بعد مطالبات السيسي.. هل تتدخل أمريكا مجددا للوساطة بأزمة سد النهضة؟

الأحد 18 ديسمبر 2022 01:39 م

"التوصل إلى حل دبلوماسي لقضية سد النهضة من شأنه أن يحمي مصالح جميع الأطراف".. بهذه الكلمات رد وزير الخارجة الأمريكي "أنتوني بلينكن"، على طلب الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، تجديد وساطة أمريكا بأزمة سد النهضة.

تصريح الوزير الذي يوصف في إطار "الحديث الدبلوماسي"، لم ينم عن نية حقيقة لأي تحرك أمريكي، لحل أزمة السد المعقدة منذ سنوات.

ورغم قوة موقف القاهرة والخرطوم القانوني، وأهمية مصر لأمريكا في الشرق الأوسط، ولكن من الواضح أن التدخل الأمريكي بالضغط على إثيوبيا ليس بالأمر اليسير، وأن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لا يريد إثارة القضية مع إثيوبيا، خشية إغضابها.

ومنذ إطلاق المشروع عام 2011، أثار سد النهضة نزاعا دبلوماسيا مع السودان ومصر اللذين يعتمدان على النيل في مواردهما المائية.

وتخشى مصر، التي تعتمد على النهر في 97% من مياه الري والشرب، أن يقلل السد إمداداتها المائية الشحيحة أصلا.

وقبيل زيارته للعاصمة واشنطن، لحضور القمة الأمريكية الأفريقية، عكف فريق يضم قانونيين ودبلوماسيين وخبراء في المياه، على إعداد ملف "مُحدّث" خاص بقضية سد النهضة الإثيوبي، حمله "السيسي" والوفد المرافق له إلى القمة التي حضرها أيضاً قادة من مختلف أنحاء القارة الأفريقية، بينهم رئيس الوزراء الإثيوبي "أبيي أحمد علي".

واحتوى الملف الذي حمله "السيسي"، وفق صحيفة "العربي الجديد"، بالإضافة إلى الجوانب الفنية والوضع الإنشائي لسد النهضة والمراحل التي وصلت إليها عملية التشغيل، دراسة حول الوضع القانوني للقضية وأدلة حول مخالفة إثيوبيا اتفاق إعلان المبادئ الموقّع في عام 2015 في الخرطوم بين مصر والسودان وإثيوبيا.

ومن بين هذه الأدلة، وثائق بريطانية كشفت عنها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أخيراً، وتحتوي على شهادة مسؤول إثيوبي كبير، تؤكد أن إصرار أديس أبابا على بناء سد النهضة كان سببه الرغبة بإعادة تقاسم مياه النيل، وليس التنمية.

ولفتت إلى "رفض إثيوبيا مقترحاً بريطانياً ببناء مشاريع تنموية على أنهار أخرى تجري في إثيوبيا بعيداً عن النيل الأزرق (الرافد الرئيسي للنيل)".

كما أشارت الوثائق إلى أنه "على الرغم من اعتراف أديس أبابا بجدوى الاقتراح، إلا أنها أكدت إصرارها على اختيار تطوير النيل الأزرق أولاً من أجل تأكيد حقها في استخدام مياه هذا النهر".

ووضع "السيسي"، ملف سد النهضة الإثيوبي بين يدي وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين "أوستن لويد" و"أنتوني بليكن"، خلال لقاءين منفصلين.

وقال "السيسي" للوزير "بلينكن": "هذه مسألة حيوية ووجودية للغاية بالنسبة لنا، ونشكر الولايات المتحدة على دعمها واهتمامها".

وأضاف أنّ "التوصّل إلى اتفاق ملزم قانوناً يمكن أن يحقّق شيئاً جيداً وفقاً للمعايير والأعراف الدولية، ولا نطلب أيّ شيء آخر غير ذلك"، وتابع "نحتاج إلى دعمكم في هذا الشأن".

ورد وزير "بلينكن" على "السيسي"، قائلاً إن "التوصل إلى حل دبلوماسي لقضية سد النهضة من شأنه أن يحمي مصالح جميع الأطراف"، مشدداً على التزام بلاده بالشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قد وعد بمواصلة المحادثات بشأن السدّ، لكنّه مضى قدماً في خطة ملء وتشغيل أول التوربينات.

ومنذ أبريل/ نيسان 2021، تجمدت المفاوضات بين الدول الثلاث، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، بعد فشلها في الحل، الأمر الذي دعا مصر للتوجه إلى مجلس الأمن.

