وثيقة سرية: بوش رفض الإقرار بتحذير من هجمات قبل 11 سبتمبر

الجمعة 2 ديسمبر 2022 08:45 ص

رفض الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش"، الإقرار بأي مسؤولية تتعلق بأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، نافيا تلقي تحذيرات من حكومته قبل الهجوم.

كشفت ذلك "مذكرة سرية" حول الأحداث تسرد مّا دار وراء الكواليس في اجتماع "غير اعتيادي" على الإطلاق عام 2004، عندما استضاف "بوش" لجنة التحقيقات بالبيت الأبيض، ضمن اجتماع استثنائي أتاح الفرصة لأعضاء لجنة العشرة من أجل طرح أي أسئلةٍ يريدونها عن الأحداث على "بوش" ونائبه "ديك تشيني".

الوثيقة التي نشرها موقع "بيزنس إنسيدر" الأمريكي، تضم الملاحظات التي دوّنها أعضاء لجنة التحقيق خلال ذلك الاجتماع، وتُظهِر محاولة أعضاء اللجنة منح "بوش" عدة فرص للإقرار بالتحذيرات الموثقة المتعددة التي تلقاها من حكومته.

ولفت أعضاء لجنة التحقيق، إلى تحذيرات حكومية، في أكثر من مناسبة باحتمالية شن تنظيم "القاعدة" هجوماً وشيك، لكن "بوش" عزف عن الإقرار بتلقيه تلك التحذيرات، واختار تمرير المسؤولية بدلاً من ذلك.

ولعل أكبر "مراوغات بوش" في ذلك اليوم، كانت تتعلق بمدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق "جورج تينيت"، إذ قال "بوش": "كان التهديد خارج البلاد.. هذا ما قاله تينيت".

لكن أشهر تحذيرٍ تلقاه "بوش" جاء خلال تقرير إحاطة من وكالة الاستخبارات المركزية بعنوان: "(زعيم القاعدة أسامة) بن لادن عازمٌ على ضرب الولايات المتحدة".

ومع ذلك، سنجد أن محاولات "بوش" تقديم الأعذار وإعادة كتابة التاريخ لم ترد في تقرير لجنة 11 سبتمبر/أيلول.

يقول عضو اللجنة "ريتشارد بن فينيست" إنه ما تزال لديه أسئلة حول ما كان "بوش" يعرفه تحديداً، وتوقيت معرفته بتلك المعلومات.

ولم يكن اجتماع المكتب البيضاوي مجرد محادثةٍ شديدة الحساسية، بل كان يُعقد في توقيتٍ محفوف بالمخاطر بالنسبة لـ"بوش" قُبيل ترشحه لولايةٍ ثانية.

وربما كان هذا هو السبب وراء تجاهل "بوش" أي اقتراح بالحاجة لاختتام الاجتماع سريعاً، حيث استمر في الإجابة عن أسئلة اللجنة لأكثر من 3 ساعات.

يُذكر أن البيت الأبيض تفاوض لإجراء الاجتماع المشترك بحضور "بوش" و"تشيني"، من أجل الإجابة عن الأسئلة معاً، لكن "بوش" لم يكُن مرحباً بذلك الترتيب.

بينما قال حاكم نيوجيرسي السابق أحد أعضاء اللجنة "توماس كين": "كان الرئيس على اطلاعٍ جيّد وأجاب عن أسئلتنا بالكامل.. وكان سلوك الرئيس هادئاً طوال الاجتماع، ورد على جميع الأسئلة دون النظر في الملاحظات".

واستمعت اللجنة إلى تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق "تينيت"، قبل اجتماع المكتب البيضاوي بأسبوعين، لكن شهادة "تينيت" العامة أثارت التساؤلات خاصة بقوله إنه حذر "بوش" في ما لا يقل عن 40 مناسبة منفصلة، من احتمالية شنّ القاعدة لهجومٍ كبيرٍ وشيك، وذلك خلال ربيع وصيف عام 2001.

ومع ذلك، اختار "بوش" قضاء غالبية أيام أغسطس/آب من ذلك العام داخل مزرعته في كراوفورد بولاية تكساس، لقضاء "عطلة عمل".

وبعد فترةٍ وجيزة من وصوله إلى المزرعة، تلقى "بوش" تقرير الإحاطة اليومي الخاص بالرئيس من وكالة الاستخبارات المركزية، في 6 أغسطس/آب.

وحملت الإحاطة تحذيراً مباشراً من نية "بن لادن" شن هجوم داخل الولايات المتحدة.

وبعد نشر تقرير الإحاطة في عام 2004، بدأ العديد من المعلقين التفكير في احتمالية أن "بوش فشل في المهمة الموكولة إليه: ألا وهي الحفاظ على سلامة البلاد".

