تحديات مرتقبة.. تغير المناخ في الخليج يعيد تشكيل خريطة الهجرة

الثلاثاء 17 يناير 2023 01:36 م

يمكن ملاحظة الهجرة الناجمة عن تغيرات المناخ في معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن هذه الظاهرة أقل انتشارا في منطقة الخليج حتى الآن، ومع ذلك فإن الأمر لم تتم دراسته بدول مجلس التعاون على نطاق واسع أو منهجي.

وبينما تستثمر الدول الست مليارات الدولارات في تطوير الطاقة المتجددة، فإن أنماط تغير المناخ في المناطق المجاورة، يمكن أن تؤدي في النهاية إلى مشاكل هجرة مناخية أكثر خطورة في الخليج.

أما الآثار السلبية لتغير المناخ على دول مجلس التعاون الخليجي فتشمل التصحر وفقدان التنوع البيولوجي وندرة المياه وارتفاع مستوى سطح البحر. وتتسبب هذه العوامل في تدهور خطير في التربة بالإضافة إلى تسرب الأملاح إلى طبقات المياه الجوفية؛ مما يهدد الأمن الغذائي وبالتالي قد يؤدي إلى تشريد السكان.

وقد وجدت دراسة أجراها البنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية أن عدم انتظام هطول الأمطار والجفاف يمكن أن يؤدي أيضًا إلى مزيد من الهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة بين المجموعات الأكثر عرضة للصدمات المناخية.

تستضيف دول مجلس التعاون الخليجي حاليًا حوالي 30 مليون مهاجر، معظمهم هاجر لدوافع اقتصادية، ويعمل الكثير منهم في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. وبالرغم من التغيرات المناخية الناجمة عن الوقود الأحفوري، من المرجح أن يرتفع معدل الهجرة الداخلية من المناطق الفقيرة إلى الخليج الغني بالنفط.

ومن المحتمل أن تستقبل دول مجلس التعاون الخليجي جزءا من 143 مليون مهاجر بسبب المناخ من جنوب شرق آسيا وأفريقيا "جنوب الصحراء"، بالإضافة إلى أمريكا اللاتينية. ومن المتوقع أن يزداد تأثير مثل هذه الهجرة المناخية بمرور الوقت.

في حين أن الهجرة المناخية قديمة قدم التاريخ، فإن وتيرة التغيير في ظل اتجاهات العصر الحديث مثيرة للقلق. ووفقًا لبحث جديد، أدى تغير المناخ في عصور ما قبل التاريخ إلى هجرات بشرية عبر شبه الجزيرة العربية على مدار الـ 400 ألف عام الماضية؛ مما أدى إلى تغيير أنماط التجمع البشري في جميع أنحاء شبه الجزيرة مع تحرك الناس نحو مناطق هطول الأمطار.

ومع ذلك، واجهت السعودية في السنوات الأخيرة مخاطر مناخية، بما في ذلك الفيضانات المفاجئة بسبب هطول الأمطار الغزيرة خاصة في المناطق الجبلية، والعواصف الرملية والترابية، وفترات الجفاف الأطول، وهي عوامل قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الهجرة.

مناطق غير صالحة للعيش

ووفقًا لوكالة "ناسا"، ستصبح أجزاء كبيرة من منطقة الخليج غير صالحة للعيش بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع متوسط درجات الحرارة. وستواجه المناطق الصحراوية في السعودية بعضًا من أقسى تأثيرات الاحتباس الحراري، بما في ذلك موجات الحرارة الممتدة التي تستمر لأشهر وليس لأيام.

وتتوقع دراسات مناخية أخرى صدرت في عام 2022 أن درجات الحرارة في الشرق الأوسط قد ترتفع بمقدار 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن؛ مما يعني أن السكان المحليين، بما في ذلك بدول مجلس التعاون الخليجي، سيواجهون تحديات صحية ومعيشية كبيرة.

وقد يتجنب الشرق الأوسط أكثر أنماط الهجرة المناخية تطرفًا التي يُتوقع حدوثها في مناطق أخرى أفقر من العالم. ومع ذلك، فإن حوالي 400 مليون من سكان الشرق الأوسط معرضون لخطر موجات الحر الشديدة التي قد تؤدي أيضًا إلى تأجيج التوترات الاجتماعية والسياسية.

ولا تزال أنماط الهجرة التي يسببها المناخ غير واضحة بشكل كامل، وقد تظهر صورة أوضح لهذه الأنماط بمجرد توفر بيانات أكثر دقة حول الهجرة المناخية في دول مجلس التعاون ، ولكن هناك حاجة لمزيد من الدراسات لفحص المحددات التي تحرك أنماط النزوح الداخلي في كل دولة خليجية، وكذلك الهجرة إلى خارج منطقة الخليج.

