رجل «كل المهام»: «بلومبيرغ» تروي قصة صعود «محمد بن سلمان» ورؤيته للتغيير في المملكة

الجمعة 22 أبريل 2016 09:04 ص

في بداية العام الماضي، في معسكر ملكي في واحة روضة خريم، زار الأمير «محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود» عمه، الملك «عبد الله»، في الأيام الأخيرة للملك قبل دخول المستشفى. الأمر الذي يجهله الجميع خارج بيت آل سعود، هو أنَّ الرجلين، الذي يصل فارق السن بينهما إلى 59 عامًا، يجمع بينهما تاريخ مليء بالمشاكل. الملك «عبد الله» منع ابن أخيه، الذي كان عمره 26 عامًا حينها، من أن تطأ قدمه وزارة الدفاع بعد أن وصلت شائعات للديوان الملكي أنَّ الأمير كان متعطشًا للسلطة. وبعدها، حدث تقارب بين العم وابن أخيه، وربط بينهما الاعتقاد المشترك بأنَّ المملكة العربية السعودية يجب أن تتغيّر بشكل جذري، وإلّا ستواجه الخراب في عالم يحاول إنهاء الاعتماد على النفط.

لمدة سنتين، وبتشجيع من الملك، كان الأمير يخطط بهدوء لإعادة هيكلة شاملة للحكومة والاقتصاد السعودي، بهدف تحقيق ما يسميه «أحلام جيله المختلفة» لمستقبل ما بعد الكربون. توفي الملك «عبد الله» بعد فترة وجيزة من زيارة الأمير «محمد» له في يناير/كانون الثاني عام 2015. بعدها، تولى والد الأمير «محمد»، الملك «سلمان»، العرش، وعيّن ابنه نائب وليًا لولي العهد وسمح له بسيطرة غير مسبوقة على النفط التابع للدولة، وصندوق الاستثمار الوطني، وشؤون السياسة الاقتصادية، ووزارة الدفاع. وهذه مسؤوليات أكبر من مسؤوليات ولي العهد، الرجل الوحيد الذي يسبقه في سُلم الخلافة. وعلى نحو فعّال، أصبح الأمير «محمد» اليوم هو القوة الدافعة وراء أقوى عرش في العالم. ويطلق عليه دبلوماسيون غربيون في الرياض اسم «السيد كل شيء» أي أنّه يتحكم بكل شيء وهو في سن 31 فقط.

ويقول الأمير «محمد»: «منذ الاثنا عشر ساعة الأولى، صدرت القرارات. في أول 10 أيام، أُعيدت هيكلة الحكومة بأكملها». وقد تحدث الأمير لمدة ثماني ساعات خلال مقابلتين في الرياض تقدمان لمحة نادرة عن تفكير ملك جديد في الشرق الأوسط؛ مالك يحاول محاكاة «ستيف جوبز»، معجب بألعاب الفيديو ويرى أنها اختراع مبهر، ويعمل 16 ساعة في اليوم في بلد لا يعاني نقصًا في المتبطلين ولا الوظائف السهلة.  

في العام الماضي، كان هناك حالة من الذعر بين مستشاري الأمير حين اكتشفوا أنَّ المملكة العربية السعودية تستنفذ احتياطياتها الأجنبية بشكل أسرع مما يعرف أي شخص، مع احتمال بإعلان الإفلاس بعد عامين فقط. وقد أدى تراجع عائدات النفط إلى عجز في الميزانية بقيمة 200 مليار دولار، وهذا يعطينا نظرة عامة على مستقبل لم تعد فيه السلعة التصديرية الحيوية (النفط) كافية لسد احتياجات المملكة، سواء بسبب سياسات الصخر الزيتي الذي أغرق السوق أو تغيّر المناخ. على مدار تاريخها، اعتمدت المملكة على قطاع النفط الذي يمثل 90 بالمائة من الموازنة العامة للدولة، وتقريبًا جميع عائدات صادراتها، وأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي.

