زلزال تركيا وسوريا: قصص المعجزات والملائكة تضفي هالة على إنقاذات الرضع والأطفال.. والعلم يقول كلمته

الثلاثاء 14 فبراير 2023 04:35 م

بكلمة "mucize" (معجزة).. استقبل رجال الإنقاذ والمتطوعين في تركيا الكثير من الحالات لأناس بقوا أحياءً بعد ساعات طويلة تحت أنقاض الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوبي البلاد والجارة سوريا، في 6 فبراير/شباط الجاري، بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر، وأعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة.

فبين قساوة الانتظار واليأس الذي يتزايد من مرور الدقائق، ورائحة الموت التي تفوح هنا وهناك، تتعالى التكبيرات في المكان معلنة عن إنقاذ أرواح جديدة، ليتجدد الأمل في نفوس المتواجدين، الذين يواصلون العمل ليل نهار لليوم التاسع على التوالي، وكلهم شوق إلى سماع أي صوت يخرج من بين ركام بيوت ساد أغلبها الصمت بعدما كانت عامرة بالحياة وضحكات الصغار والكبار.

وفيما تواصل معدات الحفر والرفع عملها مُصدرة ضجيجا كبيرا يصم الأذان، فإنها تصمت بين الحين والآخر، فيما يضع أحد رجال الإنقاذ أذنه على الجدران المتحطمة، مناديا بأعلى صوته "?ses yok mu" (هل يوجد صوت؟)، وكله شوق إلى صوت يأتي من أسفل الركام يمنحه وأقرانه الطاقة اللازمة لمواصلة عملهم.

قد يخيب أمل رجال الإنقاذ في كثير من الأحيان، لينتهي المطاف بعبارة قاسية يتم طبعها على العقار المنهار "ses yok" (أي: لا يوجد صوت) لتنتهي بها أعمال الإنقاذ في هذا البناء، وتتحطم معها آمال أقرباء وأهالي كانوا يمنون النفس بمعانقة أحبائهم من جديد.

لكن الصورة ليست هكذا دائما؛ إذ قد تتبدل ملامح المشهد تماما رغم ثبات عناصره، عندما يرفع رجل الانقاذ أذنه من على الركام معلنا بكل حماس عن سماعة صوت "ses var"؛ لتتعالي الهمة في المكان من رجال الإنقاذ، وأصوات الحمد والتهليل من الأقارب، التي تأتي عادة ممزوجة بالبكاء والفرحة.

المعجزات تتوالى

وهكذا تتوالى المعجزات. فهذه سيدة شابة من مدينة أنطاكية بولاية هطاي تم إنقاذها، الثلاثاء، بعد 204 ساعات (8.5 يوم) من وجودها تحت الأنقاض. وفي المدينة ذاتها، تم انقاذ طفل اسمه "قآن" (12 عاما) من تحت الأنقاض بعد مرور 182 ساعة (7.6 يوم)، إلى جانب مسنة تدعى "نوراي غوربوز" (70 عاما) بعد مرور 178 ساعة (7.4 يوم).

وهذا فتى من ولاية أدي يمان يدعى "محمد جعفر تشتين" (18 عاما) تمكن رجال الإنقاذ من إخراجه حيا من تحت الأنقاض بعد مرور 198 ساعة (8.25 يوم).

وفي الولاية نفسها، تمكنت فرق الانقاذ من إخراج طفلة اسمها "ميراي" (6 أعوام) حية من تحت أنقاض منزلها في حي علي تاش بعد مضي 178 ساعة (7.4 يوم).

وفي ولاية قهرمان مرعش، جاءت الأخبار السارة بالإعلان عن إنقاذ الفتى "محمد أنس ينينار" (17 عاما) وشقيقه "باقي" (21 عاما) بعد بقائهم 198 ساعة (8.25 يوم) تحت أنقاض المبنى الذي كانوا يقطنونه في حي "ستوتشو أمام" بقضاء دولقدير أوغلو.

وفي الولاية ذاتها، كتب الله عمرا جديدا لـ"خديجة آقان" (39 عاما)، التي تم إخراجها حية من تحت الأنقاض بعد مرور 180 ساعة (7.5 يوم).

