رسائل «توماس فريدمان» من المملكة العربية السعودية

الخميس 26 نوفمبر 2015 08:11 ص

في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ألقى الكاتب الأمريكي «توماس فريدمان» محاضرة في المملكة العربية السعودية بعد أن تم توجيه دعوة له لزيارة البلاد، جدير بالذكر أن «فريدمان» هو أحد الكتاب المعروفين بهجومهم على المملكة واتهامهم لها بدعم التطرف، وقد جاءت الدعوة من خلال مركز الملك سلمان، والذي يتولى رئاسته الأمير «محمد بن سلمان» نائب ولي العهد ووزير الدفاع.

وفي مقال لـ«فريدمان» تحت عنوان «رسالة من السعودية» نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أمس الأربعاء، تحدث الكاتب عن زيارته للسعودية، وقد حظي الأمير «محمد بن سلمان» نائب ولي العهد على نصيب كبير من حديث الكاتب الأمريكي الذي أكد أنه يسعي لمستقبل «انفتاحي» للمملكة، وحشد الأمراء الشباب في البلاد، كما لفت النظر لما وصفه بأنه دور «بن سلمان» في محاربة الأفكار المتطرفة التي يعتنقها بعض العلماء المحافظين قائلا: «كانت هناك أمور أخرى قد لفتت انتباهي أثناء زيارتي هذه، مثل عزف الأوركسترا الغربية على القناة السعودية الحكومية في إحدى الأمسيات، و مجموعة الرسوم الفنية المعاصرة من قبل فنانين سعوديين، أحد الرسوم كانت لفنانة سعودية وهي معروضة في وزارة الإعلام».

كما نوه «فريدمان» إلى خطط «بن سلمان» من أجل تحسين الأداء الاقتصادي للمملكة عبر وقف تمويل الأغنياء ورفع أسعار الطاقة والتخلي عن الدعم.

مصدر لمعاداة التعددية

وفي مطلع مقاله وصف «فريدمان» السعودية بأنها «مصدر لأكثر أشكال الإسلام قسوةً ومعادية للتعددية»، ونوه «فريدمان» إلى أنه ذهب إلى المملكة لأجل البحث عن جذور تنظيم «الدولة الاسلامية» في المملكة حيث يضم التنظيم قرابة ألف شاب سعودي، والذين حدد ملامحهم في أنهم «الشباب الملتحون الذين لا يتحدثون الإنجليزية والمنغمسين في الإسلام الوهابي/السلفي».

وحذر «فريدمان» من دور من أسماهم بـ«العلماء المحافظين» و«الشخصيات الدينية الحماسية»، الذين يمثلون «جزءا من صفقة الحكم هنا، ولهم أكثر الحسابات شعبية على تويتر»، وحذر النظام السعودي من أن «هذه الشخصيات الدينية القيادية تعمل في النظام القضائي ويحكمون على كتاب المدونات الليبراليين بالجلد»، مؤكدا أن هؤلاء العلماء «لا يزالون في حالة إنكار لمدى استياء العالم من أيدولوجيتهم التي قاموا بتصديرها إليه»، وفقا لوصفه.

صعود الشباب

ووفقا لـ«فريدمان»، فإن المملكة العربية السعودية الحالية ليست ذات المملكة التي عاشها الأجداد، مشيرا لما قاله له وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»: «في الحقيقة، هي (المملكة) لم تعد بعد الآن ذات المملكة التي كانت في زمان والدي». ووصف «فريدمان» مؤسسة «سلمان» بأنها «منظمة تعليمية مثيرة للإعجاب، وتقوم بترجمة مقاطع الفيديو الخاصة بأكاديمية خان إلى اللغة العربية»، منوها إلى حضور 500 شخص في القاعة، «نصفهم نساء جالسين في قسمهم الخاص ومرتدين ثوبهم الأسود التقليدي».

ونوه «فريدمان» إلى وجود «ردة فعل سلبية في موقع التواصل الاجتماعي تويتر حول سبب منح منصة إلقاء لكاتب رأي ينتقد عملية تصدير الأيدولوجية السلفية»، بحسب تعبيره، ولكنه تحدث عما أسماه «استقبال دافئ من الجمهور لحديثه أيضا».

