لهذا السبب.. روسيا أبرز المستفيدين من انقلاب العسكريين في السودان

السبت 30 أكتوبر 2021 10:47 ص

لماذا بدت روسيا داعمة للعسكريين في انقلابهم على شركائهم المدنيين بالسلطة الانتقالية في السودان؟ تناول الباحث الأمريكي ومدير معهد دراسات دول الخليج "جورجيو كافييرو" إجابة هذا التساؤل في مقال نشره بموقع "Newslooks"، مشيرا إلى أن بعض الخبراء يرون أن الاستيلاء العسكري على السودان سيفيد موسكو جيوسياسيًا.

وذكر "كافييرو"، في مقاله، أن الديناميات الداخلية داخل مجلس السيادة الانتقالي في السودان شكلت موقف البلاد بين الغرب وروسيا، حيث كان الجناح العسكري للمجلس أكثر حرصًا على تقريب الخرطوم إلى تحالف أوثق مع موسكو ورفع العلاقات السودانية الروسية إلى مستويات عالية، بينما سعى الجناح المدني إلى التحرك نحو الولايات المتحدة.

مكاسب ومخاطر

من المحتمل إذن أن تحقق روسيا مكاسب جيوسياسية على حساب الولايات المتحدة بسبب الانقلاب العسكري هذا الشهر في السودان. ولكن مع وجود الكثير من عدم اليقين في الصورة، فمن المحتمل أن تشعر أيضا ببعض القلق بشأن الوضع في السودان.

وأضاف أن المخاطر كبيرة في السودان بالنسلة لمصالح موسكو الراسخة في البلاد، خاصة بعد تكثيف التدخل العسكري الروسي في سوريا، عام 2015، حيث عملت موسكو على إبراز قوتها في مناطق من العالم العربي، بينها السودان، الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

وأشار إلى أن السودان أصبح ذي أهمية استراتيجية لروسيا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، ولذا كان تأسيس موطئ قدم فيه مهمًا لسياسة موسكو الخارجية.

ونوه "كافييرو" إلى أن الروس أقاموا على مر السنين، علاقات قوية مع نظام الرئيس السوداني السابق "عمر البشير" وكذلك الحكومة الانتقالية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالديكتاتور عام 2019، حتى أصبح السودان أحد أسواق السلاح الروسي الرئيسية في أفريقيا، وأحد أكبر شركاء روسيا التجاريين في أفريقيا جنوب الصحراء.

كان أحد جوانب السياسة الخارجية الروسية، التي جذبت السودان في عهد "البشير"، هو معارضة موسكو لضغوط الدول الغربية بشأن حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، وعندما كانت المحكمة الجنائية الدولية تلاحق "البشير" بسبب جرائمه، روجت روسيا نفسها للسودان كقوة تحترم سيادة الدول، على عكس الحكومات الغربية.

ورغم أن الدعم الروسي لحكومة "البشير" خلال الأشهر الأخيرة له في السلطة، والذي استلزم نشر مجموعة مرتزقة "فاجنر" في السودان، كان له تأثير سلبي على تأثير القوة الناعمة الروسية على العناصر المؤيدة للديمقراطية في البلاد، والتي أصبحت تنظر إلى روسيا كلاعب مضاد للثورة، إلا أن ذلك لم يمنع موسكو من العمل بشكل عملي مع الحكومة العسكرية-المدنية، التي حكمت السودان منذ عام 2019، حتى الانقلاب هذا الشهر.

وفي هذا الإطار، يشير "كافييرو" إلى أن السودان وروسيا وقعا، في أواخر العام الماضي، اتفاق تعاون عسكري تقني مدته 25 عامًا لإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء السودان الرئيسي، وهو أول موقع بحري روسي في أفريقيا.

لم يكن هذا الأمر جيدًا بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، التي مارست ضغوطًا على الحكومة الانتقالية في السودان لكبح علاقاتها مع الكرملين.

