طرح شركات الجيش المصري بالبورصة.. مشكلات مرتقبة وسيناريوهات متوقعة

الخميس 9 فبراير 2023 02:07 م

دخلت خطوة طرح شركات تابعة للجيش المصري بالبورصة حيز التنفيذ رسميا، بعد أشهر من التمهيد الذي تخللته تكهنات وتحليلات، لكن يبدو أن الضرورة تغلبت في النهاية على محاولات للمقاومة من العسكريين، والتي تحدثت عنها دوائر متعددة خلال الأسابيع الماضية.

والأربعاء، أعلن رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي"، عزم الحكومة المصرية طرح 32 شركة في البورصة أو بيع حصص منها لمستثمرين رئيسيين، وذلك على مدار عام يبدأ من الربع الأول من هذا العام وحتى الربع الأول من العام 2024.

وأوضح "مدبولي"، في بيان، أن خطة الطرح تشمل بنك القاهرة، والمصرف المتحدة، والبنك العربي الأفريقي الدولي، علاوة على شركتين مملوكتين للجيش، هما "صافي لتعبئة المياه" و"الشركة الوطنية للمنتجات البترولية" (وطنية).

وتشير ملامح القائمة للشركات المطروحة، أن عددا كبيرا منها ينتمي إلى قطاع الطاقة، وهو ما يتوافق مع ما صرح به وزير البترول والثروة المعدنية "طارق الملا"، قبل أيام، بهذا الخصوص.

ويرى مراقبون أن إضافة شركتي الجيش لهذه المجموعة، يترجح معه أن يكون المستثمر الاستراتيجي الذي ورد في بيان الطرح، خليجي.

ومطلع فبراير/شباط الجاري، صرح رئيس الوزراء، بأن الحكومة تأمل في الإعلان عن خطة لطرح حصص فيما لا يقل عن 20 شركة في البورصة لأول مرة، على أن يُنفذ ذلك على مدى عام.

وبعدها بساعات، نقل موقع "اقتصاد الشرق" عن مصدر حكومي مسؤول قوله، إن الحكومة المصرية تستهدف من خطة الطرح توفير عملة صعبة للبلاد في حالة البيع لمستثمر استراتيجي، ومواكبة برنامج صندوق النقد الدولي بإتاحة المجال بشكلٍ أكبر أمام القطاع الخاص للمشاركة بالدورة الاقتصادية في أكبر سوق عربية من حيث عدد المستهلكين.

لماذا بات طرح شركات الجيش رسميا الآن؟

في أحد المؤتمرات العامة عام 2016، قال الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" إن اقتصاد الجيش يمثل نحو 2% من الاقتصاد الوطني، مردفا: "نود أن يصل إلى 50%".

هذا التصريح كان انعكاسا صريحا لمنهجية الرئيس المصري في إدارة اقتصاد البلاد، عبر تحويله إلى ما يشبه اقتصادا مغلقا للجيش، وهو ما كان يسوق له في البداية على أنه حل للمعضلة الاقتصادية المصرية التي كان جزء منها قائم على الفساد والتسيب الإداري، ويحتاج إلى "ضبط الجيش وربطه".

لكن الأمور آلت لتحول مصر من دولة بوليسية، خلال عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك"، إلى دولة يسيطر عليها الجيش بالكامل، في عهد "السيسي".

وكان "مبارك" قد أحاط نفسه بعد وصوله إلى السلطة بمستشارين عسكريين، قبل أن يبدأ بالتقرب من قطاع رجال الأعمال، ويقوم بلبرلة الاقتصاد، وهو ما لم يقم به الرئيس الحالي.

وتشير تقارير غربية، إلى أن الجيش المصري يسيطر على قرابة 60% من حجم الاقتصاد المصري، خاصة مع إسناد مشروعات وصفقات حكومية إليه بالأمر المباشر، وتنفيذ مشروعات صناعية وسياحية من اختصاص وزارات أخرى.

فمخالب الجيش وصلت إلى كل قطاعات الحياة المصرية من الصيد والطعام والمشروبات والفولاذ والطاقة والإسمنت، ولم ينج الإعلام فقد سيطرت كيانات تابعة له على صحف وشبكات تلفزيونية وشركات إنتاج.

ولا تزال العديد من القطاعات التي تخضع لسيطرة الجيش آخذة في التزايد.

ويتمتع الجيش المصري بامتيازات هائلة؛ فهو لا يدفع ضرائب على الدخل والمبيعات والواردات من المواد الأولية والمنتجات والمعدات والخدمات، كذلك يستفيد من دعم الطاقة، وإعفاءات لنحو 600 عقار من الضرائب المفروضة على الممتلكات، وعمالة زهيدة عبر تشغيل المجندين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية.

