أسعار النفط إلى أين؟

الاثنين 21 ديسمبر 2015 03:12 ص

لم يعد التراجع في أسعار النفط قضية عابرة، بل صارت معضلةً تفت في اقتصاديات الدول المعتمدة على هذه السلعة في تحقيق معظم إيراداتها.

وبحسب تقرير صدر حديثاً عن صندوق النقد الدولي، فإن خسائر الدول النفطية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014 تقدر بحوالي 360 مليار دولار، بسبب هبوط الأسعار بين 45% و55%، بحسب المقياس المستخدم، وقد وقعت هذه الخسائر على دول الشرق الأوسط ووسط آسيا.

وقد يستمر الانخفاض في سعر النفط حتى يصل، حسب تقديراتٍ، إلى حد أدنى يقارب العشرين دولاراً للبرميل. ولقد هبط سعر النفط «البرنت» أيام السبت والأحد الماضيين إلى دون الأربعين دولاراً، ما اعتبره محللون لأسواق السلع أنه الحاجز النفسي.

وإذا استمر سعر النفط دون الأربعين دولاراً في ظل الفائض العالمي الكبير، فإن أكثر التوقعات تشاؤماً قد تتحقق. ويُعزى الفائض الكبير في هذه السلعة الاستراتيجية إلى تراجع نسب النمو في دول كبرى كثيرة، مثل الصين، والهند، والبرازيل، والاتحاد الأوروبي وغيرها.

كما أن الولايات المتحدة التي تقول إنها أصبحت أكبر منتج للنفط السائل في العالم، بشقيه التقليدي والمستخلص من الصخر الزيتي، تريد المزاحمة على حصتها في السوق العالمية للنفط، دولة مصدرة بدلاً من أن تكون مستوردة.

ومما زاد الطين بلة، أخيراً، فشل اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» في الوصول إلى اتفاق على التخفيض بين الدول الأعضاء، والذين قرّروا، في نهاية المطاف، على إبقاء كمية الإنتاج وتوزيعها على حالها.

ولا يعود السبب في الخلاف إلى تباين الحجج التي يسوقها كل طرف في الدفاع عن حصته، بل إلى الخلافات السياسية التي جعلت النفط سلعة مسيّسة، في معركة النفوذ والحرب والسلم في منطقتنا المشتعلة.

صارت سوق النفط العالمية حساسة ومستجيبة مع أي تغير يطرأ فيها أو يؤثر عليها. فهنالك المخزون الأميركي من المشتقات النفطية، وبمجرد أن تذكر النشرات النفطية أن المخزون الأميركي إذا صعد تهبط أسعار البرميل، والعكس إن قيل أن المخزون قد هبط.

وتتأثر الأسعار بارتفاع سعر الدولار مقابل العملات الدولية الأساسية الأخرى، كاليورو واليوان الصيني والجنيه الإسترليني والروبل الروسي والين الياباني، وغيرها.

ومن المرجح أن يشهد سعر تبادل الدولار مع العملات الأخرى ارتفاعاً آخر، إذا رفع مجلس إدارة البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة داخل الولايات المتحدة.

وسوف يحصل هذا في وقت قد يخفض فيه المصرف المركزي الأوروبي أسعار الفائدة على اليورو. وسوف يؤدي هذا، بالطبع، إلى جعل الدولار والأوراق المالية الصادرة بالدولار أكثر إغراءً من مثيلاتها الصادرة بعملات أخرى. ولهذا، قد يؤدي ارتفاع سعر الدولار إلى انخفاض في سعر برميل النفط.

وتتأثر حساسية سوق النفط كثيراً بعدم انتظام الأسواق المالية وأسواق العملات وأسواق السلع.

فقد شهدنا، أخيراً، تقلبات في أسواق البورصات العالمية، وخصوصاً الأسهم. وفي يوم 24/9/2015، شهدت أسواق رأس المال الصينية الثلاث انخفاضاً حاداً فاق 7%، وأحدث ردة فعل مباشرة في أسواق البورصات في العالم، كان معدل انخفاضها حوالي 6%.

