تداعيات خطيرة.. حرب أوكرانيا تضرب أسس الاقتصاد العالمي

السبت 12 مارس 2022 10:42 م

التقى وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" مؤخرًا بوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمناقشة إمكانية فرض عقوبات إضافية على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

وبالرغم أن معظم دول العالم تدين الإجراءات الروسية، إلا أن البعض يختلف بشأن توقيت العقوبات الجديدة حتى يتمكنوا من تقييم الضرر الذي قد تسببه لاقتصاداتهم.

وبما أن الاقتصادات مترابطة للغاية، والعقوبات الحالية شديدة للغاية، فمن الصعب إدراك النطاق الكامل لعواقبها.

عقوبات تجارية ومالية

أولاً، هناك عقوبات تجارية تحد من التنمية الروسية الداخلية.

وعلى سبيل المثال، يؤدي الحظر المفروض على تصدير تكنولوجيا ومعدات معينة لقطاع الطاقة الروسي إلى تعطيل قدرة روسيا على تطوير مصافي النفط لديها.

كما أن فرض حظر على جميع مبيعات الطائرات وقطع غيارها ومعداتها يهدد قطاع الطيران الروسي.

وبالنسبة للعقوبات المالية، فقد تم تصميم حظر "سويفت" ليراعي مدفوعات صادرات الهيدروكربونات الروسية إلى أوروبا.

ويستهدف الحظر حاليًا حوالي 70% من السوق المصرفية الروسية ويهدف إلى زيادة تكاليف الاقتراض الروسية وبالتالي تسريع التضخم، إلى جانب القيود المفروضة على الاحتياطيات الروسية.

ومنذ أن انضمت كندا واليابان وأستراليا وتايوان وسنغافورة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذه العقوبات، التزم النظام المالي العالمي بأكمله تقريبًا بها.

ومن الناحية العملية؛ يعني ذلك أن غالبية البنوك في جميع أنحاء العالم سوف تتخلى عن العملاء إذا كان هناك تلميح بالعلاقات مع روسيا.

واستثمرت البنوك العالمية مليارات الدولارات في برامج الامتثال للعقوبات على مر السنين، ولكن لم تكن العقوبات أبدًا بهذا التعقيد من قبل؛ فقد استهدفت النخب الروسية الثرية وبعض البنوك الروسية الكبرى وكيانات الدولة والشركات التابعة لها.

ونتيجة لذلك، فإن البنوك - حتى تلك الموجودة في البلدان التي لم تفرض عقوبات ولكنها تعمل مع البنوك في البلدان التي فرضت عقوبات - تتوخى الحذر الشديد.

وقد يؤدي ذلك إلى إبطاء جميع العمليات المصرفية بشكل عام وبالتالي تفاقم الاضطرابات التجارية العالمية الحالية.

وفي الواقع، أضافت العقوبات حالة من عدم اليقين إلى المخاوف العالية المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، كما يتضح في الأسواق المالية العالمية.

الطاقة: لا بدائل جاهزة

وتتصدر الطاقة بالطبع تفكير الجميع تقريبًا.

وبعد الغزو الروسي مباشرة، أعلنت ألمانيا أنه تم وقف مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2"، لكن قيود "سويفت" أعفت مدفوعات الطاقة.

واستمر الغاز الطبيعي في التدفق عبر "نورد ستريم 1" وخطوط الأنابيب الأخرى.

ثم في 3 مارس/آذار، أعلن مشغل خط أنابيب "جاسكيد" أن تدفق الغاز الطبيعي توقف من روسيا إلى ألمانيا عبر خط أنابيب "يامال".

ولدى أوروبا بعض الخيارات لتعويض خسارة الطاقة الروسية.

ويمكن لألمانيا (أكبر مستهلك للطاقة الروسية) أن تتحول إلى النرويج وهولندا والمملكة المتحدة، فيما يمكن لأوروبا الجنوبية الحصول على الغاز من أذربيجان عبر خط الأنابيب العابر للأدرياتيك إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول عبر تركيا.

كما يمكن توفير الغاز الطبيعي المسال الأمريكي والقطري عبر محطتي بحر البلطيق والبحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك، فإن الاستبدال الكامل لـ 150 مليار - 190 مليار متر مكعب سنويًا من إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي لا يمكن تحقيقها على المدى القصير. (يمكن استبدال ثلث الغاز الروسي بمصادر أخرى إذا كان الاتحاد الأوروبي جادًا في ذلك).