آخر الحلول

ومع تصاعد الأزمة الاقتصاية التي تمر بها البلاد، ونقص السيولة، واتجاه السلطات إلى بيع شركات حكومية وعرض اسمهما في البورصة، ظل قادة المؤسسة العسكرية متمسكين بأن يكون عرض شركاتهم "آخر الحلول"، وتطلب الأمر مفاوضات مع القيادة السياسية استمرت عدة أشهر.

والحديث عن تخلي الجيش عن شركات تابعة له، وطرحها للبورصة، يعود إلى 2018، ويأتي ضمن برنامج أكبر لإتاحة عدد غير محدد من شركات الدولة للقطاع الخاص للاستثمار فيها، من أجل توفير موارد دولارية من جهة، وتعزيز دور القطاع الخاص.

المخاطر والمشكلات المنتظرة

وبعد الإعلان رسميا عن طرح شركتي "وطنية" و "صافي"، ثار حديث عن المشكلات المستقبلية المتوقعة، والتي يدور أبرزها حول الكشف المالي، والربحية، والتنافس غير المتكافئ، وغموض الإطار القانوني، كما يقول الخبير بمركز "كارنيجي" للسلام "يزيد صايغ".

ويرى "صايغ" أن السعي للتهرّب من هذه المقتضيات، هو الذي دفع السيسي إلى التحوّل نحو صندوق الثروة السيادية، لإدارة أصول الدولة التي عمل الرئيس على تحوّيلها إليه وتسييلها، لكنه في النهاية، لم يجد بدا من الإعلان عن طرح أول دفعة من شركات الجيش.

لكن المشكلة ستظل قائمة، حيث تسود تخوفات بأن ينتهج الجيش طرقًا للالتفاف على المقتضيات القانونية والمالية الأكثر صعوبة التي يفرضها طرح الشركات العسكرية في البورصة المصرية، ما يسمح للدولة بالتعمية على الكشوفات المالية، ولو بشكل جزئي، والاحتفاظ بالسيطرة عمومًا، إن لم يكن بالملكية.

الجديد هذه المرة، هو أن صندوق النقد الدولي والمانحين الخليجيين يراقبون ذلك التحول بشكل غير مسبوق، بعد أن ألحوا على تنفيذه كمقدمة لمحاولة إصلاح هيكيلية الاقتصاد التي باتت طاردة للقطاع الخاص وأحد أبرز معوقات النمو.

ويقول "وائل زيادة"، الشريك الإداري لبنك الاستثمار "زيلا كابيتال"، إن التعجيل بهذه الإجراءات الآن، وتكرار السيسي في كلمته للقطاع الخاص، وتأكيده على ضرورة تجديد البورصة وجعلها جذابة، يعني أن هذه الخطط تهدف إلى التعامل مع التدهور الاقتصادي الذي تزايد بعد تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وباتت مصر في حاجة للاستثمار الأجنبي، من أجل حل أزمتها الاقتصادية، التي أفقدت العملة نحو 60% من قيمتها، حيث تراجع الجنيه من نحو 15.5 للدولار قبل أزمة أوكرانيا، إلى نحو 24.5 مؤخراً.

سيكون أمام الجيش الآن أن يقدم الإفصاح المالي الضروري والسماح لمالكي الأسهم الجدد في "وطنية" و "صافي" بأن يكون لهم رأي في كيفية إدارة الشركات أو تحديد استثماراتها وتقاسمها للأرباح، لكن عدم منطقية أن يتم ذلك بسهولة، علاوة على سلطات الجيش الهائلة بالبلاد سيدفع بالمستثمرين المحليين للعزوف عن الإقبال على الطرح.

أما المستثمرون الأجانب، فعادة ما يكونون متحفظين على فكرة تدخل الجيش أو الدولة عامة بالاقتصاد، ولذلك سيكونون حذرين أيضاً فيما يتعلق بمسألة شراء أسهم شركات الجيش، خاصة أن اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي الأخير، لم يؤدِّ لتحمس المستثمرين الأجانب للسندات وأوراق المال المصرية.

قد تكون دول الخليج وبعض مستثمريها أكثر استعداداً لمثل هذه الخطوة، فهم قريبون من الحالة المصرية، وأكثر فهماً لها، كما أنهم حلفاء لـ"السيسي"، ومن داعمي اقتصاد البلاد منذ وصوله للسلطة، وهذا يجعلهم أكثر قوة في مواجهة نفوذ العسكريين مقارنة بمستثمري القطاع الخاص المحليين، كما يقول "يزيد صايغ".

