كيف التفت كردستان على بغداد وباعت النفط في الأسواق العالمية؟

الأربعاء 18 نوفمبر 2015 04:11 ص

أعلن إقليم كردستان العراقي الذي يتمتع بقدر من الحكم الذاتي للمرة الأولى تفاصيل عملياته السرية لتصدير النفط وقال إنه يعتزم بيع كميات أخرى سواء شاءت بغداد أم أبت وذلك لحاجته للمال من أجل البقاء ومحاربة الدولة الاسلامية.

وقال أشتي هورامي وزير الموارد المعدنية في الإقليم إنه لتجنب رصد النفط فقد تم تهريبه في كثير من الأحوال عن طريق اسرائيل ونقله مباشرة بين سفن راسية قبالة ساحل مالطا وإن سفنا خداعية استخدمت لزيادة صعوبة متابعتها من جانب بغداد.

وتقول كردستان إنها اضطرت للالتفاف على بغداد وبدء تصدير النفط مباشرة لأن العراق رفض الالتزام بالميزانية المتفق عليها في عامي 2014 و2015. وقالت الحكومتان العراقيتان الحالية والسابقة إن الأكراد لم يراعوا اتفاقات لنقل الكميات المتفق عليها من النفط إلى بغداد.

ويحق لكردستان الحصول على 17 في المئة من إجمالي الموازنة العراقية ويقول الاقليم إنه يحتاج لايرادات مستقرة لسداد التزاماته والإنفاق على مليون لاجئ من الفارين من الحرب في سوريا والعراق وكذلك تمويل جيش البشمركة الذي يقاتل المتشددين الاسلاميين.

وتصدر كردستان أكثر من 500 ألف برميل يوميا من النفط أي نحو سبع الصادرات العراقية وتعتقد أن بغداد تقبل الآن جزئيا على الاقل توجه الصادرات الكردية المباشرة لما يصل إلى عشر دول.

وقال «هورامي» لرويترز «من الناحية الفعلية تعرضنا للتمييز ضدنا ماليا لفترة طويلة. وبحلول عام 2014 عندما لم نتسلم الميزانية قررنا أننا بحاجة للبدء في التفكير في مبيعات مستقلة للنفط».

ومع اكتمال خطوط الأنابيب الجديدة لاتزال حكومة اقليم كردستان بحاجة لإيجاد مشترين لنفطها بما يعادل ناقلة كبيرة كل يومين.

وكان أغلب الزبائن يخشون الاقتراب من نفط كردستان لأن بغداد هددت بمقاضاة أي مشتر. ولشركات النفط الكبرى مثل اكسون موبيل وبي.بي مشروعات مشتركة بمليارات الدولارات مع بغداد.

وأضاف «هورامي»: «كانت لعبة جديدة تماما علينا. فقد أراد المشترون أن تستأجر حكومة اقليم كردستان ناقلات خاصة للنفط الخام. ولم نكن نعرف شيئا عن صناعة الشحن أو النقل البحري».

وتواصلت حكومة الاقليم مع تاجر النفط المخضرم مرتضى لاخاني الذي كان يعمل بشركة جلينكور في العراق في العقد الأول من الألفية الثالثة للمساعدة في ايجاد السفن.

وتابع «هورامي»: «كان يعرف بالضبط من سيتعامل معنا ومن سيرفض. وفتح الأبواب لنا وحدد شركات الشحن المستعدة للعمل معنا».

ويقول «هورامي» إن من السابق لأوانه الكشف عن أسماء المتعاملين وشركات الشحن ومشتري النفط الكردي. كما امتنع لاخاني عن التعقيب.

ورفع العراق دعوى قضائية على شركة مارين مانجمنت سيرفيسز اليونانية للشحن بسبب دورها في الصادرات الكردية. وقالت مصادر في السوق إن عدة بيوت تجارية من بينها ترافيجورا وفيتول تعاملت في النفط الكردي. وامتنعت الشركتان عن التعقيب على دور كل منهما في مبيعات النفط.

ووجه بعض المشترين الناقلات إلى عسقلان في اسرائيل حيث تم تفريغ النفط في منشآت تخزين لإعادة بيعه لاحقا لمشترين في أوروبا. وبيع النفط الكردي أيضا إلى مالطا ونقله في البحر من سفينة إلى سفينة مما ساعد على إخفاء المشترين النهائيين وبهذا حماهم من تهديدات شركة النفط الحكومية العراقية.

ويعتزم الاقليم زيادة الصادرات بما يصل إلى مليون برميل ويريد أن يصبح أيضا مصدرا لكميات كبيرة من الغاز وهو ما سيرسخ أقدامه على خريطة الطاقة العالمية.

 

نزاع الميزانية

وتركزت التطورات في العامين الأخيرين على النزاعات بسبب الميزانية.

وقال «هورامي»: «ببساطة لا يمكننا العودة إلى الترتيبات القديمة مع بغداد وتوسيع الفجوة المالية مرة أخرى».

