لماذا انتقلت الجزائر من الفرنسية إلى الإنجليزية في مناهج تعليمها؟

السبت 3 سبتمبر 2022 06:19 م

أعلنت الجزائر، أنّ كتاب اللغة الإنجليزية، للسنة الثالثة من التعليم الابتدائي "أصبح جاهزا"، بعد اعتماده والمصادقة عليه من طرف المعهد الوطني للبحث في التربية.

وسيشرع الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، في عملية طبع كتب الإنجليزية، لتكون متوفرة في جميع المؤسسات التعليمية قبل دخول التلاميذ للمدارس، في خطوة دفعت مجلة "بوليتكو"، للتساؤل عن قرار الجزائر الانتقال من تعليم اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية، كلغة تدريس ثانية في المدارس.

وتعتبر العربية اللغة الحية الأولى في الجزائر، تليها الفرنسية، بموجب القانون التوجيهي الذي يحكم قطاع التعليم والذي وقّعه الرئيس الراحل "عبدالعزيز بوتفليقة" سنة 2008.

إلا أنه في يونيو/حزيران الماضي، وجه الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون"، بتدريس اللغة الإنجليزية بدءا من المرحلة الابتدائية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد.

جاء ذلك، تنفيذا لتصاعد المطالب خلال السنوات الأخيرة، من أحزاب وجمعيات جزائرية، تدعو إلى إدراج الإنجليزية في السنوات الأولى للتعليم، باعتبارها أكثر اللغات انتشارا في الأوساط العلمية عالميا.

ووفق "بوليتكو"، فإن هناك تفاصيل قليلة في عالم الدبلوماسية، تحمل نفس القدر من الأهمية مثل اللغة، مضيفة: "لغات قليلة لها ذلك القدر من التأثير الثقافي والدبلوماسي مثلما تفاخر الفرنسيون دائما".

وأضافت: "عندما كتب على منصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القصر الرئاسي الجزائري الأسبوع الماضي (رئاسة الجمهورية) باللغة الإنجليزية بدل الفرنسية، لاحظ الدبلوماسيون والمراقبون التغير في الجزائر".

يقول السفير الفرنسي السابق في الجزائر "خافيير درينكور": "لم أفاجأ، ولكنني صدمت من فعل (الجزائر) أمرا أثناء زيارة رئيس فرنسي".

وأضاف: "هذا أمر مقصود، وهي رسالة لفرنسا، وهي طريقة لإخبار الشعب الجزائري أنه لا شيء خاصا يتعلق باللغة الفرنسية، فهي لغة مثل بقية اللغات".

وتابعت أن اختيار اللغة الإنجليزية خلال رحلة "ماكرون" الأخيرة إلى الجزائر، هو أحدث إشارة إلى أن حكومة "تبون" تريد التخلص التدريجي من الفرنسية كواحدة من لغات العمل، في السلطات الرسمية الجزائرية.

ويعد استخدام اللغة الفرنسية، خاصة في الإدارة العامة والشركات والجامعات، جزءًا من إرث معقد من الحقبة الاستعمارية، التي انتهت عام 1962، بعد حرب استقلال طاحنة استمرت 8 سنوات.

وحسب أرقام المنظمة الدولية للغة الفرنسية، فإن الجزائر تعد ثالث دولة في العالم (بعد فرنسا والكونغو) تنتشر فيها الفرنسية، وينطق بها 15 مليون من أبناء الجزائر.

وفي حين أن الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر، إلا أنه يتم تدريسها في المدارس الابتدائية الجزائرية، بدءًا من سن التاسعة، ويتحدثها ثلث الجزائريين.

وتدرس اللغة الإنجليزية فقط في المدارس الثانوية بدءًا من سن 14 عامًا.

ولو أمضت الحكومة الجزائرية قرارها، فسيتم عكس وضع اللغتين، حيث تصبح اللغة الإنجليزية لغة تدرس في المراحل الابتدائية، والفرنسية في المراحل الثانوية.

ونقلت "بوليتكو" عن المحاضر في اللغة الفرنسية بجامعة بومرداس (شرق الجزائر) "رياض غسيلي": "إذا لم تتحرك فرنسا ولم توقف استبدال الإنجليزية بالفرنسية فستخسر التأثير، وستخسر الناس الذين سينشرون ثقافتها والدفاع عن مصالحها".

وأضاف: "إذا لم يحدث أمر إزاء التغيير فسيختفي مجال التأثير الفرنسي".

وتابع "غسيلي": "تحاول الحكومة تشجيع استخدام اللغة العربية، ولكنها تريد تشجيع اللغة الإنجليزية لأنه ينظر إليها على أنها محايدة ثقافيا في الجزائر".

