معضلة الغاز.. أوروبا تتشبث بطوق النجاة القطري

الأحد 6 مارس 2022 09:16 ص

تتجه الأنظار أوروبيا وعالميا نحو قطر كوجهة آمنة لتوفير إمدادات الغاز لأوروبا، حال قطع الغاز الروسي، على خلفية الحرب على أوكرانيا، والعقوبات الأمريكية الغربية المفروضة على موسكو.

وتتوافر صادرات الغاز عالميا على شكلين فقط، الأول عبر أنابيب الغاز كما يجري مع روسيا، والثاني عبر شاحنات ضخمة من الغاز المسال.

ويمثل الغاز الروسي أكثر من 40% من واردات الغاز الأوروبية، ما يعني أن توقف ضخه سيؤدي إلى أزمة طاقة في أوروبا، وزيادة كبيرة في الأسعار لدى الملايين من الأسر الأوروبية.

دولة مؤثرة

تعد قطر دولة مؤثرة في سوق الغاز عالميا، وتحل رابعا بعد أمريكا وروسيا والصين بحجم إنتاج يبلغ 171 مليار متر مكعب، وفق التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021.

أما بالنسبة للاحتياطيات الكبرى من الغاز، فتحل روسيا في المقدمة بحصة 47.2 تريليون متر مكعب، ثم قطر 23.8 تريليونات متر مكعب، وأمريكا بـ12.8 تريليونات متر مكعب، ثم الصين بـ6.5 تريليون متر مكعب.

وتأتي قطر في المرتبة الثانية على مستوى العالم في سوق صادرات الغاز المسال، بحصة قدرت بـ77.4 ملايين طن، وسط توقعات بأن تتصدر قائمة منتجي الغاز المسال عالميا بحلول عام 2026، وفق التقرير العالمي السنوي للغاز الطبيعي المسال الصادر عن الاتحاد الدولي للغاز.

وتخطط قطر لزيادة صادراتها السنوية من الغاز الطبيعي المسال تدريجيا من 77 مليون طن متري حاليا إلى 110 ملايين بحلول 2025، ثم الوصول إلى 126 مليونا بنهاية عام 2027.

احتياج أوروبي

نظرا لهذا المكانة التي تحتلها قطر في سوق الغاز، فإن حاجة أوروبا تزداد للغاز القطري، حيث تبلغ واردات أوروبا من الغاز المسال 77.7 ملايين طن العام 2021، بتراجع نسبته 5% مقارنة بواردات عام 2020 التي بلغت 81.9 ملايين طن.

وتفيد بيانات إدارة الطاقة الأمريكية بأن الولايات المتحدة وقطر وروسيا استحوذت على ما يقرب من 70% من صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في عام 2021.

وأضاف التقرير أن الولايات المتحدة استحوذت على 26% من إجمالي واردات أوروبا من الغاز، تلتها قطر، التي صدرت حوالي 24% من احتياجات أوروبا، وجاءت في المرتبة الثالثة روسيا بنسبة 20%.

ويعزز الحاجة للغاز القطري، تراجع مخزون أوروبا من الغاز لأقل مستوى خلال عقد كامل، فضلا عن الشتاء القارس الذي ضرب أوروبا هذا العام.

وتبلغ حصة الغاز الروسي في الاستهلاك الأوروبي نحو 40%. وفي المجموع، يتم تصدير أكثر من 200 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا، مع استهلاك أوروبي سنوي يبلغ حوالي 550 مليار متر مكعب.

ويمتلك الغاز الروسي ميزة القرب الجغرافي، وكذلك إمكانية مد أنابيب الغاز لأوروبا، ما يؤمن الإمدادات بنسبة كبيرة، ويقلل من تكاليف الشحن والنقل.

وبالنظر إلى تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، يمكن لأوروبا أن تتحمل تلك التكاليف الخاصة بالنقل والشحن، أو التفكير في نقل الغاز من قطر، عبر خطوط أنابيب جديدة.

مباحثات مكثفة

الوضع السابق يبرر التسابق المحموم من قبل أوروبا للتقارب مع الدوحة، والتفاوض معها لتأمين سوق الطاقة، وتعويض الغاز الروسي، حال لجوء موسكو إليه كسلاح للرد على العقوبات الغربية المفروضة عليها.

وتعد إيطاليا مكشوفة بشكل خاص في قطاع الطاقة؛ لأنها تستخدم الغاز الطبيعي في توليد 40% من الكهرباء، وتمثل الواردات أكثر من 90% من احتياجاتها من الغاز، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الإيطالي "ماريو دراجي"، إلى التباحث هاتفيا مع أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"؛ لتعزيز العلاقات بين البلدين في قطاع الطاقة.

والأسبوع الجاري، انطلق وزير الخارجية الإيطالي "لويجي دي مايو" إلى الدوحة برفقة "كلاوديو ديسالزي" الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الإيطالية "إيني"؛ للهدف ذاته.

