معادلة حساسة.. لماذا تسعى تركيا للوساطة في الأزمة الأوكرانية؟

الأربعاء 26 يناير 2022 02:30 م

قد يبدو عرض الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" للتوسط بين روسيا وأوكرانيا مجرد مبادرة دبلوماسية لتحقيق السلام بين البلدين، لكن الواقع أن شبح الحرب المتنامي يدق ناقوس الخطر لدى تركيا التي ستكون من أوائل الدول المتأثرة بالصدام العسكري بين روسيا وأوكرانيا.

ويعكس عرض الوساطة الذي قدمه "أردوغان" مخاوف أنقرة من الأزمات التي يمكن أن تجد نفسها فيها إذا حدثت حرب في شرق أوكرانيا.

وبالرغم من علاقته الوثيقة مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، فقد تسبب "أردوغان" في غضب موسكو؛ ليس بسبب ما أبداه من تضامن قوي مع كييف فحسب، وإنما أيضا من خلال دعم استراتيجية الناتو لتوسيع وجوده في منطقة البحر الأسود، بما في ذلك التحركات التي أثارت أسئلة حول التزام أنقرة بمؤتمر مونترو 1936، وهو أمر حاسم للمصالح الروسية في البحر الأسود.

وتنظم الاتفاقية حركة المرور البحري من خلال مضيقي البوسفور والدردنيل في تركيا (الرابطة البحرية بين البحر المتوسط ​​والبحر الأسود) وتفرض قيودًا صارمة على السفن العسكرية التابعة للدول غير المطلة على البحر الأسود، مما يقيد فعليا وصول قوات بحرية تابعة للوابايتة المتحدة أو حلف الناتو إلى البحر الأسود.

لكن الآن مع تعالي صيحات الحرب، يحاول "أردوغان" وضع تركيا في وضع محايد، على الأقل ظاهريًا. وفي مكالمات هاتفية مع "بوتين" والرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلنسكي" في وقت سابق من هذا الشهر، دعا "أردوغان" الزعيمين لزيارة تركيا، لكن مع إعراض روسيا، فإنه يعتزم الآن زيارة كييف في أوائل فبراير/شباط ويأمل في السفر بعدها إلى موسكو.

الرد على عرض الوساطة

لا يوجد لدى كييف اعتراض على وساطة تركيا (العضو في الناتو) بالرغم أن "زيلنسكي" دعا إلى محادثات مباشرة مع "بوتين" لإنهاء النزاع مع الانفصاليين الذين يدعمهم الروس في دونباس. ومع ذلك، فإن نهج "أردوغان" في الأزمة يجعل روسيا تستبعده كوسيط (حيث يقول إن النزاع في دونباس يجب أن يحل على أساس سلامة أراضي أوكرانيا ويرفض الضم الروسي لشبه جزيرة القرم باعتباره احتلالًا).

وفي 19 يناير/كانون الثاني الجاري، أعاد الكرملين التأكيد على أنه سيرحب بالجهود التركية لـ"التأثير على الأوكرانيين وإقناعهم بالوفاء بالاتفاقات والالتزامات الحالية"؛ في إشارة إلى اتفاقيات مينسك لعام 2015. بمعنى آخر، فإن ما تبحث عنه روسيا ليس الوساطة وإنما جهود لمنع "زيلنسكي" من الإقدام على مغامرة عسكرية في دونباس، بتشجيع من الدعم الأمريكي والبريطاني.

علاوة على ذلك، فقد تمكنت موسكو من تحويل أزمة أوكرانيا إلى ورقة مساومة أوسع لوقف توسع الناتو شرقًا، ما يجعل "أردوغان" مرة أخرى وسيطًا مستبعدًا.

وبدا أن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" قد تنازل عن عرض الوساطة عندما قال الأسبوع الماضي إن "محادثات حلف الناتو وروسيا والحوار الأمريكي الروسي سوف يكونان مصيريان" في كيفية تطور هذه الأزمة.

