جيوبوليتكال: إطاحة الاحتجاجات بالنظام الإيراني آمال كاذبة

الاثنين 7 نوفمبر 2022 09:08 م

يرى بعض المراقبين في المظاهرات التي تجتاح إيران علامة على الزوال الوشيك للنظام الحاكم. لقد شكل توسع الاحتجاجات في جميع مناطق البلاد التحدي الأكبر لسلطة وشرعية النظام منذ الاحتجاجات الواسعة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2009. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن سقوط النظام وشيك.

لقد بنى قادة الثورة الإسلامية الإيرانية جهازًا هائلاً للأمن الداخلي أثبت مرارًا وتكرارًا قدرته على سحق الاحتجاجات، بغض النظر عن حجمها أو مدتها.

بالرغم من ضعف النظام نسبيا بسبب العقوبات وعزلته الدولية، إلا أن الاحتجاجات لا تشكل تهديدًا لبقائه.

ويبدو أن المسؤولين الإيرانيين، الذين يتهمون قوى خارجية بالتآمر ضد الجمهورية الإسلامية، واثقون من أن القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، لا تزال تعتقد أن طهران يمكن أن تتحول من عدو إلى صديق.

تشققات في النظام

منذ تأسيسها عام 1979، فشلت الحكومة الإسلامية في إيران بإقامة دولة صناعية حديثة، لكنها نجحت في تأسيس كيان عسكري ضخم وآلة دعاية خدعت شعبها والعالم الخارجي وصورت إيران باعتبارها قادرة على الاستقلال الكامل عن كافة القوى، وممارسة نفوذ واسع في المنطقة وإطلاق حرب حيثما أرادت.

وبالرغم أن النظام الإيراني يديره قيادة مسنة مع كفاءات إدارية واقتصادية متواضعة، يزعم النظام أنه في وضع يسمح له بتحدي الولايات المتحدة ومواصلة أنشطته الإقليمية التخريبية.

وبعد المعاناة لسنوات من العقوبات الشديدة والعزلة، أعطى الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه في عهد إدارة "أوباما"، أملًا  جديدًا لطهران في أن تتمكن من إنعاش اقتصادها وإثبات ريادتها إقليميا. وبدلاً من تصحيح أخطاء الماضي، ضاعف النظام من مراكمة قوته ووسّع مغامرته الإقليمية وزاد قمعه الداخلي. وفي عام 2018، أعادت إدارة "ترامب" فرض العقوبات لتقويض سياسات النظام الإيراني التوسعية.

وعلى مدى عقود، اعتقد الكثيرون أن إيران محصورة بين تيارين سياسيين: المحافظ والإصلاحي. لكن وفاة "مهسا أميني" أثبتت وجود معارضة جديدة بلا قيادة ترفض المؤسسة السياسية ولا تثق في قدرة الإصلاحيين على تغيير نظام ديني عقائدي يحمل عقلية القرون الوسطى.

وبالفعل، يعترض المحتجون على هيمنة المحافظين والإصلاحيين على الساحة السياسية ولا يرون أي جدوى من إصلاح النظام الفاشل.

إن الجيل الجديد لا علاقة له بثورة عصر آبائهم ضد نظام الشاه البائد، ويطمح هذا الجيل في الإطاحة بنظام الملالي الذي عزلهم عن العالم الخارجي، ويحاول هؤلاء المحتجون التأكيد على استقلالهم ونفي أي اتهامات بالتدخل الخارجي في حركة الاحتجاج، بينما ينتقدون الدول الغربية لمشاهدتها معاناتهم، وإدانتها شفهياً فقط لممارسات النظام القمعية.

ويرى بعض المسؤولوين أن الانتفاضة الحالية جاءت نتيجة تأثر الشباب والفتيات بوسائل التواصل الاجتماعي، حتى أن نائب قائد الحرس الثوري الإسلامي قال إن متوسط ​​عمر المعتقلين بسبب الاضطرابات هو 15 عامًا. ومع ذلك، فإن مطالبهم بمزيد من الحرية تدعمها الكثير من بقية فئات المجتمع الإيراني.