وأشار في هذا الصدد إلى أن أغلب سكان المملكة العربية السعودية هم شباب أقل من سن الثلاثين، وقبل عقد مضى، قال الملك «عبد الله» بأنه سوف يدفع تكاليف أي سعودي يريد الدراسة بالخارج، مما نتج حالياً أن 200 ألف سعودي يدرسون بالخارج (100 ألف منهم في الولايات المتحدة)، ويعود سنوياً قرابة 30 ألفا من الشباب يحملون الشهادات الغربية وينضمون إلى القوة العاملة في المملكة.

ولم ينس «فريدمان» أن يشير إلى ما وصفه بأنه تغير في معاملة النساء قائلا: «النساء يعملن في المكاتب في كل مكان، وهمس لي العديد من كبار المسؤولين السعوديين بأن بعض المحافظين (الدينيين) ينتقدوا هذا الحضور للمرأة في بيئة العمل علناً، ويحاولون الضغط عليهم سراً لكي يحصل بناتهم على مقاعد دراسية أو وظائف جيدة».

ويقول أيضا أن «شريحة الشباب الذي يستخدم مواقع التوصل بالتزامن مع ثورة تويتر ويوتيوب، هم هبة من السماء لمجتمعٍ مُغلق»، وفقا لوصفه.

خطة «محمد بن سلمان»

وتحدث «فريدمان» عن تفاصيل لقائه مع الأمير «محمد بن سلمان» وما وصفها بأنها «الجهود التي تُبذل من أجل رقي المملكة»، مشيرا إلى أن «أحد المشاريع الرئيسية للأمير محمد بن سلمان، والذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، عبارة عن لوحة قياس حكومية على الإنترنت تعرض بشفافية أهداف كل وزارة من خلال مؤشر الأداء الرئيسي، وسيتم من خلال ذلك محاسبة كل وزير».

وأشار «فريدمان» إلى أن فكرة ولي ولي العهد «تستهدف إشراك كل المملكة في الأداء الحكومي؛ وبالتالي أصبحت القرارات الكبرى التي يتم اتخاذها في عامين تحدث في أسبوعين»، ونقل عنه أن «التحديات الرئيسية تتمثل في الاعتماد المفرط على النفط والطريقة التي تُعد وتنفق بها الميزانية».

ولفت «فريدمان» إلى أن الأمير «محمد بن سلمان» يخلق الحوافز التي تشجع المواطنين السعوديين على الالتحاق بالقطاع الخاص، حيث إن 70% من السعوديين تحت سن 30 عامًا، ووجهة نظرهم تختلف عن باقي الـ 30%، والعمل يجري لخلق وطن لهم يريدون العيش فيه في المستقبل.

ونقل الكاتب الأمريكي عن ولي ولي العهد عمله على «محاربة الفساد الحكومي الذي يُعد أحد أبرز التحديات»، مشيرًا إلى سعيه في الوقت نفسه إلى «التحول إلى الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وكذلك الطاقة الشمسية، وجعلها قادرة على المنافسة في السوق المحلي، والحاجة ماسة إلى ذلك؛ حتى تتمكن المملكة من تصدير المزيد من النفط بدلًا من استهلاكه في الداخل».

وقال إن «بن سلمان» يُخطط لخفض الدعم للسعوديين عن الأثرياء، حيث لن يحصلوا على غاز وكهرباء ومياه رخيصة بعد الآن، وربما يتم فرض ضرائب على القيم المُضافة وضرائب للحد من استهلاك السلع الضارة على السجائر والمشروبات السُكرية، وخصخصة المناجم والأراضي غير المطورة وفرض الضرائب عليها مما يُحرر المليارات المجمدة حتى لو انخفض سعر النفط إلى 30 دولار للبرميل، كما سيوفر للرياض الإيرادات الكافية للاستمرار في بناء الدولة دون الحاجة لاستنفاذ المدخرات.

ونقل «فريدمان» عن «محمد عبد الله الجدعان» رئيس مجلس إدارة هيئة سوق المال قوله له: «لم أكن أكثر تفاؤلاً من قبل، لدينا شعور لم نشعر به من قبل».