دور المسيّرات التركية

وفي حين تحتاج تركيا بشدة إلى تهدئة التوترات، فإن استخدام أوكرانيا للطائرات المسيرة التركية في دونباس قد يتسبب في صداع لتركيا. وفي عطلة نهاية الأسبوع، حاول وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" تبرير مبيعات الطائرات المسيرة باعتبارها جزءًا من التزامات الناتو نحو الشركاء غير الأعضاء.

وأكد أن استيراد أوكرانيا لهذه الأنظمة واستخدامها شأن يخضع لتقديرها الخاص، ولذلك لا يمكن لوم تركيا على تصديرها هذه الأنظمة"، لافتا إلى أن أوكرانيا تعد شريك "الفرص المحسنة" لحلف شمال الأطلسي "ناتو".

وأوضح أن زيادة القدرة الدفاعية لأوكرانيا تأتي ضمن أحد بنود خطة الشراكة الفردية للناتو، وأن تركيا باعتبارها عضوا في الحلف تساهم في زيادة القدرة الدفاعية لأوكرانيا في إطار التعاون الثنائي وضمن العلاقات مع حلف شمال الأطلسي.

ويمكن قراءة تصريحات "أكار" في إطار الرد على الادعاءات الغربية بأن توريد تركيا للطائرات المسيرة المسلحة لأوكرانيا، هو ما استفز روسيا.

تأرجح بين العداء والحذر

ربما يبدو حصول تركيا على منظومة الدفاع الجوي الروسية "S-400" تناقضًا صارخًا مع الموقف من الأزمة في أوكرانيا، ولكن مثل العديد من الحلفاء الغربيين الآخرين، يبدو أن "أردوغان" يشعر بالقلق لأن ضم شبه جزيرة القرم قد لا يكون الفصل الأخير في الجهود الروسية لاستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها الاتحاد السوفييتي تحت مبرر حماية السكان ذوي الأصول الروسية.

وقال "أردوغان" في 17 يناير/كانون الثاني الجاري إن "روسيا اغتصبت القرم ولا يمكن أن تستمر الأمور بعقلية الاحتلال". ومع ذلك، يشعر "أردوغان" بالحاجة إلى استرضاء "بوتين"، بالنظر إلى الصداقة بين أنقرة وموسكو والتي اكتسبت زخما وبعدا استراتيجيًا خلال السنوات الأخيرة.

ونتيجة لذلك، تأرجح موقف تركيا بين دعم الموقف العدائي للولايات المتحدة وبريطانيا، والمدعوم من قبل بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وبين النهج الأكثر حذرًا للدول الأوروبية مثل ألمانيا والنمسا والمجر. وكان من السهل على "أردوغان" المناورة نتيجة عدم وجود وحدة في الموقف الأوروبي.

وقد تصاعدت مخاوف المعسكر الأوروبي في الناتو مع ظهور مراكز قوة جديدة مثل اتفاقية "أوكوس" بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لمناهضة الصين ومبادرة "كواد" التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند وكذلك التطورات المثيرة للجدل مثل القرار الأمريكي الأحادي الجانب بالانسحاب من أفغانستان وإلغاء أستراليا لصفقة غواصات ضخمة مع فرنسا بعد فترة وجيزة من اتفاقية "أوكوس". وسعت تركيا لاستغلال هذه الشروخ، لكن مع تصاعد الأزمة الأوكرانية الآن، قد تدفع تركيا تكلفة هذه السياسة.

وتنطوي الاستراتيجية الأمريكية البريطانية لمواجهة روسيا على تقديم شحنات أسلحة لأوكرانيا مع التهديد بالعقوبات التي يمكن أن تغرق الاقتصاد الروسي. ولكن هذه الاستراتيجية تتضمن أيضا الضغط على تركيا بسبب علاقاتها مع روسيا، بما في ذلك منظومة "S-400"، وكذلك الضغط على ألمانيا بسبب رغبتها في الحفاظ على خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" مع روسيا، بالإضافة إلى الضغط على فنلندا والسويد بسبب تبني سياسة عدم الانحياز التي تبقيهما خارج الناتو، وكذلك الضغط على أي دولة في الناتو تعارض تحويل أوروبا لساحة صراع بشكل يشبه أيام الحرب الباردة.

