تونس: من يسيّس القضاء؟

الجمعة 7 يناير 2022 03:17 م

تونس: من يسيّس القضاء؟

معادلة قيس سعيّد: إما أن تسمحوا لي بإطباق قبضتي على البلاد والعباد وإلا فأنتم خونة ومجرمون والقضاة الذين لا ينفذون أوامري هم أيضا مجرمون!

يهاجم قيس سعيّد حياد القضاء التونسي ورفض القضاة استخدام ملفات بحوزتهم لتحقيق أهدافه السياسية بتجريم خصومه ويعتبر ذلك تدخلا للسياسة في القضاء.

يتحدث قيس سعيّد عن البلاد والعباد كما لو كان (هو) كائنا فضائيا هبط لمنصبه نتيجة قرار إلهي وأنه فوق السياسة والأحزاب والحكومات والنواب والقضاء!

المجلس الأعلى للقضاء التونسي، هيئة دستورية مستقلة، صار هدفا مستمرا لهجمات قيس سعيّد، رفض «مراجعة وإصلاح المنظومة القضائية بمراسيم (رئاسية)» ودعا القضاة لـ«التمسك باستقلاليتهم».

*      *      *

اكتشفت محكمة الدرجة الأولى في تونس، فجأة، حصول جنح انتخابية في الانتخابات، التي جرت آخر جولة منها عام 2019، ونتج عنها برلمان ذهبت أغلب مقاعده لأحزاب «النهضة» و«قلب تونس» و«التيار الديمقراطي» و«ائتلاف الكرامة» و«الدستوري الحر» و«حركة الشعب» و«تحيا تونس» مع بضعة مقاعد متفرقة لأحزاب أخرى.

استدعت المحكمة، إثر هذا الاكتشاف، 19 شخصية سياسية، وعلى رأسها راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة» والمنصف المرزوقي، الرئيس الأسبق لتونس، وكذلك رؤساء حكومات سابقين، هم الياس الفخفاخ ومهدي جمعة ويوسف الشاهد، ونبيل القروي، رجل الأعمال ومنافس الرئيس الحالي، قيس سعيّد، في الانتخابات الرئاسية، حمة الهمامي، المعارض اليساري القديم لنظام زين العابدين بن علي، وسلمى اللومي، مستشارة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.

جاءت هذه الاتهامات بعد وقف الوزير السابق، ونائب رئيس حركة «النهضة» نور الدين البحيري، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، بقرار من وزير الداخلية توفيق شرف الدين، وهو ما وصفته الحركة، وأطراف سياسية أخرى، بعملية اختطاف.

فيما كشف الناطق باسم الداخلية، لاحقا، أن توقيف البحيري جاء لـ«شبهات إرهابية» لأنه وافق على منح الجنسية التونسية لشخصيات عربية من «الإخوان المسلمين».

في اليوم نفسه الذي صدرت فيه الاتهامات والاستدعاءات هاجم الرئيس سعيّد القضاء التونسيّ، متهما مسؤولين كبارا فيه بالارتباط بـ«العصابات الإجرامية» وأعلن رفضه تدخّل «السياسة في القضاء» وكذلك تدخّل أطراف لم يسمها «بوضع بعض الأشخاص في مواقع حساسة، والتكتم على عدد من الحقائق» مشيرا إلى أن «أحدهم» رفض تسليم «الملفات المتعلقة بالاغتيالات والسرقة والاستيلاء على المال» معتبرا أن هذه الممارسات ترتقي لمرتبة «الجريمة والجناية».

آخر تصريحات المجلس الأعلى للقضاء التونسي، وهو هيئة دستورية مستقلة، الذي صار هدفا مستمرا لهجمات الرئيس سعيّد، كانت إعلانا عن رفض «مراجعة وإصلاح المنظومة القضائية بواسطة مراسيم (رئاسية)» ودعوة للقضاء إلى «التمسك باستقلاليتهم».

تأتي هذه الوقائع في ظل الأزمة السياسية المفتوحة منذ 25 تموز/يوليو الماضي، حين تمكن سعيّد، بدعم من القيادات العسكرية والأمنية، من الاستيلاء على السلطات التنفيذية، عبر حلّ الحكومة، والتشريعية، عبر حلّ البرلمان، والدستورية، عبر إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، والواضح أن سيطرته المطلقة على البلاد، والقضاء على خصومه السياسيين، تواجه معارضة سياسية وقانونية، مما جعله يستهدف القضاء، ويطلق تصريحاته الخطيرة ضد مؤسسات القانون والقضاة.

رغم تخصيصه حركة «النهضة» التي هي أكبر القوى السياسية في البلاد، بهجماته الواضحة أو المبطنة، فإن الرئيس التونسي لا يتردد في مهاجمة شخصيات من النخبة التونسية بكافة أطيافها، مستخدما في توصيفاته نعوتا خطيرة تدخل في التخوين والتشهير والقذف.

غير أن أميز ما يقوم به سعيّد هو أنه يتحدث عن البلاد والعباد كما لو كان هو كائنا فضائيا هبط لمنصبه نتيجة قرار إلهي، وأنه فوق السياسة والأحزاب والحكومات والنواب والقضاء!

وأن الاتهامات التي تتوجّه إلى خصومه ومنتقديه، رغم الصراعات السياسية البينة بينهم (كما هو الحال بين «النهضة» إسلامية التوجه، وحزب «العمال» الماركسي أيديولوجيًا) تتوجه رأسا إلى منافسيه، كالمنصف المرزوقي، أو الذين اختلفوا معه، كالياس الفخفاخ، أو انتقدوه، مثل حمة الهمامي.

مثير للعجب، في هذا السياق، أن سعيّد، الذي كانت خبرته القانونية، واحدة من الصفات التي استخدمت في الترويج له خلال الانتخابات الرئاسية، يهاجم حياد القضاء التونسي، ورفض القضاة استخدام ملفات بحوزتهم لتحقيق أهدافه السياسية في تجريم خصومه، ويعتبر ذلك الرفض تدخلا للسياسة في القضاء.

المعادلة حسب سعيّد إذن: إما أن تسمحوا لي بإطباق قبضتي على البلاد والعباد وإلا فأنتم خونة ومجرمون، والقضاة الذين لا ينفذون أوامري، هم أيضا مجرمون!

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، القضاء التونسي، تسييس، قيس سعيّد، القضاة، جنح انتخابية، نورالدين البحيري، المجلس الأعلى للقضاء،

قيس سعيد يواصل انتقاداته للقضاء: ليس سلطة فوق القانون

ردا على سعيد.. الأعلى للقضاء التونسي يتعهد بالدفاع عن استقلاله

تونس.. أنصار سعيد يستجيبون لدعوته للتظاهر أمام المجلس الأعلى للقضاء

قيس سعيد والقضاء.. أزمة تونس تتفاقم وهوة المعارضين تتسع