يزيد صايغ: السيسي غير قادر على كبح شهية الجيش الاقتصادية

الأربعاء 16 نوفمبر 2022 09:28 م

يشكك الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط "يزيد صايغ"، في قدرة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، على كبح شهية المؤسسة العسكرية (الجيش) الاقتصادية، بعد أن أطلق لها العنان منذ وصوله إلى سدة الحكم.

ويقول في حوار نقله موقع المركز مع الباحث "مايكل يونغ"، إن القرض الأخير من صندوق النقد الدولي إلى مصر، لم يسهم في تقليص دور القوات المسلحة في الاقتصاد.

ووافق صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، على منح مصر قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار بموجب ترتيب لمدة 46 شهرًا في إطار برنامج تسهيل ائتماني ممتدّ، ما رفع مجموع قروض البلاد من صندوق النقد الدولي منذ العام 2016 إلى 23.1 مليار دولار.

وقبل ذلك بعامٍ ونصف، وتحديدا في يوليو/تموز 2021، أشار صندوق النقد لأول مرة إلى انخراط الشركات العسكرية في الاقتصاد المصري، في تلميح إلى وجوب وضعها ضمن الإطار الإصلاحي الواسع نفسه الذي اقترحه الصندوق للقطاع العام المدني والمؤسسات المملوكة من الدولة، إلا أن ذلك لم يحدث ضمن ترتيبات القرض الأخير.

ويرى "صايغ"، أن إشارة صندوق النقد العام الماضي كانت صريحة وغير مسبوقة إلى الشركات العسكرية، رغم أنه أحجم عن التعليق على دورها منذ وصول "السيسي" لسدة الحكم، على الرغم من تأثيراتها الكبيرة المتزايدة على المالية العامة، وعلى الاقتصاد بصورة عامة.

وكان تقرير صادر عن البنك الدولي، صدر في ديسمبر/كانون الأول 2020، لفت إلى حصّة المؤسسة العسكرية في إنتاج السلع الرأسمالية، والسلع الاستهلاكية المعمّرة والملابس؛ والمواد؛ والأغذية والمشروبات والتبغ؛ والسيارات وقطع الغيار؛ والبيع بالتجزئة؛ والإعلام والترفيه؛ وأشباه الموصّلات ومعدّات أنظمة النقل الذكية؛ والمعدّات الصلبة والتجهيزات التكنولوجية.

ولفتت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمتان أخريان انتباه المجلس التنفيذي لصندوق النقد إلى هذه المسألة في رسالة رسمية استشهدت بالتقرير الشامل الذي أعددتُه في العام 2019 عن الاقتصاد العسكري في مصر.

وشكّل إدراج صندوق النقد للشركات العسكرية في تقييمه لشركات القطاع العام ككل في يوليو/تموز 2021 مؤشّرًا قويًا على وجوب ضم تلك الشركات أيضًا إلى التوصية التي رفعها الصندوق إلى الحكومة المصرية لـ"تركيز أملاك الدولة في كيان واحد".

وعنى ذلك بوضوح أنه يجب نقل الشركات العسكرية إلى ما يُعرَف في مصر بقطاع الأعمال العام، وإخضاعها للتنظيمات الحكومية المعيارية المتعلقة بالمشتريات العامة، والإبلاغ المالي، والكشف عن الإيرادات.

ويضيف "صايغ": "ما من أدلّة على أن صندوق النقد الدولي تطرّق إلى الشركات العسكرية، تحديدًا، في مفاوضاته الأخيرة مع الحكومة المصرية، حيث يعتبر المدافعون عن اتفاق القرض الجديد أن نطاق المفاوضات كان محدودًا، وبالتالي كانت طلبات صندوق النقد أقل من السابق نسبيًا".

والحال هو أن الاتفاق الجديد يقتصر على الحدّ الأدنى على مختلف الأصعدة لدى مقارنته مع الإصلاحات الواسعة التي تكررت المطالبة بها منذ العام 2016.

وهذه المرة، كان الهدف الأساسي دعم ميزان المدفوعات والموازنة في ضوء حاجة مصر الملحّة إلى توليد تدفقات من العملات الأجنبية نحو الداخل للمساعدة في سداد 28 مليار دولار من الديون والفوائد المستحقة وتمويل العجز في الحساب الجاري بحلول نهاية العام 2023، بالإضافة إلى 20 مليار دولار أخرى يجب سدادها في العام 2024.

