هذا ما يكشفه تغير الموقف الرسمي لإسرائيل ودول الخليج من حرب أوكرانيا

الأحد 6 مارس 2022 05:51 م

في 2 مارس/آذار الحالي، انضمت إسرائيل والسعودية والإمارات إلى معظم دول العالم في التصويت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار إجماعي يدين بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي البداية، كان الشركاء الثلاثة الأقرب والأكثر أهمية لواشنطن في المنطقة، قد سعوا إلى تجنب انتقاد التحرك الروسي قدر الإمكان. لكن الضغط الأمريكي الذي كان محوريا في حث الدول الثلاث على التصويت في الجمعية العامة، يروي قصة معقدة ومهمة حول الدور الأمريكي المتطور في الشرق الأوسط.

وخلال الأيام الأولى من الحرب، حاول شركاء الولايات المتحدة الثلاثة تجنب انتقاد روسيا. ولم تقل السعودية شيئا تقريبا. وأصدرت إسرائيل بيانات حول القلق بشأن الأحداث في أوكرانيا لكن دون انتقاد أي طرف. ومضت الإمارات في التواصل الدبلوماسي والإيماءات الودية تجاه روسيا، بينما دعت إلى حل سياسي للأزمة؛ ما يعني ضمنا أن روسيا لديها مظالم مشروعة، وأن على أوكرانيا تقديم تنازلات. وسعى الموقف الإماراتي إلى موازنة ذلك بتأكيد المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض الحلول العسكرية.

ومن الواضح أن واشنطن كانت غير راضية عن كل هذه الردود. ولكن لماذا وجدت هذه الدول صعوبة كبيرة في الوقوف بشكل لا لبس فيه إلى جانب الولايات المتحدة وفي جبهة موحدة مع حلفائها الغربيين؟، حسنا، يمكن تلخيص الدافع المشترك للدول الثلاث في كلمتين: "التنويع الاستراتيجي".

فقدان الثقة الأمريكية

ويعد فقدان الثقة المطلقة في الولايات المتحدة قصة طويلة ومعقدة، ولكن بها نقاط انعطاف رئيسية: غزو ​​العراق عام 2003، ورفض إدارة الرئيس "باراك أوباما" الرد على انتهاك  النظام السوري "الخط الأحمر" الخاص باستخدام الأسلحة الكيماوية، والشكوك التي تدور حول المفاوضات النووية مع إيران.

وكان عدم وجود رد عسكري من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على هجمات "أرامكو"، في سبتمبر/أيلول 2019، لحظة رئيسية نمت فيها الشكوك حول موثوقية واشنطن كضامن أساسي لأمن بعض الدول العربية وإسرائيل.

وكانت "عقيدة كارتر" لعام 1980، التي تنص على أن "أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي يجب التصدي لها بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية" بمثابة درع الأمان لدول الخليج.

ومن المؤكد أن هذا المبدأ لا يزال ساريا، فإذا توغل أي جيش أجنبي في العواصم أو حقول النفط في دول الخليج العربية، فسوف تتصرف الولايات المتحدة بالتأكيد. ومع ذلك، في عصر الضربات الصاروخية، والميليشيات غير الحكومية، والمؤامرات الإرهابية، والحروب الإلكترونية، ومجموعة واسعة من تقنيات وأدوات التعطيل والتخريب، فإن هذا السيناريو غير محتمل.

وهنا يصبح المعنى العملي لهذه "العقيدة" غير واضح، بالرغم من الوجود العسكري الأمريكي الضخم في المنطقة. وحاليا يمكن اعتبار "عقيدة كارتر" مجرد حبر على ورق.

ولم تعد دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، ولأسباب مماثلة إسرائيل أيضا، على استعداد للاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها الضامن النهائي للأمن في المنطقة. وترسخ هذا الانطباع خلال ولاية "أوباما" الثانية ورئاسة "ترامب".

وكان الإماراتيون أكثر صراحة في التعبير عن المخاوف التي تتشاركها هذه الدول على نطاق واسع. ويقول العديد من المحللين الإماراتيين إن إرث النظام الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب الباردة؛ "في حالة تدهور مستمر".

وبينما تظل الولايات المتحدة شريكا استراتيجيا أساسيا، فإن هذه الدول الصغيرة والضعيفة ليس لديها خيار سوى تنويع خياراتها الدبلوماسية وأدواتها الاستراتيجية، حيث أصبح ظهور عالم متعدد الأقطاب، بمشاركة روسيا والصين، أمرا لا مفر منه. لذلك، تعمل هذه الدول الثلاث على تعزيز تواصلها مع روسيا والصين بينما تحاول تقليل أي ضرر يلحق بالعلاقات مع واشنطن جراء ذلك.

