ما الذي تحتاج إليه السعودية من أجل تجاوز اعتمادها على النفط؟

الأحد 27 ديسمبر 2015 07:12 ص

خلال الأسابيع القليلة الماضية، شرعت المملكة العربية السعودية في مراجعة غير مسبوقة لسياساتها الاستراتيجية، وهي مراجعة يمكن أن يكون لها تداعيات على كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. ومن المتوقع أن تعلن التفاصيل الكاملة للقرارات الناجمة عن هذه المراجعة في يناير/كانون الثاني، لكنه بات من الواضح أن المملكة، الاقتصاد الذي يحتل المرتبة التاسعة عشرة عالميا، قد صارت في حاجة ماسة إلى إصلاح بعيد المدى.

هناك سببان يبرهنان بوضوح أن مسألة التغيير قد صارت قضية عاجلة. الأول هو الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية من مستويات تتجاوز 100 دولار للبرميل في منتصف عام 2014 إلى أقل من 40 دولارا اليوم. وفي الوقت الذي تأتي فيه 90% من إيرادات الحكومة السعودية من النفط، فإن الضغط على الموارد المالية السعودية قد صار كبيرا، وقد تأرجح الميزان المالي من فائض صغير في عام 2013 إلى عجز بنسبة أكبر من 21% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

أما السبب الثاني فهو سبب ديموغرافي بالأساس. في السنوات الـ15 المقبلة، سوف يصل أكثر من 6 ملايين من الشباب السعودي إلى سن العمل، مما يزيد من الضغط على سوق العمل وربما يضاعف حجمها.

من المنطقي أن يكون المرء متشائما حول هذه الظروف، وهذا حو حال الكثير من المعلقين الدوليين. ولكن هناك أيضا أسباب وجيهة للتفاؤل، وأبرزها اعتراف القيادة السعودية الجديدة بالتحدي والإمكانيات التي يمكن خلقها.

وفقا لبحث أجراه معهد «ماكينزي» العالمي، فإن المملكة العربية السعودية لديها القدرة على مضاعفة ناتجها المحلي الإجمالي وخلق ستة ملايين وظيفة إضافية بحلول عام 2030، وهو عدد يكفي لاستيعاب تدفق الشباب والشابات على نحو متزايد إلى سوق العمل. لإنجاز هذا، فإن الأمر يتطلب أن تحد الملكة بشكل كبير من اعتمادها غير الصحي على النفط وهو هدف استراتيجي تمت مناقشته منذ فترة طويلة، ولكنه لم ينفذ أبدا.

المملكة العربية السعودية لديها العديد من القطاعات الواعدة للتوسع. لدى المملكة طبقات كبيرة غير مستغلة من المعادن والمعادن غير الفلزية بما في ذلك الفوسفات والذهب والزنك والبوكسيت، والسيليكا عالية الجودة. قطاع التجزئة في البلاد ينمو بالفعل، لكنها ما تزال متأخرة في مجالات مثل التجارة الإلكترونية وسلاسل التوريد ذات الكفاءة.

كما يمكن تطوير القطاع السياحي في البلاد ورفع مستواه، ليس فقط بالنسبة للملايين من الحجاج المسلمين الذين يزورون الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة في كل عام، ولكن أيضا السياحة الترفيهية. المملكة العربية السعودية تمتلك ساحلا طويلا على البحر الأحمر، وكذا العديد من المناطق الأخرى التي يمكن أن تكون جاذبة للزوار. قطاع الصناعات التحويلية أيضا هو أحد الصناعات التي تحمل فرصا واعدة للنمو. المملكة لديها حجم محدود جدا من التصنيع المحلي، على الرغم من كونها واحدة من أكبر الأسواق في المنطقة للسيارات والآلات وغيرها من السلع الرأسمالية.

استغلال هذه الفرص يتطلب تريليونات من الدولارات من الاستثمارات، إضافة إلى تحسينات جذرية في الإنتاجية والشراكة الحكومية والالتزام المستمر. مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الـ15 المقبلة تتطلب استثمارات تبلغ 4 تريليونات من الدولارات، بما يعني مقدار مرتين ونصف من كمية الأموال التي تدفقت على المملكة خلال فترة الوفرة النفطية ما بين عامي 2003 إلى 2013.

