لعبة روسيا المزدوجة في مفاوضات الاتفاق النووي

السبت 29 يناير 2022 11:47 م

لطالما سعت إيران إلى الحد من تأثير العقوبات الأمريكية من خلال السعي إلى زيادة العلاقات السياسية والاقتصادية مع الشرق، مما أظهر قدرًا أكبر من المرونة والاستعداد للتكيف مع البيئات المختلفة في السياسة الخارجية.

وبعد أقل من 6 أشهر من توليه المنصب، اتجه الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" نحو الشرق بقوة أكبر، وهي سياسة أقرّ بها المسؤولون الإيرانيون علنًا. وبينما كان "رئيسي" يستعد لزيارة موسكو للتباحث حول مفاوضات فيينا، قال السفير الروسي لدى طهران "ليفان دزاجاريان": " يبدو أن إدارة رئيسي عازمة على مواصلة التوجه نحو الشرق وهو ما يمثل مصدر سعادة لنا".

لكن زيارة "رئيسي" إلى موسكو جاءت في ظل مخاوف من مجموعات مختلفة داخل إيران -من الفصائل الإصلاحية والمحافظة على حد سواء- بشأن اعتماد الجمهورية الإسلامية المتزايد على روسيا. وقد أشار العديد من النقاد إلى أن موسكو ظهرت وكأنها تتحدث نيابة عن طهران على مدار شهور من المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

وازدادت المخاوف أكثر عندما رفض "رئيسي" دعوة وزير الخارجية السابق "محمد جواد ظريف"، الدبلوماسي المخضرم الذي لعب الدور الحاسم في التفاوض على الاتفاق الأصلي في عام 2015، إلى اجتماع استشاري مع وزراء الخارجية السابقين والدبلوماسيين المخضرمين المشاركين في المحادثات النووية الإيرانية.

وفسرت بعض المواقع والصحف الإصلاحية ذلك على أنه محاولة لاسترضاء الروس الذين غضبوا من انتقاد "ظريف" للحكومة الروسية ووزير الخارجية "سيرجي لافروف" على وجه الخصوص.

وجاءت انتقادات "ظريف" في حديث تم تسريبه إلى وسائل الإعلام الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة في منصبه، وقال خلالها إن روسيا سعت لعرقلة جهود التوصل إلى الاتفاق النووي. وبالرغم أن حديث "ظريف" تسبب في زيادة المشاعر المعادية لروسيا في جميع أنحاء إيران، إلا أن موسكو تجاهلت إلى حد كبير انتقادات "ظريف" في ذلك الوقت.

ومع استئناف جولة جديدة من المحادثات النووية، سعت روسيا إلى لعب دور فعال في هذه العملية. وفي تناقض ملحوظ مع نهجهم في عام 2015، يرسل الدبلوماسيون الروس إشارات إيجابية ويدلون بتصريحات متفائلة، حتى أنهم يشيرون إلى أن المفاوضين الإيرانيين سيتراجعون عن "مواقفهم المتشددة" خلال المحادثات. ويحاول الروس التأكيد على نفوذ موسكو على طهران لإظهار أن روسيا ستكون صانع الصفقات الرئيسي في أي اتفاق مستقبلي.

وقال الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية "حميد رضا عزيزي": "كان موقف روسيا تجاه الاتفاق ثابتًا من خطة العمل الشاملة المشتركة على الأقل منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي... وما يمكننا رؤيته هو تغيير في تكتيكات روسيا  في محاولة لإبراز دورها باعتباره مركزيا".

ويشارك الدبلوماسي الروسي المخضرم "ميخائيل أوليانوف"، المعروف لدى الإيرانيين لاستخدامه المتكرر لـ"تويتر"، في محادثات إحياء الاتفاق النووي في فيينا. في حين أنه من الصعب الحصول على أخبار مباشرة وسريعة بشأن المحادثات، ينشر "أوليانوف" بانتظام تغريدات توضح بالتفصيل تطور المفاوضات، ليصبح في الواقع المتحدث "غير الرسمي" باسم مجموعة "5+1".

ومع ذلك، أثار الدبلوماسي الروسي جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي بعد تعليقه القاسي وغير الدبلوماسي على مقطع من حديث "ظريف" المسرب حول دور روسيا والذي جرى إعادة نشره على وسائل التواصل الاجتماعي قبل زيارة "رئيسي" إلى موسكو. وقد وصف بعض الإيرانيين تغريدة "أوليانوف" بأنها "إهانة" لـ"ظريف". وبعد الهجوم الشديد من قبل الإيرانيين الغاضبين عبر الإنترنت، اضطر "أوليانوف" لحذف التعليق المسيء.

لكن الخلاف الروسي الإيراني لم ينته عند هذا الحد. وبدلاً من ذلك، أدت الاضطرابات بشأن تعليقات "أوليانوف" إلى تصاعد الحديث حول المخاوف من "سياسة الاستبداد" الروسية تجاه إيران حيث أثار الدور المركزي للكرملين في محادثات فيينا ردات فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية.

ونظرًا لرفض إيران الجلوس وجهًا لوجه مع الجانب الأمريكي، أدى إطلاق "أوليانوف" لصورة اجتماع 29 ديسمبر/كانون الأول بين دبلوماسيين روس وأمريكيين بشأن الاتفاق النووي الإيراني إلى تزايد الانتقادات.

