لماذا حظرت مصر الظهور الإعلامي للقضاة؟

الأحد 9 أكتوبر 2022 11:56 ص

"قرار مسيس ويمس استقلال القضاء ويخالف الدستور ويجب إعادة النظر فيه".. هكذا خلصت التعليقات على قرار مصري بحظر الظهور الإعلامي لأعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة.

القرار الذي أثار تساؤلات حول طبيعته وأسبابه وأهدافه ودلالات توقيته، صدر الأسبوع الماضي، عن المجلس الأعلى للقضاء (الهيئة الرسمية المنوط بها إدارة شؤون القضاة)، ونشره الموقع الإلكتروني الرسمي لمحكمة النقض (أعلى محكمة تنظر في الطعون).

القرار نص على  حظر الظهور الإعلامي لأعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة، في الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية.

كما نص القرار على حظر استخدامهم منصات التواصل الاجتماعي الخاصة والعامة، وذلك بأشخاصهم أو بصفاتهم، وأيا كان الموضوع.

ولفت القرار إلى أنه سيترتب على مخالفته مساءلة تأديبية، وفقا لقانون السلطة القضائية.

وبينما شهدت توصيات الحظر الإعلامي للقضاة السنوات الأخيرة نقاشات إعلامية لافتة، إلا أن القرار الجديد، الذي يمثل سابقة كونه اتخذ شكلا وطابعا رسميا، لم يلق الاهتمام ذاته من قبل وسائل الإعلام المحلية المختلفة.

كما كان لافتا صدور القرار بعد يوم واحد من لقاء الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" بأعضاء المجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية (يرأسه السيسي) بحضور وزير العدل "عمر مروان" والنائب العام "حمادة الصاوي"، وذلك في إطار الاحتفال بيوم القضاء المصري، الذي يوافق مطلع أكتوبر/تشرين الأول من كل عام.

ووفق مراقبين، فإن القرار الصادر من أعلى جهة قضائية في مصر، جاء "بتوجيهات من الجهات السياسية والأمنية التي باتت تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في القضاء، بما في ذلك تعيين رؤساء هيئاته".

ولطالما تدخل نظام الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في عمل السلطات القضائية منذ يوليو/تموز 2013، وكان آخر تلك التدخلات قراره بانضمام أحد القضاة العسكريين إلى المحكمة الدستورية، في سابقة تاريخية.

في يوليو/تموز الماضي، أدى رئيس هيئة القضاء العسكري "صلاح الرويني"، اليمين القانونية لتولي منصبه الجديد كنائب لرئيس المحكمة الدستورية، كأول لواء بالقوات المسلحة بتشكيل المحكمة، منذ إنشائها عام 1979.

وكان "السيسي" أصدر في فبراير/شباط 2022، قرارا جمهوريا بتعيين قاضٍ قبطي، هو المستشار "بولس فهمي"، على رأس المحكمة الدستورية العليا، وهي المرة الأولى التي يتولى فيها قبطي هذا المنصب، على الرغم من أن ترتيبه كان الرابع بين نواب رئيس المحكمة، ما عده البعض تجاوزا لمبدأ استقلال القضاء.

ومهد "السيسي"، لهذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ القضاء المصري، عام 2019، بإجراء تعديلات تسمح بضم القضاء العسكري الذي لم يتم الاعتراف به كجهة إصدار أحكام إلا في دستور 2014، تحت مظلة المجلس الأعلى للقضاء برئاسته، ومنحه سلطة تعيين جميع رؤساء الهيئات والجهات القضائية.

وحسب رصد لـ"الجزيرة"، تتمثل أبرز الأزمات التي سبّبها الظهور الإعلامي للقضاة، السنوات الأخيرة، بسبب آراء ومواقف أو زلات لسان، في الآتي:

في مارس/آذار 2016، أعفى رئيس الحكومة وزيرَ العدل الأسبق "أحمد الزند" من منصبه على خلفية تصريحات متلفزة "تطاول فيها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، وذلك بعد بلاغات ضده وإدانة الأزهر الشريف لإقحام النبي الكريم في تصريحاته.

ويعد "الزند"، رئيس نادي القضاة الأسبق، من أبرز الوجوه القضائية التي عارضت حكم الرئيس الراحل "محمد مرسي"، كما أعلن عن مشاركة القضاة في احتجاجات 30 يونيو/حزيران 2013 التي مهدت الطريق للإطاحة بـ"مرسي"، حين كان السيسي وزيرا للدفاع.

