اليمن.. احتجاجات الجنوب تكشف فشل تجربة الحكم البديل

الثلاثاء 29 مارس 2022 04:19 ص

مع استمرار الحرب في اليمن، اتسم العام الماضي بديناميكية مثيرة للاهتمام، تمثلت في صعود الاحتجاجات الشعبية في العديد من المناطق الجنوبية، والمناطق التي لم تتضرر مباشرة بالغارات الجوية والقتال.

وتعد الظروف الاقتصادية السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات، خاصة مع تفاقم التضخم وتراجع الرواتب والخدمات ونقص الكهرباء والوصول المحدود إلى المياه النظيفة. ولا يحدث ذلك فقط في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليا، ولكن أيضا في المدن والمحافظات التي يحكمها المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي.

وتكثفت الاحتجاجات منذ منتصف عام 2021. وعلى سبيل المثال، شهد شهر سبتمبر/أيلول 2021 فقط 54 مظاهرة في عدن وشبوة وعبيان وسقطرى ولحج وحضرموت (وفق لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن 2022).

وأعلنت سلطات المجلس الانتقالي الجنوبي حالة الطوارئ للتعامل مع المظاهرات، بما في ذلك في المراكز الحضرية الكبيرة في عدن والمكلا.

ويمكن استخلاص درس واحد من الأمر: في سياق صراع مطول ومتعدد الطبقات مثل اليمن، فإن أشكال الحكم الذاتي المستقلة عن الحكومة المعترف بها فشلت أيضا في تقديم إجابات في نظر السكان المحليين.

بمعنى آخر، فإن الحرب ليست لعبة صفرية بالنسبة لطرف واحد، فهي تستنفد الموارد وتدمر جميع اللاعبين على أرض الواقع، بما في ذلك أولئك الذين عارضوا السلطات المركزية وحاول استبدالها.

لماذا يحتج اليمنيون؟

ترتبط احتجاجات اليمن في المناطق الجنوبية في المقام الأول بالتدهور الشديد للظروف الاقتصادية والقوة الشرائية؛ حيث غالبا ما يعتمد الناس على العمل بالأجر اليومي.

أما اللافت للنظر - في بلد ما زالت ترزح تحت الحرب - أن الاضطرابات تحدث في المناطق غير المتأثرة مباشرة بالغارات الجوية والقتال؛ أي في عدن غالبًا، وشبوة وحضرموت. وقد أوقف المتظاهرون الطرق وهاجموا المباني الحكومية (في عدن في مارس/آذار 2021).

في بعض الحالات، تبع ذلك اشتباكات مع قوات الأمن، خاصة في العاصمة المؤقتة عدن؛ وتعز التي تسيطر عليها الحكومة جزئيا، حيث أطلقت القوات الأمنية والجماعات المعاونة لها طلقات في الهواء لوقف المتظاهرين، بينما وقع مصابون وقتلى في احتجاجات حضرموت.

وتصاعدت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وانخفضت العملة اليمنية (الريال) بقوة مقابل الدولار، في وقت يعتمد فيه اليمن على استيراد 90% من طعامه ووقوده. وأصبح النظام الاقتصادي اليمني مجزأ؛ حيث توجد بنوك مركزية وجمارك وسلطات إيرادات منفصلة.

وقد تسبب اقتصاد الحرب في تآكل هيكل الاقتصاد الذي كان مختلًا بالفعل خلال فترة الرئيس السابق على "علي عبدالله صالح"، حيث احتلت شبكات عسكرية اقتصادية القنوات المؤسسية.

ووفقا لفريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، يبدو أن دعم الإمارات للمناطق التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي انخفض منذ عام 2019 (عندما انسحبت الإمارات عسكريا من البلاد)، في حين تواصل السعودية توجيه دعمها المالي من خلال الحكومة المعترف بها، وقد يفسر ذلك جزئيا لماذا تعاني المناطق تحت سيطرة المجلس الانتقالي من اضطرابات متزايدة.

كثير من الموارد قليل من الإيرادات

في هذا السياق، تكشف احتجاجات حضرموت، التي تركزت في مدينة المكلا الساحلية، عن واقع معين؛ فمنذ عام 2021، كانت المظاهرات في المحافظة متكررة وطبقية.