وقبل أيام، أقر المتحدث باسم الخارجية المصرية "أحمد أبوزيد" في حوار تلفزيوني، إن "هناك محاولات بعض الأطراف للمساعدة وتحريك المياه الراكدة في ملف سد النهضة"، مضيفا: "لكن لا استطيع أن أقول إن هناك تحركا ملحوظا أو شيئا يستحق الانتباه".

وأوضح أن "الأزمة الروسية الأوكرانية غيرت ملامح كثيرة في النظام الدولي، وفي الموضوعات والمناطق والقضايا التي يهتم بها العالم".

وسبق أن توسطت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابق "دونالد ترامب" الذي كان ينظر له على أنه حليف لـ"السيسي" بين الدول الثلاث، وتم التوصل لمشروع الاتفاق عبر مفاوضات كان "ترامب" منخرطاً فيها أحياناً بشخصه.

ولكن إثيوبيا رفضت التوقيع على المشروع، الأمر الذي دفع "ترامب" لفرض عقوبات عليها عبر تعليق بعض المساعدات الأمريكية، بعدما اتّهمت إدارته أديس أبابا بعدم التعامل بحسن نية في هذا الملف.

كما وجه "ترامب" انتقادات إلى إثيوبيا، وألمح إلى أنّ مصر يمكن أن تهاجم السدّ، وهو سيناريو رفضته القاهرة علناً.

ولكن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أزال العقوبات التي فرضها "ترامب" فور وصوله للبيت الأبيض، دون أن يحصل على أي التزام إثيوبي في المقابل.

واكتفى "بايدن" في يوليو/تموز الماضي، في ختام "قمة جدة للأمن والتنمية"، للدعوة إلى ضرورة "إبرام اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، من دون مزيد من التأخير".

وأكد أهمية "صياغة قرار دبلوماسي يحقق مصالح جميع الأطراف ويساهم في الوصول إلى منطقة أكثر سلاماً وازدهاراً"، دون أن يتبع ذلك أي تحركات من قبل إدارة "بايدن" على الأرض.

ووفق تقرير لـ"إندبندنت عربية"، فمن الواضح أن هناك اختلافاً أمريكياً عميقاً بشأن الموقف من أزمة سد النهضة، مرتبطاً بالانقسامات الداخلية الأمريكية.

ويرى مراقبون أن الحزب الديمقراطي الأمريكي يميل إلى أديس أبابا، بينما يدعم الجمهوريون موقف القاهرة والخرطوم.

فالديمقراطيون واقعون تحت تأثير لوبي ذوي الأصول الأفريقية داخل الحزب، الذي يدعم موقف إثيوبيا وأي قضايا تتعلق بأفريقيا جنوب الصحراء، بينما يدعم الجمهوريون استمرار تدفق المياه إلى مصر والحفاظ على أمنها كركيزة أساسية لاستقرار المنطقة والحفاظ على مصالح واشنطن.

ويظهر ذلك واضحاً في لقاء "السيسي" مع عدد من القيادات الجمهورية بمجلس النواب الأمريكي على هامش القمة الأمريكية الإفريقية في واشنطن.

ولعل فشل الجمهوريون في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ سيكون مضرا لموقف مصر والسودان.

واللافت في هذا الصدد، ليس فقط رفع "بايدن" السريع للعقوبات الأمريكية على إثيوبيا المرتبطة بسد النهضة، بل إن إدارته لم تتخذ سوى إجراءات وعقوبات محدودة للغاية ضد حكومة "آبيي أحمد"، رغم الفظائع التي ارتكبت في إقليم تيجراي من قبل القوات الحكومية الإثيوبية، والتي تحالفت مع جيش أريتريا الدولة المعزولة والمنبوذة من قبل أمريكا.

ويظهر ذلك مدى محدودية قدرة الولايات المتحدة على ممارسة أي ضغط على إثيوبيا بصفة عامة بما في ذلك عندما يرتكب نظامها الحاكم جرائم ضد إحدى الإثنيات الرئيسية في البلاد، وفق مراقبين.

ويرجع أسباب ضعف مواقف إدارة "بايدن" تجاه إثيوبيا في عدة نقاط، أبرزها المكانة المعنوية لهذا البلد لدى أفارقة أمريكا، وتأثير ذلك على الديمقراطيين الذين أصبح الخطاب الداعم للأفارقة جزءاً محورياً من أيديولوجيتهم.

بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لإثيوبيا في القرن الأفريقي ودورها في مكافحة الإرهاب، والقلق الأمريكي من تقارب "آبي أحمد" أكثر مع الصين، وخوف في واشنطن من أن مزيداً من الضغط على إثيوبيا قد يؤدي لانفجار هذا البلد الذي يزيد عدد سكانه عن مائة مليون نسمة ويتكون من عشرات القوميات وشعب ذي طبيعة محاربة.