وأضاف «سنقبل ميزانية حقيقية يمكن لبغداد أن تلتزم بها بدون شروط لكننا لا نريد أن نكون طرفا في ميزانية افتراضية لا تساوي قيمة الورق المكتوبة عليه».

ويقول «هورامي» إن ميزانية الدولة العراقية لعام 2014 تتطلب أن تصدر كردستان 400 ألف برميل يوميا من النفط وهو ببساطة ما لم يكن ممكنا من الناحية التقنية في ذلك الوقت بسبب عدم توفر مسارات التصدير وخطوط الأنابيب.

حصلت كردستان على 500 مليون دولار من مخصصات ميزانية الدولة في يناير كانون الثاني عام 2014 بدلا من المبلغ المتوقع في الميزانية ويتراوح بين مليار و1.2 مليار دولار. ثم خفضت تحويلات الميزانية في فبراير شباط بدرجة أكبر ثم توقفت التحويلات بحلول مارس اذار من العام الماضي.

وقال «هورامي»: «بغداد طالبت بنفط لم يكن لدينا. وذهب وفدنا برئاسة رئيس الوزراء نيجيرفان برزاني إلى بغداد لمحاولة التعرف على ما يحدث. لكنهم لم يبدوا اهتماما بالاستماع لحججنا واستمروا في قرارهم خفض ميزانيتنا».

وتابع «لذلك اضطررنا إلى تدبير أمورنا والإسراع باستكمال خطوط الأنابيب. وبحلول مايو ايار استكملت البنية التحتية الأساسية وأصبحنا مستعدين للمبيعات المستقلة».

وبحلول الوقت الذي أصبح فيه خط الأنابيب الجديد من كردستان إلى الساحل التركي على البحر المتوسط جاهزا ليحل محل الخط القديم الذي يرجع إلى عهد صدام حسين كان الاقليم قد أفلس فعليا.

فقد كانت السيولة المالية لديه محدودة وكان قد تخلف عن صرف المرتبات للعاملين في الدولة بما في ذلك الجيش عندما استولى تنظيم الدولة الاسلامية على مساحات كبيرة من وسط العراق واقليم كردستان نفسه.

ويدين الاقليم بمئات ملايين الدولارات متأخرات لشركات مثل جينيل ودي.إن.أو التي تطور حقول نفط في كردستان.

وبالتدريج بدأ مشترون وتجار يستخدمون سفنهم لنقل النفط الكردي لكن بغداد رفعت دعوى قضائية في الولايات المتحدة وهددت بمقاضاة من يمس النفط.

وظلت شحنة عالقة في الولايات المتحدة عدة شهور قبل أن تبحر بها الناقلة عائدة إلى أوروبا حيث أعيد بيعها. ومنذ ذلك الحين لم يعبر النفط الكردي المحيط الأطلسي.

وعلقت شحنة أخرى في المغرب. وأرسلت شركة تسويق النفط العراقية (سومو) تحذيرات لكل عملائها الكبار في أوروبا وآسيا.

وقال هورامي «بالنظر للوراء كان عام 2014 كله ناجحا نجاحا كبيرا لاننا لم نواجه متاعب إلا مع سفينتين واحدة في الولايات المتحدة وواحدة في المغرب... واستطعنا أن ننهي العام (2014) متخلفين عن صرف مرتبات شهر واحد».

وأضاف «كان هذا انجازا غير عادي إذ كان تنظيم الدولة الاسلامية يهاجم أرضنا ولدينا أكثر من مليون من اللاجئين السوريين والنازحين العراقيين. كل هذا العبء حدث ولم نر سنتا واحدا من بغداد».

وسمحت مبيعات النفط المستقلة في 2014 لكردستان باقتراض نحو ثلاثة مليارات دولار من مصادر من بينها تركيا وبيوت تجارية.

وتابع «هورامي»: «حدث لنا تحول ملحوظ في العلاقات مع تركيا. كانت العلاقة استراتيجية للغاية وكانوا مساندين لنا بشكل لا يصدق».

«الاستقلال الاقتصادي»

ظهرت آمال في تحسن العلاقات في نهاية العام الماضي بعد أن تولت السلطة حكومة جديدة برئاسة «حيدر العبادي» في بغداد بدلا من «نوري المالكي».

وقال «هورامي»: «كان جوا جديدا. وأصبحنا نأمل أن يسمح لنا بتجاوز خلافاتنا».

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014 وقعت بغداد واربيل صفقة تنقل كردستان بموجبها نحو 550 ألف برميل يوميا في المتوسط لسومو خلال 2015 وتحصل على 17% من الميزانية العراقية أي أكثر من 1.1 مليار دولار شهريا.