وزاد: "يفعلون هذا لأن خلف كل لغة ثقافة، واللغة الفرنسية تخلق أناسا ناقدين".

وتعتبر اللغة العربية والأمازيغية اللغتين الرسميتين في البلاد، حيث يتحدث معظم السكان لهجة عربية في البيوت.

ومع أن التحول عن الفرنسية هو محاولة لتحرير الأمة التي تعيش على المتوسط من الماضي الاستعماري، فإن الكثير من الناطقين بالفرنسية ينظرون إلى القرار نظرة شك، ويعتقدون أن له دوافع سياسية.

ويعتقد مراقبون أن القوة الفرنسية الناعمة تتراجع، في وقت تخوض فرنسا حربا ناعمة للحفاظ على تأثيرها، حتى بدت رغبات الجيل الجديد تتوافق مع طموح الوطنيين الجزائريين الذين كانوا يريدون التخلص من الفرنسية منذ الأيام الأولى للاستقلال.

وبناء على ذلك، تتوقع المنظمة الدولية للغة الفرنسية تراجعا في عدد المتحدثين في الجزائر، رغم التوقعات بزيادة أعداد من يتحدثون بها من الناحية السكانية.

وكانت زيارة "ماكرون" الأخيرة إلى الجزائر، تهدف إلى إعادة العلاقات بعد أن أساء الرئيس الفرنسي إلى النظام الجزائري، عندما اتهمهم باستغلال الماضي الاستعماري.

وفي العام الماضي، اتهم الرئيس الفرنسي الحكومة الجزائرية بأنها "نظام سياسي عسكري"، يشجع على "كراهية فرنسا" و"يستفيد من الماضي الاستعماري".

وردا على ذلك ، استدعت الجزائر سفيرها لمدة 3 أشهر.

ويعد التحول العلني للجزائر إلى اللغة الإنجليزية، وتوقيع صفقة غاز بمليارات اليورو مع إيطاليا في يوليو/تموز، وقرار الجزائر إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في نوفمبر/تشرين الثاني، كلها علامات تم التقاطها في باريس، واعتبرها البعض تهديدًا لتقلص نفوذها في البلاد والمنطقة.

وتأتي زيارة "ماكرون" للجزائر أيضا بعد فترة وجيزة من زيارة للكاميرون وبنين الناطقين بالفرنسية، على خلفية الانسحاب العسكري الفرنسي من منطقة الساحل.

ويلاحظ العديد من المراقبين أن فرنسا تقاتل من أجل الحفاظ على نفوذها، فيما كان يُطلق عليه ذات مرة "الفرنسية الأفريقية"، في السنوات التي أعقبت استقلال المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا.

وخلال زيارته، أولى "ماكرون" اهتمامًا خاصًا لدعم الجالية الفرنسية الجزائرية علنًا، وهي حجر الأساس لاستمرار استخدام اللغة الفرنسية في الجزائر.

كما التقى "ماكرون"، خلال زيارته الأخيرة بمجموعة من رواد الأعمال الشباب في السفارة الفرنسية بالجزائر العاصمة، أعرب بعضهم دون الكشف عن هويتهم، عن قلقهم من رغبة الحكومة في التخلص التدريجي من اللغة الفرنسية.

يقول الباحث في مركز "إيرس" بباريس "إبراهيم أومنصور": "إلى سياسات التعريب في السبعينيات والتي كانت كارثة في الجزائر.. وللتخلص من المدرسين الفرنسيين تم إحضار المدرسين من سوريا ومصر، لكنهم لم يكونوا مؤهلين ولم يكونوا يعرفون الكتابة بالعربية بشكل جيد.. وقضت الجزائر وقتا لإصلاح الخطأ".

وتابع: "لقد أمضت الجزائر وقتًا طويلاً في محاولة إصلاح آثار هذا الخطأ".

وربما لم ينحرف التيار بالكامل بعد عن الفرنسية، حيث تعددت الإيماءات التي تشير إلى مصالحة بين "ماكرون" و"تبون"، خلال الزيارة، ووقع الرئيسان تعاونا لفتح المدارس وترجمة الأعمال الأدبية الفرنسية والجزائرية وتعزيز العلاقات بين الجامعات على جانبي المتوسط.

يضيف "أومنصور": "الآن بعد أن ظهرت بوادر حسن النية على كلا الجانبين، ربما ستتم إعادة النظر في مسألة اللغة".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

فرنسا اللغة الإنجليزية اللغة الفرنسية ماكرون تبون

للمرة الأولى في تاريخها.. الجزائر تدرس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية

رئيسة وزراء فرنسا تزور الجزائر مع وفد وزاري كبير

سفير باريس السابق: العلاقات الجزائرية الفرنسية ستبقى رهينة ملف الذاكرة