مخاوف تركية وفرص اقتصادية.. إيطاليا وفرنسا تسعيان لأدوار بارزة بالعراق

الأحد 24 أكتوبر 2021 04:26 ص

تعكس المصالح المتزايدة لدول أوروبية بذاتها في العراق الأهمية الجيوستراتيجية المتزايدة لهذا البلد العربي بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

وينطبق هذا بشكل خاص على فرنسا وإيطاليا؛ حيث يأتيان بالفعل في طليعة الدول الأوروبية، التي تحتفظ بعلاقات إستراتيجية مع العراق.

وتتمحور علاقات باريس وروما مع بغداد حول عدة أبعاد، يأتي في مقدمتها الأمن.

فعلى المستوى العسكري، يشارك البلدان العضوان في الاتحاد الأوروبي تاريخيا وتقليديا في الحرب ضد الإرهاب بالمنطقة والنمو العالمي للحركات الإسلامية المتطرفة.

وفي العراق، يشمل هذا الالتزام إرسال قوات، وتقديم مساعدة جوية لقوات الأمن العراقية، وهو دعم أساسي تحتاجه بغداد في كبح الخلايا المتبقية لما يسمى بتنظيم "الدولة" الإرهابي.

الدور الإيطالي

ومنذ ما يقرب من 20 عاما، تتواجد إيطاليا على الأراضي العراقية، بما يتماشى مع توجهات حلفائها الرئيسيين.

وفي الآونة الأخيرة، ترافق انسحاب إيطاليا من أفغانستان مع التعزيز التدريجي لدورها العسكري في العراق.

واعتبارا من مايو/أيار 2022، ستقود إيطاليا مهمة الناتو بالعراق، التي تعرف اختصارا بـ"إن إم آي".

وتم إطلاق "إن إم آي" عام 2018 بناءً على طلب بغداد، وهي عملية غير قتالية، واستشارية، وتدريبية، ومصممة لبناء القدرات، وللمساعدة في دعم المؤسسات الأمنية العراقية، وتحديدا وزارة الدفاع، من خلال إصلاح القطاع الأمني، فضلا عن تقديم التدريب والدعم للقوات المحلية في جهودها لمكافحة الإرهاب.

وبناءً على طلبات من الحكومة العراقية، من المتوقع أن يرفع "الناتو" حجم تواجده في العراق هذا العام إلى 4000 جندي (من 500 جندي سابقا).

ومع ذلك، فبدلا من أن تتسبب هذه الزيادة في "غضب" جديد بالبلد العربي، سيتم تنفيذ هذا الانتشار في ظل الاحترام الكامل لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وستخضع القوات لسلطة بغداد.

وإذا تمت إدارة هذه المبادرة بشكل مناسب، يمكن أن تنتج فرصا جيدة لتعاون أمني هادئ ومستدام بغرض استعادة المؤسسات العراقية وسيادة الدولة.

كما يمكنها، أيضا، المساهمة في تحسين العلاقات الأمنية متعددة الجنسيات مع العراق، بما يتجاوز الحملة ضد تنظيم "الدولة"، وتوزيع عبء الدعم على نطاق أوسع بين حلفاء الولايات المتحدة.

وفي إطار أوسع، يمكن اعتبار توسيع مهمة "الناتو" بالعراق -التي تمت مناقشتها بالفعل في يونيو/حزيران 2021 خلال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولة ضد تنظيم "الدولة" برئاسة مشتركة بين إيطاليا والولايات المتحدة- استجابة لرغبة واشنطن في انخراط حلفاءها بشكل أكبر في بمهمات نشطة بالشرق الأوسط.

ويعكس هذا النهج بدوره لحظة تقلص فيها واشنطن بشكل كبير من وجودها العسكري في المنطقة؛ بسبب الأولوية المتزايدة التي تمنحها إلى منطقة "الإندو-باسيفيك" (المحيطين الهندي والهادئ).

وفي العراق، لا تزال الولايات المتحدة تنشر 2500 جندي، لكن يجب أن تجلي القوات القتالية منها بالكامل بحلول نهاية العام الجاري.

وضمن هيكلة "الناتو" الجديدة في العراق، ستحتل القوات الإيطالية الحصة الأكبر من تعداد الأفراد، مع نشر 1180 فرد كجزء من عملية "بريما بارثيكا" -المساهمة الإيطالية في عملية العزم الصلب- ومهمة "إن إم آي".

