ستراتفور: هل تتحول توترات إيران وأذربيجان الحالية إلى حرب؟ وما السيناريوهات المتوقعة؟

الأحد 5 فبراير 2023 10:15 ص

"في حين أن الصراع العسكري المباشر لا يزال غير مرجح، لكن التوترات بين أذربيجان وإيران تتصاعد بوتيرة سريعة، وقد تتشابك مع الحرب الروسية الأوكرانية وتهز حلف الناتو بسبب دعم تركيا، العضو في الحلف، لأذربيجان".

ما سبق كان خلاصة تحليل مطول نشره موقع "وورلد فيو" التابع لمركز "ستراتفور" للدراسات الأمنية والاستراتيجية الأمريكي.

ويقول التحليل، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن تحالف إيران المتزايد مع أرمينيا منذ انتهاء حرب الأخيرة مع أذربيجان حول إقليم ناجورنو كاراباخ أشعل التوترات بين طهران وباكو.

ومثلت حادثة إطلاق مسلح النار على سفارة أذربيجان في طهران عاملا إضافيا لتزايد التوترات، وأجلت أذربيجان موظفي سفارتها وأفراد عائلاتهم من إيران عقب الهجوم في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي نفس الوقت، أثار الرئيس الأذربيجاني "إلهام علييف" قلق طهران منذ أسابيع، عندما تحدث في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن منطقة في شمالي إيران تضم أغلبية آذرية، ووصفهم "علييف" بأنهم "جزء من أمتنا"، ما أشعل مخاوف إيرانية من نمو حركة انفصالية في تلك المنطقة تضيف هما جديدا إلى هموم إيران الأمنية.

ممر زنجزور

وأشار التحليل إلى أن تلك التطورات تأتي في الوقت الذي تراجعت فيه روسيا عن دورها التقليدي كقوة مهيمنة إقليمية حيث تركز موسكو اهتمامها ومواردها على أوكرانيا.

ويرى التحليل أنه مع تشتت روسيا شبه الكامل في حربها بأوكرانيا، أصبح دور إيران في مواجهة تركيا وأذربيجان أكثر وضوحًا بشكل ملحوظ.

ومن أبرز الملفات التي تقلق إيران في هذه النقطة هو ملف "ممر زنجزور"، وهو طريق ترغب أذربيجان في إنشائه، مرورا بشريط حدودي بين أرمينيا وإيران، تسيطر عليه يريفان، وترغب باكو في أن يصلها هذا الممر مع نَخجِوان (ناختشيفان)، وهي منطقة تابعة لأذربيجان بين أرمينيا وإيران وتتمتع بالحكم الذاتي، على أن يستمر هذا الممر إلى داخل الأراضي التركية، ليكون في النهاية ممرا يوصل بين أذربيجان وتركيا عبر جنوب أرمينيا.

وبطبيعة الحال، تدعم  تركيا إقامة هذا الممر، لكن أرمينيا ترفضه وتصر على أنه سيهدد سيادتها الإقليمية.

وبالنسبة لإيران، فهي تعارض بشدة إنشاء هذا الممر، لأنه سيقلل من اعتماد الدول الأخرى على إيران في نقل البضائع والأشخاص من نَخجِوان إلى البر الرئيسي لأذربيجان وبحر قزوين وآسيا الوسطى.

وبالإضافة إلى ذلك، تتخوف طهران من أن يؤدي الممر إلى قطع وصول إيران البري إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي عبر أرمينيا، وبالتالي إلى أحد أهم شركائها الاقتصاديين؛ روسيا.

ويرى التحليل أن معارضة إيران لممر زنجزور يعد أحد أهم أسباب التوتر بين باكو وطهران الآن.

الجالية الأذربيجانية في إيران

هذا هو الملف الثاني البارز الذي يعقد علاقة الجارتين، على الرغم من عدم وجود أحزاب سياسية انفصالية أذربيجانية في إيران نفسها، لكن بعض الجماعات العاملة من أذربيجان تدعو إلى إقامة دولة أذرية مستقلة في شمال إيران، وتزعم أنها تمثل الأذريين الإيرانيين.

ويقول التحليل: "في السابق، كانت باكو حريصة على الامتناع عن الإدلاء بتصريحات يمكن أن تفسرها طهران على أنها داعمة لحركة انفصالية محتملة".

ومع ذلك، ومنذ بدء الاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة في إيران في سبتمبر/أيلول 2022، زادت باكو من حدة خطابها من خلال الإشارة إلى الأذريين في إيران بأنهم "جزء من أمتنا" وشمال إيران باسم "أذربيجان الجنوبية".

ويشير هذا التحول في اللغة إلى أن باكو قد تسعى لدعم حركة انفصالية محتملة في شمال إيران، خاصة إذا تدخلت الأخيرة عسكريًا لدعم أرمينيا.

الأذربيجانيون هم أكبر أقلية عرقية في إيران، ويشكلون 16% من سكان البلاد، ويشكلون الأغلبية العرقية من المنطقة المذكورة في شمالي إيران، وتخشى طهران من أن تستخدم باكو السكان الأذربيجانيين في إيران كرافعة ضد النظام.

علاقات أذربيجان مع إسرائيل

يعد هذا الملف أيضا من أقوى أسباب التوتر الإيراني الأذربيجاني، حيث حافظت باكو على علاقات وطيدة مع تل أبيب، العدو اللدود لطهران.

