كيف تقاعس نظام السيسي في استرداد أموال مبارك المهربة؟ (وثيقة)

الخميس 19 مايو 2022 05:53 ص

كشفت وثائق مصرية، مصنفة "سري جدا"، تقاعس السلطات في التعاطي مع ملف الأموال المجمدة للرئيس الراحل "حسني مبارك" (1981-2011)، ما دفع الاتحاد الأوروبي في النهاية إلى رفع هذا التجميد.

ولم تتعاط السلطات مع مطالبات الاتحاد الأوروبي وسويسرا، بتقديم إثباتات قضائية تدين "مبارك" وأسرته في قضايا جنائية أو ضد الإنسانية، أو حصولهم على هذه الثروات عن طريق الفساد.

وكان الادعاء العام الاتحادي في سويسرا، أعلن الأسبوع الماضي، أنه أغلق تحقيقاً استمر 11 عاماً يتعلق بالاشتباه في غسل أموال، فيما يتصل باحتجاجات عام 2011 في مصر.

وأمام هذه الخطوة، ظهر "جمال مبارك"، في مقطع فيديو بثه عبر "يوتيوب"، قال فيه إنه "بعد 10 سنوات من التحقيقات المستفيضة (..) ثبت أن جميع الادعاءات الموجهة إلينا كانت كاذبة تماماً".

وذكر أنه خلال الفترة الماضية لم يكن أمام الاتحاد الأوروبي سوى رفع العقوبات، كاشفا عن مساعي أسرته في دراسة جميع السبل القانونية الممكنة للشروع في المطالبة بالتعويض ضد مجلس الاتحاد الأوروبي، بسبب سلوكه تجاههم.

يقول مراقبون، إن أحد أهم الأسباب في الموقف الأوروبي، ورفع تجميد أموال لأسرة "مبارك"، هو تقاعس نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، في التعاطي مع المطالبات الأوروبية والمماطلة في التجاوب مع المطالب السويسرية والأوروبية حول الموقف القانوني لأسرة "مبارك".

تعود إحدى هذه الوثائق إلى شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، حيث رفع مكتب وزير الخارجية المصري "سامح شكري"، مذكرة كتبها المستشار القانوني بالوزارة "عمرو الحمامي"، تفيد بقيام السفير السويسري لدى القاهرة، بلقاء مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأوروبية.

وحسب الوثيقة، قام السفير السويسري بإخطار المسؤولين المصريين بأن الحكومة السويسرية ستتخذ قرارا في 20 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، بإلغاء قرار تجميد أموال بعض رموز النظام السابق، المودعة في البنوك السويسرية وتبلغ قيمتها (430 مليون فرنك سويسري)، وذلك لانعدام وجود سند قانوني يبرر استمرار هذا التجميد.

وكشفت الوثيقة، أن الموقف السويسري جاء بعد عدم تمكن النظام القضائي المصري من استصدار أحكام باتة ونهائية تربط بين هؤلاء الأشخاص، وبين الأموال الخاصة بهم والمجمدة في سويسرا، فضلا عن عدم إثبات الربط بين مصدر الأموال في البنوك السويسرية والجرائم الجاري نظرها في المحاكم المصرية، كما أن النظام القضائي المصري قد أسقط بعض هذه الأحكام بالفعل، طبقا لما تقول المذكرة.

وتنقل الوثيقة عن السفير السويسري قوله، إنه يطمع ألا يؤثر هذا القرار على العلاقات بين البلدين، كونه قرارا قانونيا وإداريا بحتا، وليس له أبعاد سياسية.

وتقول الوثيقة إن الخارجية المصرية أحاطت الجهات القضائية المصرية بالموقف مع توصية بقيام النائب العام المصري بالاتصال بنظيره السويسري، لطلب العدول عن قرار إلغاء تجميد الأموال.

وطبقا للوثيقة، يقول "الحمامي"، إنه تم إخطار أمين عام مجلس الوزراء المصري بالموقف السويسري، كما ينقل للوزير "شكري" حرص مكتب وزارة الخارجية على إحاطته بالتطورات في هذا الملف، وبأن تجميد الأموال لن يستمر إلى ما لا نهاية، وسيرتبط بلا شك بالتقدم المحرز في التحقيقات الجنائية والأحكام الصادرة في مصر ضد الأشخاص المجمدة أموالهم.

كما أوصى مكتب وزير الخارجية طبقا للمذكرة بإخطار رئاسة الجمهورية المصرية بقرار سويسرا المرتقب.

وبخط يده، اكتفى "شكري"، بالتوجيه بإبلاغ الرئاسة المصرية، واستطلاع موقف مكتب النائب العام المصري رسميا، ليتسنى التحرك سياسيا في العاصمة السويسرية، ولو لمد المهلة، كما أوصى بإحاطة وزارة العدل المصرية وتكلف بإيضاح الموقف الرسمي المصري.

ويتضح من تعليقات "شكري"، وفق مراقبين، عدم تزكيته لمقترح المستشار القانوني التابع له بالاتصال المباشر بين النائب العام المصري والسويسري، وترك الأمر للمخاطبات البيروقراطية بين مختلف أجهزة الدولة المصرية.

وثيقة أخرى، كشفت أن إدارة العقوبات في جهاز التمثيل الخارجي التابع للاتحاد الأوروبي قد طلبت في أغسطس/آب 2017 من البعثة المصرية في بروكسل، موافاة الجهاز "بتحديث مفصل للوضع القانوني للرئيس المخلوع مبارك والأحكام القضائية المتعلقة به، في موعد أقصاه 1 سبتمبر/أيلول".

