يبدو أن النجاح يكلل مباحثات أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، مع الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، في أول لقاء قمة مع قائد خليجي في البيت الأبيض منذ توليه الرئاسة قبل عام.

ويعد الشيخ "تميم" أول زعيم دولة يزور واشنطن عام 2022، وتتزامن زيارته مع الذكرى الخمسين لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين عام 1972.

وشملت مباحثات "تميم" و"بايدن"، ملفات العلاقات الثنائية، والوضع في أفغانستان، وإيران، واليمن، والأمن الإقليمي وضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية، على خلفية الأزمة المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا.

وخلال اللقاء بين زعيمي البلدين، تم التوقيع على صفقة بنحو 30 مليار دولار لشراء الخطوط الجوية القطرية ما يصل إلى 50 طائرة، منها 34 نسخة شحن من طراز 777 إكس، و14 طائرة ركاب 737 ماكس.

وتمثل الصفقة، التي جرى توقيعها بالبيت الأبيض، دفعة لبوينج في وقت تواجه فيه مشكلات صناعية ومالية. وقد دفعت الطلبية القطرية سهم "بوينج" للزيادة ليغلق على ارتفاع 5.1%.

لكن الأبرز في حصاد القمة القطرية الأمريكية، كان إعلان "بايدن" إبلاغ الكونجرس رسميا، بتصنيف قطر حليفا رئيسيا من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لافتا إلى أن ذلك هو "اعتراف بمصلحتنا الوطنية في تعميق التعاون الدفاعي والأمني معها"، وأن "الدوحة كانت (عاصمة) مركزية للعديد من مصالحنا الحيوية".

مكاسب عدة

ويعد القرار الأمريكي تجاه الدوحة، انعكاسا لتقدير واشنطن لمحورية الدور القطري إزاء ملفات عدة، جعلت من البلد الخليجي قبلة للدبلوماسية الدولية، ومركزا مؤثرا لإدارة مفاوضات حساسة حول قضايا عدة، وغرفة عمليات لوجيستية لإدارة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان العام الماضي.

ولم تأت الخطوة الأخيرة من فراغ؛ فهي محل بحث من الجانب الأمريكي قبل سنوات، وتحديدا مع تطور العلاقات الدفاعية والأمنية من خلال "الحوار الإستراتيجي" بين البلدين، الذي عقد للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2018.

وبمقتضى تصنيف قطر "حليفا رئيسيا" خارج "الناتو"، ستجني قطر مكاسب عدة، حيث ستمنح امتيازات محددة في مجالات التعاون الدفاعي والأمني والتجاري، وفق القانون الأمريكي.

ووفق المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) "جون كيربي"، فإن "هذا التصنيف سيغير الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة وجيشها مع قطر"، مضيفا أن من شأن هذا التصنيف "فتح نطاق جديد من الفرص، والتدريبات والعمليات، وربما الحصول على معدات عسكرية أيضا".

ويحق للدول التي تحمل هذا التصنيف استضافة مخزونات من العتاد الاحتياطي للقوات الأمريكية، وكذلك إبرام اتفاقات للتدريب العسكري مع واشنطن.

ويؤهل هذا التصنيف، قطر، لزيادة التعاون في مجال البحث والتطوير في المجالات العسكرية مع الولايات المتحدة، والدخول في اتفاقيات مع الجانب الأمريكي للتدريب المشترك على أساس ثنائي أو متعدد الأطراف.

ويسمح التصنيف لقطر، كما هو الحال مع دول حلف شمال الأطلسي، بتقديم عطاءات على عقود صيانة أو إصلاح معدات وزارة الدفاع الأمريكية خارج الولايات المتحدة، وكذلك التمويل لشراء أجهزة الكشف عن المتفجرات وغيرها من مشاريع البحث والتطوير في مجال مكافحة الإرهاب.

ومن الامتيازات الأخرى التي يوفرها التصنيف، أهلية أن تؤخذ الدولة المصنفة في الاعتبار لشراء ذخائر اليورانيوم المستنفذة، وكذلك أهلية الدخول في مذكرة تفاهم أو اتفاقية رسمية مع "البنتاجون" لإجراء مشاريع التطوير المتعلقة بالمعدات والذخائر الدفاعية.