مخاطر مستقبلية

ووفقًا للبنك الدولي، بحلول عام 2025، سيتعرض 80-100 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى مستوى من الإجهاد المائي. وفي الخليج نفسه، ستكون الرطوبة والحرارة عالية جدًا بحيث تعتبر أجزاء من المنطقة غير صالحة للسكن تمامًا بحلول عام 2100.

وحتى الآن، يمكن تحمل الظروف المناخية القاسية في جميع أنحاء الخليج بسبب انتشار مكيفات الهواء والاستخدام الواسع لمحطات التحلية. ومع ذلك، قد يختار العديد من مواطني الطبقة المتوسطة والأثرياء أيضًا الإقامة في الخارج لجزء من العام، وهو ما يمكن اعتباره شكلاً من أشكال الهجرة الموسمية.

كما يمكن أن يؤدي غياب آليات التعاون على مستوى المنطقة إلى تفاقم المشكلة؛ مما يؤجج الهجرة المدفوعة بالمناخ من بقية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث الموارد الاقتصادية أكثر وفرة.

ووفقًا لتقرير البيت الأبيض لعام 2021، يعاني 60% من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من إجهاد مائي مرتفع يمكن أن يؤدي إلى النزوح.

وفي الوقت نفسه، تشير الدراسات إلى أن دول الخليج تنتهج سياسات قد لا تكون متوافقة مع قدرتها المحدودة على الإدارة الجماعية للمشاكل البيئية العابرة للحدود بطريقة منسقة بسبب التوترات الجيوسياسية الإقليمية.

وبالمثل، تعد الخلافات السياسية عائقا أمام التعاون أو دمج أنظمة إدارة الموارد الطبيعية الخاصة بهم. ويعد التأهب الاجتماعي والاقتصادي ضروريًا، كما يجب الاستعداد للتحول إلى مصادر الدخل البديلة للتعامل مع العواقب الاقتصادية للهجرة الناجمة عن المناخ.

لكن دول مجلس التعاون الخليجي تفتقر إلى سياسة إقليمية واضحة لمعالجة هذه المشكلة، ولا يزال يتعين على البعض دمجها في أجندات الأمن القومي الخاصة بها، كما تفعل العديد من الدول الغربية.

وتنظر بعض دول الخليج، مثل الإمارات، إلى الوضع المناخي على أنه فرصة لإيجاد حلول عملية، لذلك فهي متحمسة لتقديم سياسات بيئية مستدامة قادرة على إبطاء أو وقف تدهور المناخ، مثل تقليل انبعاثات الكربون بمقدار الثلث بحلول عام 2030. ولكن يجب بذل المزيد من الجهد فيما يتعلق بالتعامل مع الهجرة الناجمة عن المناخ.

ويمكن للتخطيط الحضري الذي يراعي الاعتبارات المناخية أن يقلل من معدل إعادة التوطين الجماعي. وعلى وجه التحديد، يمكن لأنماط التنمية المرنة أن تقلل من حجم الهجرة المناخية الداخلية بنسبة تصل إلى 80%، بحسب البنك الدولي. 

علاوة على ذلك، ينبغي أن تكون دراسات الهجرة من الريف إلى الحضر أكثر شمولا بحيث تضع الهجرة الناجمة عن المناخ في الحسبان، ويجب أن يتجلى ذلك في جداول أعمال الميزانية والتخطيط.

ومن المفيد إنشاء صندوق في دول مجلس التعاون الخليجي لمعالجة وتخفيف تأثير الهجرة الناجمة عن المناخ على السكان المتضررين. كما ستكون برامج التثقيف والتوعية التي تستهدف السكان المحليين وصناع السياسات بالغة الأهمية.

وتدعو الأمم المتحدة الحكومات إلى القيام بعدة أشياء: اعتماد قوانين وسياسات مناخية أقوى، وصياغة استراتيجيات "المرونة" عندما تتسبب أحداث الطقس في النزوح، وتطوير نماذج مناخية للتنبؤ بالكوارث الطبيعية المحتملة.

سيحفز الاستثمار في البحث وتمويل النماذج الناجحة في تلك المجالات على تبادل أفضل الممارسات بين دول المنطقة، وهو أمر حاسم لمعالجة مشكلة لا تحترم حدودًا سياسية.

**لقراءة النص الأصلي Climate-induced migration in the GCC states: A looming challenge

المصدر | بانفشة كينوش/ معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المناخ الخليج الكربون درجات الحرارة الإجهاد المائي دول الخليج التصحر هجرة مناخية

4 خيارات أمام دول الخليج لاحتجاز وتخزين واستثمار الكربون

الخليج يتصدر قائمة الشعوب العربية الأقل هجرة من بلدانها.. لماذا؟

"تايتنك الفقر".. مصريون يستنكرون تجاهل حكومتهم لكارثة قارب المهاجرين قبالة اليونان