الإمارات وأموال الروس.. ملاذ آمن للتحايل على العقوبات الغربية

الخميس 17 مارس 2022 10:07 ص

تتجه أنظار العالم، إلى الإمارات، كوجهة محتملة ومفضلة للأموال الروسية الهاربة، جراء العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتجنبت أبوظبي انتقاد الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، وامتنعت إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها، أواخر الشهر الماضي.

ولاحقا، أشاد وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" بـ"الموقف المتوازن" الذي تتخذه دولة الإمارات إزاء آخر مستجدات الوضع في أوكرانيا.

ووتصنف الإمارات حديثا ضمن "القائمة الرمادية" لغسيل الأموال، من قبل "مجموعة العمل المالي" (منظمة حكومية دولية لمكافحة غسيل الأموال والتمويل غير المشروع مقرها باريس).

لماذا الإمارات؟

مع توالي العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، والتي طالت بنوكا وشركات طاقة ومؤسسات حكومية، وساسة ورجال أعمال روسيين، تبدو حاجة موسكو ملحة لملاذ آمن لأموالها واستثماراتها؛ خشية المصادرة والتحفظ عليها في دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا.

وتتيح السرية المصرفية التي توفرها الإمارات لأصحاب رؤوس الأموال الأجنبية، فرصة ثمينة للأثرياء الروس للاستثمار في الإمارات، وإخفاء أصولهم هناك.

وتعلق الباحثة في منظمة الشفافية الدولية، "ماريا مارتيني"، بالقول: "كانت دبي لاعبًا مهمًا في السنوات الأخيرة بخطط فساد وغسيل أموال كبيرة".

وإضافة إلى الموقف الإماراتي الداعم لموسكو سياسيا، ترتبط البلدان بعلاقات واسعة، وقد وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليارات دولار سنويا، العام 2021.

وتحتضن الدولة الخليجية أكثر من 4 آلاف شركة روسية تعمل في قطاعات العقارات والصناعة والغذاء والبنية التحتية والموانئ والطيران والبتروكيماويات.

وتستحوذ الإمارات على 55% من تجارة روسيا الخليجية، وتعد الوجهة الأولى عربيا للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من استثمارات روسيا بالدول العربية.

في المقابل فالإمارات أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بـ80% من الاستثمارات العربية فيها، كما تعتبر دبي وجهة مميزة للسياح الروس.

لذلك من المنطقي أن تؤكد الحكومة الروسية للأثرياء الروس أن أموالهم ستكون آمنة في الإمارات، وفق مصادر مالية وقانونية تحدثت لـ"رويترز".

طرق التحايل

وفق مصرفي كبير في أحد البنوك السويسرية تحدث لـ"رويترز"، فإن "أثرياء روسيا يسعون في كثير من الحالات إلى تحويل أموالهم المودعة الآن في سويسرا ولندن إلى دبي".

وتتضمن حيل الإفلات من العقوبات، تأسيس شركات، وشراء عقارات، وفتح حسابات مصرفية، في الإمارات، في محاولة لتأمين الأصول الهاربة.

ويفيد رئيس منظمة العدالة الضريبية "جون كريستنسن"، بأن معدل السرية في الإمارات يبلغ 86%، فهي تعد من أكثر الوجهات العالمية سرية لتبييض الأموال.

وتقدر صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عدد رجال الأعمال الذين يملكون أصولا عقارية واستثمارية في دبي بنحو 38 رجل أعمال روسيا، يصل إجمالي أصولهم إلى 314 مليون دولار، لكن العدد بدأ بالتزايد، وبات الإقبال على العقارات في دبي خياليا.

ويملك عضوا مجلس الدوما، "ألكسندر بوروداي" و"باكخان غاييف"، ورجال الأعمال "ألكسي أليكسين" فقط، عقارات في الإمارات بقيمة 75 مليون دولار.

وتصنف الإمارات ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية، أي أنه من الشائع الحصول على إقامة في الإمارات، وإنشاء شركة على الورق، لمنع تدفق المعلومات إلى السلطات الضريبية.

وللإمارات سوابق تاريخية تجعل منها مركزا للالتفاف على العقوبات الغربية، أبرزها الشركات التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها وتساعد إيران على تهريب النفط إلى السوق الدولية، وهو ما تكرر مع فنزويلا الخاضعة كذلك لعقوبات غربية وأمريكية.

وجزء لا يستهان به من موجودات النظام المصرفي الإماراتي مرتبط بعمليات غير مشروعة، مثل غسل أموال ناجمة عن تجارة مخدرات وأسلحة، وفق تقارير غربية.