وفقًا لموقع "مدى مصر"، رفض صندوق النقد الدولي إعطاء قرض بقيمة أعلى حين رُفِضت طلباته بإحراز تقدّم في إنهاء أو خفض حضور الدولة في قطاعات اقتصادية محددة، وتقليص الدعم الحكومي إلى الحد الأدنى.

وتبعًا لذلك، بقيت الإشارة في بيانه الرسمي إلى "النهوض بالإصلاحات الهيكلية والحوكمية العميقة لتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص واستحداث الوظائف" مجرّد حبر على ورق، حسب "صايغ".

وسبق أن دعا مراقبون، الحكومة المصرية للحدّ من تدخّل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، لأن هذا التدخل يتسبّب بنفور المستثمرين الخارجيين الذين "لا يستطيعون التنافس مع امتيازات (القوات المسلحة) المتأصلة، ما يُرغم مصر على سدّ فجوتها التمويلية بأموال ساخنة"، ويخفّض الحوافز "لزيادة الصادرات من أجل رفع الربحية".

ويلفت "صايغ"، إلى أن "السيسي" كان أوّل من أطلق علنًا فكرة طرح حصص للشركات العسكرية في البورصة المصرية في أغسطس/آب 2018، وادّعى لاحقًا أن العمل على هذه المسألة جارٍ منذ العام 2016.

ولعلّ الحافز وراء هذه الخطوة هو إدراك أن مصنع الإسمنت الضخم الجديد المملوك من المؤسسة العسكرية في بني سويف، والذي بلغت كلفة بنائه 1.1 مليار دولار، كان يعمل بنسبة 40 % فقط من سعته الإنتاجية – على الرغم من الطلب الكبير الناجم عن مشاريع الإسكان العام والبنى التحتية المموّلة من الحكومة التي تديرها المؤسسة العسكرية.

ومن شبه المؤكّد، حسب "صايغ" أن زيادة رسملة الشركات العسكرية من خلال استقطاب مستثمري القطاع الخاص وتوليد تدفقات مالية جديدة إلى خزينة الدولة شكّلت دافعًا إضافيًا – وربما الدافع الأهم – وتلك هي المقاربة نفسها التي اعتمدتها الحكومة لإنعاش الشركات المدنية المملوكة من الدولة منذ العام 2018.

ويتابع: "تملّص السيسي في العام 2019 من ذكر الأسباب الكامنة خلف التأخير في طرح الشركات التابعة للجيش في البورصة، مكتفيًا بالقول إن موضوع الطرح في البورصة له إجراءات كثيرة مش عايز اتكلم فيها".

ويحلل "صايغ" هذا التراجع بالقول: "غالب الظن أن ترد في مقدّمة هذه الأسباب المشكلات التقنية والتحديات في السياسات المتعلقة بالكشف المالي، والربحية، والتنافس غير المتكافئ، وغموض الإطار القانوني".

ويستطرد: "يُرجَّح أن السعي للتهرّب من هذه المقتضيات، هو الذي دفع السيسي إلى التحوّل نحو صندوق الثروة السيادية الجديد في مصر، والذي أُنشئ في أواخر العام 2018 لإدارة أصول الدولة التي يحوّلها الرئيس إليه وتسييلها".

ويتيح ذلك طرقًا للالتفاف على المقتضيات القانونية والمالية الأكثر صعوبة التي يفرضها طرح الشركات العسكرية في البورصة المصرية، ما يسمح للدولة بالتعمية على الكشوفات المالية، أقلّه جزئيًا، والاحتفاظ بالسيطرة عمومًا، إن لم يكن بالملكية.

وقد التزم صندوق مصر السيادي، في فبراير/شباط 2020، بتجهيز 10 شركات عسكرية للتسويق والاستثمار.

ويزيد: "لكن التقدّم كان بطيئًا مجددًا، فبعد مرور عام، أشار الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان، إلى أنه سيتم عرض الأسهم في سلسلة محطات الوقود التابعة لشركة وطنية للبترول وشركة صافي لتعبئة المياه المعدنية اللتين تملكهما المؤسسة العسكرية على مستثمري القطاع الخاص بحلول يونيو/حزيران 2021، ولكن الحكومة كانت لا تزال تقطع وعودًا في سبتمبر/أيلول 2022، بأن عملية الطرح ستحدث بحلول أواخر العام الجاري".