في 25 أبريل/نيسان القادم، من المقرر أن يكشف الأمير عن «الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية» وخطته التاريخية التي تشمل تغييرات اقتصادية واجتماعية واسعة، من بينها إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، يمتلك أصول بقيمة أكثر من 2 تريليون دولار، أي ما يكفي لشراء كل من شركة آبل، وجوجل، ومايكروسوفت، وبيركشاير هاثاواي، أكبر أربع شركات في العالم. يخطط الأمير لعملية اكتتاب عام يمكن أن يبيع «أقل من 5 بالمئة» من شركة أرامكو السعودية، والتي ستتحوّل إلى أكبر كتلة صناعية في العالم. وسيقوم الصندوق بتنويع أنشطته في أصول غير نفطية، مما يضمن عدم اعتماد المملكة التام على النفط في الإيرادات. ومن الناحية الفنية، ستجعل التحركات الإنشائية من الاستثمارات مصدر دخل أساسي للحكومة السعودية، وليس النفط، كما يقول الأمير. «وبالتالي، في غضون 20 عامًا، سنكون دولة لا يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على النفط».

لمدة 80 عامًا، حدد النفط العقد الاجتماعي التي تعمل من خلالها المملكة العربية السعودية: حكم مطلق لأسرة آل سعود، في مقابل إنفاق سخي على 21 مليون مواطن. والآن، يطرح الأمير «محمد» صفقة جديدة. لقد خفض بالفعل الدعم الضخم على البنزين والكهرباء والمياه. وربما بفرض ضرائب ورسوم على القيمة المضافة على السلع الكمالية والمشروبات السكرية. وتهدف هذه التدابير وغيرها لتوليد 100 مليار دولار سنويًا من العائدات غير النفطية الإضافية بحلول عام 2020. وهذا لا يعني أن أيّام معونات الحكومة السعودية قد ولّت؛ إذ لا توجد خطط لفرض ضريبة على الدخل، وتخفيف العبء على ذوي الدخل المنخفض. كما يخطط الأمير لتقديم إعانات نقدية مباشرة. «نحن لا نريد ممارسة أي ضغط على المواطنين، بل نريد للضغط على الأثرياء».

لا يمكن أن تزدهر المملكة العربية السعودية مع الحدّ من حقوق نصف سكانها، وقد أشار الأمير إلى أنّه سيدعم المزيد من الحرية للنساء اللاتي لا يستطعن القيادة أو السفر دون إذن من أحد أقاربها الذكور. ويقول الأمير: «نؤمن أنَّ المرأة لديها حقوق في الإسلام لم تحصل عليها حتى الآن». وقد اجتمع ضابط عسكري أمريكي سابق بالأمير «محمد» مؤخرًا وقال إنَّ الأمير قال له إنّه على استعداد للسماح بقيادة المرأة للسيارة ولكنه ينتظر اللحظة المناسبة لمواجهة المؤسسة الدينية المحافظة التي تهيمن على الحياة الاجتماعية والدينية. وقال: «إذا سُمح للمرأة ركوب الجِمال [في عهد النبي محمد]، ربما علينا أن نسمح لهم بقيادة السيارات الآن، باعتبارها جِمال العصر الحديث». وبشكل منفصل، توقفت الشرطة الدينية في المملكة العربية السعودية من القيام باعتقالات عشوائية دون مساعدة من السلطات الأخرى. محاولات «اللبرلة» قد تهدّد الاتفاق الذي أبرمته أسرة آل سعود مع الأصوليين الوهابيين قبل جيلين، ولكن هذا النوع من المشاريع التي يريد أن ينفذها الأمير «محمد» من غير المرجح أن تحدث في بلد يفرض قيود كبيرة على النساء. اليوم، لا يهم كم الأموال الموجودة في الرياض، ربما يفضل المصرفيون وأسرهم البقاء في دبي.

لقد تفاجأ الكثير من السعوديين، الذين اعتادوا على رؤية مقاليد السلطة تُدار بعناية من قِبل أحفاد الملك المؤسِس للمملكة، من هيمنة الأمير «محمد» السريعة كالبرق على السلطة العام الماضي. صعود أمير من الجيل الثالث، حفيد مؤسِس المملكة،كان أمرًا مثيرًا للاهتمام لنصف سكان المملكة تحت سن 25، ولاسيما بين عدد متزايد من السعوديين المثقفين الذين يرون القيود المفروضة على النساء كعائق يحول دون أي تغيير حقيقي. وقد وصلت نسبة البطالة بين الشباب داخل المملكة إلى 30 بالمائة.