أبعد عن الغرب

وفي السياق، ينقل "كافييرو" عن أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد "صامويل راماني" توقعات مفادها أن تقلل الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، من تعاونها مع السلطة القائمة في السودان.

أما القوى غير الغربية، مثل روسيا والصين، والقوى الإقليمية في الشرق الأوسط، فستصبح "أسس السياسة الخارجية السودانية" بحسب تقدير "راماني"، الذي لفت إلى أن شخصيات مجلس الاتحاد الورسي، التي أدانت انقلاب 2019 على "البشير"، تلتزم الصمت هذه المرة، ما يظهر أن مؤسسات السياسة الخارجية والدفاعية الروسية متحدة حول "الاستفادة من الانقلاب" الجديد.

وتمر هذه الاستفادة عبر بوابة الصمت عن انتقاد الانقلاب ودعم توطيد سلطة قائد الجيش، الفريق أول "عبدالفتاح البرهان"، حسبما يرى "راماني".

من هنا يمكن قراءة تباين موقف الولايات المتحدة وروسيا على الانقلاب في السودان، إذ أدانت إدارة "بايدن" بسرعة استيلاء الجيش على السلطة، وأعلنت تعليقها لمبلغ 700 مليون دولار من المساعدات المخصصة للسودان، فيما لم يدن المسؤولون في موسكو الانقلاب.

وقالت وزارة الخارجية الروسية: "نحن مقتنعون بأن بإمكان السودانيين وينبغي عليهم حل المشاكل الداخلية بشكل مستقل (..) سيستمر الاتحاد الروسي في احترام اختيار الشعب السوداني الصديق وتقديم كل المساعدة اللازمة له".

ورغم إجماع مجلس الأمن الدولي على بيان يدعو السلطة القائمة في السودان إلى إعادة الحكم المدني، شددت موسكو على ضرورة "منع القوى الأجنبية من التدخل في شؤون الخرطوم"، وألقت باللوم على قوى خارجية (مثل الولايات المتحدة) شاركت في هكذا تدخل.

ومع ذلك، يشير "كافييرو" إلى أن المسؤولين الروس يدركون أن وضع السودان ينتابه الكثير من الغموض، وأن موسكو لا تزال حذرة في تقييم موقفها وتصدر بيانات دبلوماسية تقليدية تدعو إلى السلام والاستقرار في السودان، ما يشي بقلق شديد وراء الكواليس.

ويعود هذا القلق إلى جانبين، حسبما يرى "كافييرو"، الأول هو أن التطورات الاجتماعية والسياسية، التي أطلقتها الأحداث الأخيرة، تمثل نذيرا سلبيا بالنسبة لاستقرار السودان، وبالتالي يمكن أن تعرض الاستثمارات الروسية الحالية والمستقبلية هناك للخطر.

أما جانب القلق الثاني، فهو احتمال اتجاه السلطة القائمة في السودان للتلويح بجعل القاعدة البحرية المخطط لها في البحر الأحمر تابعة للولايات المتحدة بدلا من روسيا، في إطار تخفيف الضغط الشديد الذي تتعرض له من واشنطن والعواصم الغربية.

فالنظام العسكري قد يراهن على مساومة العلاقات العسكرية الاستراتيجية المتنامية مع روسيا بتقليل الضغط من الولايات المتحدة"، ومن شأن ذلك حرمان روسيا من إمكانات الاستثمار الاستراتيجي في السودان، والذي تخطط للاعتماد عليه مستقبلاً لتوسيع نفوذها المتزايد عبر القارة الأفريقية.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

السودان روسيا جورجيو كافيرو عمر البشير جو بايدن

مريم صادق المهدي: حمدوك لن يكون جزءا من مهزلة الانقلابيين

مظاهرات سودانية في فرنسا لرفض لانقلاب البرهان والمطالبة بإعادة الديمقراطية

العلاقات الروسية السودانية بعد الانقلاب العسكري.. ما نوايا موسكو؟

قلق أمريكي من احتمال سماح السودان بإنشاء قاعدة روسية في البحر الأحمر