ليست نتاج العقلية السعودية

«فريدمان» نقل أيضا نفي ولي ولي العهد أن تكون أفكار «الدولة الإسلامية» من نتاج العقلية الدينية السعودية مشددا على أنها «في الحقيقة كانت كردة فعل ضد الوحشية تجاه العراقيين السنة من قبل حكومة نوري المالكي الشيعية الموجهة من إيران وضد سحق السوريين السنة من قبل حكومة دمشق المدعومة إيرانيا». وقال: «لم يكن هناك داعش قبل أن تغادر الولايات المتحدة العراق. غادرت أمريكا ودخلت إيران ثم ظهرت داعش».

ونقل «فريدمان» شكوى «بن سلمان» أنه «في الوقت الذي قامت فيه داعش بتفجير مساجد في السعودية سعيا منها لزعزعة النظام، أخذ العالم يتهم السعودية بإلهام داعش»، وأضاف: «الإرهابيون يقولون إنني لست مسلما والعالم يقول إنني إرهابي»، ويعلق «فريدمان» بالقول إن «هذا إرث عدة عقود من دعم الحكومة السعودية للإسلام السلفي قبل أن تعمل مع الغرب على كبح الجهاديين، وقد صار العالم محبطا من هذا التناقض».

ويضيف نقلا عن «بن سلمان»: «نحن لا نلوم الغرب على إساءته فهمنا، فهذا خطأنا جُزئيا، نحن لانشرح وضعنا، والعالم يتغير بسرعة، ونحن بحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات لنكون مع العالم بشكل مختلفٌ، فلا يمكن أن تكون بمعزلٍ عن العالم، وعلى العالم أن يعرف ما يدور في منطقتكم ويجب علينا معرفة ما يدور في العالم، إنها قرية عالمية».

الحرب في اليمن

ونقل «فريدمان» عن المسؤولين السعوديين تمسكهم بالحل السلمي في اليمن واتهامهم للحوثيين بإجهاضه، قائلا: «قال لي المسؤولون السعوديون بوضوح أنهم مستعدون للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض في اليمن، ولا يُريدون أن يكونوا عالقين في الوحل هناك، إلا أن الحوثيين سوف يتعاملون مع ذلك بجدية فقط في حال أنهم استمروا في فقدان السيطرة على الأرض هناك».

ونقل عن «بن سلمان» قوله: «كلما استمروا في فقدان السيطرة على الأرض ومع وجود الضغوط الدولية، سيكونون أكثر جدية بشأن المفاوضات. نحن نحاول إنهاء هذه المسألة».

وأكد «فريدمان» أن «جميع المسؤولي الذين تحدثت معهم في رحلتي في الإمارات والكويت والمملكة العربية السعودية، قالوا لي وأفصحوا عن رغبتهم في ألا تتخلى أمريكا عن المنطقة»، متحدثين عن زيادة الفوضى بشكل ملحوظ في المنطقة نتيجة غياب التواجد الأمريكي.

  كلمات مفتاحية

السعودية توماس فريدمان تمكين الشباب إصلاح اقتصادي الوهابية محمد بن سلمان الدولة الإسلامية اليمن

«محمد بن سلمان»: السعودية قد تخفض دعم الطاقة والمياه للأغنياء

«بروكينغز»: «الجهاد العالمي» .. السعودية جزء من المشكلة ومن الحل أيضا

المملكة المتعثرة .. كيف تؤثر الأزمة المالية والحروب في المنطقة على السعودية؟

أميران يتمتعان بنفوذ كبير سيحددان مستقبل السعودية

«رويترز»: تغييرات جذرية في قطاع النفط السعودي و«محمد بن سلمان» هو الأقوى

«بيزنس إنسايدر»: السعودية تعاني لمنع «الدولة الإسلامية» من تجنيد الشباب

بدر الراشد: نسخة جديدة من «توماس فريدمان» بعد زيارة المملكة

«وول ستريت جورنال»: كيف توسع السعودية نفوذها في الشرق الأوسط؟

«فريدمان»: السعودية مرتعدة من احتمال مهاجمة «الدولة الإسلامية» لـ«إسرائيل»