مصالح تركية على المحك

ومن المتوقع أن يتم تليين الموقف التركي تجاه روسيا بالرغم من حدة الخطاب الذي تتبناه أنقرة، وقد تجلى ذلك من قبل في الموقف التركي خلال الحرب الجورجية الروسية في عام 2008 عندما حاولت جورجيا المدعومة من الغرب استعادة منطقة أوسيتيا الجنوبية التي انفصلت عنها.

وبالرغم أن أنقرة كانت مؤيدة بقوة لتدريب الولايات المتحدة للجيش الجورجي استعدادًا للحرب، إلا إنها رفضت السماح بعبور السفن الحربية الأمريكية في البحر الأسود كجزء من التحركات الأمريكية لردع روسيا، مستندة لاتفاقية مونترو. وفي نهاية المطاف، تحطمت خطط جورجيا لاستعادة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا حيث هبّت روسيا لمساعدة المناطق الانفصالية.

وقد يفرض التصعيد العسكري في شرق أوكرانيا قرارات صعبة على أنقرة، خاصة فيما يتعلق بمسؤوليتها عن الحفاظ على طريق الملاحة عبر المضايق التركية، ومن المرجح أن ينصب التركيز التركي الرئيسي في هذه الحالة على تجنب المواجهة مع موسكو.

ويضع "أردوغان" في اعتباره قائمة طويلة من المصالح، بما في ذلك استقرار المضايق التركية والبحر الأسود، ومحطة أكويو للطاقة النووية التي يبنيها الروس في جنوب تركيا، وأمن إمدادات الغاز القادمة من روسيا، بالإضافة إلى أهمية السياحة الروسية والأوكرانية بالنسية لتركيا، وأهمية الأسواق الروسية لمصدري الفاكهة والخضروات التركية، ومشاريع البناء التركية العديدة في روسيا، بالإضافة إلى طموحات أنقرة في توسيع نفوذها في القوقاز بعد مساعدة أذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ في عام 2020 وعملياتها المستمرة في سوريا وليبيا.

وفي خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تركيا، أصبحت واردات القمح من روسيا حاسمة الآن بعد أن تضاعفت أسعار الخبز في البلاد في غضون أسابيع.

علاوة على ذلك، من الصعب التنبؤ بنطاق العقوبات المحتملة ضد روسيا وتأثيرها على البلدان الأخرى المرتبطة بعلاقات معها، وقد رفضت تركيا حتى الآن الانضمام إلى العقوبات الأمريكية والأوروبية ضد روسيا، لكنها قد لا تصمد على هذا الموقف إذا امتدت العقوبات للقطاع المصرفي.

وحتى لو تمكنت أنقرة من تحقيق موقف محايد، فإن العلاقات التركية الروسية لن تنجو بسهولة من هذه الأزمة، إذ إنه من الصعب تخيل أن "بوتين" سوف يتجاهل بيع تركيا للطائرات المسيرة المسلحة إلى أوكرانيا أو وصف "أردوغان" للقرم باعتبارها أرضًا "مغتصبة".

كما لا يمكن استبعاد الانتقام الروسي المحتمل من خلال قضايا مثل الصراع القبرصي أو التواجد التركي في سوريا وليبيا والعراق أو الأزمة الكردية.

المصدر | المونيتور | فهيم تستكين - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا أوكرانيا الناتو أزمة أوكرانيا التوترات الروسية الأوكرانية العلاقات التركية الروسية العقوبات على روسيا الأزمة الأوكرانية

أردوغان يبدي استعداد تركيا للوساطة بين روسيا وأوكرانيا

اليابان: سنتعاون مع أمريكا إذا غزت روسيا أوكرانيا

لتعزيز العلاقات وبحث الأزمة مع روسيا.. أردوغان يصل إلى أوكرانيا

تركيا مستعدة لاستضافة قمة روسية أوكرانية لإنهاء التوتر