إنقاذ رضُع وضحكات بريئة

قصص لا حصر لها من معجزات إنقاذ لأطفال وشباب ومسنين بعد ساعات طويلة من وقوع الزلزال، لكن المعجزات كانت أكبر مع حالات أخرى تم إنقاذها لرُضع قضوا أياما طويلة بين الركام.

فقد أخرجت فرق الإنقاذ "حمزة" (7 أشهر) بعد مكوثه 140 ساعة (5.8 يوم) تحت أنقاض منزل عائلته بمدينة أنطاكية.

وفي المدينة ذاتها أخرجت فرق الإنقاذ الرضيعة "عالية" حية بعد أكثر من 130 ساعة (5.4 يوم) من حدوث الزلزال، فيما راح كل أفراد عائلتها ضحية الكارثة؛ لتستقبلها خالتها في لحظات امتزج فيها الفرح بالبكاء قائلة: "يا إلهي ليس بها أي خدش ولا حتى شيء من الغبار".

وفي أنطاكية أيضا، أخرج رجال الإنقاذ رضيعة تدعى "فوليا أوزتورك" (60 يوما) حية من تحت الأنقاض بعد 128 ساعة (5.3 يوم).

نذر يسر من حالات كثيرة أثارت استغراب المنقذين والمتطوعين والأقارب؛ فكيف تمكن هؤلاء، وخاصة الرضع منهم رغم ضعفهم وعجزهم عن النطق والحركة، من البقاء كل هذه المدة الطويلة بدون ماء أو طعام، ووسط طقس قاس تدنى إلى ما تحت درجة الصفر المئوي.

روايات حول الملائكة

قصص إعجازيه مانحة للأمل، رافقتها روايات تكاد لا تُصدق من أطفال تم إنقاذهم.

فهذا طفل نجا من كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا بعد أن قضى 112 ساعة (4.66 يوم) تحت الأنقاض، التقته قناة "أي هيبر" التركية بعد خروجه من تحت الركام.

وعندما سأله المذيع ألم تجعْ كل هذه الساعات؟، قال الطفل: "كل فترة كان يأتيني شخص يلبس الأبيض يطعمني ويعطيني الماء ثم يذهب".

وهذه طفلة أخرى تدعى "ميراي" (6 أعوام) من ولاية ديار بكر قالت إن "رجلا جاء على حصان وأطعمها" أثناء وجودها تحت الأنقاض.

أما "أيلول" (12 عاما) من غازي عنتاب، والتي تم انقاذها من تحت الأنقاض بعد 147 ساعة (6.1 يوم)، سألها رجال الإنقاذ عما إذا كانت جائعة، ردت عليهم قائلة: "لا أنا شبعانة فقط أكلت".

وعلقت التركية "حميراء يلمز" على ذلك قائلة، عبر "تويتر": "أؤمن بربي الذي أرسل ملائكته إلى الأطفال من أجل إطعامهم".

الرواية ذاتها تكررت على لسان كثير من الأطفال.

العلم يقول كلمته

رواية لا يمكن التحقق منها، لكنها تدفعنا إلى البحث عن رأي العلم في تلك القضية، والإجابة على سؤال: كم المدة التي يمكن للإنسان، وخاصة الأطفال والرضع، أن يبقى خلالها حيا بدون ماء ولا طعام؟.

وحول ذلك، يقول موقع "wovo.org" البحثي إن الإجابة على هذا السؤال ليست بالبساطة التي قد يتصورها المرء؛ فهناك العديد من العوامل التي تلعب دورا عند تحديد المدة التي يمكن أن يقضيها الطفل بدون طعام أو ماء.

العامل الأول هو عمر الطفل؛ فعملية الأيض عند الرضيع تختلف تماما عن الطفل الأكبر سنا أو البالغ. فالطفل حديث الولادة يمكنه البقاء على قيد الحياة لبضعة أيام فقط بدون رضاعة أو ماء، بينما يمكن للطفل الأكبر سنا البقاء بدون طعام أو ماء لمدة تصل إلى أسبوعين.

عامل آخر يلعب دورا هو صحة الطفل؛ إذ يمكن للطفل المعافى البقاء بدون طعام أو ماء لفترة زمنية أطول من الطفل المريض؛ لأن الأول لديه جهاز مناعة أقوى ويمكنه محاربة العدوى بشكل أفضل.

أخيرا، يلعب المناخ أيضًا دورا في المدة التي يمكن أن يقضيها الطفل بدون طعام أو ماء؛ فالطفل الذي يعيش في مناخ حار يحتاج إلى طعام وماء أكثر من الطفل المتواجد في مناخ البارد.