ولأكثر من عام، كان المسؤولون السعوديون والإماراتيون صريحين في قول إن أحد أكبر مخاوفهم هو احتمال نشوب حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين يضطرون فيها إلى الانحياز إلى أحد الجانبين. وقد قدمت لهم الأزمة الأوكرانية، بشكل غير متوقع، معضلة مماثلة بين واشنطن وموسكو.

أوراق روسيا

لكن ماذا لدى روسيا لتقدمه لهذه الدول؟؛ من المفارقات أن أحد أهم أدوار موسكو هو ببساطة أنها ليست الولايات المتحدة، وأنها تقدم مصدرا بديلا للأسلحة والاستخبارات والدعم الدبلوماسي، من بين وظائف أخرى، كما أن ورقة روسيا تعد فرصة لابتزاز واشنطن من أجل المزيد من التعاون.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت روسيا خلال العقد الماضي في أن تكون المحاور العالمي الأكثر موثوقية بين قوى الشرق الأوسط المتنافسة.

وفي سوريا، قادت روسيا وإيران وتركيا عملية "أستانا" التي شكلت واقع ما بعد الصراع في الأجزاء الاستراتيجية من البلاد، دون تدخل من الولايات المتحدة. وتعتمد إسرائيل على التنسيق العسكري اليومي مع روسيا للمساعدة في احتواء التهديدات الأمنية في سوريا.

كما أن روسيا هي الخيار المتوقع للعمل كمستودع للمواد النووية الإيرانية المحظورة إذا أسفرت مفاوضات فيينا عن إحياء الاتفاق النووي.

وتعتمد السعودية، وبدرجة أقل الإمارات، على اتفاقية إنتاج النفط في إطار مجموعة "أوبك+" مع روسيا كأساس للتنمية الوطنية وتخطيط التحول الاقتصادي، لذلك لم تتحرك الرياض لتلبية طلب واشنطن بزيادة الإنتاج لتحقيق الاستقرار في سعر النفط بسبب العقوبات المفروضة على موسكو؛ لأن من شأن ذلك أن يعطل هذا التخطيط طويل الأجل.

ومن المفارقات أيضا أن الدولتين اللتين لهما علاقات أكثر تطورا ونضجا مع روسيا في الشرق الأوسط، هما أيضا الدولتان اللتان أطلقتا "اتفاقيات أبراهام" التي قادتها الولايات المتحدة نفسها عام 2020؛ أي الإمارات وإسرائيل.

تغير الموقف

ويعد السعي إلى التواصل الهادف مع الشركاء العالميين الجدد دافعا رئيسيا لدى الدولتين لتجاوز الاعتماد الحصري على واشنطن. ومن خلال السعي لتقليل الانتقادات الموجهة لروسيا والتعرض لضغط أمريكي كبير للانضمام إلى الإجماع العالمي ضد الغزو، كانت الدول الثلاث تشير بوضوح إلى أن التنويع الاستراتيجي لا يقل أهمية بالنسبة لها على المدى الطويل عن الاهتمام بالشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

ووصف عدد من المعلقين الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الدول الثلاث، غزو أوكرانيا باعتباره مصدر قلق أوروبي إقليمي وليس أزمة عالمية. ولا تشعر هذه الدول أن الأزمة قد تؤثر عليهم تأثيرا مباشرا، ورأوا أنه من الناحية العملية ليس لديهم ما يخسرونه أو يكسبونه بالمعنى الضيق. لذلك، بدت ممارسة درجة من الحياد جذابة في البداية لتجنب التورط في الخلافات وعدم تعطيل مشوار التنويع الاستراتيجي طويل الأجل.

لكن لم يكن الأمر بهذه البساطة، وتعرضت إسرائيل لضغط مستمر من واشنطن في وقت مبكر، خاصة بعد أن رفضت دعم مشروع قرار في 25 فبراير/شباط في مجلس الأمن يدين الغزو. وتصاعدت الضغوط الأمريكية بالرغم أن الحكومة الائتلافية بقيادة رئيس الوزراء "نفتالي بينيت" حاولت إرضاء الطرفين بتبني لهجة أكثر حيادية، بينما أعرب وزير الخارجية "يائير لابيد" عن موقف أكثر تأييدا للغرب.

