ما تداعيات التقارب بين تركيا والإمارات على ليبيا والقرن الأفريقي؟

الاثنين 4 أبريل 2022 08:53 ص

لن تقتصر آثار عملية التطبيع الأخيرة بين الإمارات وتركيا على التوازن الإقليمي فقط في المستقبل، حيث قام البلدان خلال العقد الماضي، بتوسيع ساحة المنافسة خارج حدود الشرق الأوسط التقليدية. وفي أعقاب الربيع العربي، استغل البلدان الأزمات الإقليمية والهشاشة المتوطنة لدى دول المنطقة لتعزيز مكانتهما الاستراتيجية. ووفقا لذلك، حولت تركيا والإمارات الديناميات التنافسية إلى سياقات خارجية، وكانت ليبيا والقرن الأفريقي من بين الساحات الأكثر تنافسية.

ومن المرجح أن يمثل التقارب الذي بدأ الصيف الماضي -وأُضفي عليه الطابع الرسمي عبر الزيارة الأخيرة للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى أبوظبي- نقطة تحول جديدة في سياسات الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أنه لا يزال من المبكر للغاية الحديث عن ولادة محور إماراتي تركي، إلا أن تحسن العلاقات بينهم قد حفز إعادة ترتيب جديدة للتوازنات الإقليمية.

وبدأت مؤشرات التغيير في الظهور فورًا في بعض السياقات التي كانت تركيا والإمارات تسعيان للحصول على النفوذ فيها، مما فتح الأبواب لسيناريوهات لم يكن من الممكن تصورها سابقا.

براغماتية تركية في ليبيا

أدى تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر عقدها في ليبيا في 24 ديسمبر/كانون الأول، لإضعاف رئيس الوزراء المؤقت "عبدالحميد دبيبة"، الذي يعتبر رجل أنقرة في طرابلس. فقد قام مجلس النواب ومقره مدينة طبرق الشرقية بتعيين "فتحي باشاغا" كرئيس وزراء مؤقت، ثم وافق على خريطة طريق تؤدي إلى التصويت خلال 14 شهرا.

لم ترحب الولايات المتحدة بذلك، حيث توقعت الانتخابات بدلا من حكومة مؤقتة جديدة، أما تركيا فكانت على النقيض من ذلك، حيث دعمت تدريجيا قرار مجلس النواب، وتلقى "باشاغا" الدعم من تحالف يشمل الرجال المقربين من أبوظبي "خليفة حفتر" و"عقيلة صالح"، بالإضافة إلى سياسي مصراتة "أحمد معيتيق".

وعلى الرغم من أن تركيا تواصل رسميا دعم "الدبيبة" مثل أصحاب المصلحة الدوليين الآخرين، فقد بدأت بهدوء في تقييم كل الخيارات الممكنة. وتعود خطوة تركيا لتصاعد الصراع داخل كتلة طرابلس-مصراتة والتوازن التركي الإماراتي الجديد.

سمح التطبيع مع الإمارات لأنقرة بإعادة توجيه سياستها الليبية. فقد خفضت تركيا من الجانب التنافسي، واتخذت أجندتها نهجا أكثر براجماتية. ومهد التقارب مع أبوظبي الطريق أمام تركيا للمحافظات الليبية الشرقية.

تعد استعادة العلاقات الودية مع بنغازي أمرًا بالغ الأهمية لتهدئة المخاوف الاقتصادية في تركيا، فمعظم المشاريع التي تخلت عنها الشركات التركية في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية تتركز في المنطقة الموجودة تحت سيطرة "حفتر". لذلك، وضعت حكومة "أردوغان" المصلحة الوطنية في مركز أجندتها للتغلب تدريجيا على النهج القائم على الفصائل.

وعلى الجانب الآخر، تدرك أبوظبي البصمة التركية في طرابلس. ولهذا السبب، تعرف الإمارات أن أي رئيس وزراء يعينه مجلس النواب يحتاج إلى ضوء أخضر من أنقرة ليحكم العاصمة. ونتيجة لذلك، اتخذ كلا البلدين مواقف قد لا تكون موحدة إلا إنها متقاربة.