كما سبق أن دعا "الزند"، الرئيس الأمريكي "بارك أوباما"، للتدخل في مصر ضد حكم "مرسي".

وفي مايو/أيار 2015، قدّم وزير العدل الأسبق "محفوظ صابر" استقالته، وذلك بعد تصريحات مثيرة للجدل نالت من الفقراء، قال فيها إنه "لا يمكن لابن عامل النظافة أن يصبح قاضيا".

وكان "صابر" قال خلال مقابلة تلفزيونية ردا على سؤال حول ما إذا كان ابن عامل النظافة يمكن أن يصبح قاضيا "مع احترامي لكل عامة الشعب، القاضي له شموخه ووضعه ولابد أن يكون مستندا لوسط محترم ماديا ومعنويا".

فيما شهد عام 2016 أيضا إعفاء "السيسي"، لرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات "هشام جنينه" من منصبه (2012 – 2016) بسبب تصريحات أدلى بها الأخير قال فيها إن "تكلفة الفساد في مصر خلال 3 سنوات تبلغ 600 مليار جنيه".

و"جنينة" الرئيس الأسبق لمحكمة استئناف القاهرة، أحد رموز "تيار استقلال القضاء" محبوس حاليا، بعد أن ألقي القبض عليه في فبراير/شباط 2018، عقب تصريحات أدلى بها تفيد بأن رئيس أركان الجيش الأسبق "سامي عنان" (كان مرشحا محتملا بانتخابات الرئاسة 2018) لديه وثائق تدين نظام الحكم.

يقول المنسق العام لحركة قضاة من أجل مصر سابقا "محمد عوض"، إن القرار "بالمسيس"، ويلفت إلى أن "الأصل، هو أن الدستور المصري يكفل لجميع المصريين التعبير عن آرائهم بحرية كاملة، وأعضاء السلطة القضائية مواطنون عاديون، ومن حقهم التعبير عن آرائهم في القضايا المجتمعية التي تشغل بال الجميع".

ويوضح في تصريحات صحفية، أن ما "يحظر على القاضي هو الحديث في قضايا ينظرها، وما عدا ذلك من حقه التعبير عن رأيه في الشأن العام لوطنه، سواء كان قضائيا كالمطالبة بإصلاح القضاء وتسريع التقاضي، أو سياسيا بفتح المناخ السياسي، أو اقتصاديا بانتقاد السياسات المالية للحكومة، ولا يجوز الحظر على رأيه".

ويؤكد القاضي المصري السابق، أن "القرار غير مسبوق ول يصدر في أي عهد للرؤساء السابقين"، ويضيف: "بل كان القضاة يتظاهرون ويطالبون بإصلاحات في القضاء".

ويتابع "عوض": "ما يجري هو مخالفة صريحة وصارخة لأحكام الدستور؛ بدعوى أنه عضو بالسلطة القضائية أو النيابة، وهو يأتي في إطار خنق حرية الرأي والتعبير لكل المواطنين، ومن يتجاوز ذلك يتم القبض عليه، ولكنه لا يستطيع القبض على أعضاء السلطة القضائية بسبب تمتعهم بحصانة قضائية؛ من ثم أصدر القرار لتجاوز تلك العقبة".

ما يحظر على القاضي، وفق "عوض"، هو "العمل بالسياسة مثل الانتماء لحزب سياسي معين، والاشتغال بالتجارة، طبقا لقانون السلطة القضائية، لكن إبداء الرأي في الشأن العام ليس محظورا ولا ممنوعا".

كما يعتبر المحامي والحقوقي "ناصر أمين"، الحظر الإعلامي للقضاة وأعضاء النيابة العامة "مخالفة للدستور".

ويضيف "أمين" رئيس مركز استقلال القضاء والمحاماة (غير حكومي) في تصريحات صحفية، أن الحظر الإعلامي، أو على منصات التواصل لأعضاء السلك القضائي، "يمس باستقلال السلطة القضائية، ومخالف لالتزامات مصر الدولية المتعلقة بالمبادئ الأساسية والتوجيهية للأمم المتحدة المتعلقة باستقلال القضاة"، كما أنه "له تأثير بحق القضاة في التعبير عن آرائهم".