بروز خليجي

وفق الخبير بمعهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس بولاية تكساس "كريستيان أولريشسن"، فإن هذا أول تصنيف من نوعه يمنح لدولة خليجية منذ ما يقرب من 20 عاما، بعد أن صنفت إدارة "جورج بوش" الابن البحرين والكويت كحلفاء رئيسيين من خارج حلف الناتو بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وتقع 17 دولة حول العالم ضمن هذا التصنيف حاليا، بينها 6 دول عربية، هي إلى جانب البحرين والكويت، مصر، والأردن، والمغرب، وتونس.

وتستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي، بينما تحتضن الكويت القيادة المركزية لقوات الجيش الأمريكي-الكويتي وقوة المهام المشتركة، بينما تستخدم واشنطن قاعدة العُديد العسكرية في قطر، التي تعد الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط.

ويرى الخبير العسكري "ديفيد دي روش" الأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة لـ(البنتاجون)، هذا التصنيف دليلا على المكانة والهيبة التي تكتسبها الدولة، وهو ما يرفع قطر إلى مرتبة دول مثل اليابان وأستراليا ونيوزيلندا، ويجعلها تنضم إلى الطبقة المميزة من الشركاء العسكريين للولايات المتحدة.

ويمكن القول، إن الدوحة نالت هذا التصنيف عن جدارة، مع تمدد نفوذها إقليميا، وتنامي دورها في أفغانستان، إضافة إلى الدور المركزي الذي لعبته في تسهيل إجلاء الرعايا الأجانب، بعد سقوط العاصمة كابل في يد حركة "طالبان، منتصف أغسطس/آب الماضي.

وإضافة إلى ذلك، تنامى الدور القطري على مدار سنوات، في تهدئة الأوضاع في غزة، والمفاوضات مع إيران بهدف إحياء الاتفاق النووي، ونجاح الوساطات القطرية في أزمات عدة على صلة بدول مثل السودان وليبيا ولبنان وجيبوتي وإريتريا.

ويؤكد "أولريشسن" لـ"الجزيرة"،  أنه من المرجح أن يكون التصنيف الأمريكي اعترافا بالقيمة التي تطرحها قطر على الطاولة بشأن قضايا مثل أفغانستان التي دفعت بها التسمية إلى الأمام.

احتياج دولي

وبالنظر إلى الأزمة المتصاعدة بشأن أوكرانيا، وما قد يترتب عليها من تعطيل شحنات الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية، فإن قطر تبرز كبديل آمن وشريك استراتيجي لإمداد أوروبا بالغاز.

وتورد روسيا نحو ثلث احتياجات أوروبا من الغاز، وأي تعطل من شأنه مفاقمة أزمة طاقة قائمة بالفعل نتجت عن نقص عالمي في إمدادات النفط والغاز.

وتعد قطر أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، وقد قامت بالفعل بالإعلان عن رفع طاقة إنتاجها من 77 مليون طن سنويا، إلى 126 مليون طن بحلول العام 2027.

ويرى الأستاذ المساعد في معهد "كينجز كولدج" اندرياس كريج، أن قطر ترغب في أن تصبح في موقع أهم حليف استراتيجي للولايات المتحدة في الخليج، مشيرا إلى أن لعب دور رئيس في أي خطة طارئة للغاز سيعزز موقف قطر أمام واشنطن، بحسب "أ ف ب".

وتريد قطر عقودا طويلة الأمد مع أوروبا، وليس فقط مجموعة من المشتريات الفورية لحل الأزمة التي يخشاها الاتحاد إن أقدمت روسيا على قطع إمداداتها من الغاز.

إذن من بوابتي الغاز، وبوينج، ومن قبلهما بوابة الدبلوماسية، باتت قطر تتصدر دول الخليج والمنطقة العربية، كلاعب رئيس في ملفات عدة، لها حساسية إقليميا ودوليا، ما يمنحها أهمية استراتيجية لدى الإدارة الأمريكية، تجعل منها حليفا رئيسيا من خارج حلف الأطلسي.