مؤتمر مصر الاقتصادي.. شو دعائي وتوصيات لن تنفذ ومقدمة لإجراءات تقشفية

الأحد 23 أكتوبر 2022 08:56 ص

"كيف تتم دعوة الاقتصاديين لحوار، وهناك اتفاق مرتقب مع صندوق النقد الدولي، سيتم الالتزام بما فيه من شروط للحصول على القرض الجديد؟".. تساؤل طرح نفسه على الساحة المصرية، مع انطلاق الأحد فعاليات "المؤتمر الاقتصادي مصر 2022"، ويستمر على مدار 3 أيام، لمناقشة أوضاع ومستقبل الاقتصاد المصري.

هذا التساؤل سبق أن طرحت الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم أحزابا بالمعارضة المصرية، مقاربة له، عندما انتقدت الشهر الماضي، اتخاد الحكومة إجراءات اقتصادية تزيد من معاناة المواطنين، رغم الدعوة للمؤتمر.

الإجابة على هذا التساؤل، يتلخص في أمرين، هو أن أي اقتراحات لهؤلاء الاقتصاديين في المؤتمر تخالف "روشتة" الصندوق فلن تجد مجالا لتنفيذها، بل إن الاقتراحات التي سيتم طرحها قد تكون مقدمة وتمهيد لشروط صندوق النقد، باتفاق مع السلطات. 

وليس دليل على ذلك أوضح من عدم دعوة المعارضة لحضور فاعليات المؤتمر.

فعلى خلاف ما روّج له النظام المصري بأنّ المؤتمر الاقتصادي، المقرر عقده في فندق "الماسة" التابع للجيش بالعاصمة الإدارية الجديدة، سيشهد حضور المئات من خبراء الاقتصاد من جميع التيارات السياسية والفكرية، فإنّ دعوات حضور المؤتمر الصادرة عن مؤسسة الرئاسة، اقتصرت على رؤساء الأحزاب والجامعات والأكاديميين ورجال الأعمال المؤيدين لسياسات الرئيس "عبدالفتاح السيسي" الاقتصادية.

معارضة غائبة

ولم يُعلن أي من خبراء الاقتصاد المحسوبين على تيار المعارضة، ممثلاً في أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية، عن تلقيهم دعوات لحضور المؤتمر الاقتصادي حتى الآن.

في حين قالت مصادر حزبية مطلعة لصحيفة "العربي الجديد"، إنّ الهدف الرئيسي من المؤتمر هو الترويج لـ"الإنجازات الاقتصادية للسيسي"، من دون السماح للمدعوين بالحديث عن رؤى أو سياسات اقتصادية بديلة للحالية.

وأضافت المصادر أنّ "جميع جلسات ومحاور المؤتمر الاقتصادي معدة سلفاً، ولن يُسمح بإبداء الآراء المعارضة لسياسات النظام في ملفات مهمة مثل تفاقم الدين، أو السياسة النقدية، أو أولويات الإنفاق العام".

وتابعت بالقول إنه "من الوارد دعوة بعض المحسوبين على تيار المعارضة في اللحظات الأخيرة، مع التنبيه عليهم بعدم الحديث عن ملفات بعينها خلال فعاليات المؤتمر، وإبداء آرائهم فقط في الملفات المطروحة عليهم".

يقول الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي "ممدوح الولي"، إن "هناك تجاهلا واضحا للرأي الآخر حتى ولو كان من مناصري النظام، ومن ذلك الرؤية الاقتصادية التي قدمها حزب التجمع عام 2016 لرئاسة الجمهورية بديلا عن روشتة" صندوق النقد الدولي، إلا أنه لم يتلق أي رد".

ويدلل على حديثه بالإشارة إلى استمرار الهجوم الإعلامي على الآراء المخالفة لتوجهات النظام الحالي الاقتصادية والمطروحة من قبل أنصار النظام "فما بالنا بمعارضيه".

ويضيف "الولي": "من سيحضرون المؤتمر الاقتصادي المقترح، سواء كانوا من المؤيدين أو المعارضين ليست لديهم سوى البيانات الرسمية التي لا تجد قبولا لدى كثير من المتخصصين، مثل معدلات النمو والتضخم والبطالة والفقر وغيرها، وهو أمر أشبه بمريض لا توجد دقة في تقارير تحاليله الطبية وحالة ضغط دمه والأشعات التشخيصية له، فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك على التشخيص الصحيح لمرضه وكيفية علاجه".

