«بيزنس إنسايدر»: السعودية تعاني لمنع «الدولة الإسلامية» من تجنيد الشباب

الأربعاء 4 مارس 2015 04:03 ص

سأل أستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - المعروفة بطابعها الديني المحافظ - مؤخرا فصلا به حوالي 80 طالبا عما إذا كانوا شخصيا يعرفون أحدا بعينه انضم إلى «الدولة الإسلامية»؛ الحركة الجهادية الراديكالية التي تعمل على ترويع الشرق الأوسط بأكمله الآن.

انتظر الأستاذ لقليل من الوقت ليسمع إجابة ثم جاءته صاعقة أصابته بالدهشة؛ فقد رفع عشرة طلاب أيديهم بالإيجاب. وطبقا لتحقيقه واستقصائه، فقد أعطى كل واحد من العشرة وصفا لنمط مُماثل؛ فقد كان هناك لمُدة شهر تقريبا صديق أو قريب ظل يأكل أو ينام في المنزل، لكنه «اختفى من حياته الطبيعية ... قطع علاقاته الاجتماعية، وأصبح أكثر تدينًا». هكذا ذكر الأستاذ الجامعي - الذي طلب عدم الكشف عن اسمه - مُضيفًا أنه بعد ذلك جاء يوم اختفى فيه ذلك الشخص.

وسرد الطلاب كيف أن بعض الشبان باعوا سياراتهم لدفع ثمن تذكرة الطائرة الخاصة بهم من المملكة العربية السعودية إلى تركيا التي تسللوا من خلالها إلى أراض تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» في الداخل السوري. وفي الوقت الذي يُعتبر فيه التأييد للدولة الإسلامية بين الشباب السعوديين منخفض نسبيا، إلا إنه كان كافيا لجعل المسؤولين يشعرون بقلق عميق.

وقد وجدت أحد استطلاعات الرأي العام الماضي أن فقط 5٪ من السعوديين يتعاطفون مع التنظيم الذي بسط نفوذه على مناطق بالعراق وسوريا. ولكن هذا يبدو كافيًا لخلق مشكلات بالغة.

وبحسب أحد السكان السعوديين، يبدو من شكله أنه في خريف عمره وقد رفض الكشف عن اسمه، «هناك دعم كاف بين السكان لتنظيم داعش، ما يجعل الأمور صعبة على الحكومة». وأضاف أن الشباب ينجذب إليها «لأنها تفعل ما تقول إنها تنوي القيام به»، وبإعلانها الخلافة الإسلامية «فقد أحيت أيام مجد الإسلام».

ويخشى مسؤولون سعوديون من نمو الجذب الأيديولوجي للشباب السعودي إذا نجح التنظيم في إطالة أمد إحكام قبضتها على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق التي رفعت راية ما تسميه بدولة الخلافة الإسلامية عليها.

«هذا هو التحدي» بحسب ما قاله المتحدث باسم وزارة الداخلية في المملكة اللواء «منصور التركي». «إن أكثر هؤلاء الناس لديهم الوقت لتطوير دعايتهم، ومع مرور الوقت سيزداد عدد الأشخاص الذين سوف يكونون مصدر إلهام».

وأضاف «تركي» أن 2.275 من السكان غادروا المملكة للانضمام إلى الجماعات المتطرفة في سوريا منذ عام 2011. ومن بين هؤلاء يوجد 635 عادوا إلى الوطن بينما بقي 1.640 مع تلك الجماعات، وربما لقى بعضهم حتفهم.

وأعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» - الذي كانت وحشيته بمثابة صدمة للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء - المملكة العربية السعودية هدفا رئيسيا، وأنهم لن يألوا جُهدا في بسط سيطرتهم على المدينتين المُقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبحسب محللين فإن هذا من غير المرجح بشدة، ولكن المجموعة بدأت تعطي اهتماما أكبر بالمملكة في الأشهر الأخيرة، وخاصة منذ انضمام الرياض إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة وتضم تحالفًا دوليا.

