هكذا ساهمت المعارضة التونسية المنقسمة في تمكين انقلاب قيس سعيد

الجمعة 5 نوفمبر 2021 05:00 ص

لم تتمكن المعارضة التونسية من تجاوز خلافاتها بالرغم من توحدها ضد انقلاب الرئيس "قيس سعيد". ولا تزال المعارضة منقسمة بشدة بين 3 معسكرات، مما يمنع أي زخم فعال لمقاومة الانقلاب.

ومنذ تعليق "سعيد" عمل البرلمان واستيلائه على السلطات في 25 يوليو/تموز، نجح في ترسيخ الأمر الواقع الجديد دون أي عوائق كبيرة. وفي حين كان هناك بعض الضغط الدولي من خلال البيانات التي تدعو إلى عودة عمل البرلمان، فإن هذه التصريحات نفسها قدمت أيضًا تطمينات كافية لـ"سعيد" بأن القضية تتعلق بالإجراءات أكثر من جوهر انقلابه.

وبالنظر إلى السياسات الأمريكية في العالم العربي، فقد اعترف الرؤساء الأمريكيون مرارًا بالانقلابات التي أطاحت بالقادة المنتخبين ديمقراطياً. واعترفت إدارة "أوباما" في النهاية بانقلاب الجنرال المصري "عبدالفتاح السيسي" على الرئيس "محمد مرسي" المنتخب ديمقراطياً. كما سمحت إدارة "ترامب" للجنرال الليبي "خليفة حفتر" بتنفيذ عملية عسكرية بهدف الاستيلاء على العاصمة الليبية بالقوة.

وضغط "بايدن" علنًا على السعودية بشأن اليمن بينما لم يفعل سوى القليل لوقف توسع الحوثيين الذي أطاح بالتحول الديمقراطي ويهدد اليوم محافظتي مأرب وأبين الغنيتين بالموارد.

ويعد أقرب حلفاء "سعيد" الدوليين في الإمارات ومصر على دراية جيدة بالسياسة الأمريكية في المنطقة ومن المحتمل أن يكونوا طمأنوه بأن مخاوف واشنطن تتعلق في المقام الأول بكيفية تنفيذ الانقلاب وليس الانقلاب في حد ذاته.

وفي الواقع، فسر أنصار "سعيد" التصريحات الدولية التي تنتقده باعتبارها علامات تشجيع.

وعندما دعا الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع إلى "العودة إلى نظام دستوري"، جادل أنصار "سعيد" بأن ذلك يعني أن المجتمع الدولي قد أقر بأن البرلمان الذي علقه "سعيد" قد مات.

وعندما أكدت الولايات المتحدة على ضرورة أن يشكل "سعيد" حكومة ويدخل في حوار، فسر أنصار "سعيد" ذلك على أنه إشارة إلى أن واشنطن قد تخلت عن البرلمان المعلق وأقرت بشرعية تصرفات "سعيد".

وإلى حد ما، هناك ما يبرر تفسير أنصار "سعيد" لهذه الاستجابة الدولية حيث إن اللغة التي استخدمتها واشنطن في الانقلاب الأخير في السودان مختلفة بشكل ملحوظ عن تلك المستخدمة ضد "سعيد". بالرغم أنه يبقى أن نرى ما إذا كان سيتبع ذلك عمل ملموس.

فحتى الآن، لم تستخدم واشنطن مصطلح "الانقلاب" لوصف أفعال "سعيد" حتى في الوقت الذي يتفق فيه أبرز الخبراء الدستوريين في تونس على ذلك. ولم يجلب استخدام "سعيد" للمحاكم العسكرية ضد خصومه سوى بعض الإدانات الهزيلة الإدانات.

من ناحية أخرى، واجه "سعيد" معارضة منقسمة بشدة مما عرقل أي جهود لتنسيق مقاومة فعالة للانقلاب مما زاد التصور في الخارج بأن "سعيد" يتمتع بدعم شعبي كبير.

ويعتقد معسكر من المعارضة أن ما قام به "سعيد" انقلاب غير قانوني لعملية الانتقال الديمقراطي. ويشمل هذا المعسكر أولئك الذين يدافعون عن عودة البرلمان من أجل التأكيد على شرعية الدستور. ويرى هؤلاء أن أعضاء البرلمان يمكن أن يقرروا بعد ذلك إجراء انتخابات مبكرة أو الاجتماع معًا لتشكيل حكومة ائتلافية قد تعالج المخاوف الشعبية المشروعة. وهذا هو الموقف السائد لحركة النهضة.

أما المعسكر الآخر في المعارضة، فهو مؤلف من مؤيدين لعودة البرلمان لكن بشرط استقالة رئيسه وهو زعيم حزب النهضة "راشد الغنوشي". ودعا إلى ذلك الرئيس السابق "المنصف المرزوقي"، الذي ألقى باللوم على حزب النهضة في الكثير من الفوضى التي أدت إلى الانقلاب، معتقدًا أن أي عودة إلى البرلمان بشكله الأخير ستفاقم الغضب الشعبي.

كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي سقوط "سعيد" والعودة المتزامنة لمجلس النواب إلى تفعيل بند من دستور 2014 يجعل رئيس مجلس النواب (في هذه الحالة "الغنوشي") رئيس الدولة بالنيابة.

بعبارة أخرى، ستؤدي الإطاحة بـ"سعيد" وإعادة عمل البرلمان إلى صعود "النهضة" إلى موقع سياسي أقوى بكثير مما كان عليه قبل الانقلاب.

فيما يرى فصيل ثالث أنه في حين أن انقلاب "سعيد" غير شرعي، فإنه لا ينبغي إعادة عمل البرلمان. وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون هناك حوار وطني لتشكيل حكومة انتقالية من الشخصيات المستقلة التي تشرف بعد ذلك على الانتخابات المبكرة.

وتجادل هذه المجموعة بأن الغضب العام تجاه البرلمان لا يمكن إنكاره وأن هناك نفورًا واضحًا بين الناس من عودة المجلس بشكله الأخير. وهذا هو موقف ناشطين بارزين منذ فترة طويلة مثل المحامي والسياسي "أحمد نجيب الشعبي".

وكان تأثير هذه الخلافات ظاهرا في نتائج الاحتجاجات ضد انقلاب "سعيد". وبينما نزل الآلاف في شارع "الحبيب بورقيبة" الشهير في 26 سبتمبر/أيلول مطالبين بإنهاء الانقلاب، كان تأثيرهم في الواقع محدودًا للغاية. فقد وصلوا وهتفوا لبضع ساعات وعادوا إلى بيوتهم، وواصل "سعيد" مسيرته دون الإشارة إلى المتظاهرين.

وأصبحت الانقسامات أكثر وضوحًا عندما تم تقديم اقتراحات بضرورة تنظيم الاحتجاج التالي أمام البرلمان الذي يخضع لحراسة أمنية مشددة.

ومع بدء النقاش، انسحب الجيش من مبنى البرلمان، وتم تفسير ذلك على أنه إشارة إلى أن الجيش لا يريد مواجهة مباشرة مع المتظاهرين. ثم استبدل "سعيد" الجيش بالشرطة. وخشي منظمو الاحتجاج من أن أي خطط للتظاهر أمام البرلمان ستنفر بعض الفصائل التي عارضت كلاً من "سعيد" وعودة البرلمان.

وكحل وسط، تم تنظيم المظاهرة التالية في شارع "الحبيب بورقيبة" مرة أخرى. وبدون مظاهرة أمام مبنى البرلمان، لن يضطر الجيش الذي نفذ انقلاب "سعيد" حتى الآن إلى اتخاذ قرار.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجيش يدعم بالفعل إجراءات "سعيد"، أو ما إذا كان يعمل لصالح "الاستقرار". والحقيقة هي أن الجيش يدرك جيداً عدم شعبية البرلمان بين الناس.

وعندما يرى القادة العسكريون أنه حتى أعضاء البرلمان والمتظاهرين المناهضين للانقلاب غير متأكدين مما إذا كان ينبغي إعادة المجلس، فإن قرارهم بعدم معارضة "سعيد" أمر مفهوم إلى حد ما.

ويعتبر الاحتجاج أمام البرلمان ضروريا لتهديد الانقلاب وإجبار الوحدات الأمنية على الاختيار بين الاستيلاء غير القانوني على السلطة أو المطالب العامة بإعادة الدستور والنظام القانوني.

 وطالما استمرت الاحتجاجات في شارع "الحبيب بورقيبة"، فسيكون "سعيد" مرتاحًا لقلة تأثيرها ولن يتم الضغط على الجيش لاتخاذ قرار. ويمكن لـ"سعيد" ببساطة أن ينشر احتجاجات مضادة بأعداد مماثلة كما فعل في 4 أكتوبر/ تشرين الأول. وسعى "سعيد" نفسه لتسويق احتجاجات المعارضة على أنها إشارة إلى عدم وجود انتهاك للحريات في ظل حكمه.

أخيرًا، فإن موقف المجتمع الدولي غالبًا ما تحكمه الحقائق على الأرض أكثر من المبادئ الديمقراطية. ويعد السيسي"، أحد أقوى حلفاء "سعيد"، وقد تم الاعتراف به بعد أن أصبح القوة الفعلية.

وبدون معارضة فعالة، سينجح انقلاب "سعيد" وسيُعترف به دوليًا. ودون تجاوز الخلافات الداخلية بين المعارضة، سيُحكم على تونس بالانزلاق إلى القمع الذي أمضت شخصيات المعارضة المتنازعة نفسها عقودًا في مناهضته.

المصدر | سامي حمدي/ إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد راشد الغنوشي الانقلاب التونسي حركة النهضة البرلمان التونسي

وزير الخارجية التونسي يؤكد دعم السعودية والكويت لإجراءات قيس سعيد

اتحاد التونسي للشغل يرفض شكل الحوار الذي اقترحه قيس سعيد

السفير الأمريكي لدى تونس يطالب قيس سعيد بوضع سقف زمني للإجراءات الاستثنائية

تونس.. دعوة لمظاهرة جديدة تنديدا بإجراءات قيس سعيد

رويترز: سعيِد يضيع مكتسبات الربيع العربي في تونس