يأتي ذلك في          وقت عبّر محللون لموقع "الجزيرة.نت"، عن خشيتهم من أن يكون المؤتمر في أيامه الثلاثة، مجرد جلسات للتنظير، من دون ثمار فعلية تساعد الاقتصاد.

وكانت بداية هذا التخوف، عشية المؤتمر، حين تصدر وسم "رسالة شكر للرئيس" موقع التغريدات "تويتر"، حيث راح متابعون يعددون إنجازات الدولة المصرية في عهد "السيسي"، من "تطوير القرى والعشوائيات، وإنشاء مشروعات سكنية، وبناء محاور وطرق جديدة»، إضافة إلى «دعم الاقتصاد والحفاظ على استقرار البلاد".

ولا يقتصر القلق لدى المعنيين بالاقتصاد من النقاشات غير العملية فحسب، بل ينبع كذلك من خشية ألا تجد التوصيات طريقها إلى أرض الواقع، فربما تصطدم التوصيات والمطالب بمحظورات صندوق النقد وشروطه الاقتصادية "القاسية" أو بمعوقات واقعية لا يمكن التخلص منها دفعة واحدة، وفقا لمحللين.

  

تغيير سياسات اقتصادية

ويعبر "الولي" عن قلقه من هذه النقطة بالقول: الدولة تتجه بالفعل إلى تغيير سياساتها الاقتصادية، التي تهيمن الجهات الحكومية على الجزء الأكبر من أنشطتها الاقتصادية، إلا أنه كيف تتم دعوة الاقتصاديين للحوار وهناك اتفاق مرتقب مع صندوق النقد الدولي سيتم الالتزام بما فيه من شروط للقرض الجديد".

ويضيف: "يأتي ذلك مع خشية البعض من تكرار ما حدث من الرئيس الأسبق حسنى مبارك (أطاحت به ثورة شعبية في 2011) حينما دعا إلى مؤتمر اقتصادي، لكنه لم يلتزم باقتراحات الاقتصاديين المصريين وذهب لصندوق النقد الدولي ليتبع روشتته للإصلاح حينذاك".

ويُعقد المؤتمر تحت شعار "خارطة طريق لاقتصاد أكثر تنافسية"، سعيا إلى "التوافق على خارطة الطريق الاقتصادية للدولة خلال الفترات المقبلة، واقتراح سياسات وتدابير واضحة تسهم في زيادة تنافسية ومرونة الاقتصاد المصري"، حسب موقع المؤتمر.

وتشار ك في المؤتمر 21 جهة محلية ودولية، ويتوقع المنظمون أن يبلغ عدد المشاركين من القطاعين العام والخاص بين 400 إلى 500 مشارك.

وتشمل قائمة الجهات المشاركة في المؤتمر وزراء وقيادات اتحادات الصناعة والتجارة ومجالس التصدير وجمعيات استثمارية ورجال أعمال، ورؤساء جامعات وأعضاء اللجان المعنية بمجلسي النواب والشيوخ وسفراء، وخبراء وممثلين لأحزاب سياسية.

وتلقّى الموقع الإلكتروني الذي أطلق خصيصا للمؤتمر أكثر من 100 مقترح فور انطلاقه، كلف رئيس الوزراء بدراستها للاستفادة منها وتضمينها في سياق الرؤى والأفكار العملية التي ستُطرح في جلسات المؤتمر.

وحسب بيان صحفي، سجل الموقع 15 ألف مشاهدة في الأيام الثلاثة الأولى من تدشينه مطلع الشهر الحالي، متضمنا إمكانية البث المباشر لجلساته، لتسهيل إطلاع المعنيين عليها.

ويوفر الموقع الإلكتروني مساحات تفاعلية ومعلوماتية لتعزيز قنوات التواصل بين الحكومة والخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي والاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم.

ويفتتح جدول أعمال المؤتمر الاقتصادي بمناقشة سياسات الاقتصاد الكبيرة أو الكلية للدولة المصرية، ثم يناقش كيفية تمكين القطاع الخاص وتهيئة بيئة الأعمال، ليختتم أعماله بوضع خارطة طريق.

ولأن اليوم الأخير هو الأهم لتحديد المسار الذي ستسفر عنه توصيات المؤتمر، ستعقد فيه جلسات متخصصة بالتوازي، وتعنى كل جلسة بقطاع محدد مثل قطاعات الطاقة والطاقة الجديدة والمتجددة والاستثمار في مشروعات الطاقة الشمسية ومشروعات طاقة الرياح والهيدروجين الأخضر.