وبالرغم أن هذه الإجراءات تهدف إلى إلحاق الضرر بروسيا، إلا أنها قد تأتي بنتائج عكسية إذا ردت موسكو بقطع الإمدادات تمامًا.

لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك، حيث لا تستطيع روسيا ببساطة أن تتخلى عن أكبر مصدر مالي لها في الوقت الحالي.

وبالرغم من كثرة الحديث عن تحول روسيا إلى آسيا، فإن إمداد السوق الآسيوي ليس سهلًا في الواقع حيث سيتعين على موسكو بناء بنية تحتية جديدة وتغيير مرافق الاستخراج الحالية لتلبية معايير الطاقة الآسيوية/الصينية.

ويعني ذلك سنوات من العمل والاستثمار في منطقة جغرافية غير مناسبة لمثل هذه المشاريع.

ومع ذلك، ستستمر روسيا في إمداد الصين بالفحم، الذي وصل سعره - مثل النفط - إلى مستويات قياسية.

وفي حين أن العقوبات استبعدت أيضًا صادرات الفحم، إلا أن المشترين من أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية والصين قلقون بشأن قدرة روسيا على التسليم وتوريطهم معها وصعوبة الالتفاف على العقوبات.

ويدفع ذلك الصين (التي تحصل على 15% من إجمالي فحمها من روسيا) إلى تقليص الطلبات. ولا شك أن روسيا والصين ستجدان طريقة لمعالجة هذا الزمر في نهاية المطاف، لكن هذا لا يخفف الضغط قصير المدى على أسواق الطاقة.

تصاعد أسعار الشحن

وعلى نحو متصل، تأثر شحن الطاقة أيضًا، فقد تم وضع شركة الشحن الروسية الكبرى التي تسيطر عليها الدولة "SCF" إلى جانب شركات الشحن الأخرى التي تملكها أو تسيطر عليها الدولة، تحت العقوبات الغربية أيضًا.

واضطرت 3 ناقلات تابعة لشركة "SCF" للعودة أدراجها بعد أن رفضت المملكة المتحدة وكندا السماح لها بالدخول إلى موانئها.

تمتلك "SCF" أسطولًا من 133 سفينة، بما في ذلك 108 ناقلة تخدم أعمال الطاقة التجارية. كما أن لديها أكثر من 30 سفينة لا تزال قيد الإنشاء، معظمها ناقلات للغاز الطبيعي المسال تخدم مشاريع القطب الشمالي (يتم شحن الديزل أيضًا عن طريق البحر).

وتتدافع صناعة الشحن للتأقلم مع الوضع، وبينما يتم تحويل مسار السفن وتأخير الناقلات، تقل أيضًا عمليات التحميل، وقد أجبرت مثل هذه المشاكل الموانئ ومشغلي الشحن على بذل مجهود أكبر للتعامل مع هذه القضية.

ويراجع العديد من مالكي السفن ومشغلي الشحن عقودهم مع الشركات الروسية ويحققون في هيكل ملكية شركائهم للتأكد من امتثالهم للعقوبات.

وتعد الأمور أفضل قليلاً بالنسبة لشحن الحاويات، حيث تمثل روسيا أقل من 3% من الصناعة على مستوى العالم.

لكن هناك تداعيات من نوع آخر فقد أوقفت شركة "ميرسك" الرائدة في مجال شحن الحاويات والخدمات اللوجستية جميع شحنات البضائع تقريبًا من وإلى روسيا وبيلاروسيا باستثناء المواد الغذائية والأدوية والإمدادات الإنسانية.

كما حذرت الشركة من حدوث تأخيرات بسبب الفحص الشامل في الموانئ والجمارك.

وستستمر الاضطرابات والتأخيرات حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن تفاصيل العقوبات.

ولم تعد هناك عمليات في المياه الواقعة جنوب أوكرانيا، ويزدحم مضيق البوسفور بشكل خاص، مما يجعل البحر الأسود مكانًا محفوفًا بالمخاطر.

وسيؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف التأمين على جميع الشحنات في المنطقة بسبب مخاطر الحرب، مما يؤدي إلى زيادة سعر نقل البضائع الواردة إلى المنطقة أو الخارجة منها.

الزراعة: تهديدات قوية

تتأثر التجارة الزراعية بالفعل بمشاكل النقل البحري، حيث تعتبر كل من أوكرانيا وروسيا مصدرين رئيسيين للحبوب.

وفقًا للتقارير، فقد أدت الحرب إلى تقليص صادرات الذرة، حيث تم شحن أقل من 20 إلى 25 مليون طن إلى الأسواق هذا العام. 