وبدأ الاتفاق ينهار على الفور تقريبا. وقالت بغداد إن اربيل لا تحول الكميات المتفق عليها ولم ترسل إلا 200 مليون دولار في يناير كانون الثاني بدلا من 1.1 مليار دولار. ومن يناير كانون الثاني حتى يونيو حزيران لم تحول سوى حوالي ملياري دولار إجمالا إلى اربيل أي أقل من 40% من المبلغ الذي توقعه الأكراد.

وقال «هورامي»: «في فبراير (شباط) 2015 توجهنا مرة أخرى إلى بغداد لنكتشف أنهم ألقوا بميزانيتهم من النافذة وأصبحوا يتعاملون ببساطة بما في أيديهم من سيولة. وقلنا لهم إن مرتبات العاملين بالدولة تمثل نحو 750 مليون دولار نصفها للأمن والبشمركة ولذلك كيف نعيش على ثلث ميزانيتنا فقط».

وأضاف «لكنهم قالوا لنا إن السيولة المتاحة هي كل ما لديهم بسبب انهيار أسعار النفط وعجزهم عن سد العجز في الميزانية. وبحلول مارس اذار توصلنا إلى استنتاج أنه لا خيار لنا سوء بدء مبيعات النفط المستقلة مرة أخرى».

وتصر بغداد على تأكيد التزامها بالدستور.

وقال «سعد الحديثي» المتحدث باسم رئيس الوزراء حيدر العبادي: «الطرف الذي لم يلتزم بنص الاتفاق هو الحكومة الاقليمية لا الحكومة الاتحادية».

وأضاف «كنا نأمل أن يكون الاتفاق الذي أبرمناه قبل عام بداية مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق. لكن لسوء الحظ ما حدث هو أن الحكومة الاقليمية لم تصدر الكمية المتفق عليها إلى سومو».

ويقول «هورامي» إن عدد الدول التي تستقبل النفط الكردي ارتفع حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2015 إلى حوالي عشرة لكنه امتنع عن ذكر أسمائها. وسبق أن ذكرت رويترز أن النفط الكردي وجد طريقه إلى دول مثل اسرائيل والمجر.

وسمحت المبيعات المستقلة لحكومة كردستان بتحقيق دخل يتراوح بين 800 مليون و850 مليون دولار شهريا بدءا من يوليو تموز بما يمكنها من صرف المرتبات وسداد تكاليف استمرار شركات للنفط مثل جينيل.

ومع ذلك أدى انهيار أسعار النفط منذ عام 2014 إلى ازدياد صعوبة سد العجز في التمويل.

وحتى نوفمبر/تشرين الثاني كان الاقليم متخلفا ثلاثة أشهر عن صرف المرتبات لكن هورامي يقول إنه يأمل بسد هذا العجز من خلال زيادة الانتاج عام 2016 كما يتطلع لبيع بعض الأصول والبنية التحتية لاتاحة سيولة مالية.

وحتى اليوم مازالت حكومة الاقليم تدين بثلاثة مليارات دولار لمقرضيها في 2014 لكن حورامي يأمل بسداد هذه الديون أو على الاقل تخفيضها بدرجة كبيرة على مدار 2016.

ومن المهام الأخرى إجراء خفض كبير في الإنفاق الحكومي على بنود مثل دعم أسعار الوقود في 2016 ومحاولة زيادة الميزانية غير النفطية. ويقول هورامي إنه يرى بوادر أولية على أن بغداد تتجه بالتدريج لسحب معارضتها لمبيعات النفط المستقلة.

ومازالت سومو تهدد بمقاضاة مشتري نفط كردستان لكنها تذعن فيما يبدو لتولي اربيل مسؤولية حقل كركوك الذي لا يخضع لسلطة حكومة كردستان لكن الأكراد يتولون إدارة صادراته البالغة 150 ألف برميل يوميا منذ شهور عن طريق موانيء تركية.

وقال «هورامي»: «إذا سألت أي كردي سيقول لك على الدوام أن حلمه الأساسي هو الاستقلال. لكن على مستوى الحكومة كان التركيز الرئيسي للسياسات على الاستقلال الاقتصادي. نحو نطمح لحل مشاكلنا ولدينا من الموارد ما يكفي لذلك».

  كلمات مفتاحية

العراق كردستان النفط الأسواق العالمية عمليات التصدير الدولة الاسلامية (إسرائيل)

استئناف تصدير النفط من كردستان العراق إلى تركيا

الأبعاد الإستراتيجية في علاقة إسرائيل بكردستان العراق

إسرائيل تعتمد على نفط كردستان العراق ... هل هو مدخل لدول الخليج؟

«فاينانشال تايمز»: أكراد العراق مصدر 75% من واردات النفط لـ(إسرائيل)

ناقلة نفط كردستانية تفرغ حمولتها في «إسرائيل» والإقليم يستورد الغاز من إيران

كردستان العراق: يمكننا تلبية احتياجات تركيا وأوروبا من الغاز

مسؤول كردي: «تسونامي» اقتصادي يقوض الحرب على «الدولة الإسلامية» في العراق