حتى إن مسؤولين أمريكيين قالوا إن حرب سوريا لن تكون شيئاً  بجانب أي حرب أهلية في إثيوبيا التي ستكون بمثابة يوغسلافيا أفريقيا، وفق تقارير غربية سابقة.

ورغم تحسن العلاقات بين إدارة "بايدن" و"السيسي"، بعد دور الأخير في التوسط لوقف إطلاق النار، العام الماضي، في قطاع غزة بين إسرائيل وحماس، واستضافة مصر قمة الأمم المتحدة للمناخ الشهر الماضي، إلا أنه تظل المشكلة أن الديمقراطيين الذين باتوا يعتمدون بشكل كبيرة على الناخبين السود وعلى الخطاب المعادي للعنصرية يصعب عليهم اتخاذ إجراءات صارمة ضد أديس أبابا.

في الوقت ذاته، فإن إثيوبيا ليس لديها أي حافز لتقديم تنازلات لمصر في أزمة سد النهضة في ظل غياب أي أوراق ضغط بيد القاهرة، خاصة أن أسوأ أيام النظام الإثيوبي قد مرت.

فبعد أن كانت العاصمة أديس أبابا مهددة باجتياح من قبل قوات جبهة تحرير تيجراي، انكفأت الأخيرة، في إقليمها في ظل غياب حليف قوي يدعمها مقابل الدعم الأريتري والإماراتي لأديس أبابا.

في وقت يظل سد النهضة مشروعاً قومياً مهماً لـ"آبيي أحمد" يقدم به نفسه، كبطل قومي إثيوبي عابر للإثنيات، يتحدى أكبر وأعرق وأقوى دولة بالمنطقة.

ووفق مراقبين، فإنه رغم أن مصر قد تكون أهم من إثيوبيا استراتيجياً بالنسبة لواشنطن، ولكن حساسية وضع أديس أبابا أمريكياً أعلى، كما أن هشاشة وضعها الداخلي تجعل إدارة "بايدن" أكثر حذراَ.

وكل ذلك يعني أن أمريكا قد تحاول التوسط مجدداً بين مصر وإثيوبيا والسودان في أزمة سد النهضة، ولكنها "وساطة بلا أنياب" تقدم مقترحات ولكنها غير ملزمة للأطراف، وإن اتفقت الأطراف على شيء من خلال تلك الوساطة ثم تنصل طرف منها فلن تعاقبه واشنطن.

وهذا ما ذكره متحدث باسم الخارجية الأمريكية، العام الماضي، حين قال إن بلاده لا يمكنها فرض أي حل لأزمة سد النهضة، مضيفا أن "واشنطن ستستمر في تشجيع تلك الدول على التفاوض بشكل أكثر إيجابية بما يفضي إلى نتائج ملموسة".

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة "حسن نافعة": "الدور الأمريكي في قضية سد النهضة مهم، لكن أمريكا غير معنية بإلزام الأطراف الثلاثة بحل معين".

ويضيف أن الحكومة الأمريكية لا يمكنها أن تفرض حلا معينا على البلدان الثلاثة في قضية حيوية تعود لعقود طويلة من الزمن، وتهم مستقبل الشعوب الثلاثة.

ويتفق معه الكاتب والباحث الإثيوبي "نورالدين عبدا"، حين يقول إن "إثيوبيا تعرف جيدا أن أمريكا لن تعمل على إجبارها على تغيير موقفها وسياستها التنموية الخاص وتغيير علاقتها مع دول المصب".

ويضيف: "إثيوبيا لا تبحث عن وسطاء لحل أزمة سد النهضة، والمشروع منذ البداية كان مشروعا للشعب الإثيوبي، والحكومة الآن لا تنتظر أية جهة دولية لتحديد مستقبل السد والمشروع التنموي المرتبط به".

ويتابع أن "موقف الولايات المتحدة الأمريكية مهم لجميع دول العالم لكنها لن تقدم على إرغام أثيوبيا للتوقيع على شي".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر إثيوبيا السودان أمريكا بايدن حقوق الإنسان سد النهضة

كيف تفرط مصر في أصولها الاستراتيجية منذ بداية حكم السيسي؟

خبير مياه مصري يكشف عن استعداد إثيوبيا للملء الرابع لسد النهضة

صراع سد النهضة أكبر من كونه حول المياه.. "كارنيجي" يشرح التفاصيل

توافق سوداني إثيوبي حول سد النهضة.. أين مصر؟

عودة الجدل حول سد النهضة الإثيوبي.. ما جديد الأزمة؟ وهل من سبل للحل؟