المغرب.. المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان تثير جدلا بين الحرية وصون العقيدة

الجمعة 29 أبريل 2022 08:34 ص

بين "احترام الحريات الفردية" و"صون عقيدة المجتمع"، يعيش المغرب جدلا واسعا، عقب حادث إلقاء الشرطة، الأربعاء، القبض على مجموعة من الشباب المغاربة داخل مقهى بمدينة الدار البيضاء، بتهمة "الإفطار العلني" في نهار رمضان، والتي يعاقب عليها القانون الجنائي.

وفي الوقت الذي أشاد فيه البعض بتدخل عناصر الأمن معتبرا أنه ضروري "لحفظ العقيدة الجماعية للمغاربة وحماية الشعور الديني للمجتمع"، ندد آخرون بالخطوة واصفين إياها "بالانتهاك الصارخ للحريات الفردية".

ويتجدد الجدل في المغرب، كل عام برمضان، حول الحق في الإفطار العلني بين أصوات حقوقية ومدنية عدة تؤيده، بدعوى الحريات الفردية التي تنص عليها مختلف المواثيق الدولية، وأصوات أخرى ترى في الأمر استفزازاً صريحاً للمسلمين الصائمين.

وخلال السنوات الماضية، أطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو الى الحق في الإفطار خلال رمضان، مثل مجموعة "ماصايمينش" (لن نصوم) على موقع "فيسبوك"، وشعار "الإفطار ليس جريمة" على موقع "تويتر".

كما نظمت بعض الجماعات إفطارا جماعيا في شوارع بعض المدن المغربية، خلال رمضان، لتلاحقهم السلطات قضائياً بعدها.

ورغم التزام المغرب في دستور 2011 بأولوية تطبيق المواثيق الدولية على القوانين المحلية، بما في ذلك مسألة الحريات والحقوق الأساسية، تلاحق السلطات المجاهرين بالإفطار العلني نهار رمضان طبقا لما هو منصوص عليه في المادة (222) من القانون الجنائي المغربي.

وتنص هذه المادة على: "يعاقب كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي وجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي دون عذر شرعي، بالحبس من شهر إلى 6 أشهر وغرامة مالية من اثني عشر إلى 120 درهما (1.2 إلى 12 دولارا)"، الأمر الذي يجعل الموضوع محط نقاش قانوني.

وأفادت مصادر مطلعة، بأن عملية التوقيف شملت أكثر من 50 شخصاً، من بينهم الزبائن والعاملين بالمقهى، باستثناء الأجانب، كما تقرر إغلاق المقهى.

وبينما أفرجت قوات الأمن، ليل الأربعاء، عن الشبان والشابات المعتقلين، بعد الاستماع إليهم وفق محاضر رسمية، كان لافتاً الاختلاف في رودو الأفعال.

وأكد مصدر أمني، أن واقعة مداهمة المقهى المذكور جاءت في سياق "التحقق من شبهة اقتراف جرائم منصوص عليها في القانون، بعد تواتر أخبار وتدوينات عن حشد مجموعات من الأشخاص داخل محلات عمومية من أجل المجاهرة بالإفطار عمدا في رمضان واستفزاز مشاعر السكان المجاورين لهذه المحلات العمومية".

ولكن أفادت إحدى الشابات التي كانت متواجدة في المطعم بأنها خضعت لفحص لمعرفة إن كانت حائض، بغية التأكد من أن لها عذر شرعي من أجل الإفطار أم العكس.

وبحسب صحيفة "أخبار اليوم"، فإن الكثير من النشطاء والحقوقيين اعتبروا ذلك الأمر "سلوكا مهينا ويحط من كرامة الإنسان وقدره".

وقالت الصحيفة إن تلك الفتاة نشرت إفادتها عبر مقطع مصور يتم تداوله على نطاق واسع من طرف نشطاء وحقوقيين.

في المقابل، علّق الناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان "مصطفى بايتاس"، وقال إن اعتقال هؤلاء الأشخاص "تم في ظروف إنسانية"، وباحترام للقانون.

وأورد "بايتاس"، الخميس، أن الإفطار العلني في نهار رمضان "مستفز لحريات الآخرين".

وانقسم رواد مواقع التواصل، بين مؤيد لقرار السلطات بضبط المجاهرين بالإفطار في نهار رمضان، وبين رافض لذلك، معتبرا الصيام من عدمه ضمن الحريات الشخصية التي لا دخل لأحد بها.

يذكر أن عشية رمضان، جددت "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية" المعروفة اختصارا بـ"مالي"، دعوتها إلى إلغاء المادة (222) من القانون الجنائي المغربي. إذ بالنسبة لنشطاء هذه الحركة، فهي ليست دعوة لعدم احترام شهر رمضان أو عدم الصوم، وإنما خطوة في مسار الدفاع عن مبدأي الحرية والضمير الفرديين.

ويتفق معهم رئيس المرصد المغربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية "ميلود بلقاضي"، الذي يرى أن المغرب كباقي الدول العربية، مازال يعرف تحديات مرتبطة بالقوانين الجنائية سواء على مستوى التشريع أو على مستوى التطبيق.

وبخصوص المادة (222) فإنها في نظره، تحد بصورة مباشرة من الحريات الفردية.

إلى جانب المغرب، يستجد النقاش حول الإفطار علنا نهار رمضان، في عدد من الدول الإسلامية، مثل تونس، حيث أثارت واقعة مماثلة لما حدث في المغرب نقاشا مجتمعيا واسعا، الأسبوع الماضي، دفع عددا من المنظمات والجمعيات إلى التنديد بما وصفته "التعدي على الحريات الفردية"، وذلك بعد إيقاف عدد من المواطنين بولاية منوبة على خلفية إفطارهم علنا في نهار شهر رمضان.

ورغم أنه لا توجد في تونس قوانين تجرّم الإفطار العلني في شهر رمضان، يمكن للسلطات أن تبادر باتخاذ إجراءات قانونية ضد المفطرين علناً، بتهمة "الإخلال بالآداب العامة".

الأمر نفسه ينطبق على مصر، حيث تنعدم قوانين تجريم الإفطار علنا نهار رمضان، إلا أن السلطات تستند في إلقاء القبض على "المجاهرين بالإفطار"، إلى روح دستور البلاد الذي يلزم المواطنين بصيانة أخلاق المجتمع واحترام أعرافه وتقاليده، لذلك تضطر النيابة العامة إلى إخلاء سبيل المتهمين في كل مرة، بعد تصنيف الفعل "كتناول المشروبات الكحولية والمسكرة في غير الأماكن المخصصة لها".

أما في الإمارات، فيعتبر الإفطار علنا نهار رمضان "جريمة يعاقب عليها القانون الاتحادي" رقم (3/1987) في مادته (313) بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بغرامة لا تتجاوز 2000 درهم (544 دولارا).

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المغرب إفطار علني الحرية الشخصية صون العقدية المجتمع رمضان نهار رمضان

جدل بين الفقهاء في المغرب حول تجريم الإفطار العلني في نهار رمضان