وحول دلالات القرار وأهدافه، يرى الباحث في السياسات التشريعية "عباس قباري"، أنها تكمن في الظهور السريع لأثر الإجراءات التي اتخذتها السلطات لإحكام الهيمنة على كافة شؤون القضاة.

يوضح "قباري" أن هذه الإجراءات تتمثل في إعادة تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية، الذي أسسه الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" ضمن إجراءات ما يعرف بـ"مذبحة القضاة"، وكان الغرض منه إلغاء دور مجالس الهيئات القضائية التي كانت تمثل عقبة أمام هيمنة السلطة التنفيذية وتؤدي لإحراجها أحيانا.

ومذبحة القضاة واقعة عُزل فيها 200 قاضٍ، وتعود إلى عام 1969، بتهمة العداء لنظام ثورة 23 يوليو/تموز 1952، التي أطاحت بالنظام الملكي وأعلنت قيام الجمهورية.

ويضيف "قباري" أن دور المجلس الأعلى للهيئات القضائية تقلص إلى حد بعيد على وقع احتجاجات القضاة عامي 2005 و2006، حيث ألغى الرئيس الراحل "حسني مبارك" جُل اختصاصاته بموجب تعديلات دستورية عام 2007، استجابة لحركة استقلال القضاء.

وظهرت حركة "تيار استقلال القضاء" أواخر عهد "مبارك"، وخاضت آنذاك معارك ضد تزوير الانتخابات التشريعية، وشارك رموزها في الإطاحة بالرئيس، قبل أن يتم اقصاؤهم عبر الإقالة أو الحبس أو المنع من السفر أو دفعهم للخروج من المشهد في صمت.

ويرى "قباري" أن "السيسي أعاد، السنوات الأخيرة، للمجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية كامل اختصاصاته بعد تعديلات 2019 الدستورية، والتي ترتب عليها ترؤس السيسي للمجلس بصلاحيات مطلقة".

ولفت إلى تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية، وذلك وفقا للتعديلات الدستورية والقانونية التي مكنته من تجاوز مبدأي الأقدمية واستطلاع رأي المجالس القضائية، المعمول بهما في الأوساط القضائية منذ نشأتها.

ويرى "قباري" أن القرار "يمثل سابقة كونه اتَّخَذ شكل القرار الرسمي وليس التوجيهات أو التعميمات كما كان في السابق، كما أنه رتب إجراءات تأديبية لم ترد بقانون السلطة القضائية، وهو ما يجعله وإجراءاته التأديبية مخالفة لأعراف القضاة وقانون السلطة القضائية".

ويتفق الباحث مع الآراء التي تعد القرار "مخالفة للدستور"، موضحا أن حدود الحظر الخاص بالقاضي تتوقف عند الامتناع عن إبداء رأيه في قضية ينظرها أو حكم قضائي أقرته محكمته.

من جانبها، أعربت مؤسسة دعم العدالة عن انزعاجها من قرار حظر ظهور أعضاء السلطة القضائية في وسائل الإعلام، مطالبة بضرورة مراجعته.

وذكرت المؤسسة، في بيان لها، أن ما تضمنه "يمس باستقلال القضاة وحقهم في التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومعتقداتهم، في مخالفة صريحة وواضحة للمادة (8) من مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية، والمعتمدة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تحمي حق القضاة كغيرهم من المواطنين في التمتع بحرية التعبير والاعتقاد".

وأكدت المؤسسة أن تنفيذ هذا القرار يعد "إهدارا لالتزامات مصر الدولية، والتي تعهدت بالعمل على احترامها والالتزام بها وفقا لأحكام المادة (93) من الدستور المصري الصادر عام 2014".

وطالبت المؤسسة مجلس القضاء الأعلى المصري، بضرورة الإسراع في مراجعة هذا القرار وإلغائه، معتقدة أنه "سوف يترتب على تنفيذه انتهاك لحقوق أعضاء السلطة القضائية في ممارسة حقهم في التعبير والاعتقاد، وما يمثله من إخلال بالتزامات مصر الدولية بشأن استقلال السلطة القضائية".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصر قضاة مصر السيسي ظهور إعلامي مجلس القضاء استقلال القضاء

مصر.. تهديدات للقضاة بالعزل حال التنحي عن نظر قضايا الإرهاب

غضب بين قضاة مصر بسبب تصاعد نفوذ شقيق السيسي