ومن خلال تولي زمام رابع مهمة متعددة الأطراف في منطقة البحر المتوسط ​​الأوسع (جنبا إلى جنب مع بعثة يونيفيل في لبنان، و"قوة كوسوفو" التابعة لحلف "الناتو"، وعملية "إيريني" في البحر المتوسط)، تعيد إيطاليا تأكيد دورها المتزايد داخل الحلف والتزامها الراسخ إزاء العراق.

الدور الفرنسي

وفي هذا السياق، تلعب فرنسا دورا بارزا في عمليات مكافحة الإرهاب بالعراق، سواء عبر تقديم الدعم الجوي أو الأفراد.

على الصعيد الثنائي، تحافظ فرنسا في العراق على دعم جوي قتالي وبرامج تدريب عسكرية غير قتالية في سياق عمليات مكافحة تنظيم "الدولة"، وذلك عبر 600 جندي و11 مقاتلة، وسفينة واحدة كجزء من مساهمة باريس في التحالف الدولي  الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة (عملية الشمال).

علاوة على ذلك، في أواخر أغسطس/آب الماضي، أكد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" التزام بلاده بمحاربة الخلايا النائمة لتنظيم "الدولة" في العراق، وذلك خلال مشاركته في "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة".

وبوضوح، تظهر هذه الزيارة لبغداد، التي تعد الثانية خلال عام وتمثل المشاركة الوحيدة في المؤتمر من خارج الإقليم، أهمية العراق بالنسبة للمصالح الإستراتيجية لفرنسا في المنطقة.

فرص اقتصادية واعدة

كما يقدم العراق فرصا اقتصادية واعدة لدول الاتحاد الأوروبي.

إذ تتواصل الأهمية الجيواستراتيجية القصوى للعراق بالنسبة للاقتصاد العالمي؛ بالنظر إلى احتياطياته النفطية الهائلة (من بين أكبر الاحتياطيات بالعالم) ودوره الهام في منظمة "أوبك".

وكان العراق من بين أكبر موردي النفط الخام لإيطاليا عام 2020؛ حيث حل بالمرتبة الثانية بعد أذربيجان عبر تلبية أكثر من 17% من طلب روما على الخام.

وعلى الصعيد الفرنسي، تزامنت زيارة "ماكرون" الأخيرة للعراق بتوقيع شركة "توتال" الفرنسية عقدا بقيمة 27 مليار دولار لاستخراج النفط والغاز من عدة آبار في محافظة البصرة (جنوب).

إضافة إلى ذلك، تأمل كل من فرنسا وإيطاليا في الحصول على عقود لإعادة إعمار المناطق الوسطى في العراق، التي دُمرت في الحرب ضد تنظيم "الدولة".

في الوقت الحاضر، تشارك الشركات الإيطالية بقوة في تقديم المساعدة التقنية لتعزيز البنية التحية الهيدروليكية (المائية) ونظام السدود بالعراق (خاصة في الموصل).

وفي الآونة الأخيرة، تبرعت إيطاليا للعراق بـ100 ألف جرعة لقاح مضاد لـ"كورونا" عبر مبادرة "كوفاكس" العالمية لتقاسم اللقاحات.

وهذا تبرع متواضع، لكنه يرمز إلى التضامن الإيطالي مع العراق في جهوده لمكافحة الجائحة (لم يتم تلقيح سوى نحو 10% من سكان العراق حتى الآن).

في الوقت ذاته، ذكرت تقارير صحفية أن شركة "ألستوم" الفرنسية وقعت صفقة بقيمة 1.5 مليار دولار مع السلطات العراقية لتصميم وبناء  خط قطار مونوريل في بغداد.

تحديات مستمرة

ومع ذلك، فإن زيادة الانخراط الأوروبي في العراق يمكن أن يمثل أيضا تحديا هائلا بسبب القضايا الحرجة المتعددة التي تميز السياق العراقي.

فعلى الرغم من استرضائها مؤقتا من خلال إقناع واشنطن بتقليص انخراطها في العراق، لا تزال تمثل الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران (والجماعات المسلحة التابعة لها) التحدي الأكبر للوجود الغربي في العراق، سواء أكان أمريكيا أو غيره.

