يجرمها القانون وتحرمها الإفتاء.. انتعاش سوق العملات الرقمية في مصر

الأحد 22 مايو 2022 09:41 ص

على الرغم من أن القانون يجرمها ويلاحق العاملين والمتداولين فيها، وتحرمها دار الإفتاء المصرية، لكن سوق العملات الرقمية في مصر يجد انتعاشا كبيرا، جعلها السوق الكبرى في العالم العربي، بأكثر من 1.7 مليون متعامل.

ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دهمت قوة أمنية شقة سكينة في حي المقطم (جنوبي القاهرة)، جلس عدد من الأشخاص منهمكين بالعمل أمام شاشاتهم لساعات، لأن ما كانوا يقومون به يسمى "تعدين العملات الرقمية".

تفاصيل تلك المداهمة الأمنية نشرت على صفحة وزارة الداخلية المصرية على "يوتيوب"، كواحدة من المداهمات "الناجحة" ضمن حملة أمنية مكثفة تشنها البلاد منذ سنوات ضد متداولي العملات المشفرة أو الرقمية.

وقبل أسابيع، أصدر النائب العام المصري "حمادة الصاوي"، أمراً بإحالة بلاغ مقدم ضد أصحاب 3 قنوات بموقع "يوتيوب" للتواصل الاجتماعي، إلى نيابة الشؤون المالية والتجارية، بسبب ترويجهم للعملات الرقمية في مصر، ومن بينها "بيتكوين".

كما ينقل الإعلام المحلي في مصر أخباراً شبه يومية عن القبض على أشخاص أو شبكات لتعدين وتداول العملات الرقمية.

ورغم الملاحقات الأمنية وتجريم وتحريم تداول البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية، فإن بيانات منصات تداول العملات الرقمية تشير إلى وجود إقبال غير مسبوق من الشباب في مصر على مجال تداول العملات الرقمية.

وكما في كثير من القضايا التي تأخذ حيزاً من اهتمام الرأي العام، خرجت أعلى سلطة للفتوى في مصر وهي "دار الإفتاء المصرية" لتقول رأي الدين في الأمر مثار الجدل، ولتعلن أن التعامل بالعملات المشفرة "حرام شرعا كونه يضر الاقتصاد الوطني".

أما البنك المركزي فحذر من التعامل في كافة أنواع العملات الافتراضية المشفرة، ومن بينها عملة البيتكوين، أكثر من مرة.

وعزا ذلك إلى ما وصفه بـ"مخاطرها المرتفعة"، حيث يغلب عليها التذبذب في القيمة نتيجة المضاربات العالمية غير المراقبة، بحسب بيان للبنك.

لكن كل هذا لم يمنع أعداد المتعاملين بهذه العملات من الارتفاع. فبحسب بيانات منصات دولية لتداول العملات المشفرة، ارتفع عدد مستخدمي العملات المشفرة في مصر بشكل غير مسبوق خلال العامين الماضيين.

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية في مصر، عن عدد مستخدمي العملات الرقمية، ولا توجد مكاتب ولا شركات ولا عناوين رسمية لأي شخص أو شركة في مصر تتعامل وتتداول العملات الرقمية.

إلا أنه وفقاً لموقع TripleA، فإن مصر الأولى عربياً، وصاحبة المركز رقم 11 على مستوى العالم، في تداول العملات الرقمية، بعدما وصل عدد مستخدميها إلى 1.7 مليون شخص.

يحكي "أحمد"، وهو اسم مستعار، أنه أنشأ صفحة على "فيسبوك"، عام 2020، لإسداء النصائح للمصريين الراغبين في تداول أو الاستثمار في العملات المشفرة.

يقول لـ"بي بي سي": "في البداية كان عدد المشاركين في الصفحة لا يتجاوز 20 شخصا. أما اليوم، أتلقى مئات الطلبات من شبان يريدون الدخول في هذا المجال".

يؤكد "أحمد" أن كثيراً من المصريين يعملون عبر الإنترنت مع شركات في دبي والكويت والبحرين، ويضيف أن هؤلاء أثبتوا تفوقهم، بل بدأوا "يدربون المقبلين على هذا المجال".