ونشير هنا إلى أن درجات الحرارة في مناطق الزلزال بلغت أثناء وقوعه وفي الفترة التي تلته ما دون الصفر المئوي.

من 8 إلى 21 يوما

السؤال ذاته حاول موقع "healthline" الإجابة عليه، لافتا إلى أن الخبراء لا يعرفون على وجه التحديد كم من الوقت يمكن للشخص أن يعيش بدون طعام، لكن جرى تسجيل حالات لأشخاص تمكنوا من البقاء أحياء دون طعام أو شراب لفترات بين 8 و 21 يوما.

وأضاف أن أجسامنا قادرة على البقاء على قيد الحياة لأيام بدون ماء. كما يمكننا قضاء أيام أو أحيانا أسابيع بدون طعام بفضل تعديلات يجريها الجسم على عملية التمثيل الغذائي ومعدل استهلاك الطاقة لدينا.

وأوضح أنه عندما يُحرم جسم الإنسان بشدة من السعرات الحرارية، فإنه يبدأ في العمل بشكل مختلف لتقليل كمية الطاقة التي يحرقها.

ويشير إلى انه لا توجد "قاعدة عامة" ثابتة وسريعة حول المدة التي يمكنك أن تعيش فيها بدون طعام؛ فالإجابة تعتمد إلى حد ما على الفروق الفردية والظروف.

لكن، مع عدم وجود طعام أو ماء، يُعتقد أن الحد الأقصى للوقت الذي يمكن أن يحيا فيه الإنسان هو أسبوع واحد. لكن مع توفر الماء، وغياب الطعام، قد يمتد وقت البقاء على قيد الحياة إلى شهرين أو 3 أشهر.

التكيف مع الجوع

وحول الآلية التي يعمل عليها الجسم للتكيف مع حالات الحرمان من الطعام، أوضح موقع "healthline" أن الأمر يستغرق حوالي 24 ساعة دون أن يأكل جسمك لتغيير طريقة استهلاكه للطاقة.

ففي ظل الظروف العادية، يحول الجسم، عبر عملية الأيض الغذائي، الطعام إلى جلوكوز، والذي بدوره يوفر الطاقة للجسم.

لكن خلال أول 24 ساعة بدون أي طعام، ومع استنفاد الجلوكوز المتواجد بالدم، يبدأ الجسم في تحويل الجلايكوجين المخزن بالكبد والعضلات إلى جلوكوز.

وبحلول اليوم الثاني بدون طعام، يكون قد تم استنفاد الجلوكوز والجلايكوجين؛ وبعدها يبدأ الجسم في تكسير الأنسجة اللينة في العضلات لتوفير الطاقة. ولكون الجسم مصمم للحفاظ على العضلات وليس تكسيرها؛ فإنه في هذه المرحلة يلجأ إلى الاعتماد بشكل أكبر على مخازن الدهون للحصول على الطاقة اللازمة، وهي عملية أيضية تعرف باسم "الكيتوزيه".

وخلال الأيام الخمسة الأولى بدون طعام، قد يفقد الشخص 1 إلى 2 كيلوجرام من وزن الجسم كل يوم.  وعلى مدار عدة أسابيع من الجوع، تؤدي التغيرات في الجسم عادة إلى إبطاء معدل فقدان الوزن إلى 0.3 كيلوجرام في اليوم.

وكلما زاد مخزون الدهون في جسم الإنسان، كلما طالت مدة بقاء الشخص على قيد الحياة أثناء الجوع.

وبمجرد أن يتم استنفاد مخازن الدهون بالكامل، يعود الجسم بعد ذلك إلى عملية تكسير الأنسجة اللينة في العضلات من أجل الحصول على الطاقة؛ لأنها باتت مصدر الوقود الوحيد المتبقي في الجسم.

وفي هذه المرحلة، سيبدأ الإنسان في الشعور بأعراض صحية خطيرة؛ حيث يستخدم الجسم احتياطياته من العضلات للحصول على الطاقة.

ومع تناول كمية كافية من الماء، يعيش بعض الأشخاص بدون طعام لأسابيع أو حتى عدة أشهر. ويكون وقت البقاء على قيد الحياة أطول مع تناول الماء لأن الجسم لديه الكثير من احتياطياته لتحل محل الطعام أكثر من السوائل. فبدون ترطيب، ستتضاءل وظائف الكلى في غضون أيام قليلة.