الإصلاحات الاقتصادية

لكن دعم الإصلاح هو شيء، والمعيشة هي شيء آخر. كان رد فعل الجمهور على الإصلاح الاقتصادي متحفظًا وغاضبًا في بعض الأحيان. هذا الشتاء، لجأ العديد من السعوديين إلى تويتر، وسيلتهم المفضلة لنشر خطاب غير خاضع للرقابة، للتعبير عن غصبهم إزاء ارتفاع وصل إلى 1000 بالمائة في فواتير المياه، واشتكوا أيضًا من احتمال بيع شركة أرامكو السعودية لتمويل أوهام استثمار من شاب ملكي.

ويقول «برجس البرجس»، المعلق الاقتصادي الذي ينتقد بيع أسهم شركة أرامكو: «كنا نطالب في السابق بتنويع مصادر الدخل بالإضافة إلى دخل النفط، وما نراه الآن ليس فقط عدم تنويع لمصادر الدخل، بل زيادة مخاطر للمصدر الأساسي للدخل … يا مجلسنا الموقر، بيع أجزاء من أرامكو سيدخل معنا شركاء طوال السنوات القادمة ولمدى الحياة، وهذا ليس تنويعًا لمصادر الدخل».

البرجس وغيرهم من المشكّكين السعوديين يؤمنون أنَّ المستثمرين سيطالبون تخفيضات كبيرة للاستثمار في أسهمها، ويخشون من أنَّ الدولة سيكون لها دائمًا أولويات أخرى لشركة أرامكو بالإضافة لتحقيقها أرباحًا مضاعفة ويتساءلون أيضًا لماذا يجب أن يثق السعوديون بقدرة مديرين غير مسؤولين لصندوق الثروة السيادية على جلب عائدات مرتفعة أكثر من المديرين التنفيذيين لشركة أرامكو.

حجم الشركة مذهل، أنّها منتج النفط رقم 1 في العالم، ولديها القدرة على ضخ أكثر من 12 مليون برميل يوميًا، أي أكثر من ضعفي أي شركة أخرى، كما أنّها رابع أكبر شركة لتكرير النفط في العالم. وعلاوة على ذلك، تسيطر شركة أرامكو على ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، بعد فنزويلا. ولكن على النقيض من شركة «بيلت أورينوكو» التي تبيع النفط بأسعار مرتفعة في فنزويلا، فإنَّ النفط في المملكة العربية السعودية رخيص ويمكن الحصول عليه بسهولة. أرامكو هي أيضًا واحدة من أكثر الشركات سريّة على وجه الأرض، ولا توجد أي تقديرات رسمية عن أداءها المالي.

من المحتمل أن يزداد اقتصاد المملكة العربية السعودية بنسبة 1.5 بالمائة في عام 2016، وهي أبطأ وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية، وفقًا لاستطلاع موقع بلومبيرغ، في ظلّ تراجع الإنفاق الحكومي، المحرك الرئيسي للاقتصاد، للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان. ولا تزال المملكة توظف ثلثي العاملين السعوديين، في حين يمثل الأجانب ما يقرب من 80 بالمائة من القطاع الخاص. وقد فشلت بعض محركات التنويع السابقة في المملكة العربية السعودية. مركز الملك «عبد الله» المالي، على سبيل المثال، الذي بدأ في عام 2006، وبلغت تكلفته 10 مليار دولار، لم يتم الانتفاع به بأي شكل، مجرد مركز يقع بين 70 مبنى، بما في ذلك خمس ناطحات سحاب جديدة من الزجاج والفولاذ. لقد ترك بعض عمّال البناء العمل في المشروع مؤخرًا، بدعوى أنهم لم يحصلوا على رواتبهم.

ويقول «كريسبن هاويس»، مدير إدارة المخابرات في مؤسسة «Teneo»: «في نهاية المطاف، الجميع يعرف ماذا تعني التركيبة السكّانية للمملكة العربية السعودية. هذه التركيبة السكانية لا تبدو ألطف الآن مما كانت عليه قبل 10 سنوات. ودون إصلاح اقتصادي حقيقي، فمن الصعب أن نرى كيف يستطيع الاقتصاد السعودي أن ينتج مستويات العمّالة التي يحتاجها».

