استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التوظيف السياسي للمشاهد الاحتفالية

السبت 19 ديسمبر 2015 01:12 ص

يعيش المواطن المصري تجربة لم تتغير طيلة العمر. ومازالت محفوظة في الذاكرة. لا يدري، هل يسعد كلما تذكرها أم يشقى؟ وهي تجربة مرور الضيف والحاكم في شوارع العاصمة في عربة مكشوفة. 

لم تكن الاغتيالات قد عرفت طريقها إلى العمل السياسي بعد. وذلك لتحية الجماهير واستقبال تحية الجماهير لهما. ولا يهم إذا كان الحاكم هو الملك قبل الثورة أو الضابط الحر بعد الثورة. كلاهما باللباس المزدهر، تلمع أزراره تحت أشعة الشمس الساطعة. والموسيقى تصدح في الأمام، نغمة الفرح والمرح. ومعظمها آلات النفخ التي تخلع القلب حين سماعها وليس الآلات الوترية الحنون، آلات الحب والهجر والوئام. 

يسير الموكب ببطء. وأعلام مصر ودولة الضيف ترفرف على الجانبين بألوانها الزاهية، وفي نماذج صغيرة بيد الأطفال، بالإضافة إلى شارات موضوع الزيارة، والجماهير على الصفين تهتف. ويحيي الضيف والمسؤول الجماهير على الجانبين. وابتسامتان لا ترى في هذا الزحام والصخب. 

والرئيسان يجيبان التحية بأحسن منها. ويحركان رأسيهما يمينا ويسارا. ويرفعان الذراعين أو ذراعا واحدة. وتقف النساء والأطفال في الشرفات ينظرن إلى هذا المشهد الحي، وقد تُعطل المصالح الحكومية هذا اليوم. وتعطى المدارس إجازات للمشاركة في تحية الموكب. ويستمر التصفيق. ويرتفع الصوت عالياً بالهتاف. وتنظف الشوارع كنساً ومسحاً طيلة الليلة السابقة. وتخطط الأرض تنظيما للمرور الذي لا يتبعه أحد.

من ناحية أخرى تتوقف حركة المرور بالساعات حتى يمر الموكب العظيم. ويطول الانتظار حتى يمر الموكب. ويتغير مسار العربات إلى الشوارع الخلفية لترك الشارع الرئيسي للضيف ومستقبليه حتى يمر الموكب. فلهما الأولوية في السير والعبور. ولماذا لا يأخذ الضيف والمسؤول طائرة مروحية وتترك طرق الفقراء؟ وهل يحدث الشيء نفسه في باقي عواصم العالم عندما يستقبل السلطان ضيوفه، أم أنه ليس بحاجة إلى هذا التعويض الشعبي؟ فالبرلمان والصحافة الحرة والدستور والأحزاب موجودة، تدافع عن الناس وقضاء مصالحها.

ولا يختلف ذلك عما كانت تفعله الناس والدولة لتنظيم المحمل. وهو الكسوة الشريفة التي تصنع في مصر الفقيرة وترسل على جمل إلى السويس كي تنقلها السفينة إلى جدة ثم إلى مكة. فمسؤولية مصر تغيير الكسوة مرة في العام. يحل الجديد محل القديم. ويتحول القديم إلى قطع صغيرة يتبرك بها الناس. والجديد محبوك بخيوط الذهب ومرصع بالجواهر. وتعطى المدارس والمصالح الحكومية إجازة هذا اليوم للتمتع بالمشهد المهيب. وتتحرك الكسوة يمينا ويسارا طبقاً لحركة الجمل في شوارع القاهرة. وتسمع الزغاريد من النساء في الشرفات. وكل منهن تدعو لجارتها أن ينولها الله شرف الحج. 

العمرة تمر في صمت وهدوء. ولا يحتفل بها المعتمر. أما الذاهب لأداء فريضة الحج فيحتفل جيرانه وأصدقاؤه باللباس الأبيض وهو ذاهب إلى مكة المكرمة وعائداً منها وأواني بلاستيك بيضاء مملوء بمياه زمزم كي يشربها الأقارب والأصدقاء الذين لم تتح لهم الظروف لزيارة الأرض المقدسة، مع وضع لافتات على وجهة المنزل «حج مبرور»، وطبع كف اليد الملطخ بالدماء على الواجهة أيضا للحج إعلانا عن الضحية. وقد تمر صلاة العيدين بنفس البهجة تبعاً للسنة.

إذن الدين والسياسة يقومان بنفس الوظيفة الشعبية في الربط بين الساسة والشعوب عن طريق الإيمان والشعائر والجوانب الاحتفالية في الحياة. وقد كثرت في النظم الشمولية السياسية كالفاشية والنازية والماركسية التقليدية هذه الجوانب لجذب اهتمام الناس كالموالد والمناسبات الدينية. كما أكثرت هذه النظم السياسية من الاحتفالات الدينية كغطاء يخفي وجهها واتهامها بالكفر. الله وملائكته وكتبه ورسله يرعون الاثنين إذا ما قامت السياسة على الدين باسم الحاكمية. وإذا ما قام الدين على السياسة باسم طاعة الله ورسوله وأولي الأمر.

الضيف والمسؤول ليسا حادثة معينة تقع في معظم الدول النامية ولكنهما رمز لعلاقة الدولة بضيوفها، علاقة الداخل بالخارج، وعلاقة الضيوف بالدولة، علاقة الخارج بالداخل. وهو نموذج لم يتغير منذ ذكريات الطفولة الأولى التي مازالت حية حتى المشاهد الحالية وكأن التاريخ لا يتغير، وأن الطبيعة البشرية واحدة، وأن علاقة الحاكم بالمحكوم ستظل كما هي عليه دائما، وأن الدين والدولة يتصارعان، من يخدم من؟

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة- جامعة القاهرة.

  كلمات مفتاحية

مصر التوظيف السياسي السياسة الحكم الدولة التاريخ الوطن الحاكم حكم العسكر

نموذج التنمية الإماراتي لا يناسب مصر

القدس العربي: انتخابات مصر.. انشقاق خطير بمعسكر 30 يونيو

دروس «حزب النور» في مصر

مصر: شهادات انعدام الكفاءة

«حزب النور»: الجيش والشرطة يحافظون على الشريعة أكثر من علماء الدين