سردية جديدة.. هكذا تعيد الاحتجاجات تعريف إيران

الأربعاء 21 ديسمبر 2022 06:04 ص

بعد مرور 3 أشهر على وفاة "مهسا أميني" على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، تتواصل الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وإن كانت بوتيرة أبطأ ونطاق أصغر مما كانت عليه في البداية.

وواجه المتظاهرون رد فعل عنيف من الحكومة، وهو ما ظهر في مقاطع فيديو لا حصر لها تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد ارتفع عدد القتلى، بما في ذلك بين الأطفال. ويبدو أن الوضع في إيران وصل إلى نقطة اللاعودة ولذلك فإن الحفاظ على الوضع الراهن يبدو مستحيلًا.

وتظهر انشقاقات داخل النظام حيث أشار بعض كبار المسؤولين السابقين، بمن فيهم الرئيس السابق "محمد خاتمي" ورئيس البرلمان السابق "علي لاريجاني"، بالإضافة إلى بعض رجال الدين، بمن فيهم حجة الإسلام "فاضل ميبودي"، إلى أن الوقت ينفد بالنسبة للنظام وهناك حاجة إلى حوار وطني لمعالجة المظالم الشعبية العميقة.

وبغض النظر عن النتيجة النهائية، هناك تغيير واضح في السرديات داخل إيران وخارجها، ويحدث على 3 مستويات.

أولاً، تغير السردية عن إيران نفسها. فعلى مدى 4 عقود، كانت الجمهورية الإسلامية تروج لفكرة أنها تخوض صراعًا مع ما تسميه نظام الاستعمار الغربي، أي مع الدول الغربية وشركائها في المنطقة.

وبالرغم أن إيران لم يتم استعمارها أبدًا، لكن النظام ركز على خطاب وقوع إيران ضحية للاستراتيجيات الاستعمارية الغربية التي حطمتها الثورة الإسلامية.

لقد قدم النظام حرب 1980 - 1988 مع العراق على أنها معركة بين الخير (الحكومة الثورية الإسلامية) والشر (العراق المدعوم من الغرب). وتم توسيع هذه السردية بشكل أكبر في السنوات الأخيرة عبر مجموعة واسعة من القضايا المحلية والدولي.

ويسعى النظام إلى التلاعب بنظرة العالم إلى البلاد وتقديم صورة للجمهور الدولي بأن هناك دعمًا شعبيًا واسع النطاق لهذه الرواية. واستخدم القادة الإيرانيون المشاركة في الانتخابات، والتجمعات الوطنية في ذكرى الثورة الإسلامية، وأحداث مثل جنازة قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" كإشارات على الدعم المحلي القوي لحكومة الثورة الإسلامية.

 لكن كان هناك دائمًا واقع مختلف يتمثل في معارضة واسعة النطاق، وحرص النظام على تهميش المنشقين، ونتيجة لذلك غادر حوالي 3.1 مليون إيراني منذ الثورة. ووفقًا لتقارير حكومية، ففي عام 2020 غادر 900 أستاذ جامعي إيران. ومع ذلك، بقي الكثيرون وأعربوا عن معارضتهم.

ومنذ وفاة "مهسا أميني"، أظهر الإيرانيون رفضهم لأيديولوجية النظام والرواية التي تفرضها الدولة من خلال النزول إلى الشوارع للاحتجاج. ولم يعد الإيرانيون مستعدين للصمت حيال هذه الرواية التي تعزل إيران عن المجتمع الدولي وتبقي البلاد في صراع مع اللاعبين الإقليميين وتحت العقوبات.

وقام المتظاهرون بالعديد من التحركات الرمزية الهامة التي تدل على هذا الرفض، مثل إسقاط العلم الإيراني الذي يضم رمز الجمهورية الإسلامية في الوسط، وحرق الحجاب، وترديد شعارات ترفض الأعراف الاجتماعية السائدة.

وكان من أشهر الشعارات الاحتجاجية: "أنتِ سجينة، أشعلي النار، أنا امرأة حرة". وأظهرت عدة مقاطع فيديو مجموعات تغني أغاني ثورية في مراسم عزاء الذين فقدوا أرواحهم خلال قمع الاحتجاجات، بدلاً من غناء الأغاني الدينية أو تلاوة آيات من القرآن.

وأثارت وحشية قوات الأمن غضب المتظاهرين وحشدت أعدادًا أكبر، لا سيما في المدن الأصغر والمناطق التي توجد فيها الأقليات العرقية، مثل البلوش والأكراد.

ومن الواضح أن النظام مستعد لتصعيد العنف، وليس هناك ما يشير إلى ميل للحوار من أي من الجانبين. لكن الاحتجاجات تُظهر بوضوح هذا التغيير في الرواية: الإيرانيون ليسوا ثوريين ومعادين للغرب، إنهم يريدون الحرية ويطالبون بـ"حياة طبيعية"، وذلك كما قال مغني الراب الإيراني المسجون "توماج صالحي" في أغنيته الشعبية.

