لماذا تصر مصر على ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا بشكل منفرد؟

الاثنين 26 ديسمبر 2022 07:53 ص

في 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أصدر الرئيس المصري "عبدالفتّاح السيسي" قرارا رئاسيا يقضي بترسيم حدود مصر البحريّة من الجهة الغربية حصرا مع ليبيا، وذلك بشكل أُحادي دون الرجوع إلى الجانب الليبي.

القرار المصري الذي نشرته الجريدة الرسمية، تضمن أن تبدأ حدود البحر الإقليمي لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية، كما نص على إخطار الأمم المتحدة بالتعديل.

ووفق الرؤية المصرية، فإن القرار يعني حسم القاهرة لحدودها البحرية التي يمكن من خلالها أن تطرح هذه المناطق أمام شركات النفط العالمية للتنقيب عن النفط والغاز، ويمكنها كذلك الحفاظ على ثروات الغاز في منطقة البحر المتوسط التابعة لها، كما يعني إعداد وتجهيز المناطق داخل هذه الحدود للبحث عن النفط والغاز ووقف أي أطماع فيها.

ويرى مراقبون أن توسيع القاهرة حدودها البحرية على حساب ليبيا في منطقة يعتقد أنها غنية باحتياطات الغاز الطبيعي، يمثل فرصة لاكتشاف حقول جديدة للغاز تسهم في تقليص الفجوة الضخمة في عجز الميزان التجاري.

من ناحية المضمون، فضلا عن إنشائه نزاعا مستجدا مع ليبيا، يقضم مرسوم "السيسي" عمليا جزءا من الحيّز المائي الليبي يقدّر البعض مساحته بحوالي 6 آلاف و800 كيلومتر مربع، وهو ما يعادل حوالي ثلثي مساحة دول مثل لبنان.

وبهذا المعنى، فإن المرسوم يعكس وجود أطماع للنظام المصري في المياه والثروات الليبية، حتى أن صحيفة "الأهرام" المصرية (حكومية) وصفت خطوة "السيسي" في أحد عناوينها بأنها "إجراء وقائي"، عازية إياها الى ما قالت مصادر إنه "إجماع على أن الخطوة هي خطوة وقائية في ظل حالة عدم الاستقرار في ليبيا".

الأكاديمي والباحث "علي باكير"، يعلق على القرار المصري بالقول: "الجانب المصري قرر قضم مساحة بحرية ليبية؛ بسبب حالة عدم الاستقرار في ليبيا، وعدم قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها في وجه أطماع أو تعديات الآخرين".

ويضيف: "يجد النظام نفسه في حاجة إلى انتصار وهمي وسريع ومن دون أي تكاليف.. القرار الأخير ربما يحقق له ذلك، بل وربما يعتقد أنه سيعود عليه بالمنفعة إذا ما تم إرساؤه كسياسة أمر واقع والتفاهم مع اليونان على حساب ليبيا وحقوق الشعب الليبي في مياهه وثرواته".

وأثار القرار الكثير من الجدل فيما يتعلق بمضمونه وتوقيته ومبررات اتخاذه فضلا عن مسوغات تبريره من الناحية التقنية، خاصة في ظل إعلان حكومتي ليبيا (الوحدة الوطنية في طرابلس/ والمعينة من البرلمان) ولجنتي الخارجية والدفاع في البرلمان رفضهم لهذه الخطوة.

ودعت الحكومتان الليبيتان، القاهرة إلى عدم اتخاذ خطوات أحادية في ترسيم الحدود البحرية، وأبدتا في بيانات منفصلة، استعدادهما للتفاوض الثنائي بما يخدم المصالح المشتركة.

ووفق أستاذ القانون الدولي "أيمن سلامة" فإن "تعيين الولايات البحرية للدول انفراديا، وإخطار الأمين العام للأمم المتحدة ولجنة المحيطات والبحار بالمنظمة بهذه الخطوة، ليست الوسيلة الفضلى أو النهائية لتعيين الحدود البحرية بين الدول الساحلية".

ويؤكد أن "اتفاقيات تعيين الحدود البحرية بين الدول تبقى الوسيلة الأكمل والأمثل والأصح".

القرار ليس له علاقة فقط بمصر وليبيا، لكنه له تداعياته على صعيد شرق المتوسط، خاصة أنه لقى احتفاء واسعا من اليونان، وقلقا من تركيا، رغم التقارب غير المستقر حاليا بين القاهرة وأنقرة.

فبعد الإعلان المصري، أجرى وزير الخارجية اليوناني "نيكوس داندياس" اتصالا بنظيره المصري "سامح شكري" ناقش فيه الوضع شرق البحر المتوسط، بما في ذلك القرار المصري، وسط احتفاء من الصحافة اليونانية بالقرار؛ حيث عنونت الصحف في عدد من منشورتها القرار بـ"مصر تلغي مفاعيل مذكّرة التفاهم التركية-الليبية غير القانونية لترسيم الحدود البحرية".