كما حظي المتظاهرون، الذين رددوا شعارات مثل "الديكتاتور خامنئي" (في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي)، بدعم واسع من الإيرانيين في الخارج. وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، تجمع آلاف الإيرانيين المقيمين في أوروبا في برلين لتنظيم مظاهرة ضد المرشد الأعلى وتضامناً مع المحتجين في الداخل.

وأجبر إصرار المتظاهرين في مواجهة القوة المفرطة التي تستخدمها قوات الأمن، الرئيس "إبراهيم رئيسي" على الدعوة إلى مراجعة بعض القوانين التي تحد من الحريات الشخصية، لا سيما تلك المتعلقة بالملابس النسائية.

من غير المحتمل أن يكون "خامنئي" استسلم لهذه التطورات، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تقويض أسس النظام الإسلامية. لكن الاحتجاجات اكتسبت زخما وانتشرت في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في المناطق التي تهيمن عليها الأقليات العرقية والدينية - وخاصة الأكراد في الغرب والبلوش في الشرق، حيث قتلت قوات الباسيج أكثر من 90 متظاهرا في أواخر سبتمبر/أيلول احتجاجا على اغتصاب شرطي لفتاة.

كما امتدت التظاهرات إلى سجن "إيفين" سيئ السمعة في طهران، بالرغم من تأكيد المدعي العام أن الاشتباكات التي وقعت في المنشأة والتي أسفرت عن مقتل 8 سجناء وإصابة العشرات، لا علاقة لها بالاحتجاجات التي أعقبت وفاة "مهسا".

النظام سيستمر

بالرغم أن الاضطربات الحالية كشفت نقاط ضعف مهمة لدى الطبقة الحاكمة، فإن النظام الذي قاد ثورة ناجحة يعرف كيف يخنق ثورة إذا احتاج إلى ذلك.

وتندلع الاحتجاجات في إيران بشكل متكرر؛ فقد شهدت البلاد حوالي 4000 احتجاج في عام 2021 وأكثر من 2200 احتجاج في النصف الأول من هذا العام. ولا تزال التظاهرات الحالية عفوية إلى حد كبير وتفتقر إلى قيادة واضحة لها خطة واضحة لتأسيس نظام بديل. ويتفق المتظاهرون على ضرورة الإطاحة بالنظام الحالي لكنهم يختلفون بشكل أساسي حول دور وموقع الجماعات العرقية والدينية في حال انهيار النظام.

ولن يعترف الفرس المهيمنون سياسيًا بالاختلافات الثقافية للأقليات ومطالبهم بالحكم الذاتي الإقليمي.

في غضون ذلك، لدى النظام أنصاره الذين نظموا أيضًا مسيرات. وأشاد المتظاهرون الموالون للحكومة بقوات الأمن وانتقدوا النساء اللائي أحرقن الحجاب، واتهموهن بتنفيذ ما تطلبه الولايات المتحدة.

ويمكن القول إن الاحتجاجات الحالية هي امتداد للثورة الخضراء التي اندلعت احتجاجا على نتيجة الانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009، لكن الحرس الثوري نجح في وأد هذه الثورة وقتها، ولا يزال قادرا على فعل الشيء نفسه الآن.

وقد اتخذ الحرس الثوري إجراءات احترازية لمنع فشل قوات الأمن أمام المتظاهرين، وهو ما يفسر استخدامهم للقوة المفرطة ضد الاحتجاجات. وقال وزير الداخلية الإيراني إن الحكومة تسيطر بشكل كامل على الوضع، فيما حذر من أن تعريض أمن إيران للخطر سيؤثر سلبا على استقرار دول الخليج.

الولايات المتحدة تعارض تغيير النظام

امتدت موجة الاضطرابات الحالية إلى المقاطعات التي نادراً ما شهدت مظاهرات مناهضة للحكومة منذ عام 1979، بما في ذلك بلوشستان على الحدود الباكستانية وجيلان ومازاندران وجولستان. وفي الماضي، كان بإمكان النظام الاعتماد على سلبية هذه المحافظات في أوقات تصاعد الغضب تجاه النظام في طهران.