لقد كان التنظيم مسؤولا عن عدة حوادث مُستقلة، بما في ذلك إطلاق النار على الأجانب، وقتل سبعة أشخاص على الأقل من المصلين الشيعة في الأحساء في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فضلا عن هجوم على نقطة حدودية سعودية على طول حدودها الشمالية مع العراق أسفر عن مقتل ثلاثة حراس سعوديين وفقًا للبيانات الرسمية والتقارير الإعلامية.

لكنها في الوقت ذاته لم تقم بعمليات كبيرة رئيسية متعددة الجوانب مثل التفجيرات واختطاف الرهائن التي قام بها تنظيم القاعدة في 2003 - 2006 وقتل خلالها العشرات.

«هذا يدل على أن الحكومة لا تزال تسيطر على الموقف» بحسب صحفي سعودي فضل عدم ذكر اسمه. لكن المتحدث قال إن مسؤولين سعوديين ما زالوا يستبعدون إمكانية ضلوع «الدولة الإسلامية» في تلك العمليات.

«تنظيم الدولة الإسلامية أكثر تهديدا من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لأنها أفضل تنظيما، وأقام قاعدة، ويقوم بتعليم الأطفال فنون الإرهاب». وأضاف إنهم «مدربون جيدا، ولن نندهش أن نرى عناصر الدولة الإسلامية تُحلّق بمقاتلة من سلاح الجو لأنه ظهر أن لديهم خلفية عسكرية قوية».

وبالإضافة إلى ذلك؛ لاحظ الكثير من السعوديين في المقابلات الأخيرة أن «الدولة الإسلامية» أكثر تطورا من تنظيم القاعدة؛ خاصة في جهودها لتجنيد الشباب عبر وسائل الإعلام الاجتماعية. وتُعدّ أشرطة الفيديو التي تُبثّ على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت - مثل تويتر - أحد أبرز أداوت الجذب.

أجبر ظهور «الدولة الإسلامية» العام الماضي الحكومة السعودية على تبني أساليب أكثر صرامة ضد الإرهابيين. وحظر مرسوم ملكي في فبراير 2014 على المواطنين الانضمام إلى أي صراع في الخارج دون إذن رسمي، كما وضع الحد الأدنى الإلزامي ثلاث سنوات كعقوبة حبس لمن يخالف النظام.

وحتى أولئك المُجندين الذين يعودون إلى وطنهم المملكة العربية السعودية طوعًا بعد فترة - طالت أو قصرت - من الانضمام لأي تنظيم أو مجموعة في الخارج لا يُسمح لهم بدخول برنامج الحكومة الخاص بإعادة تأهيل المتشددين.

«وقبل صدور المرسوم الملكي كنا نتعامل معهم من خلال برنامج إعادة التأهيل بالتنسيق مع الأسرة»، بحسب «التركي»، «ولكن الآن يذهبون إلى السجن».

ويزيد هذا التغيير من تفاقم المشكلة منذ فترة طويلة بالنسبة للحكومة، حيث إن السجون السعودية مليئة الآن بالسجناء السياسيين الذين قد يصيرون أكثر تطرفا.

ومن بين 392 شخصا اعتقلوا في عام 2014 بتهم تتعلق بأنشطة إرهابية مزعومة، كان معظمهم من السعوديين والكثير من هؤلاء كانوا يحاولون تأسيس شبكات دعم للدولة الإسلامية في المملكة وفقا للتركي. وأضاف أن من بين هؤلاء كان هناك 97 شخصا في السابق ضمن برنامج الحكومة لإعادة تأهيل المتشددين.

المرسوم الملكي الصادر في عام 2014 لحظر الانضمام للحركات الجهادية خارج المملكة أبطأ من الأمر لكنه لم يُوقف الهجرة للخارج. ومن 2.275 أنهوا البرنامج التأهيلي منذ عام 2011، رحل 355 بعد صدور المرسوم.

