟ وهل ستمثل هجمات باريس حافزا لتسريع التسوية السياسية في سوريا؟

عندما أطلق الرئيس، باراك أوباما، حملته الانتخابية للوصول للبيت الأبيض لأول مرة، كان من أكثر المعارضين للحرب في العراق، ومن أكثر القائلين، في الوقت ذاته، بتعزيز القوة الأميركية في أفغانستان. وقد طبق أوباما رؤيته في العراق، وأنجز انسحابا كاملا للقوات في أواخر العام 2011.

وفي أفغانستان، قام بزيادة القوات (على شكل زيادتها في العراق عام 2007-2008) بهدف تعبيد الطريق أمام إستراتيجية خروج لم تكتمل مقوماتها حتى اليوم.

وبعد الانسحاب من العراق، طرح الرئيس أوباما رؤيته للتوجه نحو آسيا، ومنحها أولوية أمنية واقتصادية في الإستراتيجية الكونية للولايات المتحدة. وهنا، بدا البيت الأبيض وقد وضع الشرق الأوسط في مرتبة تالية غير تلك التي ظل عليها منذ حرب الخليج الثانية. وذلك على الرغم من كل التصريحات التي استهدفت طمأنة الحلفاء في المنطقة.

هذه ليست انعزالية، بل إعادة توجيه للأوليات وإعادة تعريف تاريخي لها. وهذه تحديدا الخلفية المؤطرة للسياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية.

وعليه، يُمكن القول إننا بصدد دبلوماسية مقطعية، استندت إلى رؤية سياسية، تقول بالانخراط الحذر في منطقة خرجت من قلب الأولويات الأميركية.

وفي العموم، فإن الدبلوماسية الأميركية قد انتهت اليوم للتأكيد على أولوية المسار السياسي، والقول إنه لا أفق للمقاربات الأمنية للأزمة السورية، وإنه لا فرصة لنجاح هذه المقاربات مهما بلغ نطاقها. وهذه القناعة لم تكن سائدة لدى واشنطن في السنوات الأولى للأزمة.

وبالطبع، لم يكن انتهاء السياسة الأميركية للأخذ بهذا المنطق بالأمر العابر أو العفوي. بل جاء، بالتأكيد، كنتيجة لحسابات معقدة، أو -لنقُل- نتاجا لقراءة أخذت في حسابها المعطيات الثابتة والمتغيرة في الأزمة، وفضائها الجيوسياسي الأوسع مدى.

وفي واقع الأمر، تبدو المقاربة العسكرية للولايات المتحدة بين ضغطين متقابلين: يقول الأول بتقليص التورط العسكري، ويدعو الثاني لزيادته.

الرئيس أوباما لا يزال متمسكا بقوله إنه لا يريد الانجرار إلى حرب هناك، ولا يُريد توريط القوات الأميركية في أي مهام قتالية.

وقد اتضح ذلك جزئيا من رفض البيت الأبيض، الدائم والمستمر، لفكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق أي جزء من أجزاء القطر السوري. ومن الواضح أن المخططين العسكريين في البنتاغون يدركون تماما أن الذهاب نحو هذا الخيار يعني الذهاب إلى الحرب. وهو لا يعني غير ذلك أبدا.

ومن المنظور العسكري، فإن إقامة منطقة حظر جوي تعني منظومة واسعة من الأعمال الحربية، تتضمن، بين أمور أخرى، اشتباكا جويا، وقصفا لمنظومات الدفاع والرادار والمطارات العسكرية، وضرب القوات المتحركة على الأرض، وتعطيل منظومات القيادة والسيطرة، وشل شبكات الاتصال، والتشويش الإلكتروني والفضائي.

إن تأكيد الرئيس أوباما على رفض الانزلاق نحو هذا الخيار يشير إلى أن مقولته بعدم الذهاب إلى الحرب مازالت ثابتة. ومن المفيد أن يتمسك بها حفاظا على الأمن الإقليمي، أو ما تبقى من هذا الأمن.

على مستوى احتمالات التفاهم الأميركي مع روسيا بشأن دورها العسكري في سوريا، من الواضح إننا بصدد قضية حساسة سياسيا ومعقدة تقنيا.

إن الطائرات الروسية والأميركية تلتقي بسماء الرقة ودير الزور، وقد تضرب ذات المواقع، لكن لأهداف متباينة.

الطيران الروسي يقصف من أجل تعبيد الطريق أمام تقدم الجيش، على نحو ما حدث بأرياف حلب وحماة واللاذقية، بينما تقصف الطائرات الأميركية بهدف ضرب جماعة مسلحة محددة، بغض النظر عما يحدث بعد ذلك. بل إن الحملة الأميركية تحاشت منذ البدء بأن يجري تفسيرها على أنها شكل من الدعم للجيش السوري، على الرغم من أن هذا الجيش قد استفاد منها بطريقة غير مباشرة.

واليوم، يُمكن القول إن تقدم العملية التفاوضية في فيينا قد يُمثل فرصة للولايات المتحدة لبناء حد أدنى من التفاهم مع الروس. وهذا يُمكن تحقيقه على أي حال، وإن على المدى المتوسط.

إن التفاهم الأميركي الروسي، متى بلغ النضوج، قد يُمثل التطور الأكثر مغزى في البيئة الدولية للأزمة السورية. وهذا، على أي حال، مطلب دولي عام. وهو يجسد، في الوقت نفسه، مصلحة أميركية، ذات صلة مباشرة بالأمن القومي الأميركي.

إن ما حدث في مؤتمر فيينا-2 قد شكل محطة انطلاق يُمكن بكل تأكيد البناء عليها، وليس هناك فائض وقت يُمكن إضاعته، فالأزمة السورية يجب أن تعثر قريبا على تسوية سياسية، واقعية ومتماسكة، وليس ثمة سبيل لصيانة الأمن الإقليمي والدولي من دون التأكيد على هذا الخيار.

إن التفجيرات الانتحارية في باريس قد أوضحت على نحو لا لبس فيه بأن مفاعيل الأزمة السورية قد تجاوزت النطاق الإقليمي، وارتدت طابعا عالميا. وعليه، فإن التسوية السياسية الواقعية لهذه الأزمة لابد أن تكون مهمة عالمية، يتحرك من أجلها الجميع.

  كلمات مفتاحية

سوريا السياسة الأميركية الأزمة السورية اجتماع فيينا هجمات باريس أوباما التدخل الروسي العسكري

«ستراتفور»: عوائق كبرى في طريق البحث عن حل في سوريا

اجتماع فيينا يقر محادثات مع المعارضة ومرحلة انتقالية 6 أشهر ويتجاهل مصير «الأسد»

«اجتماع فيينا2» وخيارات واشنطن

«الجبير»: «الأسد» سيرحل سياسيا أو عسكريا وسنختبر نوايا روسيا وإيران في فيينا

هذا التدافع على التدخل العسكري في سوريا