أما "ريان"، وهو أيضا اسم مستعار لأحد المستفيدين من الصفحة التي أنشأها "أحمد" لتعليم أساسيات العملات المشفرة، فيقول: "بدأت التداول قبل نحو عامين.. اشترىت بعض العملات بقيمة 500 دولار (نحو 8000 جنيه مصري)، وفي البداية كنت أخسر فقط لأنه لم يكن لدي خبرة في التداول، لكني بدأت تعلم أساسيات أسهم هذه العملات عبر فيديوهات لمصريين على موقع يوتيوب، وعبر المجموعات على موقع فيسبوك التي تسدي النصائح للمقبلين حديثا على هذا المجال".

مع الوقت، يتابع "ريان"، بدأت أربح بكميات قليلة ثم أصبح الربح ثابتا بمعدل نحو 15 دولارا يوميا.

ويضيف "ريان"، أن الراغبين في تداول العملات المشفرة في مصر "زادوا بجنون" خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جعل الأمر شبيها "بسوق سوداء تتضخم".

ساعد على تضخمها، حسبه، رغبة الكثيرين في الربح السريع وانتشار ثقافة العمل والتداول والاستثمار عن بعد، والتي زادت مع انتشار فيروس "كورونا".

هذا الإقبال يعود إلى رغبة في تحقيق أرباح كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، وهو ما أوقع عدداً كبيراً منهم في براثن شركات وأشخاص ادعوا أنهم وكلاء للعملات الرقمية في مصر، وجمعوا ملايين الجنيهات وهربوا بها خارج البلاد.

وبحسب تصريحات صحفية للعميد "إسماعيل متولي"، بإدارة مباحث الأموال العامة المصرية، فإنه أكد أن هناك بلاغات كثيرة لحالات تم الاحتيال عليها تحت مسمى التجارة في "بتكوين"، وهو ما نعتبره شكلاً من أشكال جرائم توظيف الأموال، كون عملية التجارة في العملات الرقمية غير مسموح بممارستها داخل مصر.

ونقلت مجلة "الأهرام العربي"، عن "متولي"، القول: "هناك من يحتالون على أشخاص تحت مسمى هذه التجارة غير المشروعة، التي تجذب ضحاياها بأرباح خيالية وهمية تحصل عليها بعد شراء وبيع هذه الوحدات الرقمية".

وأشار إلى أن هناك شركات كثيرة تعمل بالاحتيال في تجارة العملة الإلكترونية والمشفرة، غير مرخصة من الأساس، ويتم استغلال أحلام البسطاء في الأرباح الخيالية، ولا تكون هناك أي ضمانات للمبالغ المدفوعة، كونه عالَماً افتراضياً على الإنترنت، لا توجد به إثباتات ملموسة.

موقع "عربي بوست"، كذلك عرض قصصا مع أشحاص تعرضوا للنصب في تداول العملات الرقمية.

يحكي "محمود"، أنه تعرّض للنصب على يد مجموعة من الأشخاص ادّعوا أنهم وكلاء لعملات رقمية في مصر، إلا أنه استطرد: "مع ذلك فأنا مستمر في مجال التداول في تلك العملات، لأنها تحقق أرباحاً خيالية"، على حد تعبيره.

ويضيف: "بداية الاشتراك كانت عن طريق صديق لي، قال إنه تعرّف على شركة تعمل في تداول البيتكوين، والعمل فيها في مصر يشبه التسوق الشبكي إلى حد بعيد، فكل شخص يُسهم في دفع شخص آخر للاشتراك في شراء العملة الرقمية، سواء كانت بيتكوين أو غيرها، تكون له أرباح إضافية عن ذلك الشخص".

ويتابع: "هناك باقات في البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية، مثل باقات التسوق الشبكي أو التسوق عبر الإنترنت، وأنا اشتركت في باقة الـ600 دولار، ودفعت لصديقي 11 ألف جنيه (600 دولار)، قام بتحويلهم عبر فودافون كاش لمن هو فوقه في مجال التداول في العملات الرقمية".

يُكمل "محمود": "بعد أن دفعت الأموال لصديقي حوّلها هو لرئيسه، تم إنشاء حساب لي باسمي، وبإيميل خاص بي ورقم سري خاص بي، وتم إثبات أنني مشترك بباقة الـ600 دولار، بعدها بأسبوع بدأت في جني أرباحٍ يومية، حيث كان يظهر في حسابي أنني ربحت 4 أو 5 دولارات يومياً، واستمر هذا الوضع لمدة 6 أشهر، وبعدها توقفت الأرباح نهائياً، ولم يعد هناك أي ربح".