لحسن حظ "بوش" أن التقرير الصادر عن لجنة تحقيقات 11 سبتمبر/أيلول لم يوجه أصابع الاتهام إليه بطريقةٍ مباشرة، حيث تطرّق التقرير إلى وثيقة الإحاطة التي تسلمها "بوش" بعنوان "بن لادن عازم على ضرب الولايات المتحدة"، لكنه نص صراحةً على "عدم وجود أدلة تشير إلى إجراء أي نقاشات إضافية" من قبل فريق "بوش" وفريقه بشأن هجوم إرهابي محلي.

يُمكن القول إن لجنة التحقيق اختارت عدم التشكيك في كفاءة "بوش"، حيث قال "بن فينيست": "اخترنا عدم تحميل المسؤولية عن الفشل في منع أحداث 11 سبتمبر/أيلول لشخصٍ بعينه.. لكننا قررنا سرد الحقائق التي اكتشفناها، والسماح للعامة والتاريخ بأن يصدروا أحكامهم بناءً على هذا السجل الذي يستعرض الحقائق".

لكن هناك رواية أخرى ظهرت من جانب وكالة الاستخبارات المركزية في هذا الصدد تحديداً بمرور السنوات، وهي التصريحات التي أدلى بها "مايكل موريل" مسؤول إحاطة الرئيس بوكالة الاستخبارات المركزية، في عام 2021، قبل أن يصبح بعدها نائباً لرئيس الوكالة.

حيث قال "موريل": "قدمت وكالة الاستخبارات المركزية تحذيراً استراتيجياً من تهديد القاعدة.. وأستطيع القول إنه كان أعلى التحذيرات وأكثرها استمراريةً في تاريخ الوكالة، وحيال أي قضية…".

وأضاف: "انتابني شعورٌ قوي في ربيع وصيف عام 2001 بأن تينيت بدأ يُصاب بخيبة أملٍ عميقة في البيت الأبيض.. واستشعرت إحساس تينيت بأن البيت الأبيض لم يفهم الأمر.. وأعتقد أن خيبة أمله كانت السبب وراء بذله جهوداً إضافية، مثل تولي مسؤولية جلسات إحاطة بوش نيابةً عني، واصطحاب فريق مكافحة الإرهاب للقاء كونداليزا رايس مرتين.. وأعتقد أنه كان يبذل ما بوسعه للفت انتباههم".

وتُوضح المراجعة الظاهرية لتصريحات "تينيت" العامة أن "بوش" ربما أساء تفسير موقف "تينيت" من تنظيم "القاعدة" أمام لجنة التحقيقات، أو ربما فشل في الاستماع إلى تحذيراته بكل بساطة.

إذ قال "تينيت" خلال شهادته أمام مجلس الشيوخ عام 1999، إن "منظمة بن لادن لديها علاقات في جميع أنحاء العالم تقريباً، وحتى داخل الولايات المتحدة".

وأردف "تينيت" أن "جميع الأمريكيين مستهدفون"، وأن "بن لادن سيضرب في أي مكانٍ بالعالم إذا رأى فيه نقطة ضعفنا".

ثم كرّر "تينيت" تحذيراته مطلع عام 2001، قائلاً: "أعلن بن لادن أن جميع المواطنين الأمريكيين أصبحوا أهدافاً مشروعة للهجوم منذ عام 1998".

ومن الواضح أن تهديد "القاعدة" لم يكُن خارج البلاد فقط بالنسبة لـ"تينيت"، بل كان تهديداً قائماً في أي زمانٍ ومكان.

ومن الصعب التعامل بجدية مع إصرار "بوش" المتكرر على أنه لم يتلق إخطاراً بتهديدٍ محدد على الأراضي الأمريكية، خاصةً بعد أن يقرأ المرء تقرير إحاطة 6 أغسطس/آب، حسب الموقع الأمريكي.

ولا خلاف على أن تقرير الإحاطة تطرق إلى هجمات "القاعدة" السابقة لرسم السياق، لكنه تضمن عدداً من التحذيرات التنبؤية أيضاً ومنها: "يُقيم أعضاء القاعدة داخل الولايات المتحدة أو سافروا إليها منذ سنوات -وبعضهم من المواطنين الأمريكيين- ومن الواضح أن الجماعة لديها هيكل دعمٍ قادر على تقديم المساعدة في الهجمات".

وتعتمد إجابة هذا السؤال على حقيقتين مجهولتين، تكمُن الأولى في محتوى تقرير إحاطة آخر قدمه "تينيت" لـ"بوش" في مزرعته يوم 17 أغسطس/آب 2001.