تحقيق هذا المستوى من الاستثمار يتطلب إصلاحات سياسية راديكالية. خلال فترة الوفرة النفطية، زادت الدولة أجور القطاع العام ومخصصات الرعاية الاجتماعية التي كانت مساهما رئيسيا في الازدهار المتنامي الأسر. لا يزال القطاع العام يسيطر على معظم جوانب الاقتصاد، وخاصة العمالة؛ حوالي 70% من المواطنين السعوديين يعملون لصالح الدولة.

ولكن عملية تحويل الاقتصاد سوف تتطلب مساهمة المستثمرين والشركات. في الواقع، فإنه بحلول عام 2050 على أقصى تقدير فإن 70% من الاستثمارات على الأقل ينبغي أن تكون قادمة من القطاع الخاص. تحقيق ذلك يتطلب إصلاح الإطار التنظيمي والقانوني للبلاد.

وسوف يتطلب ذلك أيضا تحسينات كبيرة في معدلات الإنتاجية. وقد تأخر نمو الإنتاجية في المملكة العربية السعودية مقارنة بمعدلاته في مجموعة دول العشرين، حيث ارتفع بنسبة 0.8% فقط خلال العقد الماضي. نمو الإنتاجية سيتطلب إعادة صياغة القيود التي تفرضها المملكة على الأعمال وقطاع العمالة. في الوقت الراهن، يعتمد الاقتصاد السعودي بشكل كبير على العمالة الأجنبية منخفضة الإنتاجية ذات الأجور المنخفضة والتي تعمل بعقود محدودة. في الواقع، فإن هؤلاء العمال يحصلون على أكثر من نصف الوظائف في البلاد. يجب لهذا الأمر أن يتغير إذا كانت البلاد تسعى إلى زيادة الإنتاجية وتحديث القطاعات غير النفطية.

القيادة الجديدة في المملكة العربية السعودية لديها خيارات صعبة ولكن مهمة من أجل القيام بصياغة استراتيجية اقتصادية مفصلة. وتشمل أهم الأولويات تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وتطوير مصادر جديدة للدخل لتحل محل صادرات النفط. لدى الحكومة عدد من الخيارات للحصول على عائدات جديدة، بما في ذلك إصلاح دعم الطاقة المسرف وإدخال الضرائب التي تعد من معايير مجموعة دول العشرين مثل ضريبة القيمة المضافة.

عملية فطام الاقتصاد السعودي عن الاعتماد على النفط لن تكون سهلة بحال. والمملكة لديها سجل متفاوت في هذا الصدد. ولكن هناك علامات على أن الحكومة تأخذ هذا الأمر بجدية وعزم هذه المرة. أحد هذه الدلالات هو القرار الأخير بفرض ضريبة على الأراضي غير المستغلة التي يمكن تطويرها للسكن (الأراضي البيضاء). دليل آخر هو التعاون والتنسيق بين الوزارات الذي يجري تحت إشراف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهي هيئة أسست في يناير/كانون الثاني لعام 2015 ويرأسها نائب ولي العهد ونجل الملك. وإذا كانت الحكومة قادرة على الحفاظ على عزمها على مر السنين التي يتطلبها ضبط الاقتصاد بقوة على مسار جديد، فإن المملكة سوف تتحول تماما إلى الأفضل.

  كلمات مفتاحية

السعودية إصلاح اقتصادي انخفاض أسعار النفط السياحة الصناعات التحويلية

«دويتش فيلله»: السعودية .. بيت القوة النفطي يفقد توازنه

شركة استشارية عالمية تنصح السعودية بالإسراع في إجراء إصلاحات اقتصادية

«فوربس»: السعودية تدق المسمار الأخير في نعش سوق النفط

السعودية ونداء اليقظة .. هل يمكن أن تنجح خطط التغيير في المملكة؟

المملكة المتعثرة .. كيف تؤثر الأزمة المالية والحروب في المنطقة على السعودية؟

«الجارديان»: وثائق مسربة تظهر توجه الحكومة السعودية نحو تطبيق خطة تقشفية

تراجع أسعار النفط بعد عطلة «عيد الميلاد»

«النعيمي»: سياسة السعودية النفطية مجدية ولا حياد عنها

السعودية: قادرون على تلبية المزيد من الطلب على النفط

السعودية والنفط .. تغيير قواعد اللعبة