وأشارت الحكومة أيضًا إلى أن شركة "سايلو مصر" للصناعات الغذائية التي أُنشئت حديثًا وشركتَين عسكريتين أخريين، سوف تُضاف إلى القائمة لطرحها للبيع في وقت قريب.

ولكن حجم الحصص التي يمكن لمستثمري القطاع الخاص شراؤها في الشركات العسكرية ظلّ غير واضح، في حين أن الرقم المُشار إليه في البيانات الرسمية تراوح من 10 إلى 100%، كما بقي ملتبسًا أيضًا عدد الشركات العسكرية الإضافية (من أصل أكثر من 72 شركة في المجموع) التي قد تُطرَح أسهمها للبيع من خلال صندوق مصر السيادي.

وما يزيد الالتباس، حسب "صايغ" أن مصنع العريش للإسمنت وشركة السويس للصلب المملوكَين من المؤسسة العسكرية، واللذين اقترح "السيسي" طرح أسهمهما في البورصة في العام 2018، لم يؤتَ على ذكرهما منذ ذلك الوقت.

وفي تطوّر أخير، أعلن "سليمان" في 30 أكتوبر/تشرين الأول، أن بيع أسهم في شركتَي "وطنية" و"صافي" من خلال البورصة "غير ملائم هذا العام"، مشيرًا إلى الحاجة إلى إيجاد "مشغّل استراتيجي".

ويلفت "صايغ"، إلى أن "الاحتمالات ضئيلة أو معدومة بأن تتحلّى الحكومة المصرية بالإرادة السياسية أو بالقدرة على الحدّ من تدخّل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد، ولا يمكنها حتى تبطيء وتيرة عمليات الشراء والتوسع التي تقوم بها الشركات العسكرية، والتي تسلك منحى تصاعديًا منذ وصول السيسي إلى سُدة الحكم".

ويتابع: "لا يوجد ما يدل على أن السيسي، الذي تبنّى هذا التوجّه سياسيًا وجعله ممكنًا من الناحية القانونية، يدرك الحاجة إلى تغيير المسار".

ويضيف: "من شأن فتح الشركات العسكرية بكل ما للكلمة من معنى أمام الاستثمارات الخاصة من خلال البورصة أو صندوق مصر السيادي أن يحدث تحوّلًا في المشهد، لكن يبدو أن تردّد القوات المسلحة في توفير مستوى الإفصاح المالي الضروري أو في السماح لمالكي الأسهم بأن يكون لهم رأي في كيفية إدارة الشركات أو تحديد استثماراتها وتقاسمها للأرباح، يؤدّي إلى فقدان الاهتمام حتى من جانب ما يُسمّى بالمستثمرين الاستراتيجيين في الإمارات والسعودية".

ويشير "صايغ" إلى أن "الشهيّة العسكرية المتزايدة واضحة للعيان من خلال امتداد السلوك الافتراسي المتعاظم الذي يلجأ إليه الضباط في الخدمة الفعلية والمتقاعدون خارج الشركات العسكرية المسجّلة رسميًا".

وتابع "يشمل ذلك الاستحواذ بالإكراه على الأسهم أو العضوية في مجالس الإدارة في شركات مدنية ناشئة، بالإضافة إلى ضلوعهم منذ وقت طويل في المضاربات العقارية بفضل المعلومات الداخلية التي يحصلون عليها بحكم سيطرة المؤسسة العسكرية رسميًا على عملية منح التراخيص للجهات المدنية الخاصة أو العامة لاستخدام أراضي الدولة".

إلا أنه يحذر من أن لهذا السلوك تداعيات حادة على القطاع الخاص.

ويؤكّد مديرو صناديق الاستثمار الدولية في اللقاءات الخاصة أنهم يتجنّبون القطاعات التي تنخرط فيها الهيئات العسكرية بقوّة، كي لا يتعرضوا لضغوطها.

فضلًا عن ذلك، تكشف الأدلة المروية التي يتناقلها مستثمرون محليون أن البعض يسجّلون شركاتهم الناشئة في الإمارات كي لا يُضطروا إلى التبرع لصندوق "تحيا مصر" الإنمائي الذي يشرف عليه "السيسي، "والذي يتولى الضباط العسكريون إدارته المالية.