وبالتالي، فإن هذا العنصر هو أول ما يجب مراعاته عند دراسة التداعيات المتوسطة إلى طويلة المدى لتعزيز التواجد العسكري الغربي على الأراضي العراقية.

وبالنظر إلى عدم التدخل التقليدي في القضايا الداخلية العراقية، يمكن للقوات الإيطالية والفرنسية المساعدة في الحفاظ على دعم دولي قوي للعراق مع تقليل خطر التصعيد مع المليشيات المدعومة من إيران.

ومع ذلك، بما أن البلاد شهدت انتخابات جديدة، فمن المعقول أن نتوقع أن نفس العقبة المتمثلة في احتواء (استرضاء) المليشيات المدعومة من إيران ستؤثر حتما على أي رئيس وزراء قادم؛ بالنظر إلى ضرورة تأمين الأغلبية داخل مجلس النواب (حيث تمتلك الجماعات المتحالفة مع إيران والقوى السياسية التابعة لها حصة كبيرة).

في هذا السياق، فإن أي نية لتبني إصلاحات مطلوبة بشدة في قطاع الأمن والحفاظ على الوجود العسكري في العراق (حتى لو كان ذلك في ظل الاحترام الكامل لسيادة العراق ووحدة أراضيه في إطار هيكل الناتو) يجب أن يأخذ في الاعتبار ضرورة تجنب إثارة التوترات بين الحكومة و القوات شبه العسكرية، وإضافة عدم الاستقرار إلى بيئة لا يمكن التنبؤ بها بالفعل.

وبهذا المعنى، سيكون الحذر حاسما في الأشهر القادمة.

في الوقت نفسه، يجب على فرنسا وإيطاليا تعديل خططهما لتوسيع مهمتهما وتأثيرهما في العراق بما يتماشى مع التطورات الجارية بالفعل في المنطقة.

فمنذ أشهر، يتمتع العراق بعلاقات إيجابية مع جيرانه المحيطين به (الذين تتمتع معهم كل من فرنسا وإيطاليا بعلاقات اقتصادية وسياسية دافئة إلى حد ما)، بجانب استضافته المفاوضات السعودية الإيرانية.

وفي الآن ذاته، أتاح مؤتمر بغداد فرصة مهمة لإنشاء منبر للحوار والتفاهم الإقليميين.

ومع ذلك، يمكن أن يؤثر الوجود الإيطالي والفرنسي المعزز في المنطقة بشكل تدريجي على العلاقة مع الدول المجاورة، وخاصة تركيا (التي انتقدت التحالف الأطلسي مرارا وتكرارا لتعاونه مع أكراد العراق).

وبالنسبة لأنقرة، يمكن للالتزام الأوروبي المعزز أن يوازن وجودها في العراق، خاصة في الشمال.

إن زيارة "ماكرون" الأخيرة إلى كردستان العراق (وهي منطقة تعتبرها أنقرة ضرورية لمصلحتها الوطنية وتأثيرها الكبير) مثال على ذلك تماما؛ ما أثار الدهشة في تركيا حول ما إذا كانت المنطقة الكردية العراقية يمكن أن تتحول إلى مكان جديد للتنافس مع باريس.

بشكل عام، سيمثل العمل الإيطالي الفرنسي المنسق في العراق نهجا مثاليا للمساعدة في الحفاظ على دعم دولي قوي لبغداد مع تقليل مخاطر المزيد من عدم الاستقرار على المستوى الإقليمي وتجنب تعريض جهود العراق لمواجهة التحديات طويلة الأمد للخطر.

المصدر | المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية | فرانشيسكو ساليسيو شيافي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق فرنسا إيطاليا الناتو تركيا

العراق يتعاقد مع توتال الفرنسية لتنفيذ 4 مشروعات كبرى

الكاظمي: العراق يرغب بتوسيع التعاون العسكري والاقتصادي مع إيطاليا

وزير خارجية إيطاليا: سنحتفظ بوحدة عسكرية كبيرة في العراق

لبنان وليبيا والعراق.. أجندة النفوذ الفرنسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تعهدت بالمزيد.. تركيا تتوقع نمو اقتصادها بأكثر من 10%

التحالف الفرنسي الإيطالي الجديد في أوروبا

دورية استخباراتية: منافسة فرنسية تركية للفوز بإدارة مطار الموصل

خلال زيارة ميلوني.. العراق يدعو لتعزيز التعاون الاقتصادي مع إيطاليا