ولسنوات، أبقت أذربيجان وإسرائيل علاقاتهما هادئة إلى حد كبير وبعيدًا عن أعين الجمهور، لكن هذا بدأ يتغير مؤخرًا، حيث عينت أذربيجان أول سفير لها في إسرائيل في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أقل من شهرين من إعلانها عن خطط لتصبح أول دولة شيعية تفتح سفارة في الدولة اليهودية.

وتعتمد إسرائيل بشكل كبير على أذربيجان لتلبية احتياجاتها من الطاقة، حيث تشتري 48% من نفطها وغازها من أذربيجان.

وبالإضافة إلى النفط والغاز، زعمت طهران أن أذربيجان تزود إسرائيل أيضًا ببيانات استخباراتية، وتقول إن باكو سمحت باستخدام أراضيها كموقع أمامي لجهاز الموساد الإسرائيلي.

في مقابل إمدادات الطاقة وهذا الدعم الاستخباراتي المبلغ عنه، تزود إسرائيل أذربيجان بالأسلحة والتقنيات العسكرية الرئيسية، كما اتضح من استخدام أذربيجان للأسلحة والطائرات بدون طيار إسرائيلية الصنع ضد أرمينيا خلال نزاع ناجورنو كاراباخ عام 2020.

ترى إيران أن العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية الوثيقة والعلنية بشكل متزايد بين إسرائيل وأذربيجان تشكل تهديدًا لأمنها وقوتها الجيوسياسية، لا سيما بالنظر إلى أن كلا البلدين (أذربيجان وإسرائيل) قد أعربا منذ فترة طويلة عن مخاوفهما من نفوذ إيران الإقليمي المتزايد.

وقد بلغ حجم التجارة بين إسرائيل وأذربيجان 200 مليون دولار في عام 2020. وبين عامي 2016 و2020، شكلت إسرائيل 69% من واردات أذربيجان الرئيسية من الأسلحة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، حذر المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" من "الوجود العسكري" الإسرائيلي في أذربيجان.

هل تندلع الحرب بين إيران وأذربيجان؟

يستبعد تحليل "وورلد فيو" هذا الأمر، ويقول إنه من غير المرجح اندلاع حرب مباشرة بين إيران وأذربيجان في عام 2023 ، حتى لو اندلع صراع مسلح آخر بين أذربيجان وأرمينيا، فلا أذربيجان أو إيران تريد خوض حرب مع بعضهما البعض، لأن الأمر سيكون له كلفة باهظة لكلا البلدين.

وفي حين أن أذربيجان لديها عدد أكبر من القوات والأسلحة المتطورة مقارنة بأرمينيا، تمتلك إيران قوة متقدمة بالصواريخ والطائرات المسيرة، لذلك ستكون الحرب مكلفة للغاية للطرفين، بحسب التحليل.

إيران، من جانبها، تريد تجنب خلق أزمة أمنية أخرى على رأس تلك التي تواجهها بالفعل في الداخل والخارج، حيث إن صراعا عسكريا واسع النطاق مع أذربيجان من شأنه أن يصرف طهران عن كبح جماح المعارضة المحلية المتصاعدة وسط الاحتجاجات المناهضة للحكومة المستمرة على وفاة "مهسا أميني".

علاوة على ذلك، قد تؤدي مثل هذه الحرب أيضًا إلى المخاطرة بإثارة غضب الإيرانيين (خاصة من ذوي الأصول الأذرية)، ما قد يفسح المجال لأزمة شرعية أكبر للنظام الإيراني من خلال تفاقم الدعوات المتزايدة للتغيير السياسي.

((5))

تدخل تركيا

ويرى التحليل أنه من شبه المؤكد أن تركيا، في حالة نشوب صراع عسكري بين إيران وأذربيجان، ستتدخل بقوة لدعم الأخيرة، حيث يصف كبار المسؤولين الأذربيجانيين والأتراك بلادهم بأنها "أمة واحدة ودولتان".

ومن شأن هذا التدخل، أن يحول الصراع الإيراني الأذربيجاني إلى قلب حلف الناتو، باعتبار تركيا من أهم أعضائه، وهو تطور سيكون دراميا.

أيضا، من المتوقع أن تعتمد أذربيجان بشكل شبه مؤكد على الأسلحة والاستخبارات الإسرائيلية خلال تلك الحرب، ما يزيد من خطر تحول هذا الصراع إلى حرب بالوكالة تتصاعد مباشرة مع إسرائيل.

ومن المرجح أن يؤدي الصراع العسكري الافتراضي بين إيران وأذربيجان إلى تفاقم اضطرابات سوق الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا من خلال تعطيل تدفقات النفط والغاز عبر جنوب القوقاز.

وبشكل عام، يرى التحليل أن التطورات الحالية بين إيران وأذربيجان حققت بالفعل مكسبا مهما للأولى، حيث عزز قوتها كوسيط رئيسي في تلك الأزمة الإقليمية، لدرجة أن أرمينيا يمكن أن تجه بشكل متزايد إلى إيران، وليس فقط روسيا، كثقل موازن لأذربيجان وتركيا.

المصدر | وورلد فيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإيرانية الأذربيجانية حرب ناجورنو كاراباخ تركيا أرمينيا

إيران.. مسؤولان سابقان يدعوان إلى تغيير بالنظام السياسي

عداء إيران لأذربيجان.. 4 أسباب بينها تركيا وإسرائيل

لماذا يدعو الإيرانيون للحرب مع أذربيجان؟

كيف تحول العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط؟