وبسؤاله عما إذا كانت مسألة القاعدة قد وردت في التقرير، أجاب "موريل" قائلاً إنه لا يذكر ذلك.

وإذا كان "تينيت" قد أخطر "بوش" بأي تحذيرات إضافية عن القاعدة في كراوفورد، فسيعني ذلك أن "بوش" روى قصةً منقوصة أمام لجنة التحقيق.

أما الحقيقة المجهولة الأخرى فتتعلق بالمعلومات التي وصلت إلى "تينيت" بعد رحلته إلى كراوفورد، وذلك في صورة مذكرةٍ بعنوان: "متشدّدٌ إسلامي يتعلم الطيران".

وكانت تلك المذكرة تتحدث عن "زكريا موسوي"، الذي أُدين لاحقاً بتهم التآمر للمشاركة في الهجمات.

وأراد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي تفتيش غرف "موسوي" وأمتعته، لكن طلباتهم المتكررة قوبلت بالرفض من مشرفيهم.

وقال "تينيت" في شهادته إنه لم يُحِط "بوش" بأمر "موسوي"، بينما قال "بوش" أمام اللجنة إنه لا يتذكر إخطاره بأمر "موسوي" قبل الهجوم.

ومن المحتمل للغاية ألا يكون "تينيت" قد أخبر "بوش" بأمر "موسوي"، إذ كان الأخير مجرد واحدٍ من الأدلة المحددة المتعددة التي حصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية.

وكانت تلك الأدلة ستكشف مخطط 11 سبتمبر/أيلول، لو حظيت بالاهتمام الكافي من الوكالتين.

ولهذا كانت لجنة التحقيق على صوابٍ عندما وثّقت المشكلات المؤسسية باعتبارها السبب وراء هذه الإخفاقات، التي كان بالإمكان تفاديها، حيث كانت هناك حاجة لتنسيقٍ أفضل بين مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية، وفق الموقع ذاته.

لكن تقرير اللجنة لم يضع في اعتباره موقف "بوش" الشخصي من "القاعدة"، وتأثيره بالتبعية على طريقة التعامل مع قضايا مثل قضية "موسوي".

وإذا لم يكُن "بوش" قد علم بأمر "موسوي" مطلقاً، فهل يرجع السبب إلى عدم ذكر "تينيت" للقضية؟ أم هل تجاهل "تينيت" ذكر القضية لأنه يعلم بتركيز "بوش" منذ بداية رئاسته على "صدام حسين" والعراق، ويُدرك أن شهية "بوش" لتحذيرات القاعدة كانت ضعيفة؟

ومن الواضح أن "تينيت" حاول على مدار أشهر، أن يفعل كل ما بوسعه لدق أجراس الإنذار، وإقناع "بوش" بالتركيز على تهديد "القاعدة".

كما فعل "ريتشارد كلارك" الأمر ذاته، حيث كان مسؤولاً عن ملف مكافحة الإرهاب الداخلي في البيت الأبيض ويرفع تقاريره إلى مستشارة الأمن القومي "كونداليزا" مباشرةً.

وكتب "كلارك" في مذكراته: "اتفقت مع تينيت على أن نحرص على الاستمرار في ملء تقارير الإحاطة اليومية للرئيس بالمعلومات عن القاعدة".

بينما قال له "بوش" في اليوم التالي لتنفيذ الهجمات: "ابحث فيما إذا كان صدام له دورٌ في الأمر… انظر في أمر العراق".

وزعم "كلارك" من قبلُ أنه حاول تجاوز "كونداليزا" ونقل مخاوفه حيال القاعدة إلى "بوش" مباشرة، لكنه فشل في ذلك.

ولا شك في أن عجز "كلارك" عن إقناع البيت الأبيض بالتركيز على مكافحة الإرهاب محلياً يُدين "كونداليزا"، لكنه لا يُعفي "بوش" من المسؤولية، حسب الموقع الأمريكي.

ومن الواضح أيضاً أن "بوش" تلقى التحذيرات العاجلة نفسها التي كان "كلارك" يراها بصفةٍ منتظمة، سواءً من جانب "تينيت" أو وكالة الاستخبارات المركزية.

لكن يبدو أن "بوش" لم يستجب لتلك التحذيرات بالقدر نفسه من القلق الذي ساور "كلارك" و"تينيت".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

بوش استخبارات أمريكية أحداث سبتمبر تحذيرات القاعدة أسامة بن لادن

قانون جديد في الكونجرس يسهل مقاضاة عائلات 11 سبتمبر للسعودية

عائلات ضحايا 11 سبتمبر أمام خيار صعب.. ما هو؟