وأضافت إدارة العقوبات التابعة لجهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أنه في حال عدم تلقيها الرد من الجانب المصري بحلول التاريخ المشار إليه، فإن المجلس الأوروبي سيعتمد في نظره قرار رفع التدابير الأوروبية المتخذة في حق الرئيس الأسبق على آخر معلومات متوافرة لديه، والملاحظات القانونية المقدمة للمجلس نيابة عن أسرة "مبارك".

كما تفيد المذكرة بقيام بعثة اليونان لدى الاتحاد الأوروبي، بإخطار نائب رئيس البعثة المصرية "عمرو الشربيني"، بأن إدارة العقوبات قامت بإخطار أعضاء الاتحاد الأوروبي، بوجود قضية مرفوعة من "مبارك" أمام محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبروج، لطلب رفع اسمه من قوائم تجميد الأرصدة الأوروبية.

ولفتت إلى أنه في حال قيام المحكمة باتخاذ قرار لصالح الرئيس الأسبق، فإنه لن يكون أمام ممثلي الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي سوى تأييد رفع اسمه من قوائم العقوبات.

ويختتم رئيس بعثة مصر لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل مذكرته بالقول، إن دائرة العقوبات في الاتحاد الأوروبي، أوضحت للبعثة في مارس/آذار 2017، بأن قرار المجلس الأوروبي بالإبقاء على الرئيس المخلوع وأسرته ضمن قوائم تجميد الأرصدة الأوروبية، جاء للخلفية السياسية للموضوع.

وتوقعت إدارة العقوبات في حديثها للبعثة المصرية، إعادة إثارة الموضوع خلال النصف الثاني من 2017، بالنظر للطعون المقدمة أمام محكمة العدل الأوروبية لإنهاء التجميد والاستفسارات التي تطرحها دول في الاتحاد الأوروبي، حول الوضع القانوني للرئيس الأسبق وأسرته، بعد الأحكام التي صدرت في القضايا المتعلقة بهم، في إشارة إلى أحكام البراءة من قتل المتظاهرين في أحداث ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

وفي مارس/آذار 2017، برّأت محكمة النقض المصرية (أعلى محكمة تنظر في الطعون) "مبارك"، من تهمة قتل المتظاهرين، إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وأرفق المستشار القانوني للخارجية المصرية، توصية لوزير الخارجية "سامح شكري" بموافاة البعثة الدبلوماسية المصرية في بروكسل بتفاصيل الموقف القانوني للرئيس "مبارك" قبل انتهاء مدة المهلة الأوروبية في سبتمبر/أيلول 2017.

لكن "سامح شكري"، دوّن بخط يده على المذكرة المرسلة من البعثة المصرية في الاتحاد الأوروبي، بموافقته على إحاطة الأجهزة القضائية المعنية بالأمر، لكنه أبدى عدم تفهمه لمقترح المستشار القانوني "بمبادرة وزارة الخارجية بموافاة سفارتنا في بروكسل بالوضع القانوني للرئيس الأسبق إلا بناء على تكليف من الجهات القضائية المصرية".

ووفق مسؤول مصري سابق في لجنة شكلت خلال ثورة يناير/كانون الثاني، لاستعادة الأموال المهربة خارج البلاد، تحفظ على ذكر اسمه، فإنه "رغم تشكيل العديد من اللجان المصرية لمتابعة أرصدة رموز مبارك البنكية في الخارج، إلا أن عملها افتقر إلى الجدية".

ويضيف: "لم تتوافر إرادة سياسية بعد انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي في متابعة هذا الملف، بل إن القضاء المصري برأ مبارك ونجليه علاء وجمال من أية اتهامات تتعلق بالفساد أو بقتل المتظاهرين، ما مكنهم في نهاية المطاف من استعادة أموالهم المجمدة".

وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت ببراءة "علاء" و"جمال مبارك"، في القضية المعروفة إعلاميا بقضية "التلاعب بالبورصة"، بعد اتهام النيابة العامة المصرية لهما بالحصول مع آخرين على أكثر من ملياري جنيه مصري (نحو 140 مليون دولار) بطريقة تخالف القانون.

ومع انعدام أية أحكام مصرية نهائية ضد عائلة "مبارك"، تمكن محامو الرئيس المخلوع من انتزاع حكم لصالحهم من محكمة العدل الأوروبية، في ديسمبر/كانون الأول 2020، يقضي بإيقاف العقوبات التي كانت مفروضة على "مبارك" وأفراد أسرته وإلغاء تجميد أموالهم.

وتباينت التقديرات لحجم الأموال المهربة من مصر بشكل غير شرعي في عهد "مبارك"، بين 132 مليار دولار وفقا لمنظمة جلوبال "فايننشال انتجريتي" الأمريكية لمكافحة تهريب الأموال، ونحو 128 مليار دولار بحسب تقديرات منظمة النزاهة المالية العالمية.

في حين صرحت بعض المصادر القضائية أنها تقدر بنحو 930 مليون دولار، منها 760 مليـون دولار في البنوك السويسرية، وفقا لتقرير صادر عن المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر مبارك أموال مجمدة الاتحاد الأوروبي تبرئة مبارك السيسي الخارجية

11 عاما على تنحي مبارك.. السيسي على خطى "الفرعون" ومصر نحو الأسوأ

علاء مبارك يرد على السيسي: مصر ليست "كُهنة"

بعد خطاب جمال.. تحركات في برلمان مصر ضد أسرة مبارك