أما تركيا، فدعت كلا من مصر وليبيا إلى إطلاق حوار ومفاوضات بأسرع وقت لتحديد حدود البلدين البحرية، وفق القانون الدولي، ونقلت وكالة "الأناضول" (رسمية) عن مصادر دبلوماسية إن "الحدود البحرية الجانبية التي حددتها مصر من جانب واحد مع ليبيا بـ9 إحداثيات جغرافية، لا تتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط".

جاء القرار المصري والاشتباك الإقليمي معه بعد نحو شهرين من اتفاقية وقعتها أنقرة وطرابلس للتنقيب عن النفط والغاز، تعد مكملة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين أواخر 2019.

ورفضت مصر واليونان هذه الاتفاقيات في ضوء معارضتهما النشاط التركي في المناطق البحرية المتنازع عليها في شرق المتوسط، كما وقعتا في 2020 اتفاقا مشتركا لترسيم الحدود البحرية شرقي المتوسط.

بينما دافعت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة "عبدالحميد الدبيبة"، عن الاتفاقيات الموقعة بين طرابلس وأنقرة، خاصة فيما تعلق منها بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية الليبية، وقال حينها "مذكرة التفاهم الليبية - التركية مبنية على اتفاقيات سابقة حتى قبل عام 2011، وواصلنا نقاشها لعام كامل".

في المقابل، أعرب رئيس الحكومة المعينة من مجلس النواب في طبرق "فتحي باشاغا"، استعداد حكومته للتفاوض مع مصر وتركيا واليونان من أجل ترسيم الحدود البحرية.

ويمثل تحديد الحدود البحرية لكل من اليونان ومصر في البحر المتوسط خطوة أولى نحو طرح هذه المناطق أمام شركات النفط والغاز العالمية للتنقيب عن النفط والغاز في أماكن جديدة.

فاليونان بررت توسيع منطقة المسوحات الزلزالية من أجل التنقيب عن النفط والغاز قبالة جزيرة كريت، بأنه جاء "استجابة إلى طلب من شركة إكسون موبيل الأمريكية، التي حصلت على حقوق التنقيب".

وبدخول "إكسون موبيل" المنطقة المتنازع عليها بين اليونان وليبيا للتنقيب عن النفط، تكون أثينا ورطت واشنطن، بشكل غير مباشر، في نزاعها مع طرابلس، والذي من شأنه تعقيد الوضع أكثر إذا لم يتم حل الأمر بالتفاوض.

وتعقيبا على ذلك، يوضح الخبير في صناعة النفط والغاز والنقل البحري "إبراهيم فهمي" أن "قضية الترسيم بشرق المتوسط شائكة ومعقدة لأسباب متعددة تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والنفوذ الجيوسياسي وعلاقات الجوار".

ويشير إلى أن مصر تقع بين محورين واضحين: الأول تمثله إسرائيل وقبرص الرومية واليونان، وله أهداف واضحة لاقتناص ترسيم خاطئ للحدود البحرية، يضيع حقوق مصر وليبيا وتركيا.

ويتابع: "أما الثاني، فهو لتركيا وليبيا، والذي أعاد لمصر مساحة بحرية تقدر بـ15 ألف كيلومتر مربع، كان من المقرر أن تتركها مصر لصالح اليونان، بما لا يتفق مع المصلحة العليا للبلاد"، وفق قوله.

ويضيف "فهمي" أن هذه المساحة كانت ستستخدم من قبل المحور الأول لتمرير خط أنابيب بحري يصل بالغاز مباشرة إلى الأسواق الأوروبية، دون الحاجة إلى تسييله، والذي يرفع الكلفة والوقت عدة مرات.

ويعتقد أن الحقوق المشروعة لفلسطين وشمال قبرص في غاز المتوسط، إن استقلت الدولتان، ستجعل ترسيمات الحدود بين جميع دول الحوض غير نهائية وخاضعة لإلغائها بالتحكيم الدولي، وبالتالي كل دولة يجب أن تدافع عن مصالحها العليا وليس عن مصلحة دول أو دولة أخرى.

ويبقى الحديث عن انعكاسات القرار المصري بشأن ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، على التقارب بين أنقرة والقاهرة.

وفي هذا الصدد يستبعد اللواء الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء "محمد عبدالواحد" تأزم علاقات أنقرة والقاهرة جراء ذلك، موضحًا أن البلدين قطعا شوطا طويلا في عملية التقارب الوشيك، وحتى لو بقيت بعض الملفات الشائكة والعالقة فسيتم تجاوزها وإرجاؤها.

قبل أن يعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي المصري "محمد الزواوي"، أن تلك المناسبة كان من الممكن أن تمثل فرصة غير مسبوقة في التعاون وتحسين العلاقات وتحقيق مصلحة مشتركة، ولا سيما أن الترسيم التركي يعطي مصر مزيدا من الأميال البحرية داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة، وفق قوله.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي ليبيا ترسيم حدود تركيا اليونان شرق المتوسط

الرئاسي الليبي يرفض قرار مصر ترسيم الحدود بشكل أحادي

أتلانتك كاونسل: لماذا استولت مصر على جزء من المنطقة البحرية الليبية الآن؟