ما مستقبل الشراكة الناشئة بين مصر وكوريا الجنوبية في الطاقة المتجددة؟

الأحد 20 فبراير 2022 09:26 م

امتلأت عناوين وسائل الإعلام في بداية 2022 بأخبار إخفاقات القوى العالمية؛ مثل الصين والولايات المتحدة، في الوفاء بالتزاماتها بالتخفيف من تغير المناخ، ولكن في الوقت ذاته كانت هناك خطوة تاريخية في مكافحة الاحتباس الحراري العالمي لم يسلط الإعلام عليها الضوء بشكل كافي، حيث أطلقت مصر وكوريا الجنوبية تعهدًا بتعزيز التعاون في الطاقة المتجددة، وذلك خلال زيارة الرئيس الكوري الجنوبي "مون جيه إن"، في أواخر يناير/كانون الثاني، إلى القاهرة. وإذا أثمرت هذه الشراكة، فيمكنها تسريع السعي نحو حياد الكربون في شرق آسيا وشمال إفريقيا.

وذكرت مجلة "نيكي آسيا" اليابانية، يوم 21 يناير/كانون الثاني، أن كوريا الجنوبية قد وافقت على منح مصر قرضا بقيمة مليار دولار لتمويل مجموعة متنوعة من المشاريع، بما في ذلك الجهود المبذولة لتعزيز البنية التحتية للطاقة المتجددة.

تحالف غير تقليدي

جاءت هذه الأخبار في أعقاب إعلان في أوائل يناير/كانون الثاني بأن شركة "كوريا هيدرو ونيوكليار باور" (وهي شركة تابعة لشركة كورية جنوبية مملوكة للحكومة)، ستوفر معدات لمحطة الطاقة النووية الأولى في مصر.

قد يبدو اهتمام كوريا الجنوبية بصناعة الطاقة المتجددة في مصر كمفاجأة، بالنظر إلى أن البلاد لا تمثل شريك عمل وثيق لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط.

وقامت الدولة الشرق آسيوية بتصدير سلع بقيمة 1.74 مليار دولار فقط إلى مصر في عام 2019، مقارنة بسلع قيمتها 3.94 مليارات دولار للسعودية و3.61 مليارات دولار إلى الإمارات في نفس العام.

كما زار "جيه إن" الرياض وأبوظبي قبل وصوله إلى القاهرة، مما يدل على أن كوريا الجنوبية قد ترى مصر على أنها مجرد محطة أخرى في جولة إقليمية من فرص الاستثمار.

ومع ذلك، فحتى لو كان يتوجب على مصر أن تتنافس مع جيرانها للحصول على اهتمام كوريا الجنوبية، فإن شراكة طويلة الأجل تقدم فوائد واضحة للقاهرة وسيول على حد سواء.

تعتزم مصر أن تستمد 20% من الكهرباء من الطاقة المتجددة هذا العام، و42% بحلول عام 2030، أما كوريا الجنوبية التي تحصل على 4.4% من كهربائها فقط من الموارد المتجددة، وتهدف إلى الوصول إلى 3 أضعاف هذا الرقم بحلول عام 2030، فيفترض أن تستفيد من أي تعاون مع مصر في هذا المجال.

تزامنت زيارة "جيه إن" إلى القاهرة مع مؤتمر الأعمال المصري الكوري الجنوبي حول الاقتصاد الأخضر والمستقبل، وشمل الحضور المدراء التنفيذيين والمسؤولين المصريين والكوريين الجنوبيين، بالإضافة إلى رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" وحتى الرئيس "جيه إن" نفسه.

ووفقًا للهيئة العامة للاستعلامات الحكومية المصرية، ألقى "جيه إن" خطابًا في التجمع أعرب عن رغبته في تعزيز التعاون بين البلدين في مجال السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، وكذلك مشاركة الشركات الكورية في مشاريع البنية التحتية الصديقة للبيئة.

أولوية الطاقة المتجددة

على الرغم من ضعف صناعة الطاقة المتجددة في كوريا الجنوبية، إلا أن "جيه إن" جعل تعزيز الشراكات في هذا القطاع أولوية.

وأصبحت الطاقة المستدامة موضوعًا أساسيًا في رحلته إلى الشرق الأوسط، حيث أوردت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب" تقارير بأنه أثار الموضوع في كل محطة في رحلته، مثلما فعل في السعودية، حيث ناقش إمكانية مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

في مصر، ستلعب شركات كوريا الجنوبية الأكثر شهرة دورًا رائدًا في أي مشاريع مشتركة بشأن الطاقة المتجددة. وضم وفد "جيه إن" إلى الشرق الأوسط ممثلين من شركة "دوسان للصناعات الثقيلة والإنشاءات المحدودة" وشركة "هانوا تيكوين" و"هيونداي روتيم" و"ميونجشين للصناعة" و"سامسونج للإلكترونيات".