وبالرغم من أنه يتم إنتاج أكثر من نصف النفط اليمني في المنطقة الجنوبية الشرقية من حضرموت، ما يزال سكان حضرموت يستنكرون البطالة والخدمات السيئة والتهميش السياسي، مثلما كانوا يفعلون خلال رئاسة "صالح"،

وتدق هذه الاحتجاجات جرس الإنذار، ليس فقط بشأن الأشكال البديلة للحكم، ولكن أيضا بشأن لامركزية السلطة والطريقة التي يتم التعامل معها محليا.

وبعد اندلاع الحرب، تفاوضت محافظة حضرموت مع الحكومة المركزية لاستثمار 20% من إيرادات الطاقة في برامج التنمية المحلية (فعلت محافظات شبوة ومأرب نفس الشيء).

ولكن حتى الآن، لم يتم ترجمة ذلك إلى تحسينات على الأرض. والدليل هو أن شعارات المحتجين من سكان حضرموت كانت موجهة ضد جميع الأطراف حيث كانت الهتافات الاحتجاجية ضد السلطة المحلية، والتحالف العربي بقيادة السعودية، والمجلس الانتقالي الجنوبي.

أما الهدف الرئيسي للسخط فهو الجنرال "فرج سالمين البحسني"، حاكم حضرموت، وهو أيضا قائد المنطقة العسكرية الثانية (التي دمجت رسميا قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات).

مناطق الحوثيين مختلفة

في المناطق الشمالية الغربية التي يسيطر عليها "الحوثيون"، لم تكن هناك تقارير عن احتجاجات هامة؛ فالأسعار لم تقفز بحدة كالأماكن الأخرى، كما إن الجهاز الأمني له قبضة قوية، ويجمع بين التربح الاقتصادي بشكل غير شرعي والإكراه والقمع. ومع ذلك، فإن النقص في وقود الطهي يمثل مشكلة في هذه المناطق.

وعندما أصبح اقتصاد الحرب مهيمنا، تحولت المؤسسات الاقتصادية والمالية إلى ساحة معركة سياسية، فقد انقسم البنك المركزي اليمني في عام 2016؛ مما أدى إلى سياسات نقدية واقتصادية متعارضة.

وبدأ بنك عدن المركزي (وهو الوحيد الذي لديه قدرة على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية) في طباعة عملات ورقية جديدة لتغطية عجز الحكومة ودفع أجور القطاع العام، مع محاولة تدمير الأسواق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثي.

وفي عام 2017، قرر البنك المركزي في عدن تعويم العملة، بمعنى ربط سعر صرف العملة مقابل العملات الأجنبية الأخرى بالعرض والطلب، وليس بمعدل ثابت من قبل الحكومة.

ونتيجة لذلك، أصبح سعر الصرف يختلف من منطقة لأخرى في اليمن؛ فالعملات الجديدة المطبوعة في عدن وصلت إلى ألف ريال مقابل الدولار في منتصف 2021، أما في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون كان سعر الصرف حوالي 600 في نفس الفترة. وساهمت هذه السياسة النقدية قصيرة النظر في تدهور قيمة الريال والتضخم غير المنضبط.

حالة طوارئ مزمنة

وصفت الأمم المتحدة مؤخرا الوضع الإنساني في اليمن باعتباره "حالة طوارئ مزمنة". ومن المرجح أيضًا أن يكون للغزو الروسي لأوكرانيا آثار على البلاد؛ فثلث القمح المستورد في اليمن يأتي من موسكو وكييف.

كما إن المسار الدبلوماسي معطل؛ حيث رفض "الحوثيون" عرض مجلس التعاون الخليجي لعقد محادثات سلام في الرياض، قائلين إنهم سيكونون منفتحين على الحوار في "دولة محايدة"، في حين تستمر هجمات الحوثيين ضد البنى التحتية السعودية.

في غضون ذلك، تكشف تجارب الحكم البديل لمؤسسات الدولة عدم كفاءة وقيود مماثلة، كما يتضح من تصاعد الاحتجاجات الشعبية في المناطق الجنوبية.

المصدر | إيلانورا أرديماجني/ المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اليمن المجلس الانتقالي الحوثي الحوثيين عدن احتجاجات اليمن حرب اليمن الحكم البديل في اليمن السعودية التحالف

إيران: السعودية طلبت منا رسميا توظيف علاقاتنا باليمن لإنهاء الحرب

مسؤول سعودي: الحوثيون قدموا مبادرة لوقف إطلاق النار في اليمن

يشمل التحالف.. مجلس التعاون يدعو لوقف إطلاق نار في اليمن