كذلك تسعى الحكومة البريطانية لعقد صفقة غاز طويلة المدى مع قطر، ستصبح البلد الخليجي بموجبه "مورد ملاذ أخير"، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أجرت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين"، محادثة هاتفية مع أمير قطر؛ من أجل تعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وقطر، في مجال الطاقة.

كذلك بحث رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل"، مع أمير قطر، إمدادات الغاز القطري لتأمين الاحتياجات الأوروبية.

ومطلع العام الجاري، كان تزويد قطر للاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي حال انقطاع الإمدادات الروسية، موضع مباحثات بين الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وأمير قطر، الذي زار واشنطن، يناير/كانون الثاني الماضي.

وتم إعلان قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO). وينتظر منها أن تلعب دورا أكبر لتكون مزودا أساسيا بالغاز للاتحاد الأوروبي.

دبلوماسية الغاز

بدهاء سياسي، صرح وزير الطاقة القطري "سعد الكعبي"، الشهر الماضي، بأنه لا تستطيع دولة بمفردها تعويض الغاز الروسي، مشيرا إلى أن روسيا مسؤولة عن توريد ما بين 30 و40% تقريبا من الإمدادات لأوروبا، وهو تصريح يرضي موسكو بالتأكيد.

في المقابل أبدى "الكعبي" استعداد الدوحة لبذل "قصارى جهدها" لمساعدة أوروبا، مضيفا أن من 10% إلى 15% من صادرات البلاد من الغاز على المدى الطويل يمكن تحويلها بعيدا عن العملاء الحاليين.

ويمكن القول إن الموقف القطري يحمل في طياته التوازن دون إغضاب روسيا أو الغرب، كذلك سيؤمن ذلك للدوحة مكاسب اقتصادية كبيرة، كون غالبية كميات الغاز في قطر مرتبطة بعقود طويلة الأجل، وهو النهج الذي ستلجأ إليه أوروبا للحصول على الغاز القطري.

وفي دلالة على المرونة القطرية، حولت الدوحة مسار أربع ناقلات كبيرة إلى بريطانيا، نهاية العام الماضي، بعد طلب للمساعدة تلقته من رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون".

ووفق صحيفة "زود دويتشه تسايتوند" الألمانية، فإن قطر مهتمة بصفقات شراء طويلة المدى، وليس فقط لعب دور مؤقت لسد الفراغ، حتى انتهاء الحرب على أوكرانيا.

وتفضل الدول الأوروبية شراء الغاز عبر صفقات قصيرة المدى للاستفادة من الأسعار المتدنية، عكس الدول الآسيوية التي ترتبط بعقود مع قطر تمتد لفترات تتراوح بين 20 و25 سنة، وهو الأسلوب الذي تفضله الدوحة.

ويرى الخبير في اقتصاديات الطاقة، الدكتور "حسن الشاغل" في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن قطر وإيران، يمتلكان من الرصيد ما يتيح لهما سد العجز في الغاز، لافتا إلى أن البعد الجغرافي وعدم وجود خطوط أنابيب لنقل الغاز إلى أوروبا يحولان دون سد العجز بسرعة.

وهناك خيار آخر، يطرحه المدير التنفيذي لشركة قمر للطاقة "روبين ميلز"، وهو أن تنجح قطر في إقناع عملائها الآسيويين وهم أكبر عملائها على الإطلاق لا سيما اليابان وكوريا الجنوبية، بتوجيه جزء من الشحنات المتعاقد عليها إلى أوروبا، كحل قصير المدى.

وعلى المدى الطويل، من المحتم أن يلجأ لاتحاد الأوروبي إلى التفكير في الالتزام بعقود طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال لتجنب صدمات العرض في المستقبل، والاستفادة من زيادة الإنتاج القطري، وهو ما سيؤمن للدوحة عقودا مليارية.

عبر دبلوماسية الغاز، تتجه قطر لحصد مكاسب عدة سياسيا واقتصاديا، بداية من كونها لاعب رئيس ومهم لأوروبا والعالم، وكذلك النظر إليها كرمانة الميزان في سوق إمدادات الغاز، والتوجه إليها كقبلة حيوية لإنقاذ أوروبا من أزمة محتملة، وليس أخيرا جني تعاقدات طويلة الأجل تعزز محفظتها المالية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الغاز الطبيعي قطر الغاز القطري أوروبا روسيا أوكرانيا أمير قطر الحرب الروسية الأوكرانية

رئيس وزراء اليونان: مقترحاتي خفضت أسعار الغاز الأوروبية إلى النصف

الحرب الأوكرانية.. ألمانيا تبحث مع قطر إمدادات الطاقة

وزير خارجية قطر إلى موسكو للقاء لافروف.. وبلومبرج: قد يلتقي بوتين

قبل توجهه إلى موسكو.. وزير خارجية قطر يدعو نظيره الأوكراني لتجنب التصعيد