إلى أي مدى يمكن أن تصل الاحتجاجات في إيران؟

الأحد 16 أكتوبر 2022 11:08 ص

في أحد أوائل أيام فصل الخريف في العاصمة الإيرانية طهران، أوقفت شرطة الأخلاق شابة تبلغ 22 عاما جاءت إلى العاصمة في زيارة عائلية، واقتادتها في شاحنة صغيرة إلى مركز الشرطة.

أطلق توقيف "مهسا أميني" في 13 سبتمبر/أيلول سلسلة أحداث جعلت بعد شهر القيادة الدينية بزعامة المرشد الأعلى آية الله "علي خامنئي" (83 عاما) تواجه أحد أكبر التحديات منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لكن نتيجتها النهائية لا تزال مجهولة.

اعتقال "أميني" جاء بتهمة خرق قواعد لباس المرأة التي فرضتها الجمهورية الإسلامية بعيد سقوط نظام الشاه.

لكن بعد أقل من ساعتين من توقيفها ونقلها إلى مركز احتجاز فوزارا، دخلت "أميني" في غيبوبة، وسرعان ما نُقلت إلى مستشفى كسرة، حيث أعلنت وفاتها في 16 سبتمبر/أيلول.

وتعتقد أسرتها ومحاموها أنها تعرضت لضربة قاتلة في الرأس أثناء توقيفها.

بدأت الاحتجاجات خارج المستشفى في 16 أيلول/سبتمبر بعيد إعلان وفاتها، وتحولت جنازتها في منزلها في محافظة كردستان في 17 أيلول/سبتمبر إلى تظاهرة احتجاجية سرعان ما امتدت إلى أنحاء البلاد.

وبعد مرور شهر، لا تزال القيادة الإيرانية تواجه حركة احتجاج هي الأكثر استمرارية وكسرا للمحظورات وتنوعا في تاريخ الجمهورية الإسلامية، فضلا عن أنها الحركة الأولى التي تقودها النساء.

ولا تظهر حركة الاحتجاج التي تفتقر إلى قيادة حتى الآن أي مؤشرات انحسار، مع امتدادها من الشوارع إلى الجامعات والمدارس وحتى مصافي النفط.

لكن النظام مستعد أيضا لاستخدام أدوات قمع تصل إلى استعمال القوة المميتة وقطع الإنترنت والاعتقالات الجماعية.

ويرى "كورنيليوس أديباهر" الباحث في منظمة "كارنيغي أوروبا"، أن الاحتجاجات الحالية قد تمثل "بداية نهاية الجمهورية الإسلامية"، لكنها تحتاج في سبيل ذلك إلى الاستمرار وإيجاد هيكل قيادي من نوع ما.

ويضيف أن "تحقيق تغيير إيجابي يتطلب أكثر بكثير من مجرد احتجاجات الشوارع المستمرة والدعوات لفرض عقوبات".

وجاءت الاحتجاجات في ظلّ استياء شعبي من المصاعب الاقتصادية واتهامات بالفساد سببت تظاهرات منفصلة في الأشهر الماضية.

ووصلت الاحتجاجات إلى العاصمة طهران، وتبريز (شمال)، ومدينتي أصفهان وشيراز التاريخيتين، ومدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة والتي يتحدر منها خامنئي، ومحافظات بحر قزوين.

وشهدت إيران موجات احتجاج في السنوات الأخيرة - لا سيما في عام 2009 على خلفية نتائج الانتخابات المتنازع عليها وفي عام 2019 بسبب رفع مفاجئ في أسعار الطاقة - لكن لم يهدد أي منها أسس الجمهورية الإسلامية التي أنشأها آية الله "روح الله الخميني" عام 1979.

وقال "مركز صوفان" ومقره الولايات المتحدة في دراسة بحثية: "بدأت الانتفاضة كرد على القيود المفروضة على لباس المرأة وسلوكها في الأماكن العامة... لكنها تطورت إلى حملة لإطاحة النظام".

والشعارات المناهضة للنظام مثل "الموت للدكتاتور" ليست جديدة في إيران ولكنها لم تستخدم سابقا على هذا النطاق الواسع.