تعاون الطاقة النووية

وقد تشارك شركات "دوسان" و"هيونداي للهندسة والإنشاءات" و"كيبكو" أيضًا في تطوير محطة الضبعة للطاقة النووية، وهي مشروع بقيمة 25 مليار دولار على ساحل البحر المتوسط ​​المصري.

لا يزال إدراج الطاقة النووية في برامج التخفيف من تغير المناخ مثيرًا للجدل. ومع ذلك، فإن مشروع الضبعة (الذي كان العمل عليه جاريًا منذ أواخر السبعينيات) يمكن أن يقدم مساهمة كبيرة في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة في مصر.

وتقول هيئة محطات الطاقة النووية المصرية على موقعها على الإنترنت: "إن توليد الكهرباء من الطاقة النووية هو أحد أهم الاستخدامات من خلال توليد طاقة نظيفة وتنافسية اقتصاديًا".

على الرغم من الاستثمار الكوري الجنوبي المتباطئ في الطاقة المتجددة في الداخل، فإن البلد الشرق آسيوي لديه خبرة كبيرة في مجال الطاقة النووية، والتي قدمت 18.2% من الطاقة لها في عام 2020. كما تضخ كوريا الجنوبية أيضًا مئات الملايين من الدولارات في مفاعلات وحدات صغيرة، وهي تكنولوجيا تهم مصر.

وتوصلت مصر وكوريا الجنوبية إلى مذكرات تفاهم حول الطاقة النووية في عامي 1982 و2008. ويبدو أن التعاون من المرجح أن يستمر على الأقل حتى تبدأ الوحدة الأولى من محطة الضبعة عملياتها المقررة في عام 2026.

بيئة تنافسية

تأتي هذه الشراكة الناشئة في الوقت الذي تستعد فيه مصر لاستضافة الدورة 27 لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب27" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وأسفر "كوب 26" عن التزامات بمقاومة تغير المناخ، رأى مناصرو البيئة بأنها غير كافية لمنع الآثار الأكثر كارثية للاحتباس الحراري.

لكن تحالف مصر وكوريا الجنوبية للطاقة المتجددة، من ناحية أخرى، قد يكون مدعاة لتفاؤل مناصري حماية البيئة بمؤتمر "كوب 27".

ولكن على الرغم من وعد الشراكة بين كوريا الجنوبية ومصر، فإن المسؤولين في سيول يكافحون من أجل منافسة موارد المنافسين الصينيين الراسخين منذ فترة طويلة. ورغم أن التقارير قد أبرزت الاهتمام الكوري الجنوبي بتطوير الطاقة الشمسية في مصر، بما في ذلك محطات تحلية المياه بالطاقة الشمسية، فإن هذه المبادرات تبدو شاحبة بالمقارنة مع الصين.

ففي السنوات الأخيرة، باشرت الشركات الصينية خططًا لبناء الحدائق الشمسية في جميع أنحاء مصر، وانضمت الأخيرة إلى الصين في إطلاق مركز أبحاث مخصص لدراسة الطاقة المتجددة.

وفي مثل هذه البيئة التنافسية، قد تسعى كوريا الجنوبية إلى الاستفادة من علاقاتها بلاعبين آخرين في الشرق الأوسط، فقد قال "جيه إن": "آمل أن يجلب التعاون الهيدروجيني الإماراتي الكوري الجنوبي مستقبلًا مستدامًا خالي من الكربون"، وسوف تستضيف الإمارات مؤتمر "كوب 28" في السنة القادمة.

وفي حين أن الانتخابات الرئاسية القادمة في كوريا الجنوبية تعني أن "جيه إن" قد يترك منصبه، فمن المرجح أن يحافظ خليفته على هذه العلاقات الصديقة للبيئة بالشرق الأوسط.

أسفر تفاقم الأزمة المناخية المتواصل عن مجموعة متنوعة من الشراكات الجيوسياسية الجديدة، وشراكة كوريا الجنوبية ومصر هي أحد أحدث الأمثلة على ذلك.

يمكن لهؤلاء الحلفاء غير التقليديين أن يساعدوا بعضهم البعض في تحقيق حياد الكربون قبل أن يعاني العالم من أسوأ عواقب الاحترار العالمي، مع إدراك كلا البلدين أنه يشكل تهديدًا وجوديًا لمجتمعاتهم.

من خلال العمل معًا، أصبح لدى مصر وكوريا الجنوبية فرصة أفضل لتخفيف أزمة المناخ، وبدون مثل هذا المسعى؛ فإن الاحترار العالمي سيدمر شمال إفريقيا وشرق آسيا على حد سواء.

المصدر | أوستن بوديتي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كوريا الجنوبية مصر الشراكة المصرية الكورية شركات كورية تغير المناخ كوب 27 الشرق الأوسط الطاقة المتجددة الطاقة النووية الضبعة

مصر تتعاقد مع كوريا الجنوبية لتصنيع مدفع "صوت الرعد"

رويترز: اتحاد إماراتي مصري يشتري ليكيلا الأفريقية للطاقة المتجددة

تقرير يتوقع تحقيق مشروعات الطاقة المتجددة الحالية للدول العربية 92% من أهداف 2030