ويزيد: "عرفت بعد ذلك أن الأشخاص الذين حوَّلنا لهم الأموال على أساس أنهم وكلاء هربوا إلى دبي، وقمت بعمل محضر توظيف أموال لهم في نيابة الأموال العامة".

ويؤكد "محمود"، على أنه رغم تعرّضه للنصب، فإنه مستمر في تداول العملات الرقمية؛ لأنها تحقق أرباحاً كبيرة، وتضيف معلومات مهمة للشخص، وتعلمه أشياء كثيرة.

ويكشف "محمود"، أنه حالياً يمارس التداول عبر 11 عملة رقمية، وأنه يرفض التداول على "بيتكوين" لأن ثمنها مرتفع للغاية، ولكي يشتري جزءاً من "بيتكوين" الواحد يحتاج إلى آلاف الدولارات.

ويلفت إلى أن هناك عدداً ليس بالقليل من المصريين تعرضوا للنصب، بسبب رغبتهم في دخول "بيزنس العملات الرقمية".

أما "حسام"، فيبدأ حديثه عن تجربته بالقول: "الأوضاع الاقتصادية في غاية الصعوبة، وجرّبت كل حاجة، مش مكفية، فلجأت للبيتكوين".

ويشير إلى أنه جرَّب كل شيء من أجل الحصول على لقمة العيش، وأنه اشترى "توكتوك"، ولكن مشاكله كثيرة، ودخله لا يكفي، وأنه حاول شراء سيارة وتأجيرها لشركة، ولكنه خاف من سرقتها أو هلاكها، وقرر أن يشارك في مجال تداول العملات الرقمية؛ بحثاً عن أي مَخرج أو أي حل يُحقق له ربحاً يستطيع من خلاله مجاراة حركة ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في مصر.

ويكمل: "دَلَّني صديق لي يعمل في تداول العملات الرقمية على الطريق، واشتركت في باقة للبيتكوين بـ11 ألف جنيه (600 دولار)، وكنت أحصل على أرباح يومية، لمدة شهرين أو 3 أشهر، وبعدها توقفت الأرباح، وقالوا لنا إن العملة تخسر حالياً".

يضيف "حسام": "لم أنتظر كثيراً، وبحثت عن آلية أخرى ونشاط آخر، سواء كان الأشخاص الذين تداولت من خلالهم بيتكوين كاذبين أو صادقين، ليس لدي رفاهية البكاء على اللبن المسكوب، الأسعار في مصر هي والجحيم سواء".

ولا يوجد في مصر قانون خاص ينظم التعامل بالعملات المشفرة أو يحدد عقوبة لتداولها، لكن قانون البنك المركزي يتضمن مادة تحظر استخدام هذه العملات.

إذ تنص المادة (206) من قانون البنك المركزي رقم 194 لعام 2020 على أنه: "يحظر إصدار العملات المشفرة أو النقود الإلكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها بدون الحصول على ترخيص من مجلس الإدارة طبقا للقواعد والإجراءات التي يحددها".

ويقول المحامي والخبير القانوني "طارق نجيدة"، إن من يتم إلقاء القبض عليه بتهمة تداول أو تعدين العملات المشفرة يعاقب وفقا لقانون "النقد الأجنبي".

ويضيف أن البنك المركزي هو الجهة التي تحدد العملات التي تحتاج لترخيص مزاولتها داخل مصر، وكونه حدد العملات المشفرة كإحدى هذه العملات فمن يتعامل بها بدون ترخيص يعاقب بالسجن من سنة إلى 2 سنوات وتصادر الأموال التي جمعها من هذا العمل أو في حالة العملات المشفرة تصادر الأجهزة المستخدمة في التداول أو التعدين.

لكن "نجيدة"، يرى أنه من المفيد أن يكون هناك قانون خاص للعملات المشفرة، إذ تشكل هذه العملات بحسبه ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في المجتمع، ويعد تحديدها بالاسم في قانون يوافق عليه مجلس النواب، "إما بالمنع أو وضع القواعد"، خطوة جيدة من باب التفصيل والتوضيح، على حد قوله.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

بتكوين عملات مشفرة مصر عمليات نصب

«الإفتاء» المصرية تحرم التعامل بالعملة الرقمية «بيتكوين»

«الرقابة المالية المصرية» تحذر من التداول بالعملات الافتراضية الرقمية

ملياردير "بينانس" يواجه شتاء العملات الرقمية من دبي