حلقة مفرغة.. استمرار المأزق الليبي رغم استئناف ضخ النفط

الخميس 28 يوليو 2022 07:44 م

استأنفت ليبيا تصدير النفط في 20 يوليو/تموز بعد انقطاع دام أشهر بسبب التوترات المتصاعدة والمرتبطة بمأزق الانتخابات الجديدة التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول 2021 ثم تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

ويسمح استئناف تصدير النفط الليبي بعودة ما يصل إلى 850 ألف برميل يوميًا إلى سوق النفط. وجاء القرار بعد إقالة رئيس مؤسسة النفط الوطنية الليبية "مصطفى صنع الله" من قبل رئيس الوزراء "عبد الحميد دبيبة" ليحل محله محافظ البنك المركزي السابق "فرحات بن قدارة".

وأثارت هذه القرارات جدلا واسعا، حيث احتج "صنع الله" على قرار إقالته، واعتبر أن "الدبيبة" لم يعد يمتلك سلطة إقالته منذ انتهت فترة ولاية حكومته. ووصلت عناصر مسلحة إلى مقر المؤسسة الوطنية للنفط لتنفيذ قرار الإقالة وتنصيب "بن قدارة".

وأعرب سفير الولايات المتحدة في ليبيا (المقيم في تونس) ومسؤولو الأمم المتحدة عن قلقهم بشأن تسييس المؤسسة الوطنية للنفط ومخاطر "الخطوات الأحادية". كما رفض مجلس النواب، ومقره شرق ليبيا، إقالة "صنع الله".

وينظر إلى "بن قدارة" على أنه حليف سياسي للجنرال "خليفة حفتر" لذلك يعد تحرك "دبيبة" مؤشرا على محاولة جذب "حفتر" وإعادة فتح حقول النفط.

وقد احتلت الجماعات المسلحة المتحالفة مع "حفتر" عدة منشآت وحقول نفطية قبل عدة أشهر، وأوقفت تدفق النفط الليبي وطالبت "الدبيبة" بتسليم السلطة إلى "فتحي باشاغا" الذي عينه مجلس النواب في شرق البلاد رئيساً للوزراء في مارس/آذار.

واتخذ مجلس النواب هذا القرار للتأكيد على أن حكومة "الدبيبة" كانت في السلطة لفترة مؤقتة حتى الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر انعقادها في ديسمبر/كانون الأول 2021 وفقًا لاتفاق أشرفت عليه الأمم المتحدة.

ورفض "الدبيبة" تسليم السلطة إلا بعد إجراء انتخابات، وأدى الخلاف بين الفصائل التي يقودها "باشاغا" و"الدبيبة" إلى اشتباكات عنيفة في طرابلس في 17 مايو/أيار، عندما حاول "باشاغا" نقل حكومته الموازية إلى العاصمة.

هل كان هناك اتفاق بين الفصائل الشرقية والغربية؟

 يرى بعض المحللين أن تعيين "بن قدارة" يعكس صفقة ربما تم التوصل إليها في أبوظبي أوائل يوليو/تموز بين نجل "حفتر" ومستشار كبير لـ"الدبيبة".

وربما يتضمن هذا الاتفاق ما هو أبعد من حل الحصار النفطي بما في ذلك موافقة "حفتر" على سحب دعمه للحكومة التي يقودها "باشاغا" والسماح لـ"الدبيبة" بالبقاء رئيسًا للوزراء حتى إجراء الانتخابات.

وعلى العموم، فإن تفاصيل هذا الاتفاق لا تزال غير واضحة. ولم تتمكن الأطراف المتصارعة من الاتفاق في خريف 2021 على القواعد الانتخابية الرئيسية مثل معايير المرشحين للرئاسة.

علي سبيل المثال، جرى الخلاف حول إمكانية ترشح قائد عسكري أو مواطن مزدوج الجنسية - "حفتر" في المقام الأول - لمنصب الرئاسة. ولم تتمكن الجولات الأخيرة من المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة في جنيف والقاهرة من تجاوز الخلافات وتمهيد الطريق للانتخابات.

وفي خضم التنافس على التحكم في النفط الليبي، ظلت الظروف المعيشية لليبيين مزرية، مع حكومات متنافسة غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية. وفي أوائل يوليو/تموز، اندلعت احتجاجات في المدن الكبرى واقتحم متظاهرون مبنى البرلمان في طبرق وأضرموا النار في أجزاء من المبنى بينما كان خاليا خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وكانت هناك أيضًا احتجاجات كبيرة في طرابلس وبنغازي ومصراتة ومدن وبلدات أخرى في جميع أنحاء البلاد، ويعد ذلك مؤشرا على أن الاحتجاجات لم تكن بتوجيه من فصيل سياسي معين.

وقد وصلت الاحتجاجات ذروتها في الأسبوع الأول من يوليو/تموز بعد يوم من فشل المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق بشأن الانتخابات. ويبدو أن الاحتجاجات قد خفت منذ ذلك الحين.