تهديد أيدلوجي وليس عسكري

وتتمثل معضلة المملكة العربية السعودية في أن القاعدة الأيديولوجية الأساسية لـ«تنظيم الدولة» هي ذاتها من الوهابية؛ السلالة المهيمنة على السلفية التي تُروّج لها الدولة السعودية. هذه القاعدة هي قراءة حرفية للكتب الإسلامية المقدسة الذي لا تتساهل مع أتباع الديانات الأخرى، والرغبة في العيش بنفس النمط الذي عاشه المسلمون الأوائل.

الفرق الكبير هو أن الوهابية تدعوا رسميا إلى طاعة ولي الأمر الذي مطلوب إذنه في الخروج للجهاد وتوقيع العقوبات البدنية التي أقرتها المحكمة. وعلى النقيض من ذلك، فإن «الدولة الإسلامية» تعلن الجهاد فرض عين على كل مسلم كما تستخدم العنف الشديد - بما في ذلك قطع الرؤوس وعمليات الإعدام الجماعية - كسلاح يومي ضد أولائك الذين لا يتبعون تفسيرا مُتشددا للإسلام.

«هؤلاء الناس يعطون الانطباع بأنهم يقيمون دولة إسلامية، وهو فخ لإيهام الشباب المسلم وتجنيده» بحسب «التركي».

الشباب السعودي المتدين عُرضة لرسالة «الدولة الإسلامية» أن المملكة العربية السعودية - أحد أشد الحكومات المحافظة دينيًا في العالم - غير إسلامية؛ لأنها - على سبيل المثال - تسمح بظهور المرأة على شاشات التلفزيون السعودي، كما تسمح للإناث بالسفر للدراسة في الخارج تحت مُسمّى المنح الدراسية.

ونتيجة لذلك، فقد خلص بعض السعوديين بأن مواجهة إغراءات «الدولة الإسلامية» تتطلب إعطاء السلطات الدينية مجالاً أكبر ومكانة أعلى. وقد كانوا سعداء بالطبع لرؤية المقترحات العامة التي قدمها الملك «سلمان» للمؤسسة الدينية المحافظة في المملكة بعد أن جلس على العرش بعد وفاة أخيه غير الشقيق «عبدالله» في 23 يناير الماضي.

وقال «عبدالله الشمري»، كاتب عمود سياسي في صحيفة اليوم، «هناك اعتقاد عام بأن الملك عبد الله لم ينجح في محاربة المتعصبين لأنه حاول بطرق ليبرالية. الطريقة الوحيدة لمحاربتهم هي الدين ... بالإسلام. الآن، سيكون الخطر أقل لأن الملك سلمان سيقاتل الدولة الإسلامية بالقرآن الكريم والعلماء - السلطات الدينية - والدين».

وهناك سعوديون آخرون قلقون من نهج الملك الجديد؛ لأنهم يخشون ازدياد نفوذ المؤسسة الدينية المحافظة، وهو ما لا تحتاجه المملكة الآن للتنمية الوطنية؛ وخاصة فيما يتعلق بالمرأة.

والتقى «سلمان» أيضا مع الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» يوم الأحد في الرياض لمناقشة القضايا الإقليمية، بما في ذلك - من دون شك - كيفية مواجهة «الدولة الإسلامية» التي أعلنت بعض مناطق في مصر جزءًا من أرض الخلافة التابعة لها.

وفي العام الماضي، انتقد الملك الراحل «عبد الله بن عبدالعزيز» مؤسسته الدينية بسبب الكسل والصمت لتحفظها بشكل ملحوظ على إدانة «الدولة الإسلامية» وجرائمها الوحشية. وهناك اتجاه بين صفوف رجال الدين بالامتناع عن انتقاد «الدولة الإسلامية»؛ لأنها ينظر إليها على أنها تعزيز للمصالح السنية ذات الأغلبية ضد الأقلية الشيعية.

وعلى الرغم من أن أعلى سلطة دينية في المملكة العربية السعودية والمُتمثلة في سماحة المُفتي الشيخ «عبد العزيز آل الشيخ» وكبار رجال الدين الآخرين قد أدانت «الدولة الإسلامية»، إلا إن بعض علماء الدين السعوديين ينتقدون تقاعس الحكومة وحلفائها الدينيين في القيام بما يكفي لمواجهة رسالة المجموعة الإرهابية.