وتم تشويه وإحراق صور لـ"خامنئي" ورموز للنظام مثل قائد الحرس الثوري الراحل "قاسم سليماني".

وأظهرت مقاطع فيديو متظاهرين يتصدون لقوات الأمن ويقاومون الاعتقال ويحرقون سيارات الشرطة، بل ويقيمون حواجز على الطرق في بعض الأحيان.

وأدى مصرع شابات في الاحتجاجات، مثل "نيكا شاهكرامي" و"سارينا إسماعيل زاده"، وكلاهما تبلغان 16 عاما، وتقول عائلاتهما إنهما قتلتا على أيدي قوات الأمن، إلى ظهور رموز احتجاجية جديدة إلى جانب "أميني" البالغة 22 عاما.

كما فنّدت الاحتجاجات فكرة أن السياسة الإيرانية تنحصر في معركة بين ما يسمى بالعناصر الإصلاحية والمحافظة داخل النظام، كما حولت الاهتمام الدولي بعيدا عن المحادثات مع القادة الإيرانيين بشأن برنامج البلاد النووي.

تقول "شادي صدر" مديرة منظمة "العدالة من أجل إيران" ومقرها المملكة المتحدة: "لقد غير المتظاهرون الخطاب السائد من خلال المطالبة بتغيير حقيقي. إنهم يقولون لا للنظام السياسي بأكمله".

وهي ترى أن الاحتجاجات الحالية "أكبر بكثير من حيث الحجم واستمرت لفترة أطول بكثير" من احتجاجات العام 2019 التي شارك فيها عدد أقل من المدن ومتظاهرون ينتمون أساسا إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا.

ويعتبر الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد "رهام الوندي"، أن "الوقت حان للتفكير فيما بعد الجمهورية الإسلامية"، مؤكدا أن "الإصلاح لم يعد ممكنا".

لكن على غرار ما حدث عامي 2009 و2019، لجأت السلطات إلى القوة. وتقول منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها أوسلو إن السلطات قتلت أكثر من 110 أشخاص في موجة الاحتجاج على وفاة مهسا أميني في أنحاء إيران.

كما قُتل ما لا يقل عن 90 شخصا في حملة قمع احتجاجات في مدينة زاهدان (جنوب شرق) اندلعت بعد انتشار إشاعات عن اغتصاب مسؤول أمني فتاة قاصرا.

وحسب "منظمة العفو الدولية"، تتعرض الاحتجاجات إلى "قمع وحشي" باستهداف المتظاهرين بالذخيرة الحية والخرطوش من مسافة قريبة.

واعتُقل عشرات المتظاهرين والمعارضين والنشطاء البارزين والصحافيين والمحامين وحتى الرياضيين خلال الأسابيع الماضية ومعظمهم ما زالوا موقوفين.

وبعد انتفاضات "الربيع العربي"، لم ينجح سوى عدد قليل من الانتفاضات المناهضة للحكومات في هزم أنظمة استبدادية في أنحاء العالم.

ولا يزال الرئيس السوري "بشار الأسد" في السلطة بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب الأهلية التي بدأت بانتفاضة ضد حكمه.

وواجه زعيم بيلاروس "ألكسندر لوكاشنكو" في عام 2020 احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة في أعقاب الانتخابات التي قال معارضوه إنه تم تزويرها، لكنه ظلّ في السلطة بعد حفاظه على دعم قوات الأمن وروسيا.

ويرى "أديباهر"، أن "الأمثلة من العقد الماضي على محاولات الإطاحة بديكتاتور وحشي... لا تدعو إلى التفاؤل".

ويضيف "بسبب شدّة الشعارات المعادية للنظام التي رددت في هذه المسيرات، فإن النظام الإيراني مصمم على عدم التنازل قيد أنملة".

المصدر | فرانس برس

  كلمات مفتاحية

إيران احتجاجات إيران مظاهرات مهسا أميني

"بداية النهاية".. نشطاء إيرانيون يدعون لمواصلة التظاهر

بينهم ظريف.. كندا تفرض عقوبات جديدة على إيران

إيكونوميست: احتجاجات إيران مختلفة.. و"آيات الله" يرتعدون