ويتوقع مراقبون، أن يكون طرح شركات الجيش في البورصة قد سبقه توافق مع بعض المستثمرين أو الحكومات من الخليج، على شراء أسهمها أو شراء بعض البنوك المصرية وصناديقها لهذه الأسهم، أو الجانبين معاً.

ويشير حرص "السيسي" على معالجة الأزمة الإعلامية التي نشبت مع السعودية خلال الأيام الماضية، إلى رغبة منه في عدم بعثرة الأوراق في هذا الوقت الحساس، لعدم إفشال الطرح الذي يستهدف من ورائه تحقيق انتعاشة بمستويات النقد الأجنبي بالبلاد.

بدورهم، يعرف المستثمرون الخليجيون أن الاكتتاب في شركات تابعة للجيش سيوفر لهم التمتع بالميزات التفضيلية التي تحظى بها شركات الجيش، مقارنةً بالمنافسة المحلية من القطاع الخاص المصري، والهيبة التي تحظى بها هذه الشركات باعتبارها تابعةً للجيش، وهو ما يُمكّنها من التغلب على البيروقراطية المحلية المشهورة.

السيناريوهات المتوقعة

أدى التعويم الأخير إلى انتعاش محدود للبورصة، وهو أمر طبيعي، لأنه وبعد انخفاض قيمة الجنيه أصبحت أسعار الأسهم مقوّمة بأقل من قيمتها، ويفترض نظرياً أن يجذب ذلك استثمارات أجنبية، لأن الأسهم المصرية أصبحت أسعارها مغرية إذا قومت بالدولار، ويزيد طرح شركات الجيش من هذا الاحتمال.

لكن شركات الجيش تستعد للدخول إلى سوق الأسهم، في ظل حالة منافسة غير عادلة في سوق الأعمال.

وسيتوقف رد فعل البورصة على الأرجح حسب نسبة الأسهم المطروحة بسوق التداول، فلو كانت نسبة الأسهم أقل من 25% من رأس مال الشركة المدرجة، فستوفر المزيد من السيولة لهذه الشركات، ولن يتغير كثير من أسلوب إدارتها، حسبما يقول الخبير الاقتصادي "عبدالنبي عبدالمطلب".

أما إذا كانت النسبة فوق 50%، فبذلك ستتحول شركات الجيش من شركات اكتتاب مغلق إلى شركات عامة مفتوحة، وستؤول ملكيتها إلى مكتتبين، ما يعني تغيير طريقة وأسلوب الإدارة.

وبالنسبة لتأثير طرح تلك الشركات بالبورصة على حجم التداولات اليومية، وثقة المستثمر الأجنبي بسوق المال المصري، يوضح "عبدالمطلب" أن الأمر يتوقف على أسلوب إدارة البورصة نفسه.

ويتابع: "إذا خضعت كافة الأسهم لمعايير الكشف والإفصاح وغيرها من آليات عمل البورصات العالمية، فسوف تزيد قوة البورصة، وسيزيد حجم التداول اليومي وكميته، وستنخفض إلى حد كبير الآليات الإدارية المستخدمة في التحكم بالتعاملات اليومية".

ويتساءل "يزيد صايغ": "هل يشتري المستثمرون الخليجيون حصص أقلية من شركات الجيش؟، أم تكون حصص أغلبية؟، وهل يقبل قادة الجيش بالخيار الأخير؟".

كما تساءل عن إمكانية اتباع شركات الجيش معايير الإفصاح والمحاسبة السائدة محلياً ودولياً لكي يمكن إدراج أسهمها بالبورصة؟، وما إذا كان المستثمرون الخليجيون يقبلون التنازل عن بعض هذه المعايير، الأمر الذي قد يؤدي لمشكلات لاحقة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجيش المصري عبدالفتاح السيسي شركات الجيش شركة صافي شركة وطنية الاقتصاد المصري المانحين الخليجيين صندوق النقد الدولي

يزيد صايغ: السيسي غير قادر على كبح شهية الجيش الاقتصادية

"فاير أوبزرفر": السيسي يتحايل على صندوق النقد ويعمق اقتصاد الجيش

القاهرة تدرس بيع حصة من "المصرية للاتصالات".. وقطر تبدي اهتماما

أعداء المنافسة.. الجيش والحكومة يقوضان خطط الخصخصة في مصر

لجمع ملياري دولار.. مصر تطرح أكثر من 10 شركات تابعة للجيش بالبورصة

الجيش المصري يعتزم تنفيذ استثمارات زراعية في نيجيريا