هل تنجح الحملات الإعلامية وحدها في تحسين صورة السعودية في الغرب؟

السبت 12 ديسمبر 2015 11:12 ص

هناك دلائل على أن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك «سلمان» قد يشهد تحولا في استراتيجية العلاقات العامة من قبل حكومة الرياض، ولا سيما على صعيد تسهيل مهمة الصحفيين الأجانب في زيارة المملكة وإشراك الصحفيين الغربيين الراغبين في العمل مع سفاراتها. وقد تم إشراك شركة للبحوث الدولية ومقرها في دبي،  من قبل وزارة الثقافة والإعلام في الحكومة السعودية، كما علمت، في جمع الأفكار من مجموعة مختارة من الصحفيين الذين لديهم اهتمام بمنطقة الخليج. كنت واحدا من أولئك الذين تم اختيارهم وعرض علي مبلغ مائة يورو من أجل إجراء مقابلة مدتها ساعة مع مسؤول وزاري. خططت مسبقا التبرع بالمال لعائلة صحفي أجنبي تم احتجازه دون تهمة من قبل الرياض. لم أتلق أي اتصالات من شركة الأبحاث منذ ذلك الحين، ولم تتم إجراء أي مقابلة.

كشفت وثائق ويكيليكس في وقت سابق من هذا العام نمطا من التخويف الممارس ضد الصحفيين امتد منذ عام 2010 إلى منتصف عام 2015. تظهر الوثائق كيف تم سحب رخصة مراسل «فاينانشيال تايمز» وكيف تم إغلاق مكتبه في الرياض بعد أن اتهمت الحكومة السعودية بنشر الأكاذيب. ثم أظهرت البرقيات المسربة كيف كان يتم الدفع لخمسة من الصحفيين الألمان أن يدفعوا ما لا يقل عن 7500 يورو شهريا من أجل إنتاج مادتين إيجابيتين عن المملكة سنويا. في جنوب أفريقيا، أظهرت الاتصالات الدبلوماسية أن السفير السعودي قد أشار على رؤسائه في الرياض أن يتم دفع 10 آلاف دولار لصالح أكاديمي، بهدف مواجهة القصص التي تربط ما بين «الوهابية» وبين الهجمات الإرهابية.

كما اعتادت الحكومة السعودية شراء اشتراكات جماعية في دوريات الأخبار الأجنبية من أجل ملء خزائن بارونات وسائل الإعلام الأجنبية الصديقة بطريقة غير مباشرة. بضع عشرات من الصحف من سوريا والإمارات العربية المتحدة ولبنان والكويت والأردن استفادت من هذا النوع من الاستثمار في عام 2010، وليس هناك سبب للشك في أن هذا التكتيك لم يتوسع استخدامه بعد الربيع العربي.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2001، استضافت قناة «أون تي في »المصرية المعارض السعودي «سعد الفقيه»، وهو ما دفع إلى تساؤل رسمي من قبل وزارة الخارجية في الرياض. طالب المسؤولون السعوديون سفارتهم في القاهرة بالبحث عن كيفية استمالة المحطة وإلا سوف يتم اعتبارها تنتهج خطا معارضا لسياسات المملكة، أو بمعنى آخر، سوف يتم تصنيفها كعدو للدولة.

ما الذي يقلق السعوديين حقيقة؟ باختصار، أولئك الناس أمثال «مارغو والستروم»، السياسية النسوية غير العادية التي تشغل منصب وزير خارجية السويد، والتي انتقدت المملكة بحدة على الملأ. قلة من السياسيين الغربيين هم من يجرؤون على انتقاد المملكة العربية السعودية علنا، فهم إما يغدقون عليها الثناء أو يبقون هادئين، أو يلومون الرياض قليلا فقط بسبب ضغوط من الرأي العام الداخلي كما في حالة «رائف بدوي» مؤخرا.

وزيرة الخارجية السويدية «فالستروم» قد انتقدت المملكة أيضا بسبب السياسات القمعية ضد المرأة وحرية التعبير، ووجهت هجومها ضد الدولة نفسها وليس لتصرفات بعض الأشخاص. انتفضت المملكة العربية السعودية غضبا، وسحبت مبعوثيها من ستوكهولم، وتم منع رجال الأعمال السويديين من دخول المملكة.

يعلم الدبلوماسيون الاستراتيجيون في السعودية أن هناك تسامحا كبيرا بين الساسة الغربيين عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل حلفائهم. على الرغم من وجود بعض التنويع مؤخرا في إمدادات النفط من مناطق أخرى حول العالم، لا تزال دول الخليج السنية شريكا لا غنى عنه في مجال الطاقة. الرأي الغالب بين الدبلوماسيين البريطانيين والأمريكيين هو أن تمزيق العلاقات مع السعودية في ظل المناخ الأمني العالمي سيكون أمرا ماسويا.