وتظهر مكالمة هاتفية في 2 مارس/آذار بين وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" ووزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان"، ضغط واشنطن على السعودية للتعاون في تصويت الجمعية العامة. ويُفترض أن أبوظبي قد تعرضت للضغط أيضا للتصويت لصالح القرار. وليس من المستغرب أن نرى تقارير تفيد بأن إسرائيل حثت الإمارات على الانضمام إليها في التصويت رغم أن كلاهما تجنب التصويت السابق في مجلس الأمن.

وفي 3 مارس/آذار، أعادت الإمارات العمل ببرنامج التأشيرات المجانية للأوكرانيين، والذي تم إلغاؤه فجأة في 1 مارس/آذار، كما أعلنت عن إنشاء صندوق إنساني بقيمة 5 ملايين دولار لصالح المتضررين من الأزمة في أوكرانيا.

وبعد الكثير من الصخب والضغط، انتهى الأمر بالشركاء الأمريكيين الثلاث الرئيسيين في الشرق الأوسط، في هذه المرحلة، في نفس المكان تقريبا، بأن يصبحوا جزءا من الإجماع العالمي ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما يحاولون في نفس الوقت تقليل الضرر الذي لحق بالعلاقات طويلة الأمد مع موسكو.

وتعد إسرائيل محمية إلى حد ما نتيجة نفوذها في السياسة الأمريكية، لكن ربما أضاعت السعودية والإمارات فرصة نادرة لتعزيز العلاقات مع واشنطن، وهو ما لم يتحقق بسبب ترددها في الاصطفاف مع الولايات المتحدة والغرب.

وربما عند التفكير في التداعيات الكاملة للعدوان الروسي على أوكرانيا، والاستجابة الغربية القوية الموحدة، تعيد الحكومات الثلاث تقييم مكمن مصالحها الواسعة وطويلة الأجل. ويمكن القول إن إحياء التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وبالتالي تعزيز النظام العالمي "المستند إلى القواعد" سيكون في مصلحة هذه الدول الثلاث.

ويمكن أن تكون الدول الصغيرة نسبيا، التي استثمرت في الوضع الراهن والاستقرار العالمي، معرضة أكثر للخطر خلال الانتقال الفوضوي إلى نظام يؤكد فيه الأقوياء مواقعهم من خلال الوسائل العسكرية والغزو والترهيب، دون أي اعتبار لميثاق الأمم المتحدة.

ويبقى مدى تأثير ذلك على العلاقات الأمريكية مع إسرائيل والسعودية والإمارات موضع تساؤل تتحدد إجابته الآن من خلال كيفية تطور الصراع في أوكرانيا، ومدى قوة الوحدة الغربية الجديدة وتصميمها في مواجهة العدوان الروسي في أوروبا.

ولكن، بعد أن انضمت أخيرا إلى معظم دول العالم في إدانة قاطعة لغزو أوكرانيا، أصبحت الدول الثلاث الآن في وضع أفضل لحماية مجموعة واسعة من مصالحها، بعيدا عن قصر النظر حول العلاقات المحدودة والضيقة مع موسكو وأحلام التنويع الاستراتيجي. ومع ذلك، سيكون من الحكمة أيضا أن تجري واشنطن تقييما لمدى فقدان الثقة والولاء لدى شركائها الرئيسيين الأهم في المنطقة.

المصدر | حسين آيبش/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الأمريكية السعودية العلاقات الأمريكية الإماراتية غزو أوكرانيا الغزو الروسي تصويت الأمم المتحدة التنويع الاستراتيجي النظام العالمي حرب أوكرانيا العلاقات الخليجية الأمريكية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

ف. تايمز: لماذا تقف السعودية والإمارات على الحياد في حرب أوكرانيا؟

أوكرانيا تتهم إلعال الإسرائيلية بالتحايل على العقوبات ضد روسيا.. والشركة ترد

السفير الأوكراني في إسرائيل يرجح القدس مكانا للتفاوض مع روسيا

حرب أوكرانيا تجبر دول المنطقة على إعادة حساباتها الإقليمية والدولية

دروس الأزمة الخليجية.. هذا ما لم يتعلمه بوتين من حصار قطر

تداعيات حرب أوكرانيا.. مساحة نفوذ متزايدة لدول الخليج وتراجع لفرص الاتفاق النووي

عدو عدوي صديقي.. دبلوماسية تتبناها أوكرانيا للتعامل مع دول الخليج