مكاسب ضخمة

يفسر تقرير عبري، نشرته صحيفة "معاريف"، السلوك الإماراتي، بالقول إن الطمع بأموال روسيا هو السبب الرئيسي وراء موقف ولي عهد أبوظبي الحاكم الفعلي للإمارات "محمد بن زايد"، السلبي من أزمة غزو أوكرانيا.

ويرتبط الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي "كيريل ديميترييف"، المقرب من الرئيس "فلاديمير بوتين"، بعلاقات شخصية وثيقة جدا مع "بن زايد".

ويعني فصل روسيا عن نظام المعاملات المصرفية "سويفت"، تزايد حاجة رأس المال الروسي إلى نظام مصرفي يعمل ضمنه، ما يعني أن عشرات المليارات من الدولارات ستبحث عن ملاذ آمن في المستقبل القريب.

وترى صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "الإمارات وجهة مفضلة فلديها أقوى جهاز حكومي قوي ومستوى البيروقراطية فيها منخفض نسبياً، وبنوكها خالية من القيود الشرعية، وعلى رأسها حظر أخذ الفائدة، وبن زايد يعرف كل هذا ومستعد لاستيعاب الأموال الطائلة".

وتعتقد الباحثة "كيت كايز" بمعهد "كوينسي ريسبونسبل ستيتكرافت" أن الإمارات هي واحدة من الملاذات الآمنة القليلة للأوليجارش الروس وثرواتهم، مشيرة إلى تجنب أبوظبي انتقاد غزو "بوتين" غير الشرعي لأوكرانيا.

ولا يعرف على وجه الدقة حجم الأموال المتدفقة على الإمارات من رجال أعمال روس، وشركات روسية، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوالي فرض العقوبات على موسكو.

ولم يرد مكتب دبي الإعلامي ووزارة الخارجية الإماراتية والبنك المركزي على استفسار حول حجم الأموال الروسية المتدفقة إلى دبي، كما لم تبدأ أبوظبي تفعيل العقوبات الأخيرة ضد روسيا، وفق "رويترز".

القائمة الرمادية

ربما يعد تصنيف الإمارات ضمن "القائمة الرمادية" لغسيل الأموال، ضربة كبيرة لسمعة البلاد كشريك مسؤول، واعتبارها بيئة "صديقة للشركات" ومنخفضة المخاطر.

وتعني الإضافة إلى القائمة، زيادة التدقيق ومراقبة التزام الإمارات بالسياسات التصحيحية التي أعلنت عنها ردا على انكشاف حقائق حول دور دبي كمركز لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والمكاسب غير المشروعة القادمة من الخارج.

وتواجه البلدان المدرجة على "القائمة الرمادية" تعديلات في التصنيف الائتماني، فضلا عن صعوبة الحصول على تمويل عالمي وارتفاع تكاليف المعاملات المالية.

ونظرا للتداعيات التي قد تترتب على ذلك التصنيف، فإن الإمارات أوكلت إلى كبير مستشاري هيئة الاستثمار الليبية سابقا، المستشار الإيطالي المخضرم "ليوناردو بيلودي"، مسؤولية إدارة الحوار الدولي الذي تقوم به أبوظبي بشأن مكافحة غسيل الأموال.

ويمكن القول، إن الموقف الدولي تجاه السلوك الإماراتي، يرتهن بحاجة العالم إلى النفط الإماراتي للجم أسعار الطاقة، وتأمين احتياجات أوروبا، حال توقف الإمدادات الروسية، الأمر الذي يعني أن الإمارات ليست فقط ملاذا آمنا للأموال الروسية، بل ربما وجهة مهيأة للإفلات من العقاب.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات الأموال الروسية القائمة الرمادية غسيل الأموال محمد بن زايد بوتين الغزو الروسي لأوكرانيا فاتف

معهد أمريكي: الإمارات باتت ملاذا آمنا للأوليجارش الروس ويجب معاقبتها

خريطة توزيع الاستثمارات الروسية.. هل تستطيع موسكو التحايل على العقوبات؟

لتوفيرها ملاذا للأوليجارش الروس.. مطالبات بإدراج الإمارات بالقائمة السوداء

بوليتيكو: أوروبا تستعد لتصنيف الإمارات دولة خطرة بغسل الأموال.. ما علاقة روسيا؟

أمريكا تعاقب بنكا روسيا له فرع في الإمارات.. ما تداعيات ذلك؟