ويقول "صايغ": "تجاوزت السخونة المفرطة لهذا الاقتصاد العسكري الأخطبوطي نطاق الخطر لتتحوّل إلى واقع، وساهمت ماديًا في الأزمة المالية التي تعاني منها مصر راهنًا".

ويستنكر بالقول: "بدلًا من أن يدفع صندوق النقد الدولي والحكومات في الخليج والولايات المتحدة وأوروبا نظراءهم في مصر، بصورة مستمرة، لمعالجة هذا التحدي، أظهرت هذه الأطراف استعدادًا دائمًا لضخ الأموال في مصر، ما يفضي إلى تأخير حلول اللحظة التي سيصبح فيها نموذج السيسي الاقتصادي واهيًا تمامًا، ويُضطر هذا الأخير إلى تغيير مسار استراتيجيته الاستثمارية التي تقودها الدولة، والتي تمثّل القوات المسلحة رأس الحربة فيها".

ويتابع "صايغ" حديثه بالقول: "ثمة شكوك قوية بأن يتمكّن أيٌّ من هؤلاء الفرقاء، بمن فيهم السيسي نفسه، من إزاحة المؤسسة العسكرية النافذة والمتخندقة، حتى لو كانوا يرغبون في ذلك حقًا، فهذه المؤسسة عطّلت، في أكثر من مناسبة، استثمارات كبرى، حتى من جانب الإمارات التي تُعَدّ من الحلفاء السياسيين الأقرب إلى السيسي، وقاومت الضغوط التي مارسها على مدى 6 سنوات لفتح الشركات العسكرية أمام مستثمري القطاع الخاص".

ويختتم: "بما أن الأمل ضئيل بكبح جماح المؤسسة العسكرية، ربما تسير مصر نحو تحطّم قطارها الاقتصادي، والذي لا يبذل شركاؤها الخارجيون مجهودًا كافيًا لمنعه".

ويقول مراقبون، إن مصر تحولت في عهد "السيسي" من دولة بوليسية إلى دولة يسيطر عليها الجيش، مشيرين إلى أن الرئيس الراحل "حسني مبارك" (أطاحت به ثورة شعبية في 2011) أحاط نفسه بعد وصوله إلى السلطة بمستشارين عسكريين قبل أن يبدأ بالتقرب من قطاع رجال الأعمال، ويقوم بلبرلة الاقتصاد، وهو ما لم يقم به الرئيس الحالي.

وتشير تقارير غربية، إلى أن الجيش المصري يسيطر على قرابة 60% من حجم الاقتصاد المصري، خاصة مع إسناد مشروعات وصفقات حكومية إليه بالأمر المباشر، وتنفيذ مشروعات صناعية وسياحية من اختصاص وزارات أخرى.

فمخالب الجيش وصلت إلى كل قطاعات الحياة المصرية من الصيد والطعام والمشروبات والفولاذ والطاقة والإسمنت، ولم ينج الإعلام فقد سيطرت كيانات تابعة له على صحف وشبكات تلفزيونية وشركات إنتاج.

ولا تزال العديد من القطاعات تخضع لسيطرة الجيش آخذة في التزايد.

ويتمتع الجيش المصري بامتيازات هائلة؛ فهو لا يدفع ضرائب على الدخل والمبيعات والواردات من المواد الأولية والمنتجات والمعدات والخدمات، كذلك يستفيد من دعم الطاقة، وإعفاءات لنحو 600 عقار من الضرائب المفروضة على الممتلكات، وعمالة زهيدة عبر تشغيل المجندين الذين يؤدون الخدمة الإلزامية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجيش المصري المؤسسة العسكرية مصر السيسي اقتصاد شركات الجيش يزيد صايغ صندوق النقد

السيسي يعلن طرح شركات للجيش بالبورصة.. لماذا الآن؟ وهل ينفذ وعده هذه المرة؟

ميدل إيست آي: هكذا أصبحت سلطة الجيش فوق السيسي في مصر

الجيش المصري يطرح أراضٍ على ضفاف النيل لأنشطة تجارية وسياحية

أفريكا إنتلجنس: جنرالات الجيش والمخابرات بمصر يتحكمون في مشاريع المتاحف

طرح شركات الجيش المصري بالبورصة.. مشكلات مرتقبة وسيناريوهات متوقعة

يزيد صايغ: الاستدانة المفرطة تهدد مصر والسيسي يراهن على سيناريو الابتزاز