يمثل اسم "باشاغا" الأرض المشتركة لتشكيل الاستقرار الليبي في المستقبل، وقد كان سابقًا مقربا جدا من أنقرة، ويتمتع الآن بتأييد أبوظبي، ومع أن تركيا لا تزال غير واثقة في "حفتر"، إلا إنها تعلم أنه يمكنها أن تعتمد على النفوذ القوي لأبوظبي.

هناك دليل إضافي على أن التقارب التركي الإماراتي يقود لاعبي الشرق الأوسط الآخرين نحو موقف مشترك في ليبيا، وقد تمثل في الرفض المصري لطلبات "الدبيبة" للدعم.

لا يزال السياق الليبي سائلا للغاية، ومن المستحيل استبعاد أي سيناريو مستقبلي. وحتى الآن، لا يمكن استبعاد توحيد الحكومتين المختلفين ولا اندلاع نزاع جديد بين الليبيين.

تحتفظ تركيا بمهارة الانتظار والمراقبة للحفاظ على جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بينما تريد الإمارات ضمان استقرار ليبيا، وربما التغلب على الهيكل المزدوج، وتوسيع الحلف مع أنقرة حول قضية أكثر شمولا متعلقة بمشروع "إيست ميد".

روسيا: متغير ليبيا الحرج

هناك متغير حرج في ليبيا يتعلق بالموقف الروسي إزاء زيادة التقارب السياسي بين تركيا والإمارات. وفي الأشهر القليلة الماضية، وازنت كلتا الدولتين علاقاتهما بين الغرب وروسيا، ولكن تصلب موقفهم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مما قد يكون له تأثيرات محتملة على التوازنات الليبية في المستقبل.

ومع ذلك، فإن تفضيلات روسيا في ليبيا غير واضحة في الوقت الراهن. لطالما كانت موسكو تحاول توسيع نفوذها على طرابلس. وبالتالي، إذا لجأت تركيا لخيار بديل لـ"الدبيبة"، فإن رئيس الوزراء المؤقت السابق قد يتحول إلى موسكو، مما سيؤدي لإعادة ترتيب التحيزات على الأراضي الليبية.

التقارب ينعكس على أثيوبيا

في حين أن ليبيا سياق شائك للغاية سيختبر قوة العلاقات التركية الإماراتية المتجددة، فإن الوضع في القرن الأفريقي يبدو مختلفا قليلا. ففي الصيف الماضي، أظهرت مواقف أنقرة وأبوظبي في مواجهة تفاقم النزاع الداخلي الإثيوبي أول علامات التقارب التركي الإماراتي.

فقد أبقى كلا البلدين علاقات مباشرة مع رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" وقدما الدعم الدبلوماسي والعسكري. وفيما كان الخيار التركي مدفوعًا بدوافع اقتصادية، كانت السياسة الإماراتية مدفوعة بالطموح للعب دور الوسيط في العديد من النزاعات الإقليمية، بما في ذلك الفشقة وسد النيل الأزرق. ومن خلال القيام بذلك، حافظ كلا البلدين على قناة مفتوحة مع أديس أبابا لمعالجة القضايا المتعلقة بالمنطقة بأكملها.

مصالح مشتركة في الصومال

كما أن هناك مصلحة مشتركة لكلتا الدولتين تتعلق بمستقبل الصومال. وبين عامي 2016-2021 كافحت الإمارات وتركيا للحصول على النفوذ في الصومال من خلال دعم الأحزاب والمرشحين المختلفين. ويمكن للتطبيع التركي-الإماراتي أن يؤثر بشكل إيجابي على الاستقرار الصومالي في منعطف دقيق للغاية يتسم بالتوترات بين الرئيس "محمد عبدالله محمد"، المعروف باسم "فرماجو" ورئيس الوزراء "محمد حسين روبلي".