لم يتحدث الأمير «محمد» بالتفصيل عن أي استثمارات غير نفطية مخطط لها، لكنه يقول إنَّ إنشاء صندوق سيادي عملاق سيتحد مع شركات الأسهم الخاصة لاستثمار نصف الحيازات في الخارج، باستثناء حصة أرامكو في الأصول التي ستنتج تدفقًا مستمرًا من الأرباح غير المتعلقة بالوقود الأحفوري. ويعلم الأمير أنَّ الكثير من الناس غير مقتنعين. وقال في منتصف الشهر الحالي: «هذا هو السبب في أنني أجلس معكم اليوم. أريد إقناع شعبنا بما نقوم به، وأريد أن أقنع العالم».

يقول الأمير محمد إنه اعتاد على مقاومة الأعداء البيروقراطيين الذين اتهموه مرة بالرغبة في الاستيلاء على السلطة أمام والده والملك «عبد الله». ويقول إنّه قرأ أعمال «ونستون تشرشل» وكتاب «فن الحرب» لصن تزو، وأنّه قادر على تحويل المحن لمصلحته. يمكن أن يصبح حديث الأمير مجرد كلام فارغ آخر إذا لم يكن لديه مسار واضح للسلطة أو التحدث بتلك الحرية بطرق تهزّ النظام العالمي السياسي النفطي.

الملك المحتمل للمملكة العربية السعودية في المستقبل يقول إنّه لا يهتم إذا ارتفعت أسعار النفط أو انخفضت. إذا ارتفعت، فهذا يعني المزيد من الأموال للاستثمارات غير النفطية، كما يقول. وإذا انخفضت، فإنَّ المملكة العربية السعودية، كمنتج للنفط بأقل تكلفة في العالم، يمكن أن تتوسّع في السوق الآسيوية المتنامية. كما ينكر الأمير عقودًا من عقيدة النفط السعودي باعتبار المملكة قائدة منظمة أوبك. وأوقف مقترح تجميد إنتاج النفط في اجتماع الموردين بقطر لأن الخصم اللدود إيران لم تشارك. ورأى مراقبون أنه تدخل نادر للغاية من قِبل أحد أفراد العائلة المالكة، وقد منح هذا التدخل التكنوقراط بوزارة البترول مجالًا واسعًا للمناورة في السياسة النفطية. ويقول الأمير: «نحن لا نهتم بارتفاع أسعار النفط، سواء وصلت إلى 30 دولارًا أو 70 دولارًا، لأن الأمر سيان بالنسبة لنا. هذه المعركة ليست معركتي».

المقابلة الأولى .. لقاء الفريق الاقتصادي

لمقابلة الأمير، لست بحاجة للحديث مع موظف الاستقبال، يبدأ الأمر في أحد فنادق وسط العاصمة الرياض، وانتظار مكالمة من مكتب بروتوكول القصر. انقضى مساء يوم 30 مارس في الاستعداد، وجاءت المكالمة في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً. وصلت سيارة الملك طراز مرسيدس بنز. وحتى أثناء التوجّه إلى مقابلة حول الادخار، ليس هناك حاجة إلى الظهور بمظهر التقشف: السيارات كانت فاخرة وجديدة، مع مقاعد ملفوفة بأحزمة أمان من البلاستيك لم تُستخدم مسبقًا.

اتجه الموكب إلى المجمّع الملكي في عرقة، مجموعة من القصور التي تحيط بها جدران بيضاء عالية حيث يعيش الملك وبعض أقاربه، بما في ذلك الأمير محمد. تجاوزنا الحرّاس المسلحين، ونقاط التفتيش، وأجهزة الكشف عن المعادن. لم يتحقق أحد من هوياتنا. في مكتبه، ارتدى الأمير محمد الثوب الأبيض ولم يضع أي شيء على رأسه، وهو وضع غير رسمي يتجنبه العديد من السعوديين عند نشر صور رسمية على الإنترنت. بدأت مناقشة مطولة، استمع فيها الأمير إلى الأسئلة باللغة الإنجليزية ورد باللغة العربية. وكان يصحح لمترجمه كثيرًا.

حينما حان وقت العشاء، انضم للصحفيين على الطاولة الفريق الاقتصادي للأمير، بما في ذلك رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، ورئيس الرقابة المالية، ورئيس صندوق الثروة السيادية. ومع تبادل أطراف الحديث أثناء تناول الطعام، طلب الأمير «محمد من محمد الشيخ»، خريج جامعة هارفارد والمستشار المالي والمحامي السابق في مؤسسة «Latham & Watkins» والبنك الدولي، أن يقدّم له معلومات محدثة عن الوضع المالي للمملكة العربية السعودية.

خلال الطفرة النفطية (2010-2014)، ارتفع الإنفاق السعودي. والمتطلبات السابقة بأن يعتمد الملك جميع العقود التي تتجاوز قيمتها 100 مليون ريال (26.7 مليون دولار) أصبحت أكثر مرونة، في البداية مع عقود بقيمة 200 مليون دولار، ثمّ إلى 300 مليون، ثمّ إلى 500 مليون، وبعد ذلك، يقول الشيخ، علّقت الحكومة القرار.

سأل أحد الصحفيين: ما هي كمية الأموال المهدرة؟

لاحظ الشيخ وجود جهاز تسجيل على الطاولة، فقال: «هل يمكنني إيقاف هذا؟»

رد الأمير «محمد»: «لا، يمكنك أن تتحدث وجهاز التسجيل مفتوح».

قال الشيخ، «أخمن أن هناك ما يقرب من 80 إلى 100 مليار دولار من الأموال المهدرة» في كل عام، أي ما يقرب من ربع الميزانية السعودية بأكملها.

فسأله الأمير«محمد»: «كم يفصل بين المملكة العربية السعودية وبين حدوث أزمة مالية؟».

قال «الشيخ»: «الوضع اليوم أفضل بكثير ولكن إذا سألتني قبل عام واحد فقط ربما كنت على وشك أن أصاب بانهيار عصبي». ثمّ روي قصة لم يسمعها أحد خارج الحرم الداخلي للمملكة. في الربيع الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أنَّ الاحتياطيات السعودية يمكن أن تكفي البلاد لمدة خمس سنوات على الأقل من انخفاض أسعار النفط، واكتشف فريق الأمير أنَّ المملكة تتجه مسرعة نحو الإفلاس. وفق مستويات الإنفاق الأخيرة في أبريل/نيسان، من المتوقع أن تفلس المملكة العربية السعودية في غضون عامين فقط، في أوائل عام 2017، هكذا يقول الشيخ. وتجنبًا لحدوث تلك الكارثة، خفض الأمير الميزانية بنسبة 25 بالمائة، وأعاد ضوابط الإنفاق الصارمة، واستغل أسواق الدين، وبدأ فرض ضريبة القيمة المضافة ورسوم أخرى. معدل استنفاد الاحتياطيات النقدية للمملكة العربية السعودية، 30 مليار دولار شهريًا خلال النصف الأول من عام 2015، بدأ في الانخفاض.

أنهى الشيخ تقريره المالي. وقال لك الأمير: «شكرًا لك».

المقابلة الثانية .. حول النشأة والأسرة

المقابلة الثانية، يوم 14 أبريل/نيسان، حدثت في مزرعة الملك سلمان في الدرعية، على مشارف الرياض. عندما توقف موكب سيارات المرسيدس بسبب الازدحام المروري، مكالمة هاتفية من المقعد الأمامي خلقت حراسة شرطية من العدم. اتجه الصحفيون إلى ممر ضيق يمتد على طول جدار مرتفع يشبه حصنًا من الطوب اللبن. يقع المبنى، حيث تتواجد مكاتب الملك «سلمان» وابنه، على قمة تلة صغيرة في قلب أراضي أجداد آل سعود.

هذه المرة تحدث الأمير عن نفسه. وقال إن هناك شيئين أثرا في شخصيته: التكنولوجيا والعائلة المالكة. كان جيله أول من استخدم شبكة الإنترنت، وأول من لعب ألعاب الفيديو، وأول من حصل على معلوماته من الشاشات. «نحن نفكر بطريقة مختلفة للغاية، حتى أحلامنا مختلفة».

والده قارئ نهم، ويحب أن يخص لأبنائه كتاب واحد في الأسبوع، ومن ثمّ يستجوبهم لمعرفة مَن الذي قرأ الكتاب. والدته، من خلال الموظفين التابعين له، تنظم دورات يومية ورحلات ميدانية وتجلب المثقفين لمناقشات تستمر ثلاث ساعات. وكان كلا الوالدين يحبان القيام بالكثير من الأمور. لقد كان التأخر عن تناول الغداء مع والده “كارثة”، كما يقول الأمير. وكانت والدته صارمة لدرجة «أنني وإخوتي كنا نفكر لماذا تعاملنا أمنا بهذه الطريقة؟ لم تكن تتغاضى عن أي من الأخطاء التي ارتكبناها». والآن يعتقد الأمير أن العقوبات التربوية من والدته هي التي جعلتهم أقوى.

الأمير لديه أربعة إخوة غير أشقاء أكبر منه يحترمهم جميعًا. أحدهم رائد فضاء كان على متن مكوك اكتشاف الفضاء، وهو أول عربي ومسلم يصل إلى الفضاء الخارجي. والآخر هو نائب وزير النفط. والثالث أستاذ جامعي يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة أكسفورد في العلوم السياسية، والرابع، توفي في عام 2002، بعد أن أسس واحدة من أكبر المجموعات الإعلامية في الشرق الأوسط. جميعهم عملوا بشكل وثيق مع الملك فهد لأنه كان شقيق والدهم، كما يوضح الأمير الذي يسمح لنا أن نرصد ونعيش أجواء الديوان الملكي.

رأى الأمير «محمد» نسختين محتملتين من نفسه: شخص يسعى وراء رؤيته الخاصة، وآخر يتكيف مع رؤية القصر الملكي. وقال «هناك فرق كبير. الأول، يمكنه تأسيس شركة مثل آبل، والثاني يمكن أن يصبح موظفًا ناجحًا. أمتلك عناصر أكثر بكثير مما كان يمتلكها ستيف جوبز أو مارك زوكربيرج أو بيل غيتس. إذا عملت وفق أساليبهم، ما الذي يمكن أن أؤسسه؟ كل هذه الأمور كانت تدور في رأسي عندما كنت صغيرًا ».

في عام 2007، تخرج الأمير «محمد» في جامعة الملك سعود وحصل على درجة البكالوريوس في القانون. ثمّ عُرض عليه العمل داخل المملكة. في البداية قاوم، وأخبر مدير مكتب الخبراء، وهو بمثابة المستشار القانوني لمجلس الوزراء، أنه سيتزوج ويحصل على درجة الماجستير في الخارج، ويصنع ثروته الخاصة. ولكن والده حثّه على منح العمل في الحكومة فرصة، وبالفعل فعل الأمير «محمد» ذلك منذ سنتين، ركّز خلالهما على تغيير بعض القوانين والأنظمة للشركات التي «كان على خلاف دائم معها». وقال رئيسه «عصام بن سعيد»، إنَّ الأمير أعرب عن انزعاجه ونفاد صبره من البيروقراطية. وأوضح «سعيد» الذي يعمل الآن وزيرا للدولة: «الإجراءات التي كانت تستغرق شهرين، كان يطلب إنجازها في غضون يومين. واليوم، يريد إنجازها في يوم واحد فقط».

خلافات مع الملك الراحل

في عام 2009، رفض الملك عبد الله ترقية الأمير «محمد»، من الناحية النظرية لتجنب ظهور المحسوبية. شعر الأمير بمرارة وذهب للعمل مع والده، حاكم الرياض آنذاك. دخل عش الأفعى. ويقول الأمير محمد إنّه حاول تبسيط الإجراءات للحفاظ على والده من الغرق في بحر من الأوراق، لكن الحرس القديم تمرد ورفض ذلك. واتهموا الأمير الشاب بمحاولة الاستيلاء على السلطة من خلال قطع اتصالهم مع والده وأخذ شكواهم إلى الملك «عبد الله». في عام 2011، عيّن الملك عبد الله الأمير سلمان في منصب وزير الدفاع لكنه أمر الأمير محمد بألّا تطأ قدمه الوزارة.

قلق الأمير من أن حياته المهنية قد انتهت. «قلتً لنفسي أنا في العشرينات، ولا أعرف كيف سقطت في فخ آخر». ولكن نظرًا لما انتهت إليه الأمور، قال الأمير أنه يشعر بالامتنان. «إنه من قبيل المصادفة أن بدأت العمل مع والدي لأن الملك عبد الله قرار عدم ترقيتي. رحمه الله، أسدى لي معروفًا».

استقال الأمير من منصبه الحكومي وذهب للعمل على إعادة تنظيم مؤسسة والده، التي تبني المساكن، وبدأ منظمته غير الربحية الخاصة التي تهدف إلى تعزيز الابتكار والريادة لدى الشباب السعودي. وفي عام 2012 أصبح والده وليًا للعهد. وبعد ستة أشهر، تمّ تعيين الأمير «محمد» رئيسًا للديوان الملكي. وتدريجيًا، تحسنت علاقته مع الملك عبد الله، وتولى مهام خاصة داخل الديوان الملكي تطلبت بذل المزيد من الجهد.

وزارة الدفاع

ومع بدأ الأمير بشكل خاص في التخطيط لتولي والده العرش في نهاية المطاف، كلّفه الملك بمهمة ضخمة: تنظيف وزارة الدفاع. لقد ظلت مشاكل الوزارة بلا حلول لسنوات عديدة، كما يقول الأمير. «قلتُ له: رجاءً، أنا لا أريد ذلك». صرخ الملك في وجهي وقال: «لا ألومك، بل ألوم نفسي لأني تحدثت معك». وكان آخر شيء الأمير يريده «محمد» في هذا الوقت هو استعداء الملك. أصدر الملك مرسومًا ملكيًا يعيّن الأمير مشرفًا على مكتب وزير الدفاع وعضو بمجلس الوزراء.

أحضر الأمير شركة «بوز ألن هاملتون» ومجموعة بوسطن للاستشارات وغيّر إجراءات شراء الأسلحة، والمقاولات، وتكنولوجيا المعلومات، والموارد البشرية، ويقول فهد العيسى،  مدير عام مكتب وزير الدفاع. أنه في السابق كانت الإدارة القانونية «مهمشة»، ونتج عن ذلك أن أصبحت العقود أكبر مصدر للفساد. لقد عزز الأمير الإدارة القانونية وأعاد عشرات العقود للفحص وإعادة النظر. وكانت العديد من صفقات شراء الأسلحة خاطئة وبلا هدف وتم فحصها بشكل غير مناسب. «نحن رابع دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، ولكن عندما يتعلق الأمر بنوعية الأسلحة، ندخل بالكاد ضمن أول 20 دولة على مستوى العالم»، هكذا يقول «العيسى». لذلك، أنشأ الأمير مكتبًا لتحليل وفحص صفقات الأسلحة.

قضى الأمير بضعة أيام في الأسبوع في قصر الملك «عبد الله». وحاول إجراء العديد من الإصلاحات الجديدة. ويقول: «كان من الصعب جدًا القيام بذلك في ظلّ وجود بعض الشخصيات. لكني أتذكر حتى يومنا هذا أنه لا يوجد شيء ناقشته مع الملك عبد الله ولم يصدر الملك قرارًا بتنفيذه».

العهد الجديد

بعد أقل من أسبوع على وفاة الملك «عبد الله»، تولى الملك «سلمان» العرش، وأصدر قرارًا بتعيين الأمير «محمد» وزيرًا للدفاع، ورئيس الديوان الملكي، ورئيس مجلس أنشأه حديثًا للإشراف على الاقتصاد. وبعد ثلاثة أشهر، استبدل الملك أخيه غير الشقيق كولي للعهد، رئيس المخابرات السابق الذي عُيّن نائبًا لولي العهد من قِبل الملك «عبد الله» قبل عامين فقط، ووضع ابن أخيه وابنه في خط الخلافة. وقد وافق على هذه الخطوة أغلبية مجلس البيعة لعائلة آل سعود. تمّ منح الأمير «محمد» السيطرة على شركة أرامكو السعودية بموجب مرسوم ملكي بعد 48 ساعة.

يقسّم الأمير «محمد» وقته بين قصور والده ووزارة الدفاع، والعمل من الصباح حتى بعد منتصف الليل في معظم الأيام. وتقول الحاشية المقربة منه إنَّ علاقته مع ولي العهد، «محمد بن نايف»، جيدة للغاية، ولديهم مخيمات متجاورة في البر. ويعقد الأمير «محمد» اجتماعات متكررة مع الملك ويقضي جلسات طويلة مع المستشارين والمساعدين منكبًا على البيانات الاقتصادية والنفطية. يحترم أيضًا الشخصيات الأجنبية والدبلوماسيين وهو المحرك الرئيسي لحرب المملكة العربية السعودية المثيرة للجدل في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وفيما يتعلق بحديث الأمير عن الادخار، لقد كلّفت حرب ثروة ضخمة. وقال الأمير: «نحن نعتقد أننا أقرب من أي وقت مضى إلى حل سياسي. ولكن في حال ساءت الأمور، نحن مستعدون».

في معظم الصباحات يوقظه أطفاله. لديه ولدين وبنتين أعمارهم ما بين عام إلى 6 أعوام. ويقول «في بعض الأحيان تغضب زوجتي مني بسبب الضغط عليها للعمل بالبرامج التي أريدها لأبنائي؛ فأنا أعتمد عليها في تربيتهم». الأمير «محمد» لديه زوجة واحدة فقط ولا يخطط للزواج بثانية، كما يقول. ويوضح أنَّ جيله لا يهتم بتعدد الزوجات. الحياة اليوم مزدحمة بالمشاغل وليست كما كانت في الماضي عندما كان يعمل المزارعون بضع ساعات في اليوم، ويأخذ المحاربون الغنائم مرة في الأسبوع، ويكون لديهم الكثير من الوقت. ويضيف الأمير: «العمل، والنوم، والأكل، والشرب لا يترك لنا الكثير من الوقت للزواج مرة ثانية. من الصعب العيش مع عائلة واحدة بالأساس».

في شخص الأمير «محمد»، قد تجد الولايات المتحدة حليفًا مناسبًا على المدى الطويل في منطقة تسودها الفوضى. بعد لقاء الرئيس «أوباما» الأمير في كامب ديفيد في مايو/أيار الماضي، قال إنه وجد الأمير «مطلعًا بشكل كبير، وذكيًا للغاية، وحكيمًا بشكل يتجاوز عمره». زار الأمير «أوباما» في البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول الماضي للتعبير عن رفضه الاتفاق النووي مع إيران، توسط الولايات المتحدة ومن المرجح أن يجتمعا أثناء زيارة الملك «سلمان» في الرياض.

في مارس/أذار الماضي، التقى السيناتور الجمهوري «ليندسي غراهام» بالأمير «محمد» في الرياض مع وفد من الكونغرس.  وكان يرتدي البشت والشماغ لكنه أسر إليه أنه يتمنى لو كان بوسعه لبس شيء آخر.  ويقول الأمير: «الملابس لا تصنع الرجال»، ويقول «غراهام»: «من الواضح أنّه يفهم ثقافتنا». ويقول «غراهام» إنّهم تحدثوا لمدة ساعة عن «العدو المشترك» لـ(إسرائيل) والمملكة العربية السعودية المتمثل في تنظيم «الدولة الإسلامية» وإيران، وعن الحداثة والإسلام، وبطبيعة الحال، التغييرات الاقتصادية الهائلة.  ويقول «غراهام»: «لقد كنت في حالة ذهول، لا أستطيع التعبير كيف كان اللقاء معه مريحًا للغاية. يرى محدودية الإيرادات أمامه، وبدلًا من الهلع، يبدأ في البحث عن فرص استراتيجية.  رؤيته للمجتمع السعودي هي أنه قد حان الوقت لنعطي الأقلية أقل والأكثرية أكثر؛ فأعضاء العائلة المالكة لديهم امتيازاتهم والآن عليهم القيام بواجبهم».

في النهاية، تغيير النظرة الملكية المتفائلة في بلد يعيش فيه الآلاف من آل سعود حياة مرفهة من خزائن الدولة لن يكون أمرًا سهلًا، لكنَّ الأمير «محمد» على استعداد للمحاولة، ويقول: «إن الفرص التي لدينا أكبر بكثير من المشاكل».

 

المصدر | بلومبيرغ/ ترجمة إيوان 24

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان التحول الاقتصادي انخفاض أسعار النفط الملك عبد الله

«الغارديان»: «بن سلمان» يقود الإصلاحات والحرب في عام مليء بالقلق والتغيير

«بن سلمان»: ندرس طرح أسهم «أرامكو» للتداول .. ونعتزم خصخصة التعليم والصحة

أميران يتمتعان بنفوذ كبير سيحددان مستقبل السعودية

«بلومبرج»: نجم ”الفتى الذهبي السعودي“ يتصاعد .. والمملكة تغير استراتيجيتها في المنطقة

«افعلها يا محمد بن سلمان».. سعوديون يرفعون أحلامهم لولي ولي العهد عبر «تويتر»

«دويتشه فيلله»: «بن سلمان» الأقوى في التنافس على السلطة بالأسرة الحاكمة

رجل كل المهام: حضور قمة العشرين الخطوة السياسية الأهم في مسيرة «بن سلمان»