الماء لا غنى عنه

أما موقع "insider" فيقول إنه يمكن لجسم الإنسان أن يعيش لأسابيع بدون طعام، لكن معظم الناس يمكنهم البقاء على قيد الحياة لمدة يومين إلى 4 أيام فقط بدون ماء.

وأشار إلى أنه لا توجد دراسات علمية مضبوطة حول المدة التي يمكن للناس أن يعيشوا فيها بدون طعام أو ماء؛ لأن محاولة دراسة ذلك تعد أمرا غير أخلاقي.

ولهذا السبب تتضمن معظم الأبحاث في هذا المجال دراسات حالة لأشخاص في حالات البقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ. على سبيل المثال، قضى رجل نمساوي مسجون 18 يوما بدون طعام أو ماء (أطول فترة تم تسجيلها في التاريخ) بعد نسيانه في زنزانته.

وحول ذلك، يقول دكتور "مير علي"، جراح السمنة والمدير الطبي لمركز "ميموريال كير" الجراحي لتخفيف الوزن بولاية كاليفورنيا الأمريكية، إنه بإمكان الناس عموما البقاء لأسابيع بدون طعام.

وتعتمد المدة التي يمكنك أن تعيش فيها بدون طعام على مجموعة متنوعة من العوامل؛ بما في ذلك النوع (ذكر أم أنثى)، وتركيب الجسم (نسب الدهون والعظام والعضلات)، وآخر شيء أكلته وشربته، وبيئتك، كما يقول "أندريا بول"، المؤسس المشارك لـ "Health Media Experts"، وهي خدمة استشارية لشركات الرعاية الصحية بالولايت المتحدة.

على سبيل المثال، قد يعيش الأشخاص الذين لديهم مخزون أكبر من الدهون لفترة أطول؛ لأن الجسم يمكن أن يحرق الدهون المخزنة للحصول على الوقود في أوقات الجوع الشديد، وفق "علي".

علاوة على ذلك، إذا كان الشخص لديه إمكانية الوصول إلى الماء، ولكن لا يوجد طعام، فقد يتمكن من البقاء على قيد الحياة لمدة تصل إلى شهرين.

كما أنه بشكل عام، يمكن للمرأة أن تتحمل الجوع لفترة أطول من الرجل؛ ويعود ذلك إلى أن النساء بشكل طبيعي لديهن نسبة أعلى من الدهون في الجسم، إضافة إلى أن أجسامهن تميل إلى استخدام الدهون بدلا من العضلات الخالية من الدهون للحصول على الطاقة خلال فترات الجوع.

تخلص الدراسات السابقة إلى أن هناك عوامل عدة تؤثر على عملية بقاء الإنسان بدون طعام أو شراب، وأن الإنسان يستطيع البقاء لفترة طويلة بدون طعام، لكنه لا يستطيع البقاء سوى لأيام قليلة بدون ماء.

وفي هذا الصدد، نشير إلى أنه من بين العادات المتبعة في تركيا للتعامل مع كوارث الزلزال، ما يعرف بـ"شنطة الزلزال"، والتي تحتوي على أطعمة جافة وماء، والتي قد تساهم في إبقاء الأشخاص فترة أطول على قيد الحياة.

لكن هذا لا يعني إغفال أن بقاء الإنسان على قيد الحياة بعد الزلزال يعود في الأول والأخير إلى العناية الإلهية؛ وهو ما عبر عنه أحد المعلقين على موقع "تويتر" قائلا: "واذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان".

المصدر | يوسف علي اوغلو/الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

زلزال تركيا وسوريا زلزال تركيا إنقاذ العالقين عمليات الإنقاذ جرحى الزلزال

انتخابات وتضخم وتوطين.. ما التداعيات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية لزلزال تركيا؟

المعجزات تتواصل.. إنقاذات من تحت أنقاض زلزال تركيا بعد 200 ساعة من الزلزال

معجزات زلزال تركيا.. إنقاذ 3 قضوا 13 يوما تحت الأنقاض وهذه عوامل تزيد فرص النجاة (فيديو)

في غابة بكولومبيا.. العثور على 4 أطفال أحياء بعد أسابيع من تحطم طائرتهم