لكن معضلة إيران هي أنه لا يمكنك تغييرها من الداخل. وإذا تمت الإطاحة بالحكومة، فقد تحاول عناصر من بعض الجماعات العرقية الانفصال أو إقامة حكم ذاتي كما فعلوا خلال ثورة 1979.

وفي عام 1945، استغل الأذربيجانيون والأكراد وجود الجيش السوفيتي في شمال غرب إيران وأعلنوا جمهورية أذربيجان المتمتعة بالحكم الذاتي، وجمهورية مهاباد الكردية التي استسلمت للجيش الإيراني بعد الانسحاب السوفيتي في عام 1946. وبعد رحيل "الشاه"، تحركت الجماعات العرقية مجددا وحاول الأكراد والتركمان والعرب الانفصال عن إيران، وحاول الأذربيجانيون إقامة حكم ذاتي.

وعلى مدى عقود، تجنبت الولايات المتحدة التصعيد الخانق ضد إيران، خوفًا من تفككها، كما حدث في يوغوسلافيا عام 1992؛ مما تسبب في فوضى في البلقان.

وبالرغم أن واشنطن فرضت عقوبات على الأشخاص المسؤولين عن قتل "مهسا" وزودت الإيرانيين بإمكانية الوصول المجاني إلى الإنترنت عبر شبكة "ستارلنك"، إلا أن رد فعلها لا يعكس خطورة الموقف.

وكان بإمكان إدارة "بايدن" استخدام تدابير أكثر فاعلية إذا أرادت التخلص من النظام، بدءًا من إعادة تنشيط قانون "ماجنتسكي" وإحالة الأمر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقد عبّر المبعوث الأمريكي الخاص إلى إيران، "روبرت مالي"، عن موقف واشنطن، قائلاً إن الولايات المتحدة تطالب باحترام حقوق الإنسان لكنها لا تسعى لتغيير النظام.

في غضون ذلك، واصلت وزارة الخارجية الأمريكية خطابها المعادي لإيران دون اتخاذ أي إجراءات عملية على الأرض.

ما منع الإدارة الأمريكية من الرد بقوة أكبر هو رغبتها في التوصل إلى اتفاق نووي جديد وتجنب المزيد من التوترات مع إيران؛ لا سيما أثناء بحث الغرب عن مصادر بديلة للطاقة الروسية. وكانت واشنطن صامتة بالمثل بشأن القصف الإيراني المتكرر لمواقع في شمال العراق.

ولا تبدو إيران جاهزة لإقامة دولة ديمقراطية غير طائفية تحترم مواطنيها ولا تتدخل في شؤون جيرانها. وسيعارض الخلفاء المحتملون للنظام الحالي أي تغيير في حدود إيران ونسيجها الوطني. ولن توافق مجموعات المعارضة الفارسية حتى على السماح للأقليات بتدريس لغاتهم الأم في المدارس، ناهيك عن التمتع بأي نوع من الحكم الذاتي.

وإذا انهار النظام، فإن هذه العوامل ستمهد الطريق لصراع عنيف وممتد.

المصدر | هلال خاشان/ جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

احتجاجات إيران خامنئي النظام الإيراني أذربيجان الحرس الثوري مهسا أميني

طلاب إيران يتحدون قوات النخبة والقمع بإضراب متواصل

إعلام إيراني: محاكم ثورية علنية في انتظار متظاهري مهسا أميني

بعد إحالة ألف متظاهر للمحاكمة.. الجيش الإيراني: قادة الاحتجاجات يستهدفون تقسيم البلاد

حفيد الخميني يدعو السلطات الإيرانية لتقيد العنف ضد المحتجين

نجم كرة القدم الإيراني علي كريمي: تلقيت تهديدات بالقتل من عملاء للنظام (فيديو)