وكان جو عدم اليقين السياسي -الذي فاقمه تخفيض مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال-  لمصلحة جماعة "الشباب" التابعة لتنظيم "القاعدة" في الأشهر الأخيرة، حيث حصدت المجموعة الإرهابية دعمًا في الأشهر الأخيرة.

تختلف علاقات تركيا والإمارات مع الحكومة الصومالية، فقد توترت علاقات أبوظبي مع مقديشو بشكل خاص بعد مصادرة حكومة "فرماجو" لـ9.6 ملايين دولار من الإمارات في عام 2018. ووفقا للسلطات الصومالية، فإن المبلغ الذي تم تخصيصه رسميا لتمويل الجيش الوطني الصومالي، كان يهدف لتمويل بعض مجموعات المعارضة.

وعلى الجانب الآخر، كانت تركيا وقطر مؤيدين رئيسيين للرئيس الصومالي منذ عام 2017. ومع ذلك، أظهرت أنقرة انزعاجا متزايدا من استئثار "فرماجو" بالسلطة في الـ12 شهرًا الأخيرة. ونتيجة لذلك، بدأت تركيا في تقييم مرشحين بدلاء وتقييم الشخصيات السياسية في السوق الصومالية السياسية المعقدة.

وفي أعقاب التحرك التركي المبكر نحو "حسن علي خيري" الذي تمت إقالته، أصبح هناك ميل متزايد تجاه رئيس الوزراء "روبلي"، وقد زاد الأخير من الاتصالات مع الإمارات في الأسابيع الأخيرة.

وبالتالي ليس من المستبعد أن يؤدي التقارب التركي الإماراتي لتحويل الدعم السياسي والمالي إلى اسم مشترك في الصومال. وقد يكون رئيس الوزراء الحالي "روبلي" هو الشخصية السياسية الأنسب.

تمهيد الطريق للاعبين آخرين

إذا كانت روسيا هي المتغير الحرج في ليبيا، فمن الضروري التدقيق في تحركات قطر المستقبلية فيما يتعلق بالمسرح الصومالي.

وعلى الرغم من أنه من السابق للأوان القفز إلى الاستنتاجات، فيبدو أن التطبيع التركي-الإماراتي قد جلب المزيد من الاستقرار إلى الشرق الأوسط الكبير مما كان عليه في السنوات الأخيرة.

وقد أدى تقاربهما الذي يركز على قضايا معينة إلى تقليل المساحة المتاحة للتلاعب السياسي من قبل الجهات الفاعلة السياسية الحكومية وغير الحكومية التي استغلت المنافسة بين أنقرة وأبوظبي في السنوات الأخيرة.

لذلك، يمكن أن تسعى بعض الجهات الفاعلة إلى الحصول على الدعم من أماكن أخرى، مما يمهد الطريق للاعبين إقليميين إضافيين. ويمكن أن تتولي روسيا وإيران هذا الدور لترعى بعض العملاء الإقليميين، كما يجري حاليا في السودان.

المصدر | فيدريكو دونيلي - المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الإمارات التقارب التركي الإماراتي العلاقات التركية الإماراتية ليبيا القرن الأفريقي الدبيبة باشاغا فرماجو روسيا قطر أردوغان بن زايد التطبيع التركي الإماراتي

معهد واشنطن: تركيا والإمارات تتحولان من نقمة إلى نعمة في ليبيا

إيكونوميست: تركيا تعزز نفوذها الدبلوماسي ونشاطها الاقتصادي والعسكري بأفريقيا

هل يصمد مسار التحسن في علاقات تركيا مع دول الخليج؟.. هذه هي التحديات

تغير الديناميات.. ماذا وراء التقارب التركي مع شرق ليبيا؟

إعادة تموضع.. حسابات معقدة دفعت الإمارات لتغيير سياستها تجاه ليبيا

لماذا تترقب أفريقيا نتائج الانتخابات الرئاسية التركية؟