أما التغيير الثاني فهو تعبير الناس عن رواية غير رواية الدولة. ومع تجاوز حاجز الخوف، يعبر الناس عن رواية جديدة للمقاومة، ورفض شرعية الدولة، والمطالبة بتغيير النظام.

وفي مقطع فيديو ظهر بعد الهجمات الوحشية على حرم جامعة شريف، الذي يستضيف أكثر طلاب الهندسة الإيرانيين موهبة، هتف الطلاب: "لماذا السفر؟"، أي الهجرة، "ابق واستعد إيران".

ومنذ السنوات الأولى للثورة، كانت عمليات الإعدام وأحكام السجن الطويلة والمراقبة سمات رئيسية للدولة الإيرانية. وعلى مدار أسابيع من المظاهرات، أصدر القادة الإيرانيون (لا سيما قائد الحرس الثوري) تحذيرات للمتظاهرين.

لقد جابت قوات الأمن المناطق السكنية المكتظة بالسكان في طهران بمكبرات الصوت، وحذرت السكان شفهيًا من العواقب الوخيمة للاحتجاج. ورداً على ذلك، ابتكر بعض الإيرانيين "صفارات الإنذار الخاصة بالغارات" لحث الناس على الانضمام إلى "الثورة".

ويبدو أن الخوف من القمع والاستخدام المفرط للعنف فشل في تحقيق ما فعله في الانتفاضات السابقة في إيران (على سبيل المثال، 2009، 2017، 2019).

وبالرغم من جهود النظام لإنهاء الاحتجاجات من خلال القمع والعنف، فإن الرواية الجديدة للشعب الإيراني لم تتشكل على أساس الخوف من القمع. بدلاً من ذلك، يتم تشكيلها من خلال الرفض الكامل لشرعية النظام والمطالبة بالتغيير.

وأخيرا، منذ بداية المظاهرات في سبتمبر/أيلول الماضي، كان هناك تحول كبير في سردية المجتمع الدولي بشأن إيران، فقد نجحت الجاليات الإيرانية في الغرب في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي كان الغرب يتعمد تجاهله خوفا من تعريض المحادثات النووية للخطر.

ومع هذا النشاط، أدلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا ببيانات تحذيرية للنظام وفرضوا عقوبات جديدة على كيانات وكبار المسؤولين الذين لهم صلات بالأجهزة الأمنية والعسكرية في إيران. على سبيل المثال، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركة الاتصالات الإيرانية "أرفنجان"، التي شاركت في تقييد الوصول إلى الإنترنت في جميع أنحاء البلاد.

وشن الأمريكيون الإيرانيون المناهضون للنظام حملة في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للتصويت ضد المرشحين الذين كان يُنظر إليهم على أنهم أقل دعمًا لتغيير النظام في إيران.

وتبدو العودة إلى الروايات السابقة عن إيران مستحيلة حيث يبدو أن المحتجين الإيرانيين وصلوا إلى نقطة اللاعودة في مطالبهم، بالرغم من عنف الدولة الوحشي. ولم يعد النظام في بنيته الحالية قادرًا على إنكار المعارضة الواسعة.

وهناك تراجع كبير في الشرعية السياسية للجمهورية الإسلامية، ليس فقط في نظر المواطنين الإيرانيين ولكن أيضًا بين القادة الغربيين. وستلعب القرارات والاستراتيجيات طويلة المدى للنظام والمتظاهرين والمجتمع الدولي دورًا مهمًا في تشكيل نتائج الاضطرابات المستمرة في إيران.

ومن المرجح أن تتكثف الاحتجاجات وردود الفعل العنيفة من قبل الحكومة، وقد تغير العديد من التطورات مسار الأحداث خلال الأسابيع المقبلة. 

**لقراءة النص الأصلي Protests Redefine Iran

المصدر | سارة بازوبندي | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إيران مهسا أميني الاحتجاجات قاسم سليماني إيران مهسا أميني الاحتجاجات قاسم سليماني احتجاجات إيران المجتمع الدولي

بايدن لناشطة إيرانية: الاتفاق النووي مات لكن لن نعلن ذلك

استطلاع: 67% من الأذريين يؤيدون حماية الأقلية العراقية الأذرية في إيران

أحكام بالسجن لـ400 متظاهر بسبب الاحتجاجات في إيران

إيران تعلن ضبط خلية معادية على صلة ببريطانيا

100 يوم من احتجاجات إيران.. القتل والاعتقالات لم تمنع استمرارها

مولوي عبدالحميد.. رجل الدين السني المناهض للنظام في إيران

على غرار الربيع العربي.. احتجاجات إيران تحد غير مباشر للحكومات الخليجية

تحديث بلا ديمقراطية.. السبب الجذري لاحتجاجات إيران

هجرة الأدمغة تقضم إيران من الداخل.. القمع وتردي الاقتصاد السبب وهذه الحلول الضرورية