وتضمنت المظالم الرئيسية في هذه الجولة الأخيرة من الاحتجاجات الظروف المعيشية السيئة (انقطاع التيار الكهربائي بشكل منتظم وارتفاع أسعار الخبز والوقود) ونقص فرص العمل واستمرار الأزمة السياسية وانتشار المليشيات المسلحة، وطالب المحتجون بضرورة إجراد الانتخابات في أقرب وقت.

ووصفت المستشارة الخاصة للأمم المتحدة بشأن ليبيا "ستيفاني ويليامز" الاحتجاجات بأنها "دعوة واضحة للطبقة السياسية" لتنحية خلافاتهم جانبًا وإجراء انتخابات. قد اندلعت احتجاجات مماثلة في عام 2020، في لحظة أخرى من الجمود السياسي، وكانت سمة متكررة للمشهد الليبي منذ الإطاحة بـ"معمر القذافي" في عام 2011.

وبالرغم من الإشارات المشجعة على قدرة ليبيا على إعادة فتح منشآتها النفطية وعودة نفطها إلى السوق، لا تزال البلاد تمزقها الخلافات السياسية والأيديولوجية والجغرافية والقبلية.

ووسط كل هذه الاختلافات، تتمتع الميليشيات بدرجات كبيرة من الحكم الذاتي، ويسعى السياسيون المتنافسون إلى السيطرة عليها - واستخدامها - لدعم تحركاتهم السياسية.

ومع انهيار المؤسسات العسكرية الوطنية خلال العقد الماضي، تمثل الميليشيات المتنافسة القوة الوحيدة في دولة فاشلة إلى حد كبير.

وبالنظر إلى التنافس بين الميليشيات، والمنافسات السياسية الأكبر، والمستويات غير المتكافئة من السيطرة السياسية على الميليشيات، ودعم الدول الأجنبية الموجه إلى الميليشيات المختلفة، فقد ثبت أن قوة الميليشيات ليست كقوة حركة الاحتجاج.

وتعد الاختراقات السياسية (مثل استئناف مبيعات النفط) نتيجة لتحرك حاسم من قبل الميليشيات وإن كانت الواجهة هي صفقات سياسية في الغرف الخلفية.

وخلال هذا الصراع العسكري الفوضوي من أجل السلطة والنفوذ في ليبيا، تمكنت الأمم المتحدة من الحفاظ على جهد دبلوماسي خففت التوترات في البلاد في بعض الأوقات.

وسهلت بعثة الأمم المتحدة الخاصة في ليبيا جهود منتدى الحوار السياسي الليبي في عام 2020 وقادت المفاوضات التي توصلت إلى اتفاق في عام 2021 كان يمهد الطريق للانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 2021.

لكن دبلوماسية الأمم المتحدة على الأرض لم تكن قادرة على تأمين خروج حاسم من المأزق الهائل الذي تمر به ليبيا. ومن المتوقع قريبًا الانتقال إلى ممثل خاص جديد للأمم المتحدة، وسط تقارير إعلامية عن خلاف حاد في مجلس الأمن بين الولايات المتحدة وروسيا حول القضايا المتعلقة بليبيا.

ومع الانقسامات التي أصبحت أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، واستمرار الجهات الأجنبية مثل تركيا والإمارات ومصر وقطر وروسيا في تقديم الدعم للأطراف المتصارعة، وانقسام مجلس الأمن، من الصعب أن نرى تحسنا في أوضاع ليبيا على المدى المتوسط.

ووسط هذا الوضع المتقلب، من المرجح أن تتواصل الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة بالرغم من كل التحديات، وستتركز الجهود على دعوة أصحاب المصلحة الرئيسيين إلى مفاوضات تساعد في إدارة الصراع وتحديد أفق سياسي للانتخابات.

ولكن نظرًا للتوترات الأمريكية الروسية التي تؤثر على مجلس الأمن والتدخل الأجنبي الذي أدى إلى تفاقم الانقسامات، فإن الطريق إلى الانتخابات والاستقرار النهائي في ليبيا سيظل أمرا شديد الصعوبة.

المصدر | وليام روبوك/ معهد دول الخليج واشنطن – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ليبيا دبيبة باشاغا المليشيات النفط الليبي المليشيات الليبية الدبيبة انتخابات ليبيا

واشنطن: الدبيبة وباشاغا ملتزمان بتجنب العنف في ليبيا

تراجع أسعار النفط مع استئناف الإنتاج في ليبيا وضعف توقعات الطلب

السفارة الأمريكية في ليبيا تشيد بالتقدم نحو "مؤسسة عسكرية موحدة"

إنتاج ليبيا النفطي يعود لمستويات ما قبل الإغلاق القسري

إيني تثير مناكفات جديدة بين الدبيبة وباشاغا في ليبيا.. ما القصة؟