وقللت الصحف المحافظة الموالية للحكومة الإيرانية من أهمية الانتقادات للمفاوضين الروس، والتي وصفوها بأنها حرب نفسية تقف خلفها الولايات المتحدة وإسرائيل. لكن الناشطين السياسيين والخبراء من كلا المعسكرين الإصلاحيين والمحافظين استندوا بتاريخ روسيا مع إيران للتشكيك في صدق موسكو في التصرف كحليف لإيران في مواجهة الضغط الأمريكي. ووصف هؤلاء المنتقدون سياسات روسيا بأنها "انتهازية".

ومع ذلك، تؤكد محللة الشؤون الروسية "عفيفة عبيدي"، التي تراقب عن كثب تطورات العلاقات بين طهران وموسكو، أنه في ظل الظروف الحالية تفضل موسكو حلاً دائمًا وسلميًا للملف النووي الإيراني وإن كان ذلك خاضعًا لشروط معينة. وقالت: "في ظل الوضع الراهن، كان لابد على إيران إشراك روسيا في المحادثات النووية.... في ظل ظروف مثالية، كانت إيران ستجلس مباشرة مع الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات، لكن لأسباب مختلفة نحن في وضع ينشط فيه الروس بشكل إيجابي في المحادثات النووية الإيرانية".

وأضافت: "أدرك الروس من تجربة الاتفاق النووي والتطورات اللاحقة أن العداء بين إيران والولايات المتحدة لا يقتصر على الملف النووي، فقد فشل الاتفاق النووي في إعادة تطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن، لذلك فإن إحياءه لن يؤدي إلى أي تغيير كبير".

ما الذي تريده روسيا حقًا؟

بالرغم من 40 عامًا من العداء المستمر بين طهران وواشنطن، فإن العديد من الإيرانيين ينظرون إلى روسيا بقدر أكبر من الاستياء والريبة. وبالرغم من محاولات إدارة "رئيسي" لإقامة علاقات أوثق مع روسيا، فإن الاضطرابات في فيينا تظهر أن البلاد لا تثق في سياسة موسكو تجاه إيران.

وحقيقة الأمر أن الرأي العام في إيران لا يثق في روسيا لأسباب تاريخية وثقافية. وقد أوضحت "عفيفة عبيدي" أن ذلك بسبب دور روسيا في تقسيم بلاد فارس الكبرى وما تلاها من أحداث، ومن ناحية أخرى عدم النضج السياسي والاقتصادي لروسيا وإخفاقاتها التاريخية في مواجهة الغرب.

ينظر العديد من النقاد في روسيا إلى المجتمع الإيراني على أنه ذو توجه غربي في نظرته المستقبلية، ويتوقعون أن أي مكاسب كبيرة لإيران يمكن أن تهدد المصالح الأوسع لروسيا. لذلك يمكن تفسير قناعة موسكو برجل الدين المتشدد "إبراهيم رئيسي". ومع سيطرة المتشددين بشكل كامل على مقاليد السلطة في طهران، يمكن لروسيا السعي وراء علاقات أوثق مع إيران بشكل أكثر راحة.

ويعد استكمال عضوية إيران في منظمة شنجهاي للتعاون العام الماضي، والتمديد المخطط لاتفاقية التعاون بين طهران وموسكو لمدة 20 عامًا علامات واضحة على ثقة روسيا في مستقبل إيران السياسي.

ومع احتفاظ المتشددين والمحافظين باليد العليا في شؤون الجمهورية الإسلامية، يرى الروس فرصة لاستمرارية توجهات السياسة الخارجية الإيرانية خاصة تجاه الولايات المتحدة، حيث يعني هذا أن العداء للولايات المتحدة سيبقى.

وقد وصفت وسائل الإعلام الموالية للحكوم الإيرانية زيارة "رئيسي" لموسكو بأنها "نقطة تحول" نحو مزيد من التقارب بين طهران وموسكو من أجل "التغلب على العقوبات الأمريكية". ولكن بغض النظر عن مدى الرغبة الإيرانية والروسية في توثيق العلاقات، فلا أحد يتوقع انفراجة في المستقبل القريب في علاقتهما. وربما تكون سياسة "النظر شرقاً"، وتصور روسيا والصين على أنهما "منقذان" لإيران في نزاعها مع الولايات المتحدة، غير واقعية في ظل الظروف الحالية.

وفي الوقت نفسه، يقول منتقدو سياسة "التوجه للشرق" أن جميع الحكومات تبني سياساتها على المصالح الوطنية لذلك فإن روسيا والصين لديهما علاقات وثيقة وودية للغاية مع إسرائيل، العدو اللدود لإيران. وقال "عزيزي": "بالنسبة لروسيا، فإنها يمكن أن تتعاون بشكل وثيق مع إيران لكنها ستظل في الوقت ذاته تحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل... وبالنسبة لإيران، فهناك وجهة نظر مفادها أنه يمكن الاعتماد على روسيا في كل شيء للالتفاف على العقوبات".

وإلى حد ما، تعتبر العلاقات الروسية الإيرانية حتمية جغرافيًا، ويرتبط السلام والأمن في كلا البلدين بالتعاون والعلاقات المزدهرة بين البلدين. ومع ذلك، يجب أن تقوم العلاقات على أساس الاحترام المتبادل للاعتبارات الأمنية، وكذلك التعاون من أجل إحلال السلام والأمن في المنطقة. ولا يمكن تحقيق علاقات منسجمة حقًا بين طهران وموسكو حتى تتأكد كل دولة من مكان وقوف الأخرى.

المصدر | محمد هاشمي - منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإيرانية الروسية ابراهيم رئيسي جواد ظريف شنجهاي الاتفاق النووي إبراهيم رئيسي

بايدن وبينيت يبحثان سبل وقف البرنامج النووي الإيراني

من قطر.. إيران تطالب برفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي