«الغارديان»: «بن سلمان» يقود الإصلاحات والحرب في عام مليء بالقلق والتغيير

الخميس 21 يناير 2016 08:01 ص

على لوحات الإعلانات المنتشرة على طول الطرق السريعة بين الأبراج المتلألئة للرياض، يظهر رجل مسن ينظر إلى أسفل في نظرة تجمع بين الصرامة واللطف. يظهر على يمين الملك «سلمان بن عبد العزيز»، ابن أخيه، ولي العهد، الأمير «محمد بن نايف»، وهو رجل في منتصف العمر ويرتدي نظارة طبية. وإلى اليسار منه يتواجد نجله المفضل ،«محمد بن سلمان»، الأمير الشاب الذي يشغل منصب نائب ولي العهد. ويظهر تحت البورتريه الشعار الشهير «نتعهد بأن نسمع ونطيع». في حين يرتدي الرجال الثلاثة الغترة التقليدية على الرأس إضافة إلى الجلباب الطويل.

تبدو رسالة متواضعة وغير مقنعة تماما من العائلة المالكة السعودية في نهاية عام مضطرب منذ تولي الملك «سلمان» للعرش. لقد حان الوقت من أجل تغيير كبير في المملكة وفي جوارها وفي منطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع. انهيار أسعار النفط، والحرب في اليمن، والميول الأمريكية تجاه إيران، إضافة التوترات الطائفية، والجهاديين الهائجين من المنتمين إلى «الدولة الإسلامية»: كل هذه الأحداث تلقي بظلالها على المشهد. وكما يقول دبلوماسي في الرياض فقد «أصبحت المملكة العربية السعودية أكثر حزما وأقل قابلية للتنبؤ وأكثر عصبية مما كانت عليه». ويضيف بالقول: «نحن نشهد تحركات مثيرة للدهشة».

الملك «سلمان»، الذي يبلغ من العمر 80 عاما في الوقت الراهن، سوف يكون هو آخر أبناء الملك المؤسس للسعودية، «عبد العزيز بن سعود»، الذي يحظى بلقب خادم الحرمين الشريفين نسبة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. اختيار «بن نايف» وليا للعهد في الربيع الماضي يعني أن السلطة سوف تمر في نهاية المطاف إلى الجيل التالي.

ولكن في الأشهر الأخيرة، يبدو أن «محمد بن سلمان»، وزير الدفاع وصاحب اليد المهيمنة في الاقتصاد أيضا، هو من يحتل صدارة العناوين. يقود «بن سلمان» الحملة في اليمن كما يشرع في إصلاحات لمواجهة العجز في الميزانية ونهاية عصر النفط.

الأمير الشاب

الأمير البالغ من العمر 30 عاما يبلغ طوله تقريبا نفس طول جده المؤسس، ولكنه ممتليء بعض الشيء. حين تم وضع صورتيهما معا فقد انتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي. ويجذب «بن سلمان» الكثير من الحماس في الداخل والكثير من الاهتمام في الخارج. ولد «بن سلمان» في عام 1985، وهو قريب من متوسط الأعمار في المملكة العربية السعودية. ويقول أحد معجبي «بن سلمان» الذي رفض الإفصاح عن اسمه مازحا «إنه يعرف ما هو البلاي ستيشن».

الكفاءة والابتكار والاستقلال هي الشعارات التي رفعها «بن سلمان» من خلال حملة علاقات عامة تدار بعناية وتحظى بقدر كبير من التغطية الإعلامية السعودية. «أولئك الناس الذين طالما كانوا من المنتقدين يرددون نفس النغمة الآن»، كما يقول أحد المراقبين الأجانب القدامى. ومع ذلك، لا يبدو الجميع مقتنعين به. »نعم، إنه ذكي، ولكنه يتمتع بالكثير من النفوذ في حين أن خبرته ليست كافية، وهو ما يقلق العديد من الناس» وفق ما أخبرتنا به أكاديمية سعودية.

ولا تزال الشفافية في المملكة بضاعة نادرة. يتعاظم القيل والقال حول الملكية من خلال موقع تويتر، الذي يستخدمه السعوديون أكثر من أي شعب في العالم (بالنسبة إلى العدد الكلي للسكان). هناك شائعات ومزاعم حول تجاوزات وفساد وصراعات داخلية غالبا ما تكون مجهولة ويستحيل التأكد من صحتها، رغم أن صوتها يبقى مسموعا في مختلف الطبقات في الرياض. ووفقا لدبلوماسي سعودي: «هناك بالتأكيد بعض الأمراء الذين يخشون من نفوذ بن سلمان». ويضيف: «ولكنهم ينأون بأنفسهم الآن حتى يمكن تركيز اللوم عليه في حال ساءت الأمور».

حالة الاستياء بسبب ثروة العائلة المالكة وامتيازاتها يسهل تمييزها بما فيه الكفاية حتى في المحادثات العارضة. على سبيل المثال، هناك الأسعار المرتفعة للأراضي التي تم شراؤها من الأمراء لبناء مترو الرياض، وهو مشروع البنية التحتية الضخم الذي يعطل حركة المرور ويسبب التعثر في وسط العاصمة المترامية الأطراف. «آل سعود هم أفضل السيئين»، وفقا لما أخبرنا به موظف حكومي في منتصف العمر. وأضاف: «هناك 40 ألفا منهم، ولكن بدونهم ربما سوف نصبح مثل اليمن». وينظر إلى تلك الحرب الشرسة التي دشنتها المملكة في مارس/أذار الماضي على نطاق واسع على أنها مسألة دفاع عن النفس، رغم وجود خلاف حول تكلفتها الهائلة ومدتها.

الحكمة التقليدية تقول أن الأسرة الحاكمة ليست على وشك السقوط، وذلك نظرا لأن تاريخ آل سعود ومنافسيهم الممتلئ بالصراع، قد لعب دوره في ترسيخ بعض المبادئ حول أهمية تجنب الفتنة. »إنه أمر طبيعي في جميع العائلات أن يكون بينها خلافات«،وفقا لـ«طلال رزق»، وهو مصرفي سعودي. وأضاف: «الشيء نفسه ينطبق على آل سعود، ولكن يمكنك أن ترى بوضوح أنهم يحترمون بعضهم البعض».

«محمد بن نايف»، «الرجل الذي يحافظ على تماسك البلاد»، وفقا للتعبير العربي العامي، لا يزال يتمتع بشعبية. ويرجع ذلك إلى أسباب ليس أقلها نجاحه في هزيمة تنظيم القاعدة حينما كان أتباع «أسامة بن لادن» في أوج قوتهم قبل عقد من الزمان. الحكومات الغربية، حريصة على الحفاظ على التعاون معه لمكافحة الإرهاب، وهو يبدو حريصا على ذلك أيضا.

ولكن نائبه الشاب يخطف الكثير من بريقه بشكل مذهل. يتكهن السعوديون بهدوء أن الملك «سلمان» قد يتنازل عن العرش في نهاية المطاف لصالح ابنه ملتفا على «بن نايف» الذي ليس له أبناء ذكور. تم تأسيس سابقة لذلك خلال العام الماضي عندما قام الملك بالإطاحة بأخيه غير الشقيق الأمير «مقرن» وعين «بن نايف» وليا للعهد. وهو منصب كبير، ولكنه ليس وظيفة يمكن شغلها مدى الحياة.

يسخر السعوديون من الأجانب المفتونين بمكائد حكمهم السرية. «أنتم تحبون هذه الأشياء في الغرب. إنها مثل ألف ليلة وليلة ولعبة العروش»، كما أخبرنا مثقف سعودي شاب مازحا. ولكن معظمهم يعتقدون أن مصالحهم الشخصية والحفاظ على الأسرة الحاكمة يسيران في طريق واحد. وقد كانت التوقعات حول زوال المملكة سواء بفعل فتنة داخلية أو أزمة مالية "إفلاس" موجودة منذ تأسيسها في عام 1932. وحتى الآن فإن دعاة الموت، بما في ذلك المعارضين المتفائلين، قد ثبت أنهم على خطأ.

معضلة الإصلاحات

ليس الجميع مقتنعا بشخصية «فيبي» الجديد الشجاع في قصور الرياض. ويقال إن القمع قد زاد بصورة ملحوظة خلال العام الماضي على الرغم من عدم وجود أرقام متاحة. النقاد مترددون في الحديث. كما أن الشعور الواضح بالإثارة يتم تحجيمه من قبل الوعي بالآفاق المحدودة للتغيير. »هذا البلد عند نقطة تحول»، كما يقول «محمد زلفى»، وهو مؤرخ وعضو سابق في مجلس الشورى. «لدينا جيل جديد يتوقع الكثير من الحكومة. وتريد الحكومة تلبية احتياجات الشعب، ولكنها لا تزال تواجه مقاومة من قبل المؤسسة الدينية».

وقد تبنى الملك الراحل «عبد الله»، سلف الملك «سلمان»، إصلاحات للنهوض بالمرأة والتعليم العالي، وقد مواجهة معارضة قوية من قبل علماء الدين، تسببت في وضع الصفقة التأسيسية التي عقدها معهم «ابن سعود» قيد الاختبار. لكن الملك الحالي، الذي كان حاكم الرياض منذ عقود، غالبا ما كان قريبا من رجال الدين. وهناك من الأمور على المحك أكثر من مجرد غياب دور السينما والفرص الترفيهية الأخرى التي تدفع جحافل من السعوديين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في دبي أو البحرين حيث يمكنهم الاسترخاء وشرب الكحول. لذا فإنه من غير المرجح أن تسير طموحات «بن سلمان» لتطوير السياحة على ساحل البحر الأحمر البكر بشكل جيد أيضا.

«ساعدت المعارضة الدينية لخطط الإصلاح في صناعة تنظيم الدولة الإسلامية»، وفقا لـ«مازن السديري»، وهو رجل أعمال. ويرجع الفضل إلى وزير التعليم «أحمد عيسى»، الذي سبق أن كتب كتابا انتقد خلاله مناهج التعليم، في محاولة تخفيف قبضة الوهابيين المحافظين. ومع ذلك، فقد كان واحدا من أول إجراءات الملك «سلمان» هو استبدال رئيس الهيئة التي تدير الشرطة الدينية بشخصية أكثر تشددا. وقال الأمير «تركي الفيصل» وهو أمير بارز وقائد الاستخبارات السابق إن «الحماسة المفرطة في السلوك يتم التعامل معها»، ولكن «لا يمكن لأي حاكم سعودي أن يتخلى عن الهيئة أو يفرط فيها». وأكد بالقول إنها تعتبر أحد الأجزاء الأساسية من نظام الشريعة.

لا يوجد بوادر للتغيير أيضا فيما يخص استخدام عقوبة الإعدام. وشهد العام الأول للملك «سلمان» على العرش رقما قياسيا في أعداد عمليات الإعدام، بما في ذلك عملية الإعدام الجماعي التي تم تنفيذها مطلع العام الحالي وشملت رجل الدين الشيعي «نمر النمر». وتحظى عمليات القتل القضائي تلك بتأييد واسع باعتبارها ضرورية لردع إيران و«الدولة الإسلامية»، الأعداء الأخطر للمملكة.

وكثيرا ما يشكو السعوديون أن بلادهم يساء فهمها وتتعرض للتشويه من قبل وسائل الإعلام الدولية. ولكن هناك إدراك في بعض الأوساط أن تحسين الفهم يحتاج إلى أكثر من حملات العلاقة العامة. وقد عززت المملكة سمعتها المروعة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها من خلال حالات على شاكلة المدون الليبرالي «رائف بدوي» الذي حكم عليه بالجلد، والشاعر الفلسطيني «أشرف فياض»، الذي يواجه الإعدام بتهمة «الردة»، بينما يعتقد أصدقاؤه أنه يعاقب على نشر شريط فيديو على الإنترنت يظهر الشرطة الدينية في أبها تقوم بجلد رجل على الملأ.

الليبراليون مصابون بالفزع. القليلون يلومون الملك «سلمان» أو المحمدين (بن نايف وبن سلمان)، أو يتشككون في مطالبتهم بالسمع والطاعة. بدلا من ذلك، فإنهم يشيرون بأصابع الاتهام إلى القضاة المتعصبين. ووفقا لما قاله رجل أعمال في جدة رفض الكشف عن هويته فإن «بدوي هو مجرد قطعة عظم ألقيت من قبل حكومتنا من أجل استرضاء المحافظين».

المصدر | إيان بلاك/ الغارديان

  كلمات مفتاحية

السعودية الملك سلمان محمد بن نايف محمد بن سلمان انخفاض أسعار النفط الدولة الإسلامية

سيف «بن سلمان» ذو الحدَّين

السعودية في مواجهة تحديات كبرى

عام على البيعة.. «بن سلمان» يصفه بعام الحزم و«بن نايف» يشيد بحكمة الملك

«بن سلمان»: ندرس طرح أسهم «أرامكو» للتداول .. ونعتزم خصخصة التعليم والصحة

«فاينانشيال تايمز»: التناقض في سياسة التقشف السعودية

السعودية ونداء اليقظة .. هل يمكن أن تنجح خطط التغيير في المملكة؟

الملك «سلمان» يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية ووزيري دفاع إندونيسيا وماليزيا

«محمد بن سلمان» يلتقي نائب رئيس وزراء موريشيوس في الرياض

تحديات برنامج «التحول الوطني»

رجل «كل المهام»: «بلومبيرغ» تروي قصة صعود «محمد بن سلمان» ورؤيته للتغيير في المملكة

كيري: التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية» حقق نجاحات بفضل دور السعودية