وقال الشيخ «عادل الكلباني» - رجل دين وهابي متفتح فكريا بعض الشيء - في مقابلة داخل مسجده في الرياض إن المجموعة الإرهابية تقترف نفس الخطأ مثل بعض الحركات السلفية الأخرى التي «تعيش الماضي في الوقت الحاضر».

وأضاف الشيخ أن «الدولة الإسلامية تنفذ قواعد الماضي أو تقاليد الماضي في الوقت الحاضر، في حين أنها ينبغي أن تنفذ ما قاله القرآن والسنة بما يتماشى مع الحاضر، مع أخذ المبادئ الأصلية وترك التفاصيل». التفسير الصحيح للسلفية هو «أن تبقي في الوسط فلا تتشدد ولا تتساهل. الإسلام دين الوسطية».

وقال «الكلباني» إنه يرى دعمًا قويا للدولة الإسلامية على مواقع مثل تويتر على الرغم من صعوبة التعرف والتوصل إلى مدى حجم التأييد لهذا التنظيم في المملكة. لكنه يخشى في الوقت ذاته أن أدوات الجذب التي تستخدمها «الدولة الإسلامية» سوف تزيد من جذب الشباب السعودي إذا لم تتحرك السلطات الدينية بشكل أكثر فاعلية في الحرب الأيديولوجية ضدها.

وأضاف أن «المشكلة مع رجال الدين» لأنهم «لا يفسرون الأمور بالصورة المطلوبة. وعادة ما يتحدثون بشكل عام. هم بحاجة للتحدث بشكل خاص ومتكرر لشرح الأمور للشباب ... يجب أن يكون لدينا برامج ومناقشات مكثفة حول داعش ومناقشة الصواب والخطأ مع الناس».

وتابع «الكلباني»: «من هم في الخارج ليسو مشكلة، لكن المشكلة في من هم في الداخل. عندما يكون الناس داخل المملكة العربية السعودية مقتنعون بأفكار داعش، فإن ذلك سيؤذي المملكة العربية السعودية. إذا كنا لا نتحدث إلى الشباب، فربما تذهب داعش وتتحدث هي، ومن ثمّ تكون المشكلة». 

  كلمات مفتاحية

السعودية الدولة الإسلامية الوهابية المؤسسة الدينية

13 دولة عربية وأجنبية ترفض استلام 100 جثة لرعاياها في «الدولة الإسلامية»

الداخلية السعودية : 1500 سعوديا تورطوا فى الإرهاب منذ عام 2011

«وول ستريت»: السعودية بدت مترددة من رد الفعل الداخلي تجاه قصف «الدولة الإسلامية»

جمال خاشقجي: لماذا غضب الملك عبدالله من العلماء؟

«روبرت فيسك»: مخاوف السعوديين كثيرة .. إنهم يخشون حتي أنفسهم!

قلق من اختطاف السفن السياحية بعد تجنيد «الدولة الإسلامية» لمقاتلين من «الكاريبي»

في السودان .. الطريق لـ«الجهاد» يتخذ منعطفا غير متوقع للطلاب

حملة إعلامية في السعودية تخاطب الشباب لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»

مقتل 52 من «أشبال الخلافة» جندهم «تنظيم الدولة» في سوريا خلال العام الجاري

كيف يستقطب تنظيم «الدولة الإسلامية» مقاتليه الجدد؟

«ديفيد هيرست»: إيران والدكتاتوريون السنة هم أكثر من يجند لـ«الدولة الإسلامية»

محلل عسكري: «الدولة الإسلامية» ما زال يتلقى تمويلا ويجند مزيدا من المتطوعين

رسائل «توماس فريدمان» من المملكة العربية السعودية

«و.س. جورنال»: نشاط سعودي من أجل اعتراض تجنيد «المتشددين» عبر الإنترنت