وعلى الرغم من أن أسواق البورصة استعادت بعضاً من خسائرها، بسبب الإجراءات الفورية التي اتخذتها حكومة الصين بالدخول في السوق، مشترية كميات كبيرة من الأسهم، إلا أن عيون المضاربين ما تزال قلقة، خائفة من أن استمرار تراجع معدلات النمو سوف يقود، بالضرورة، إلى هبوط في أسعار البورصات.

وقد صاحب هذا التطور اضطراب في أسواق النقد العالمية، حيث تتغير أسعار العملات بين الصعود والهبوط، باستثناء الدولار المتماسك صعوداً. وهنالك عدم انتظام في أسواق السلع الرئيسية، وخصوصاً الذهب والفضة، والذين يميلان نحو الهبوط بشكل عام، وإن تذبذبت الأسعار بين يوم وآخر.

وهنالك، بالطبع، عوامل أخرى، سيكون لها في المديين، المتوسط والطويل، تأثير مباشر في الطلب على النفط. ولنأخذ الاتفاق الذي توصلت إليه الدول التي اجتمعت في باريس، من أجل تقليل الارتفاع في درجات الحرارة للكرة الأرضية، عن طريق تخفيف الانبعاثات الغازية السامة، وخصوصاً غازات الكربون والكبريت.

وإذا أعدنا كل هذه الكلمات المنمقة إلى اللغة البسيطة المباشرة، فإنها تدعو إلى التخفيف من استعمال النفط والغاز والفحم، بغض النظر عن مصدرهما. وهذا يعني مزيداً من الاستثمارات في الطاقة النظيفة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقد شهد الاستثمار في هذه الطاقة نمواً مستمراً في السنوات الماضية، ولم يؤثر عليه هبوط أسعار النفط.

وعلى الرغم من التقدم الهائل الذي جرى على حجم الاستثمار الدولي في الطاقة المتجددة (الشمسية خاصة)، والتي تقدر في عام 2015 بحوالي ثلاثمائة بليون دولار، إلا أن قدرتها على تزويد الكهرباء، بدل الغاز والنفط والفحم، لا تزال محدودة. والمطلوب كسر التحدي التكنولوجي الماثل في القدرة على تخزين الطاقة الشمسية واستعمالها حسب الحاجة. وهذا يتطلب تقدماً في التقنيات عالية المستوى.

لكن النقل الذي يحظى بحصة بين 25% و30% من استهلاك النفط في العالم بدأ يشهد إنجازات كبيرة، تحولت تدريجياً إلى سلع تجارية، تلاقي تشجيعاً وتحفيزاً في دول كثيرة منتجة لهذه السلع أو المستوردة لها. وقد دخلت سيارات «الهايبرد» التي تمزج بين الطاقة النظيفة والنفط، والسيارات الكهربائية إلى حيز التسويق. ولهذا سيتوفر الدافع من أجل تنشيط البحوث، لتطوير هذه الوسائل وجعلها أكثر يسراً في مجالات الشحن للبطاريات، وسهولة الصيانة وكلفتها، وتخفيض كلف الإنتاج والأسعار.

كان اكتشاف النفط في منتصف القرن التاسع عشر ثورة كبيرة، وسيكون التحول نحو الطاقات الجديدة ثورة أخرى. قد تعود أسعار النفط للارتفاع، لتصل إلى 70 دولاراً عام 2017، كما يتوقع محللون. ولكن، على المدى الأطول، سيتحول النفط من سلعة طاقة إلى مادة أولية للصناعات البتروكيماوية.

  كلمات مفتاحية

أسعار النفط أوبك صندوق النقد الدولي الدول النفطية الشرق الأوسط خام برنت وفرة المعروض

منتجو «أوبك» متشائمون من أسعار النفط في 2016

«موديز» تخفض توقعاتها لأسعار النفط بشكل حاد في 2016

أمين عام «أوبك»: تدني أسعار النفط لن يستمر طويلا

«بلومبيرغ»: انخفاض أسعار النفط يزيد الضغوط على الأسواق الخليجية

توقعات روسية بعدم صعود أسعار النفط فوق 50 دولارا في 2016

توقعات وآمال سعودية إماراتية بارتفاع أسعار النفط بدءا من 2016

دول الخليج تخسر 500 مليار دولار في 2015 جراء تدهور أسعار النفط