اعتبرت «الجامعة العربية» التوغل التركي في العراق «اعتداء»، وأصدر مجلسها الوزاري بيانا أدان وجود قوات تركية في شمال العراق، ووصفه بأنه «اعتداء على السيادة العراقية»، وطالب تركيا بسحب هذه القوات في شكل فوري ومن دون شروط، و «الالتزام بعدم تكرار انتهاك السيادة العراقية مستقبلاً مهما كانت الذرائع».
البيان كاد أن يصدر حاملا رفض التدخل التركي من دون غيره، لكن إصرار السعودية على أن يتضمن أيضا إدانة للتدخلات الإيرانية، عاود صوغ البيان على نحو مختلف، وعلى رغم أن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري تردد في الموافقة على إدانة التدخلات الإيرانية في بلاده، غير أن صلابة السعودية وتمسكها بموقفها، دفعاه إلى التوقيع على صيغة لم يأمر بها وساءه التوقيع عليها.
كان موقف الجامعة مؤسفا، وهو تعامل بازدواجية مع قضية المس بالسيادة، تغاضى عن دور إيران، على رغم أن ما تفعله في العراق يكاد أن يصل إلى حال الاستعمار، الجامعة كانت تلوذ بالصمت طوال الوقت، وحين دخلت القوات التركية إلى الأراضي العراقية، تذكرت سيادة العراق، على رغم أن الاحتلال ملة واحدة، طهران تعدت، عمليا، على سيادة الدولة العراقية، وإن شئت معظمها.
لكن جامعتنا العربية كانت متماهية مع هذا الاحتلال.
والغريب أنها رفضت سابقا الاعتراف بأول حكومة عراقية شكلت، في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وحين سألت، وقتها، أحد المسؤولين في جامعة الدول العربية عن المنطق في رفض الاعتراف بالحكومة العراقية، فيما تعترف الجامعة بالحكومة الفلسطينية التي تقع تحت الاحتلال، قال لي: نحن لم نفكر بالقضية على هذا النحو.
لكن تفسيري هو أن الجامعة طبقت، في ذلك الوقت، على حكومة السلطة الفلسطينية المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي تنص على أن تكون للثوار قيادة مسؤولة، وعلامات خاصة تميزهم، ورفضت تطبيقها على الحكومة العراقية إبان الاحتلال الأمريكي، لإيمان الجامعة، آنذاك بأن الحكومة العراقية الجديدة لم تكن سوى «خيال مآته»، وليس لها دور سيادي، أو مستقل.
كانت أشبه بالبلدية التي تدير أمور الحياة اليومية الصغيرة، وأظنها اليوم لم تبتعد كثيرا، في ظل الهيمنة الإيرانية على قرار العراق، وسيادته.
لكن الجامعة لم تعد هي الجامعة، والرابطة بين الدول العربية صار مقياسها علاقة هذه الدول بجيران العرب، صار هناك «العرب الإيرانيون»، و «العرب الأتراك»، وقريبا «العرب الإسرائيليون»، بدأ المثلث الذي يحيط بالعالم العربي يتدخل في تشكيل دولنا، ورسم علاقات بعضها ببعض.
لا شك في أن القول غير المأثور «أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا»، لا يسعف دور الجامعة العربية في العراق، ولا يعفيها من التخاذل، فوصولها المتأخر للدفاع عن سيادة العراق من الاعتداء التركي على أراضيه، كأنه شرعن الاحتلال الإيراني، وبارك وجوده.
الأكيد أن الجامعة بدورها الراهن عادوت تعريف الاستعمار، والمس بالسيادة، وصارت قوة الوشائج العربية مرهونة بعلاقات البلاد العربية بدول المنطقة، ميثاق الجامعة الذي أصابه الوهن سيأتي على ما تبقى من العالم العربي. أدركوا جامعتكم يا عرب، أدركوا عروبتكم.