كما سيناقش كيفية تحريك الشراكة مع القطاع الخاص في هذا المجال والمجالات الأخرى مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والعقارات والمشروعات الخضراء والنقل والمواصلات والزراعة واستصلاح الأراضي ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني ومشروعات السياحة والطيران.

إلا أن "الولي"، يرد على ذلك بالقول: "هناك محدودية واضحة للإطار الاقتصادي الذي سيتم حوله الحوار الاقتصادي، فهناك مناطق معتمة وربما محظورة تمثل جانبا كبيرا من الاقتصاد المصري، مثل اقتصاد الجيش ونشاط صندوق مصر السيادي، ونشاط صندوق تحيا مصر وأنشطة الصناديق والحسابات الخاصة بوحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة، وكل تلك الجهات لا تعلن شيئا عن قوائمها المالية".

كما يرى البعض من الدعوة للحوار الوطني في الشهور الأخيرة، بل ومن زيادة مقررات البطاقات التموينية من الشهر الحالي ولمدة 6 أشهر، ومن الدعوة لمؤتمر اقتصادي، أنها تمثل في مجملها سعيا من قبل النظام لكسب الوقت وتهدئة الأوضاع الداخلية حتى يمر مؤتمر المناخ العالمي الذي سينعقد بمصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي يعول عليه النظام للحصول على دعم دولي ولو معنويا. 

إجراءات تقشفية

ويرى الخبير الاقتصادي "هاني توفيق"، أن المؤتمر مقدمة ضرورية للإجراءات التقشفية التي تنوي الحكومة اتخاذها في الفترة المقبلة.

ويقول "توفيق": "هناك إجراءات تقشفية لا مفر من اتخاذها، لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، مثل تحرير سعر الصرف، والذي سينعكس على التضخم، وهذه الإجراءات لا ينبغي اتخاذها بشكل فوقي، وطرح الأمور أمام الاقتصاديين ومناقشتها خطوة هامة قبل اتخاذ تلك الإجراءات".

ويضيف "توفيق: "هناك بطبيعة الحال قضايا أخرى مهمة يجب مناقشتها على نطاق واسع، مثل جذب الاستثمارات ورفع معدل الصادرات وزيادة معدلات التشغيل، كلها أمور هامة مطروحة على المؤتمر، والدور الأهم للمؤتمر ليس طرح المشكلات فقط، ولكن إيجاد الحلول".

وتسعى مصر إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، في وقت تجد صعوبة في توفير العملة الصعبة لاستيراد الأغذية ومستلزمات الإنتاج، مع خروج نحو 22 مليار دولار من سوق الديون المحلية، منذ مارس/ آذار الماضي.

ويأتي كل هذا بعد ذيوع التقارير الدولية العديدة التي حذرت من ضخامة الديون الخارجية لمصر وتزايد احتمالات عدم القدرة على سدادها، والتقارير التي تتوقع اضطرابات اجتماعية بسبب الغلاء في العديد من البلدان النامية، بل والأوروبية في الفترة المقبلة.

وأدت أزمات جائحة "كورونا"، والموجة التضخمية العالمية، والحرب الروسية على أوكرانيا، إلى زيادة وتيرة الاقتراض الخارجي، وهو ما دفع الحكومة إلى طرح فكرة بيع أصول الدولة على الدائنين، لا سيما مع ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى 157.8 مليار دولار، في نهاية مارس/ آذار الماضي.

وتواجه مصر مشكلات عدة، ناجمة عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وارتفاع الأسعار عالميا، واضطراب سلاسل الإمداد، كما تراجع احتياطي النقد الأجنبي بحيث أصبح يكفي ثلاثة أشهر فقط.

ويرى خبراء أن مصر تواجه عجزا تمويليا بقيمة نحو 15 مليار دولار، في السنوات الثلاث المقبلة.

كما ارتفعت معدلات التضخم، لتصل على أساس سنوي إلى نحو 15.3%، في أغسطس/ آب الماضي.

وبدأت مصر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في آذار/مارس الماضي، بهدف التوصل لاتفاق تحصل مصر بموجبه على حزمة تمويلية، لمواجهة الآثار العالمية الناجمة عن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

وأعلن صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية، قبل أيام التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء، ومن المقرر أن يعلن الاتفاق النهائي قريبا. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر مؤتمر اقتصادي السيسي صندوق النقد إصلاح اقتصادي ديون تضخم

المهمة المستحيلة.. هل يستطيع السيسي إنهاء عسكرة الاقتصاد المصري؟

كيف تفاعل مصريون مع تصريحات السيسي خلال المؤتمر الاقتصادي؟