وإذا استمر الصراع، فقد يؤثر أيضًا على صادرات الشعير، التي تبدأ في يونيو/حزيران ويوليو/تموز.

والجدير بالذكر أن التقديرات حول تجارة الحبوب لا تأخذ في الاعتبار الآثار المتوسطة إلى طويلة المدى للحرب في أوكرانيا، ويشيرون فقط إلى المواد الغذائية المخزنة والمواد الغذائية الجاهزة للشحن.

ولا أحد يستطيع أن يعطي تقديرًا لمستويات الإنتاج في أوكرانيا هذا العام.

وكما تبدو الأمور الآن، فإن كل هذا يتوقف على مدة الحرب.

والأمر الأكثر إشكالية هو أنه حتى قبل الحرب، لم يكن عام 2022 عامًا جيدًا للإنتاج الزراعي بشكل عام.

فقد أثر الجفاف في نصفي الكرة الأرضية على محاصيل الحبوب بالفعل.

ومن المحتمل أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى ارتفاع أسعار الأسمدة.

وسيؤدي ذلك كله إلى زيادة أسعار المواد الغذائية في وقت وصل فيه التضخم العالمي إلى مستويات قياسية.

نقص المعادن المهمة

أخيرًا، تتأثر الصناعة العالمية أيضًا بسعر السلع الأخرى التي تنتجها روسيا وتبيعها في السوق العالمية؛ مثل الألمنيوم والكوبالت والنحاس والنيكل والبلاديوم والبلاتين والصلب.

لم تستهدف العقوبات المفروضة حتى الآن هذه المعادن بشكل مباشر، لكن هذا قد يتغير إذا انتقمت موسكو من العقوبات أو صعدت الحرب.

ومع ذلك، فإن حالة عدم اليقين تسببت في تراجع مشتري السلع الأساسية عن التجارة مع المنتجين الروس.

والأهم من ذلك، أن عقوبات "سويفت" تجعل من الصعب على المؤسسات المالية دعم عملائها الذين يتعاملون مع روسيا.

وفي أوروبا، أفادت التقارير أن "سوسيته جنرال" و"مجموعة كريدي سويس" أوقفا تمويل تداول السلع من روسيا، في حين أن أكبر المقرضين المملوكين للدولة في الصين يقيدون تمويل مشتريات السلع الأساسية الروسية.

وبالرغم أن هذه التقارير غير مؤكدة، فقد تأثر السوق كما لو أنها صحيحة.

وأدت زيادة أسعار السلع الأساسية إلى زيادة تكلفة كل شيء، وينطبق هذا بشكل خاص على الألمنيوم والنحاس.

ويستخدم الألمنيوم في جميع الآلات، من أدوات المطبخ إلى السيارات، ويتأثر سعره للغاية بأسعار الطاقة لأن إنتاجه كثيف الطاقة.

ويستخدم النحاس في الكابلات الكهربائية والمحركات، لذلك إذا كان لديك الكثير من الألومنيوم ولكن ليس لديك قطعة صغيرة جدًا من النحاس تضمن نقل الكهرباء، فلا يمكنك استخدام الآلات التي تحتاجها لإنتاج منتجات معينة.

وعلى نطاق أوسع، يمكن أن يكون للحرب في أوكرانيا والعقوبات التي تلتها تأثيران دائمان على الاقتصاد الكلي. الأول أن ذلك قد يسرع من جهود أوروبا لإيجاد مصادر بديلة للطاقة. والثاني أنه قد يسرع - أو حتى يفاقم - الركود العالمي وإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي.

وتخضع كل هذه التقديرات للتغيير لأن الحرب تخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي، لكن يمكننا أن نقول بثقة إن الأمور تتجه للأسوء

المصدر | أنتونيا كوليباسانو/ جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أوكرانيا حرب أوكرانيا الغزو الروسي روسيا العقوبات الولايات المتحدة سويفت العقوبات الأمريكية التضخم العالمي أزمة الطاقة

معظم البورصات الخليجية تتراجع مع الغموض بشأن أوكرانيا

لاحتواء تداعيات حرب أوكرانيا.. سفراء الدول السبع والاتحاد الأوروبي يعلنون دعمهم لتونس

تقرير: عوامل سلبية ترفع مخاطر انكماش الاقتصاد العالمي نهاية العام

منتدى عالمي بالدوحة يبحث تعافي الاقتصادات بعد كورونا وحرب أوكرانيا