يتزايد قلق الرأي العام الغربي بشأن تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتتجه الاتهامات في معظم الأحيان ضد المملكة العربية السعودية بالارتباط المالي والثقافي بالمجموعة، مستوى الإلهام وتنسيق الهجمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يزال مخيفا حقا. ومع كل حادث هناك استجابة مكررة، تحميل عشوائي للمسؤولية لجميع المسلمين، وموجة من كتاب الأعمدة المؤثرين يدعون إلى قطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية. «مارين لوبان» قد تكون رئيسة لفرنسا خلال هذا الوقت العام المقبل، وحتى لو لم ينجح «دونالد ترامب» في الدخول إلى البيت الأبيض (له مصالح تجارية مربحة في المملكة العربية السعودية)، فإن ارتفاع شعبيته هو والشعبويين الأوروبيين تدلل على حالة من الذعر وانتشار الأجواء المخيفة التي قد ينتج عنها ردود أفعال قوية وغير متوقعة.

«يجب علينا أن نراجع سياستنا الخارجية ونتوقف عن بسط السجاجيد الحمراء للبلدان التي تمول الأصولية»، هكذا قالت «لوبان» في مقابلة أجريت معها مؤخرا مشيرة بالتحديد إلى المملكة العربية السعودية وقطر. الراديكالي المتمرد، زعيم حزب العمال البريطاني، «جيرمي كوربين»، كثيرا ما يلمح إلى العلاقة بين المملكة العربية السعودية و«داعش». موقفه المعادي للسعودية عادة ما كان يميزه عن مواقف المؤيدين للمملكة في وستمنستر منذ عقود. وبالطبع فإن كوربين ذكي بما فيه الكفاية لكي لا يعلن ذلك صراحة، ولكنه عندما يتحدث مثلا عن : «إننا بحاجة إلى أن ننظر في كيفية حصول الدولة الإسلامية على أموالها»، فإنه لا يتحدث هنا عن أيسلندا أو إيران، وإنما يقصد المملكة العربية السعودية.

الخوف من «دونالد ترامب» أو «مارين لوبان» هو مصدر قلق، ولكن ليس الوحيد: جنون العظمة السعودي بسبب الربيع العربي، القلق من الانحياز الإقليمي للغرب لصالح إيران، ناهيك عن الموقف المحاصر للسعودية في حرب لا يمكن الفوز بها في اليمن. كل ذلك بينما تراقب المملكة «داعش» تهدد وجودها، وفي الوقت الذي يتجه فيه بيت آل سعود لإجراء إصلاحات ولو بهدف الدفاع عن النفس.

ما زلت في انتظار اتصال للمقابلة مع وزارة الثقافة والمعلومات. وسوف أخبرهم أنه حكومتهم قد حاولت استخدام العنف والرشوة مع الصحفيين الذين ربما يعملون بشكل جيد في العالم العربي الآن. قد تتطلب زراعة الدعم السعودي في الغرب جيشا من جماعات الضغط الميكافيلية التي تقدم المشورة حول كيفية إدارة سمعة المملكة العربية السعودية، ولكنها قد تسفر في النهاية عن لا شيء.  قد تكون وسائل الإعلام أداة قوية للتأثير في الرأي، ولكن الجمهور الغربي، شأنه شأن أي جمهور، متفتح بما فيه الكفاية كي يرى الحقيقة. هناك بعض الأشياء الحقيقية التي يمكن للسعوديين القيام بها: إطلاق سراح كل السجناء السياسيين في المملكة. المنح الكامل والفوري للحقوق لجميع العاملين الأجانب. السماح بحرية كاملة في التعبير وممارسة شعائر الدين وتكوين الجمعيات، ومن ثم تعلن على الملأ أنها قامت بكل ذلك من أجل هزيمة «داعش». ومن شأن ذلك أن يشغل الصفحات الأولى للصحف في جميع أنحاء العالم، ويصلح مشكلة سمعة المملكة بين عشية وضحاها.

  كلمات مفتاحية

السعودية الدولة الإسلامية الغرب الإعلام المال آل سعود الربيع العربي إيران فرنسا أكاديمة عسكرية أمريكية

«ذا إنترسبت»: حملة دعائية سعودية للتأثير على صناع السياسة والصحفيين في الولايات المتحدة

«ديلي ميل»: كيف يشتري شيوخ النفط في الإمارات الإعلام والنفوذ في بريطانيا؟

«ذا إنترسبت»: السعودية تتعاقد مع جماعات ضغط أمريكية لترسيخ نفوذها السياسي

«نيويورك تايمز»: لوبي إماراتي خفي بواشنطن يدعم «الأسد» وإيران

«أوباما» يوجه صفعة للوبي الخليجي لصالح «الأسد»

وزير الإعلام السعودي: الوزارة تحارب التطرف ووسائلنا هي الأكثر حضورا